أيها الإخوة المؤمنون

لقد تحدثنا في الخطبة السابقة عن خطورة الكذب، سواء كان هذا الكذب على الله سبحانه وتعالى، وهو الافتراء العظيم، أو كان هذا الكذب على رسول الله  ، أو كان الكذب مع الناس، حتى الحيوانات، فقد حرم الله سبحانه وتعالى هذه الصفة الدنيئة، التي لا تليق بالإنسان المسلم، ولا بالإنسان الشهم، لأنه يتعارض مع الفترة السليمة.

اليوم نكمل الموضوع من خلال الحديث عن الكذب في التعامل مع الناس، التعامل اليومي مع الناس، سواء كان هذا التعامل يتعلق بجانب المعاملات المالية كالبيع والشراء والإجارة وتأجير خدمات الأشخاص فيما يتعلق بالعمال والعاملات والخدم، أو كان هذا الكذب في التعامل مع بقية أنواع العقود، أو كان هذا التعامل في حالات الزواج، أوبين الزوج والزوجة، أوداخل الأسرة المسلمة، وغير ذلك من التعامل اليومي الذي يجب أن يكون هذا التعامل اليومي مع الناس في نظر الإسلام قائماً على الصدق والشفافية، وعلى البيان والوضوح، وأن أي عمل يخالف هذه المبادئ الأساسية يعتبر محرماً في الإسلام، ويوصل صاحبه إلى النار، كما قال الرسول  حينما حذر من الكذب وقال “وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً” فحينما يكتب عند الله كذاباً حينئذ يدخل في قول سبحانه وتعالى “كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون” وعلماؤنا قالوا: حينما يقع الإنسان في خطيئة، أو في معصية، تكون هناك نكتة سوداء على قلب الإنسان المعنوي، ثم بعد كذبة أو معصية أخرى كتبت أو عملت نكتة أخرى حتى تسّود القلوب، فإذا وصلت الأمور إلى هذه المرحلة، وهي مرحلة خطيرة جداً، ليس بعيداً ألا يكون لمثل هؤلاء حسن الخاتمة، ونسأل الله لي ولكم حسن الخاتمة، لأنه هو الأساس في تعاملنا وآمالنا وفي دنيانا لآخرتنا التي نريد من  الله سبحانه وتعالى أن يختم أعمالنا بما يحبه ويرضاه.

هذه القضايا قد تكون سهلة قد يستصيغها الإنسان، وقد يتساهل فيها الإنسان، ولكن الإنسان قد يتكلم بكلمة، كما ورد في بعض الآثار، لا يلقي لها بالاً ولا يهتم بها، ولكن الله سبحانه وتعالى يكتب عليه هذه الكلمة، فتؤدي الكلمة الواحدة أن يبعدك الله سبحانه وتعالى عن الجنة سبعين سنة، أو يدخلك الله في بعض الأحيان إذا كانت الكلمة خطيرة ولها آثار سلبية، في النار سبعين سنة.

سبعون سنة في النار، وسبعون سنة بعداً عن الجنة في مقابل كلمة لا تلقي لها بالاً، ولذلك يجب أن نربي وأن نروض أنفسنا وأولادنا ومن في أيدينا على خطورة اللسان، كما فعله الرسول  حينما نصح معاذاً، وأخذ لسانه بيده المباركة، وقال “كف عليك هذا “، واستغرب معاذ أن يهتم الرسول  كل هذا الاهتمام باللسان، لذا قال معاذ “أإنا لمؤاخذونا بما نتكلم به فقال له : « ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِى النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ”

إذاً القضية هي قضية الضبط، وأن نتحكم في لساننا، علماً أن الله جعل أن لا ينطق اللسان إلا بعد مجموعة من التصرفات والإرادات، فلا يمكن للسان أن يتكلم أو ينطق بذاته إلا والقلب قد تفاعل، وظهرت الإرادة والعزيمة، إذاً لهذا القول خطوتان: الخطوة الأولى أن يكون القلب تفاعل مع هذه القضية سواء كانت القضية كذبا أم صدقاً، ثم بعد ذلك القلب يريد ثم يطيعه اللسان، ولكن رغم ذلك لا يستطيع اللسان أن يتكلم أي كلمة إلا إذا قام الإنسان فعلاً بفتح الأسنان والشفتين حتى تطلع هذه الكلمة من لسانك، وعلى عكس السمع فإن الإنسان يسمع سواء شاء أم لم يشأ وعلى العكس العين فإنك ترى وأنت ماشي لذا النظرة الأولى لك والثانية عليك أما اللسان فلا يمكن أن يتكلم إلا بعد أربع حركات أساسية وتهيئة أربع وسائل لكي تتكلم ومع ذلك أنك تتكلم ولا يهمك أن هذه الكلمات قد تؤدي بالناس إلى الفتنة أو مشاكل لا تحمد عقباها لا لدنياك ولا لآخرتك.

كلما أولينا العناية بضبط اللسان وضبط الجوارح كلما كان دليلاً على التزامنا الإسلامي، بل أكثر من ذلك دليلاً على التزامنا الإنساني كذلك، ونستطيع أن نتحكم في أنفسنا، ومن لا يستطيع أن يتحكم في نفسه وجوارحه، فهو ليس بإنسان، وليس له عقل وإرادة، وأقصد الحيوانات والجمادات، فليست لهذه الأشياء مؤاخذة أو ليست مكلفة، ولكن نحن لدينا عقل وإرادة فلم لا نضبط أنفسنا، لذلك هو قلة في عملية الضبط العقلي، والعقل سمي عقلاً لأنه يمنع، كما كانت العقال تمنع الإبل من الحركة، وإذا لم يمنعك عقلك وإنما لسانك مفتوح على كل شيء وجوارحك مفتوحة على كل شيء فليس لك عقل حقيقي، وإنما تكون من الذين وصفهم الله سبحانه وتعالى ( إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل) لأن الأنعام ليست مكلفة وليست لديها الإرادة وليست لديها الاختيار والعقول الناطقة المدركة، هذه نعمة عظيمة التي منحها الله سبحانه وتعالى للإنسان، وجعلها من مميزات الإنسان، لذا يكون الإنسان معاقباً مرتين: مرة من جانب العقل والشرع، ومرة من جانب العقل والإرادة والاختيار.

تربيتنا الأساسية في داخل البيت لها تاثير لو كان الآباء والأجداد والأمهات والإخوة الكبار يضبطون الأولاد منذ الصغر على الصدق، وعلى أن لا يكذبوا، وأنهم أيضاً يمثلون القدوة فلا يكذبون أمامهم، حينذاك ينشأ الولد على الصدق مهما كان، بل لا يتعود على الكذب، وحينما يتعود على الكذب في داخل البيت حينئذ يستصيغ ويسترسل في هذه الأنواع من الكذب، وحينئذ يتربى على هذه التربية السيئة كما قال الرسول  في أثر الأسرة وأثر الأبوين ( كل مولود يولد على الفطرة  فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) فحينما نفسد هذه الفطرة السليمة تكون الكارثة، وإصلاح الفطرة السقيمة المريضة المعيبة ليست سهلاً، وإنما يحتاج إلى وقت، لذا نحن نتحمل المسؤولية من أول يوم يكون لدينا أولاد ذكوراً كانوا أو إناثاً أو يكون لدينا أخوات داخل الأسرة فكلنا مكلفون أمام الله لتنشئة هؤلاء الأطفال ومسؤولون حتى عن الخدم أمام الله لأن ننشئهم نشئة الصدق وعلى الفطرة السليمة.

أسمع وأقرأ شكاوى كثيرة عن الكذب عند الأطفال، والسبب نحن، ولا يعالج إلا بالقدوة السليمة داخل البيت، وليس من الوالد فقط بل من الأم أيضاً. 

الكذب في التعامل اليومي من أشد أنواع الكذب، الذي حذر الله سبحانه وتعالى، وحذر رسوله  منه في التعامل وفي العقود اليومية حينما تبيع فلابد أن تكون صادقاً عند البيع وتبين كل ما عندك، وإذا سكت عن إظهار العيوب فإن هذا كذب، فعدم التصريح في وقت الحاجة دليل على الإخفاء والكتمان، وكان الصحابة حريصين على هذه المعاملة، حتى يذكر أن رجلاً باع جمله فسأل المشتري هل تريد الجمل للركوب أم للحليب؟ فقال: لا، للركوب والحمل. فقال: جيد لأن هذا الجمل ليس له حليب كثير. وذكر له تاريخ الجمل وبيّن جميع تفاصيل حياة الجمل حتى يظهر كل ما فيه من العيوب. وقبل المشتري وأخذ الجمل. وناداه، وقال نسيت أن أخبرك بأنه أجد ليونة في خفه وأخاف أن يضرك في الركوب، فأرجو أن تفكر في شرائك لمدة يومين واذا وجدت أي أثر لليونة في سيره، فلك أن ترجع لي الجمل أو أنك تبرئ ذمتي ، كانوا لا يخافون من البيع والشراء لأن الرازق هو الله.

وإذا تعاملت مع زوجتك يجب أن تكون صادقاً معها وقبل الزواج تبين شرعاً لأهل المخطوبة كل ما عندك من العيوب  حتى يكون الزواج على بينة.

القضية خطيرة وتحتاج إلى إرادة فعلية لمعالجة هذه القضية، وأن نقف مع أنفسنا، وليس عيباً أن نعالج حالنا اليوم قبل الغد، وقبل أن يأتي يوم القيامة ولا نستطيع أن نعالج ( كلكم آتيه يوم القيامة فرداً )، بل بالعكس ستشهد عليك ألسنتك، وتصبح هذه الجوارح ضدك يوم القيامة، لأنها مخلوقة لله سبحانه وتعالى، مع وجود السجل، فما المصلحة من الكذب، أتضحك به أصدقاءك؟ فبئست الصداقة والأخوة، يجب أن تكون الصداقة على الأخوة وعلى ما ينفعنا لا على ما يضرنا.

وكذلك يجب أن نكون صرحاء في عقودنا مع الخادمة والخادمات وتشرح لها عملها وأوقات راحتها ولا يجب أن يكون في الغموض لأن هذا غرر ويجب أن يكون وفق القانون.

كان هناك شكوى على قطر من وجه الباطل وهي جزء من الدعاية المضادة حول تعاملنا مع العمال، مع أنني لا أنفي النقص والشدة عند بعض الناس في التعامل مع سائقه وعماله وخادمه كأنهم ليسوا بشراً والرسول  يقول ( إخوانكم خولكم) أي الذين يخدمونكم إخوانكم إما في الدين أو في الإنسانية التي أوجب الله سبحانه وتعالى لها حقوقاً أيضاً.

يجب أن نصلح أحوالنا لأنه ليست على المستوى المطوب من الجانب الأخلاقي رغم أن أمتنا أمة الأخلاق والله سبحانه وتعالى شهد لهذا الرسول  بالخلق الحسن( وإنك لعلى خلق عظيم ) ورغم أن رسالة الإسلام رسالة الرحمة وكل مسؤول على نفسه أمام الله.

الخطبة الثانية

إذا كنا نتحدث عن الحالة الاجتماعية لأمتنا وهي حالة الكذب في التعامل فإن أمتنا على مستوى العالم تعاني من مصائب كبيرة جداً، كانت المصيبة لجيل ستينات وسبعينات فلسطين وكانت قضيتنا الأولى ولا زال كذلك ويجب أن تبقى قضيتنا الأولى، ولكن اليوم بسبب المشاكل الأخرى في مصر وسوريا والعراق ولبنان وميانمار والبلاد الأخرى وتأتي عليها مصائب أو الكوارث التي يبعثها الله من خلال الطبيعة كما في الصومال والفلبين تضاف إلى مصائبنا السياسية ومشاكلنا الاجتماعية من الفقر ومشاكلنا العلمية من التخلف وعدم التنمية والتقدم.

ولكن اليوم نركز على قضيتنا الأولى التي انشغل العالم الإسلامي وخاصة العالم العربي بنفسه، وصرفت الأموال الكثيرة والجهود الكبيرة للافتنان مع البعض، للفساد بين البعض، لتقويض صلاحيات البعض، أو القضاء على جماعة من أجل جماعة، إلى آخره من المشاكل.

الخطة صهيونية أمريكة لا شك فيها، ولكن الأموال والأيدي ـــ مع الأسف الشديد ــ عربية، فنحن نقتل بأموالنا، ونفرق بأموالنا، ونضعف أنفسنا بأموالنا، ولذلك كشفت الأيام مدى ما تخططه أمريكا والصهاينة لتفتيت الأمة العربية والإسلامية ويقول هرتزل مؤسس اليهودية ( عظمة اليهود تكون عندما تقضي على جيش الدول الحدودية المجاورة دون أن يقتل فيها يهودي واحد) وهذا حدث فعلاً.

اليوم في ظل هذه المشاكل انتهزت اليهود الفرصة للقضاء على القدس الشريف بالكامل وعلى الأقصى والحرم القدسي التي تزيد مساحته لأكثر من 104000 متر ويريد اليهود تقسيم هذه المساحة كما فعل مع مسجد إبراهيم الخليل وقد قسموا ذلك ولم نستطيع أن نفعل شيئاً، واليوم يريدون جهراً من خلال الكنيست تقسيم الأقصى ولا يبقى للمسلمين من القدس الشريف الا حوالى  4000متر ويعطى 100000 متر لليهود.

وهذه المسألة كانت تناقش سراً ، أما اليوم فإنها تناقش جهاراً نهاراً ولم نر دولاً عربية أقامت مؤتمراً أو اعترضت وإنما كل الدول العربية مشغولة ببعضها.

لذلك نحن في الاتحاد نرى من واجبنا أن ننهض بالأمة وأن نتحرك بالأمة فطلبنا اليوم أن يكون يوم نصرة القدس والأقصى وهذه النصرة يكون بالقنوت والدعاء والمظاهرات والاعتصامات حتى تبقى الشعوب متحركة ولكنه لا يكفي ذلك.

والاتحاد استطاع أن ينشيء عدة مصاطب أي حلقات علمية وفيها حوالي 500 طالب وهو عدد قليل ولكن كلما كان الحرم القدسي معموراً بالناس كلما ابتعد اليهود، لذلك يجب أن ندعم هذه المصاطب.

وأرجو أن يتبرع كل باستطاعته لدعم طالب واحد أو بمساهمة في دعم طالب واحد ويشرف على إدارة هذه المصاطب الشيخ رائد صلاح.

والأمر الثاني تبنينا في الاتحاد كفالة المرابطين وتوفير بعض الجاجيات لهم في القدس لأنهم يبقون لفترات ويتركون أعمالهم ثم تأتي مجموعة أخرى حتى لا يبقى الأقصى خالياً من المرابطين وإنما معمرة بالطلاب والمرابطين.