اختلف الفقهاء المعاصرون في هذه المسألة على رأيين :

الرأي الأول : حرمة المساهمة ، والتعامل ـ بالبيع والشراء ونحوهما ـ في أسهم الشركات التي تتعامل مع البنوك الربوية مهما كان حجم تعاملها قليلاً ، ومهما كانت أنشطتها المباحة كثيراً ، وأغراضها الأساسية مشروعة ، وهذا رأي المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي بالأكثرية[1] ورأي جماعة من المعاصرين منهم : الدكتور علي السالوس ، والدكتور عجيل جاسم النشمي ، والدكتور صالح المرزوقي ، والشيخ خليل الميس ، والشيخ الصديق الضرير .

الرأي الثاني : جواز المساهمة ـ بشروط وضوابط ـ في الشركات التي أصل نشاطها حلال ولكنها تتعامل ، أو قد تتعامل ببعض المحرمات ، مثل الربا ، ونحوه ، وهذا هو رأي بعض الندوات الفقهية ، منها ندوة الأسواق المالية بالرباط بالمغرب في ربيع الآخر 1410هـ[2] وندوة البركة ، ومعظم هيئات الفتوى والرقابة الشرعية للبنوك والشركات الإسلامية ، وهو رأي أصحاب الفضيلة الشيخ مصطفى الزرقا والشيخ ابن عثيمين “رحمهما الله” والشيخ يوسف القرضاوي ، والشيخ عبدالله بن منيع ، والشيخ عبدالرحمن بن بسام ، والشيخ عبدالله بن بيه ، والشيخ تقي العثماني ،و الشيخ عبدالستار أبو غدة ، والشيخ وهبة الزحيلي ، والشيخ خالد المذكور ، وغيرهم.على تفصيل وتقييد نذكره عند استعراض آرائهم .

 

ولكن هؤلاء اختلفوا في الشروط والضوابط على آراء :

الفريق الأول : يرى هؤلاء جواز المساهمة والتعامل في هذه الشركات المذكورة آنفاً التي تتعامل مع البنوك الربوية إقراضاً واقتراضاً بفائدة إذا توافرت مجموعة من الشروط وهي:

  1. أن لا تزيد نسبة ديون الشركة (أي الذمة المدينة) ، ونقودها ، او أحدهما عن 50% من موجودات الشركة .

  2. أن لا تزيد نسبة قروضها (الذمة الدائنة) عن الثلث من موجودات الشركة .

  3. أن لا يزيد عنصر الحرام بالنسبة للأموال المستثمرة على الثلث عند بعض الهيئات ، وعن الربع عند بعض هيئات أخرى .

  4. أن لا تزيد نسبة الفوائد (أو المحرمات) عن 5% أو 10% من إجمالي الدخل والإيراد .

  5. أن يتخلص من النسبة الناتجة عن الحرام :

 كيفية التخلص من النسبة المحرمة :

وقد ذكرنا أن جميع المجيزين متفقون على التخلص من نسبة الفوائد التي اخذتها الشركة ، وصرفها في وجوه الخير ، غير أنهم اختلفوا في مدى وجوب التخلص من الربح الناتج بسبب القروض التي اخذتها الشركة ، وتجسد هذا الخلاف من الجانب العملي في آراء هيئات الرقابة الشرعية ، حيث يرى أكثرها وجوب التخلص أيضاً عن الكسب الناتج عن القروض التي حصلت عليها المؤسسة من البنوك الربوية ، حيث يجب التخلص من نسبة 50% من الربح الناتج عن تلك القروض ، وحتى تتضح الصورة أكثر نذكر بعض الفتاوى لهيئات الفتوى والرقابة الشرعية التي تدل على كيفية التطبيق والتخلص من النسبة .

 كانت الهيئة الشرعية بشركة الراجحي من أوائل المفتين في هذا الموضوع حيث صدرت الفتوى رقم 182 في 7/10/1414هـ جاء فيها : (وبناءً على هذا نقول : إن هذه الشركات المساهمة أصبحت حاجة ملحةلا مناص منها في الحياة المعاصرة لأي شعب وفي أي دولة تريد الاستفادة من منجزات العلم والصناعة والتقنية (التكنولوجيا) دون أن تبقى في مستوى الحياة البدائية وذلك من عمارة الأرض التي أمر بها الإسلام لصالح الإنسانية عامة .

 ولكن الواقع أن هذه الشركات تقوم اليوم في دول لا تتقيد في أنظمتها باجتناب التعامل مع المصارف التقليدية الربوية ، فتضع سيولتها المالية في تلك المصارف وتتقاضى عليها فوائد ربوية تدخل في مواردها وأرباحها كما تقترض في بعض الحالات ما تحتاج إليه من تلك المصارف لقاء فائدة تدفعها ، وتدخل تلك القروض في إنتاج ما تنتجه والربح الذي تحققه ، فالربا يدخل في بعض أعمالها أخذاً وعطاءاً ، وحينئذٍ يجب إيجاد حل لهذه المشكلة يكون مقبولاَ شرعاً بالنظر الإسلامي .

 وترى الهيئة الشرعية في هذه المشكلة أنه لا ينبغي أن يفتي الناس بتحريم تداول أسهم هذه الشركات بصورة مطلقة ، ولا ان تباح بصورة مطلقة ، بل يراعى في ذلك حاجتهم إلى هذه الشركات ، واقتناء أسهمها لا سيما الذين لا يجدون طريقاً آخر لاستثمار مدخراتهم الصغيرة ، وفي الوقت نفسه يجب استبعاد العنصر الحرام من أرباح هذه الأسهم وذلك يستلزم التمييز بين مختلف حالات شركات المساهمة وبيان حكم كل حالة ، وفقاً للتفصيل التالي :

أولاً : الشركات المساهمة التي يكون موضوع نشاطها الاقتصادي محرماً كشركات انتاج الخمور ،و شركات البنوك الربوية ، فهذه الشركات محرمة ، ويحرم امتلاك شيء من أسهمها وتداوله بين المسلمين والتوسط في ذلك كما تحرم أرباحها .

ثانياً : الشركات الأخرى التي يكون موضوع نشاطها حلالاً مباحاً ، كسائر المشاريع الانتاجية للسلع التي أشير إليها في مقدمة هذه القرار .

 وهذه يباح امتلاك أسهمها وتداولها وأخذ عائدات الأسهم من أرباحها ، ولكن بشرط أن يحسب مالك الأسهم ولو بصورة تقريبية ، احتياطاً لبراءة ذمته ، ما دخل على عائدات كل سهم من العنصر الحرام في ربحه فيفرز مقداره من عائدات الأسهم ، ويوزعه على أوجه الخير دون أن ينتفع به أية منفعة ، ولا أن يحتسبه من زكاته ، ولا يعتبره صدقة من حر ماله ، ولا أن يدفع منه ضريبة حكومية ولو كانت من الضرائب الجائرة الظالمة ، لأن كل ذلك انتفاع بذلك العنصر الحرام من عائدات أسهمه ، وإن حساب هذا العنصر ، ولا سيما بصورة تقريبية قد أصبح ميسوراً بالوسائل والأجهزة الحديثة والاستعانة بأهل الخبرة) .

 وقد استندت هذه الفتوى على عموم البلوى ، وعموم الحاجة ، ورفع الحرج ، والأدلة الدالة من الكتاب والسنة على دفع المشقة ، حتى صاغ الإمام السرخسي في ضوء تلك الأدلة قاعدة عن حكم عموم البلوى وهي : (ما لا يستطاع الامتناع عنه فهو عفو)[3] وكذلك شهاب الدين القرافي فقال : (قاعدة : كل مأمور يشق على العباد فعله سقط الأمر به وكل منهي عنه شق عليهم اجتنابه سقط النهي عنه)[4] ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية : (يجوز للحاجة ما لا يجوز بدونها ، كما يجوز بيع العرايا خرصاً بالتمر)[5] . 

 وسنة الرسول e تدل بوضوح على تخفيف عدد من الأحكام واستثناء جملة من المسائل عن أصل محظور ، بسبب الحاجة ، فقد ثبت في الصحيحين أن النبي e نهى عن قطع الشجر والحشيش في حرم مكة ، فقالوا إنهم يحتاجون إلى الأذخر لأجل سقوف بيوتهم فاسثناه لهم فقال : (إلا الإذخر) وفي رواية للبخاري : قال العباس : (إلا الإذخر لصاغتنا وقبورنا ، فقال (إلا) الإذخر)[6] .

  وثبت في الصحيحين أيضاً أن الرسول e نهى في أكثر من حديث عن بيع الرطب بالتمر ، وبيع التمر خرصاً وتخميناً ، ومع ذلك أجاز لأصحاب الحاجة بيع ما على النخيل من الرطب بتمر يخرص خرصاً في حدود خمسة أوسق ( أي حوالي667كغم)[7] وفي رواية صحيحة أيضاً عن سفيان بن حسين : ( العرايا تحل للماسكين فلا يستطيعون أن ينتظروا بها فرخص لهم أن يبيعوها بما شاؤوا من التمر)[8] فلننظر كيف راعى حاجة الناس ، بل رغباتهم في أكل الرطب وفي رواية أخرى عن زيد بن ثابت أن رسول الله e : (رخص في العرايا أن تباع كيلاً)[9] وفي ذلك استثناءان أحدهما استثناء عن النهي عن المزابنة وبيع التمر بالرطب ، والآخر استثناء عن النهي عن بيع الربويات خرصاً .

 ولذلك استخرج الفقهاء من هذه الأدلة وغيرها قواعد مهمة منها : (أن الحاجة في حق الناس كافة تنزل منزلة الضرورة في حق الواحد المضطر)[10] وقال ابن العربي المالكي : (ان اعتبار الحاجة في تجويز الممنوع كاعتبار الضرورة في تحليل المحرم)[11] .

 بل إن بعض كتب القواعد نصت على أن الحاجة مطلقاً تنزل منزلة الضرورة قال السيوطي : (القاعدة الخامسة : الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة ،….ومنها الأكل من الغنيمة في دار الحرب ، جائز للحاجة ، ولا يشترط للآكل أن لا يكون معه غيره)[12] ومن تطبيقات هذه القاعدة ما ذكره الإمام النووي رحمه الله من إباحة النظر إلى المرأة الأجنبية لمعاملة ، وشهادة ، وتعليم ونحوها بقدر الحاجة[13].

 ومن الأدلة على ذلك قاعدة الأصالة والتبعية ، وقاعدة الكثرة والغلبة ، إضافة إلى الاسئناس بإجازة الجمهور التعامل مع من غالب ماله حلالاً [14].

  وذكرت فتوى الهيئة الشرعية للراجحي رقم 182 ضوابط التعامل الآتية بأسهم هذه الشركات :

  1. أن لا يزيد العنصر الحرام في مجموع الأموال التي تستثمرها على الثلث أي 33,33% .

     وقد اعتمدت الهيئة على هذا التحديد بالثلث على الأدلة المعتبرة التي اعتمدت على الثلث كمعيار في التفرقة بين القليل والكثير .

  2. أن لا ينص في نظامها الأساسي على التعامل بالفوائد الربوية .

  3. أن يتخلص من الربح العائد على السهم من العنصر الحرام في حالة اقتراض الشركة بربا ما لا يزيد عن الثلث من مجموع الأموال التي تستثمرها بالطريقة الآتية : (إذا فرضنا أن رأس مال الشركة مليون ريال ، وقد اقترضت فوقه بالربا مائتي ألف ريال فأصبح ذلك يعني مليونا ومائتي ألف ريال ، جاء ربح السهم مائة وعشرين ريالاً ، فإن ذلك يعني أن الكسب قد نشأ عن العمل ورأس المال ، ومنه المبلغ المقترض .

 وبما أن الربح ينتج من عنصرين هما رأس المال والعمل ، وإن الخبث في ربح السهم إنما جاء من الجزء المأخوذ بالربا أما العمل فهو مباح في ذاته ، ونتيجة ذلك أن يقسم ربح السهم نصفين : نصفه من العمل المباح ونصفه الآخر من جزء رأس مال السهم ذلك الجزء المأخوذ بطريق الربا المحرم ، ومقدار ذلك الجزء هو السدس في الصورة المذكورة ، فيكون نصف سدس السهم وقدره عشرة ريالات خبيثاً) .

 هذا في حالة اقتراض الشركة من البنوك الربوية أي أنها تعطى الفائدة ، أما في حالة إيداع فلوسها في البنوك الربوية بفائدة ، فإن على المساهم أن يتخلص من النسبة الموازية لها من كل سهم مع ملاحظة هذه الحسبة قبل المصاريف ، فلو فرضنا أن الشركة رأس مالها مائة ألف ريال ـ مثلاً ـ وربحت من الأنشطة المشروعة عشرة آلاف ريال ، وحصلت على ألف ريال من الفوائد فإن هذا يعني أن نسبة 10% من الربح يجب التخلص منها دون النظر إلى المصاريف التي صرفت .

 وجاءت فتوى هيئة الفتوى والرقابة الشرعية[15] لشركة التوفيق والأمين الصادرة بشأن الاسهام في الشركات المساهمة العالمية في 28 رجب 1414هـ ـ 10/1/1994م فقسمت الشركات حسب أغراضها : ((

  1. إما أن يكون غرضها الأصلي حراماً مثل البنوك الربوية ، …وشركات التأمين التقليدية ، وشركات إنتاج الخمور…فهذه لا يجوز تملك أسهمها ، ولا تداولها ببيع أو شراء أو وساطة .

  2. وإما أن يكون غرضها الأصلي مباحاً ، مثل شركات التجارة في المباحات أو صناعتها أو زراعتها أو تسويقها أو الخدمات المتعلقة بذلك فهذا النوع من الشركات لا يخلو أمره من أحوال :

  • إما أن يكون منصوصاً في نظامها على أن لها أن تتعامل في الأنشطة المحرمة التي سبقت الإشارة إليها ، أو أن تولد شركات فرعية مخصصة لتلك الأنشطة المحظورة ، فإن كانت زاولت بالفعل هذه الأنشطة ( ويعرف ذلك من تقاريرها السنوية وميزانياتها المالية) فحينئذ لا يجوز تملك أسهمها ولا تداولها ببيع أو شراء او وساطة .

     وإن لم تكن زاولت شيئاً من هذه الأنشطة المحظورة فيجوز تملك أسهمها مع مراعاة مراقبة تصرفاتها المستقبلية بحيث يتم التخلص مما يمتلك من أسهمها إذا ما أقدمت على مزاولة هذه الأنشطة المحظورة المنصوص عليها في نظامها.

  • وإما أن لا يكون في نظامها نص على إمكانية التعامل في الأنشطة المحرمة ، ولكن وقع منها هذا التعامل ، فإن كان حجم النشاط المحرم قليلاً بحيث لا يزيد عن الربع25% فبناءً على القواعد العامة في أن الحكم للأغلب وللأعم ، وإنه يغتفر في التابع ما لا يغتفره في المتبوع ، وإنه يجوز تبعاً ما لا يجوز استقلالاً ، وأن الربع يعتبر في بعض التطبيقات الشرعية قليلاً فإنه لا يظهر لنا مانع من تملك أسهمها ، مع ان الأولى ترك ذلك احتياطاً للتقوى ، ويحرم تملك أسهم شركات يزيد حجم أنشطتها المحرمة عن هذه النسبة .

     وفي حال تملك أسهم شركات ذات غرض مشروع وأنشطتها مباحة باستثناء ما لا يزيد عن هذه النسبة فإنه يجب التخلص من العائد الناشء من هذه الأنشطة المحظورة .

  • ثم هناك حالة إيداع الشركة فائض أموالها في البنوك الربوية ، وقد صدرت في شأن تملك أسهمها التوصية الثامنة في الحلقة الفقهية الأولى للبركة حيث ذهب أكثر المشاركين إلى أنه يجوز تملك أسهمها بشرط احتساب النسبة العائدة للبنك من التعامل بالفائدة واستبعادها من أرباح البنك ، وذلك بصرفها في أوجه الخير .

  • وهناك حالة اقتراض الشركة أموالاً من البنوك الربوية ، مهما كان الدافع لهذا الاقتراض ، وقد صدرت في شأن تملك أسهمها التوصية الثانية عشرة في الحلقة الفقهية الثانية للبركة ، ونصها : ” إذا ارتفعت قيمة أسهم شركة تقترض أحياناً بالربا إلى جانب رأسمالها ، وكان الارتفاع ناشئاً عن القروض الربوية والجهد التشغيلي ، فعند بيع السهم يجب التخلص مما نتج عن تلك القروض الربوية من الريع وارتفاع قيمة السهم وذلك بمقدار يتناسب مع أثر هذه القروض في ارتفاع القيمة ، وفقاً للمعايير المحاسبية المتاحة ، علماً بأنه لا يجوز لهذه الشركات أن تتعامل بالربا أخذا ولا إعطاء” .

 وهناك من الفقهاء المعاصرين من يرى أن الأموال المقترضة بالفائدة قد دخلت في ضمان الشركة المقترضة “ولو كان الاقتراض حراماً والفائدة المدفوعة محرمة أيضاً ” ربما أن الريع حصل من مال مضمون ، فإنه يكون للمقترض الضامن له ، ولا يرى هؤلاء الفقهاء وجوب التخلص من ريع الأموال التي تقترضها الشركة .

 والرأي الذي نراه محققاً للمصلحة والعدل معاً هو النظر إلى ان العائد قد نشأ نتيجة المال المقترض والجهد المبذول من الشركة،وعليه فإنه يتخلص من نصف العائد 50% المتحقق من المال المقترض،فيكون ما يجوز تملكه منه هو ما يخص العمل،وهو النصف،ويتخلص مما يخص الاقتراض بسبب حرمة هذا التصرف ولو دخل القرض في ضمانه .

 ويستأنس لهذا الرأي بفعل عمر رضي الله عنه بمشورة بعض فقهاء الصحابة في تمليك ابنيه نصف الربح الناشىء من استثمارها للمال الذي كان بيدهما أمانة لنقله إلى بيت المال في المدينة ، حيث يشبه التصرف المحرم بالاقتراض بالفائدة ذلك التصرف بالتعدي على الأمانة واستثمارها بدون إذن ، مع أن المال في الحالين دخل في ضمان من هو بيده ، والله أعلم والحمد لله رب العالمين وصلاته وسلامه على سيد المرسلين وآله وصحبه أجمعين)) .

 

الخلاصة : هناك حالتان :

الحالة الأولى / حالة الإقراض بفائدة :

 أي أن الشركة تدع فلوسها لدى البنوك الربوية ، وتتسلم فوائدها ، ففي هذه الحالة لا خلاف بين الفقهاء في وجوب التخلص من هذه النسبة المحرمة ، ونكون أمام أحد الاحتمالين :

الاحتمال الأول : أن يصبر المساهم حتى توزع عليه أرباح أسهم تلك الشركات ، وحينئذٍ فالأمر سهل ، حيث يجب عليه التخلص من النسبة المحرمة (المقابلة للفائدة او نحوها) فلو كانت نسبة الفوائد المحرمة إلى إجمالي الإيرادات هي 5% فيجب عليه ان يتخلص من تلك النسبة ، وهنا لا بد أن يلاحظ أنه لا يكتفي في هذه الحالة بالتخلص من 5% من أرباحه التي قبضها وتسلمها ، لأن الأرباح الموزعة فعلاً على المساهمين لا تمثل كل الأرباح فهناك أرباح دخلت في الاحتياطات والمخصصات ـ كما هو معلوم ـ كما أن هذه النسبة من إجمالي الإيرادات قبل المصاريف ، وليس من صافي الربح المحقق ، مع أن الواجب هو صرف تلك النسبة قبل احتساب المصاريف ، فمثلاً لو أن الفوائد المحققة هي عشرة آلاف دولار ، والإيرادات الأخرى (قبل المصاريف) هي مائة ألف دولار ، وهذا يعني أن النسبة التي يجب التخلص منها هي 10% مع أن الربح الصافي بعد المصاريف هو خمسون ألف دولار

 وفي رأيي هناك وسيلة أخرى للاحتساب أسهل من الوسيلة السابقة ، وهي احتساب نسبة الفوائد المحرمة حسب موجودات الشركة ، وبالتالي نسبته من السهم ، فمثلاُ لو أن موجودات الشركة هي تسعون ألف ريال مقسمة إلى تسعة آلاف سهم ، كل سهم عشرة ريالات ، والأرباح هي عشرة آلاف ريال ، والفوائد هي ألف ريال ، فتحسب أن موجودات الشركة هي مائة ألف ريال ، وان نسبة ألف ريال إلى مائة ألف ريال هي 1% أي كل سهم يجب التخلص من عشرة دراهم (على أن أساس كل ريال مائة درهم) .

الاحتمال الثاني : قيام الشخص بشراء الأسهم ثم بيعها مباشرة ، او بعد فترة ولكن قبل توزيع الأرباح ، وهذا الاحتمال له حالتان أيضاً :

الحالة الأولى : أن يمضي وقت مثل شهر أو شهرين ، فحينئذٍ يجب التخلص من نسبة الفائدة ملاحظاً فيه الزمن، فلو مضى شهر مثلاً وكانت نسبة الفوائد إلى الإيرادات 12% مثلاً فيجب التخلص من 1% ، ولو كان شهران لوجب 2% وهكذا سواء ربح المشتري أو خسر ، لأن هذه النسبة في مقابل تلك الفائدة التي هي جزء من السهم .

 ولذلك فالطريقة التي اقترحتها هي الأفضل في هذه الحالة ، وهي ملاحظة نسبة الفائدة المحرمة إلى موجودات السهم ، فتظهر النسبة المحرمة من السهم نفسه فتكون في المثال الذي ذكرناه في الاحتمال 1% من قيمة السهم أي عشرة دراهم لكل سهم .

الحالة الثانية : أن لا يمضي زمن بأن يشتريه اليوم ويبيعه في اليوم نفسه ، فهنا اختلف المجيزون ، فمنهم من قال : لا يجب عليه التخلص من أي شيء ، لأن الفوائد معتبرة بالزمن المعقول ، فلم يمض عليه زمن تحسب عليه الفائدة ، وبالتالي فلا يجب عليه التخلص من أي شيء .

 والذي أراه راجحاً في الحالتين السابقتين هو أن المشتري يجب عليه التخلص من نسبة الفوائد لتلك الشركة من بداية السنة المالية إلى يوم شرائه دون النظر إلى مدة الزمن الذي ظل السهم عنده ، وذلك لأن التأصيل الشرعي لهذه المسألة هي أن السهم هو الحصة السابقة من كل موجودات الشركة بما فيها تلك الفوائد المحققة لها ، وبالتالي فإن المشتري قد اشترى حصة فيها حلال وفيها حرام ، فصح في الحلال ، وبطل في الحرام (الذي هو الفائدة) وحينئذٍ يكون ذلك الحرام واجب التخلص منه مع قطع النظر عن الزمن الذي بقي عنده ، كما أن الراجح هو الطريقة الحسابية التي رجحناها وهي النظر إلى نسبة تلك الفوائد من السهم ـ كما سبق ـ

 وهنا قد يثور التساؤل حول أن هذه الطريقة التي رجحتها قد تؤدي إلى تكرار التطهير والتخلص من تلك النسبة أكثر من مرة ، فمثلاً لو أن شخصاً آخر اشترى تلك الأسهم ،ثم باعها ، ثم شخص ثالث ، وهكذا فهل يجب على الجميع التخلص من نسبة الفوائد ؟

 فإن قلنا : نعم ـ كما تقولون ـ فيؤدي ذلك إلى تكرار التطهير ؟ومن المعلوم أنه لا ثنى في الزكاة .

 للجواب عن ذلك نقول : إن هذا التطهير (أو التخلص) لم يتكرر بالنسبة لشخص واحد ، وإنما بالنسبة لأشخاص آخرين ، وبالتالي فلم يتحقق التكرار ؛ لأن التكرار إنما يتحقق بالنسبة لذمة واحدة ، فمثلاً لو أن شخصاً دفع زكاة ماله بالكامل ثم أهداه إلى شخص آخر له نصاب ثم حال عليه الحول فإن كثيراً من الفقهاء يرون وجوب الزكاة على الشخص المهدى إليه بحسب حولـه ، دون حول المعطي[16] وبالتالي فلا ينطبق عليه الثنى في الزكاة مع انه لا علاقة تجمع مسألتنا هذه بمسألة الزكاة .

 ومن جانب آخر فإن السهم من المثليات التي لا تتعين بالتعيين (كما ذهب إلى ذلك بعض الفقهاء)[17] ويترتب على ذلك أن السهم الذي اشتراه أحد هو الحصة الشائعة من موجودات الشركة أي واحد من مائة ألف فيما لو اعتبرنا أنها تساوي مائة ألف مثلاً

 

التخلص من نسبة من أرباح الصفقة :

 لو أن المساهم قد باع أسهمه في أي وقت وربح فيها ، أو أن المشتري بقصد التجارة والاسترباح باع أسهمه فوراً ، وربح فيها ، فهل عليهما تطهير جزء من الأرباح أيضاً ؟

 للإجابة عن ذلك أنه أولاً يجب التخلص من النسبة المقابلة للفائدة في جميع الأحوال على التفصيل السابق .

 وأما التخلص من نسبة من الأرباح المحققة بمقدار الفائدة محل خلاف ، فمنهم من يرى وجوب ذلك لأنها في مقابل أن هذه الأرباح لم تتحقق إلاّ لأسباب تعود بعضها إلى نسبة هذه الفوائد التي تزيد من الأرباح ؟ ومنهم من يقول تقسم الأرباح الناتجة من هذه النسبة إلى قسمين متناصفين ، نصفها يعود إلى العمل ، ونصفها يعود إلى الفائدة .

 فمثلاً لو أن صاحب السهم الذي اشتراه بعشرة ريالات باعها بعشرين ريالاً ، وقلنا بأن نسبة الحرام (الفائدة) من هذا السهم هو 1% فإن نسبة الربح المقابلة لها هي ريالان يجب التخلص منهما فلو قلنا بالتقسيم بين العمل والمال لوجب التخلص من ريال واحد ،  وهكذا.

 وتساهل بعض المجيزين فلم يشترط التدقيق التام ، واكتفى بأن يكون ذلك بطريقة حسابية تقريبية (الأستاذ الزرقا) أو بما يظن انه يعادل ما نشأ من التعامل بالفائدة[18] ونحن لسنا مع هذا ، لما ذكرناه .

 

الحالة الثانية / حالة الاقتراض بفائدة :

 أي أن الشركة تستقرض مبالغ من البنوك الربوية بفائدة ، أي أن الشركة تدفع الفائدة وتستفيد من هذه القروض لتنفيذ خططها وبرامجها وتطوير إدارتها .

فهل في هذه الحالة يجب على المساهم أو المشتري أن يتخلص من شيء ؟

للإجابة على ذلك هناك احتمالان أيضاً :

الاحتمال الأول : إبقاء الأسهم دون بيعها ، وإنما الاستفادة من أرباحها الموزعة ، ففي هذه الحالة اختلف المعاصرون فمنهم من يقول إنه لا يجب التخلص إلاّ من نسبة الفوائد حسب التفصيل السابق وذلك ؛ لأن الشركة قد قبضت هذه الديون وتملكتها ، وبالتالي فلا يجب عليها التخلص من أية نسبة ، وذهب الأكثرون إلى وجوب التخلص من 50% من الأرباح المحققة بسبب تلك الديون ، فمثلاً لو أن رأس مال الشركة مائة ألف واستقرض ما~ة ألف ثم ربحت عشرين ألف ، فإن نسبة الربح إلى المال هو 10% ، ولكن هذه النسبة تقسم بالنسبة للمائة المستقرضة على اثنين فيكون الواجب هو 5% بالنسبة للمائتين هي 2,5% وبالتالي فيجب التخلص من 2,5% .

الاحتمال الثاني : هو بيع الأسهم بأرباح ، ففي هذه الحالة اختلف الفقهاء المعاصرون ، حيث يرى بعضهم عدم وجوب التخلص من أية نسبة من هذه الأرباح (سوى الذي ذكرناه في الحالة الأولى) وقد ذكرت الفتاوى التي ذكرناها فيما سبق الدليل على ذلك .

 ويرى آخرون (وهم الأكثرية) وجوب تقسيم الأرباح المحققة المقابلة للحرام على العمل ورأس المال ـ كما ذكرته فتوى الراجحي ، وصندوق التوفيق، وكما ذكرته في الاحتمال الأول .

 

الفريق الثاني : يرى جواز المساهمة في الشركات المذكورة سابقاً بشرط أن لا ينص نظامها الأساسي على أن من أغراضها الاقتراض أو الاقراض بفائدة ، او التعامل بأي محرم مثل الخنزيز ، إضافة إلى ضرورة كون المباح هو الأصل الغالب ، وضرورة التخلص من نسبة الحرام .

 أما إذا نص نظامها على أن من أغراضها التمويل بفائدة ، أو التعامل مع أي محرم ، فهذا غير جائز ، وذلك لأن هذا النص يجعل كل من يساهم قد يدخل مع وجود شرط فاسد يجعل العقد نفسه فاسداً ، وهذا هو رأي فضيلة الشيخ عبدلله بن بيه وفتوى الهيئة الشرعية للراجحي فتوى رقم “182” ، وهو الراجح عندي في بحث قدمته إلى ندوة البحرين عام 1991م ، وعلى هذا كانت الفتوى الأولى لشركة الأولى في البحرين[19] حيث ذكرت ضمن ضوابط الاستثمار(1/3) أنه في حالة تعدد أغراض الشركة يجب أن لا تكون بعض أغراض الشركة محرمة “كالشركات التجارية التي تتاجر بسلع بعضها حلال وبعضها حرام مهما كانت نسبة الأنشطة غير المشروعة ، حيث تعتبر الشركة ذات غرض غير مشروع ، على أن إيداع الشركة أموالها لدى البنوك الربوية ، او اقتراضها منها ـ بالرغم من تحريم هذين التصرفين ـ لا يجعل الشركة ذات غرض غير مشروع ، ولكن يترتب على هذين التصرفين المحرمين بعض الأحكام الشرعية التي سيأتي بيانها مع وجوب الإنكار والعمل على منع ذلك .

 هذا ولا يؤثر على مشروعية غرض الشركة (الذي هو تأجير المسكن مثلاً) ما يقوم به المستأجرون من تصرفات شخصية محرمة في المساكن وكذلك الحال في قيام بعض شركات الطيران بتقديم الخمور او الخنزير مع وجبات الطعام للركاب ، أو بيعها ، لأن ذلك من التصرفات التابعة المنسوبة للقائمين بها ، ولا تؤثر على المقصود الأصلي من النشاط وهو نقل الركاب[20] .

 بل أكثر من ذلك فإن ضوابط الاستثمار (المذكورة) اشترطت أن لا تكون الشركة المستثمر فيها تملك أسهم شركات غرضها الأساس محرماً مثل البنوك الربوية فنصت في 1/4/1 على أنه : (إذا كانت الشركة المستثمر فيها تملك أسهماً في شركات غرضها الأساسي غير مشروع..فإن ذلك يؤخذ بالاعتبار في عدم مشروعية الغرض الأساسي للشركة المالكة للأسهم المذكورة..) .

1/4/4 ـ ومما سبق يتبين أنه لا يجوز الاستثمار في أسهم شركات يكون بين أنشطتها بنوك تقليدية “مثلا” …)[21] .

 ويقول فضيلة الشيخ عبدالله بن بيه[22] : (إن هذه الشركات لا تخلو من أن يكون نظامها ينص على تعاملها بالحرام ، كأن ينص مثلاً على استثمار بعض عائداتها في البنوك الربوية…أو في مصانع الخمور أو أنشطة القمار ، أو لا ينص على ذلك صراحة….) .

 ثم بدأ الشيخ بالتفصيل في بيان حكم كل نوع فقال : (إن الاشتراك في شركة تنص قوانينها على أنها تتعامل بالربا لا يجوز ، وكذلك التي ي