النباتات :
النباتات جمع نبات ، وهو لغة مصدر : نبت الزرع نبتاً ونباتاً ، أي نشأ ، وظهر من الأرض ، ونبت الشجر أي غرسه[7] .
والنبات : هو الحي النامي الذي لا يملك فراق منشأته ، ويعيش بجذور ممتدة في الأرض أو في الماء ، وما أخرجته الأرض من شجر ونحوه .
لذلك فالنبات يشمل جميع ما تخرجه الأرض من الأشجار والحشايش والخضر ، فهو اسم جامع يقابل الجماد ، والحيوان والإنسان ، فهو كائن حيّ له أنواع كثيرة ، فمنها ما يعيش على الأرض اليابسة ، وبعضها يعيش في المياه ، والبيئات الرطبة ، ومنها النباتات الجافة التي تعيش في المناطق شحيحة المياه ، وبعضها في المناطق الحارة ، وبعضها في المناطق الباردة[8] .
مقاصد القرآن :
المقاصد لغة : جميع مقصد ، وهو من القصد بمعنى النية ، والعزم ، والاستقامة ، والتوسط والاعتدال ، والمقصد هو موضع القصد[9] .
والمقصود بالمقاصد هنا : الغايات والأهداف والحكم التي تؤخذ وتستنبط من آيات القرآن الحكيم التي ذكر فيها النبات ، ومقاصد الشريعة بصورة عامة هي حفظ الضروريات الثماني ـ في نظري ـ وهي : الدين ، والنفس ، والعقل ، والمال ، والعرض ، والنسل ، وأمن المجتمع والبيئة ، وأمن الدولة العادلة[10] .
عناية القرآن الكريم والسنة النبوية بالنباتات :
أولى القرآن الكريم عناية قصوى بعالم النبات والأشجار والجنات حتى نستطيع القول بأن هذا العالم قد أخذ مساحة واسعة من آيات القرآن الكريم قد تصل إلى حدود الثلث ، فقد ذكر القرآن الكريم النبات ، ومشتقاته 26 مرة ، والأشجار مع مفرداتها 27 مرة ، والجنة ومشتقاتها الخاصة بالجنان والبساتين مفرداً ومثنى ، وجمعاً 147 مرة ، وأما أنواع النباتات من أنواع الأشجار والفواكه ، وما يأكله الإنسان والحيوان من النخيل والعنب ، والتين ، والزيتون ، والخضر والحب ، وغير ذلك فهي أكثر من أن تحصى في هذه العجالة ، فالقرآن دخل في كثير من تفاصيل خلق النباتات من الأشجار والفواكه والحشائش والخضر بشكل يكشف بوضوح الاعجاز العلمي فعلاً للقرآن ، وأنه من عند الله تعالى الخالق المبدع الحكيم البصير ، بل إن عناية السنة النبوية المشرفة بالنباتات أكثر تفصيلاً وبياناً لا يسع المجال للخوض فيها[11] .
ولكن نذكر أهم معالم هذه العناية والرعاية منها :
أولاً ـ أن الله تعالى جعل بداية حياة الإنسان ( آدم وحواء ) في الجنة ، ومنّ عليه بذلك ، حيث إنه لما خلق آدم بيديه ونفخ فيه من روحه أدخله في جنته ، مما يدل على أن أعظم تكريم هو إدخاله في الجنة ، فقال تعالى : (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا )[12] .
ثانياً ـ أن ابتلاء آدم وامتحانه كان أيضاً بالنبات ، حيث سمح الله تعالى له بأن يأكل من كل ما في هذه الجنة ما عدا شجرة واحدة فقال تعالى : ( وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ)[13] وهذا أيضاً يدل على أهمية الشجرة ودورها في الابتلاء والامتحان .
ثالثاً ـ أراد الله تعالى ان تتعلق قلوب أولاد آدم بالنبات ( شجراً وجنة وحبوباً وخضراً ) أكلاً وشرباً (حيث هو الرزق الحسن لنا بنص الآية ) ، وتمتعاً بجماله فأصبح هذا التعلق والحب فطرة فطر الله الناس عليه .
رابعاً ـ امتن الله تعالى على الناس بنعمة النباتات أعظم امتنان ، ودعاهم على شكره بالعبادة ، فقال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)[14] وقال تعالى : (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ)[15] (وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ)[16] .
خامساً ـ النباتات متاع وطعام للإنسان وحيواناته فقال تعالى : ( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ)[17] وقال تعالى : ( وَفَاكِهَةً وَأَبّاً مَتَاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ)[18] .
سادساً ـ إن النباتات مصدر للطاقة فقال تعالى : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ)[19] .
سابعاً ـ أن قطع الشجر بدون سبب من الفساد في الأرض وأنه من صفات المنافقين والظالمين فقال تعالى : (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ)[20] .
ثامناً ـ إن رؤية النبات الخضر دليل على السعة والخير والبركات ، حيث فسر ( وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ )[21] بسنوات السبع التي فيها الخير والزرع الكثير ، والسنابل اليابسات بالسنوات العجاف .
تاسعاً ـ أن حصول الإنسان على جنة في الأرض من أعظم نعم الله التي تستحق الشكر فقال تعالى : ( وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالاً وَوَلَداً فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً)[22] .
عاشراً ـ أن أعظم نعم الله تعالى يوم القيامة التي يعطيها للأنبياء والشهداء والصالحين والمتقين هي الجنة ، بل فصل الله تعالى في انواع الثمار والأشجار التي تمنح لهؤلاء فقال تعالى : (وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ وَظِلٍّ مَمْدُودٍ وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ)[23] .
أحد عشر ـ الإسلام أعطى أجراً كبيراً على الزراعة فقد روى البخاري بسنده عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة)[24] ، وروى مسلم بسنده عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يغرس غرساً إلا كان ما أكل منه له صدقة وما سرق منه له صدقة وما أكل السبع منه فهو له صدقة وما أكلت الطير منه فهو له صدقة ولا يرزؤه أحد إلا كان له صدقة)[25] وروى كذلك بسنده عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم (دخل علي أم بشر الأنصارية في نخل لها. قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: من غرس هذا النخل أمسلم أم كافر. فقالت بل مسلم. فقال صلي الله عليه وسلم: (لا يغرس مسلم غرساً ولا يزرع زرعاً فيأكل منه سبع أو طائر أو شئ إلا كان له أجر)[26] .
ثاني عشر ـ منطقة محمية للأشجار والنباتات بمكة ، فقد روى البخاري بسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس فلا يحل لمؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دماً أو يعضد بها شجرة)[27] ، وأخرج مسلم بسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إن إبراهيم حرم مكة أني حرمت المدينة ما بين لابتيها لا يقطع عضاهها ولا يصطاد صيدها )[28].
وقد أجمعت الأمة على عدم جواز قطع الأشجار والنباتات في الحرم إلاّ الأذخر وما زرعه الإنسان[29] .
ثالث عشر ـ النهى عن بيع الثمار حتى تنضج ، فقد روى مسلم بسنده عن أنس أن النبي صلى الله علية وسلم: (نهى عن بيع ثمر النخل حتى تزهو فقلنا لأنس ما زهوها قال تحمر وتصفر أرايتك أن منع الله الثمرة. بم تستحل مال أخيك)[30] .
رابع عشر ـ الأمر بغرس الأشجار والنباتات إلى آخر لحظة من حياة الإنسان وحياة الكون ، وهذا ما يدل عليه الحديث الذي رواه أحمد وغيره بسندهم عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن قامت على أحدكم القيامة وفي يده فسيلة ، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها ، فليفعل)[31] وفي رواية ثانية بلفظ ( فليغرسها )[32] .
وقد عقد أئمة الحديث كتباً خاصة بعقود المزارعة ، والمساقاة وذكروا فيها عدداً من الأحاديث ، فقد عقد الإمام البخراي كتاباً خاصاً بالحرث والمزارعة ، وكتاباً آخر للشرب والمساقاة ، فذكر في كتاب الحرب والمزارعة من الأحاديث المرفوعة 40 حديثاً ، ووافقه مسلم في معظمها[33] ، وفي كتاب المساقاة ذكر 36 حديثاً ، ووافقه مسلم على تخريج معظمها[34] .
وخصص الإمام مسمل كتاباً للمساقاة أورد فيه من الأحاديث 143 حديثاً [35] .
خامس عشر ـ منع قطع الأشجار والنباتات البرية في المدينة المنورة ، فقد روى البخاري بسنده عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المدينة حرم من كدا إلى كدا لا يقطع شجرها ولا يحدث فيها حدث من أحدث حدثاً لعنه الله والملائكة والناس أجمعين)[36] وروى أحمد بسنده عن عبد الله بن سلام قال : (ما بين كداء وأحد حرام حرمه رسول الله صلي الله عليه وسلم ما كنت لا قطع به شجرة ولا أقتل به طائراً)[37] .
علاقات الإنسان بعالم النبات ، وأوجه الشبه بينهما :
فقد أولى القرآن الكريم عناية قصوى بهذه العلاقات المتنوعة بين الإنسان وعالم النبات ، وبأوجه الشبه بينهما ، نذكر أهمها :
1- أن الإنسان والنبات خلقهما الله تعالى من التراب ، والماء ، إذن فأصلهما واحد ، أو بعبارة أخرى إن أمهما واحدة ، وبذلك فهما شقيقان .
2- إن النبات من ضروريات بقاء الإنسان ، أو حاجياته الملحة ، من عدة جوانب منها :
أ ـ أن حياة الإنسان الطبيعية تتوقف على النبات الذي يشمل الطعام (الحبوب) والثمار .
ب ـ إن النبات هو من ضروريات حياة الحيوانات التي يعتمد عليها الإنسان في أكله وشربه وركوبه وتنقلاته وتزينه ..الخ .
ج _ إن النبات ( الأشجار ، ونحوها من النباتات ) هي مصدر أساس للأوكسجين الذي هو ضرورة لحياة الإنسان ، الذي يمده بثاني أوكسيد الكاربون ، فدورهما متكامل .
والخلاصة أن أدوار الحياة والكون في غاية من التوازن والتكامل الذي يدل بوضوح على إبداع خالقه فقال تعالى : (وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُوم وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ)[38] فبدون الماء لا توجد حياة ( وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ )[39] وبدونه كذلك لا تتم عملية البناء الضوئي ولا يستطيع النبات امتصاص المعادن والتربة وأن الخضر لا يوجد بدون النبات فقال تعالى : ( فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُتَرَاكِباً)[40] وبدون الخضر لا يوجد حب ( الطعام الرئيسي ) فقال تعالى : (…خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُتَرَاكِباً… )[41] وكذلك لا يوجد نبات بدون الأرض إضافة إلى الاوكسجين وثاني أوكسيد الكربون المتبادل .
د ـ يقول الأستاذ الدكتور كمال البتانوني بعدما عرض صورة لبداية الإنسان والنبات ،
( هناك تشابه كبير بين دورة حياة الإنسان ودورة حياة النبات فالله سبحانه وتعالى يخلق في جسم النبات من المواد الغير عضوية مواد عضوية في أثناء عملية التركيب الضوئي والتي قد أمتصها من التربة والتي قد تكون بقايا نبات أو حيوان متحلل كذلك الله سبحانه وتعالى قادر أن يخلق الإنسان مرة أخرى بعد تحلله كما خلقه في النشأة الأولى ويجعل له أعضاء ….. هنا تبدأ أعجب عملية تحدث على وجه الأرض، وهي تكوين صبغة اليخضور ـ الكلوروفيل ـ وتكوين البلاستيدات الخضراء، وبدء عملية البناء الضوئي. والبلاستيدات الخضراء عضيات سيتوبلازمية ذوات تركيب هندسي معقد، حباها الله القدرة على الإفادة من الطاقة الضوئية، التي تمثل الطاقة الشمسية أهم مصادرها، وتحويل هذه الطاقة إلى طاقة كيميائية.
وتعرض النبات الأخضر إلى ضوء الشمس لفترة تمثل جزءاً صغيراً من الثانية يقود هذه البلاستيدات وما بها من كلوروفيل للبدء في عملها.
ودون دخول في تفاصيل علمية، فإنه من الصعب أن يتصور الإنسان أن توجد أو تنشأ حياة دون امتصاص الطاقة الإشعاعية وتحويلها إلى طاقة كيميائية.
فاصطياد هذه الطاقة وما يستتبعه من عمليات، يقود إلى تحويل ثاني أكسيد الكربون والماء إلى المواد الكربوهيدراتية، التي تمثل مصدراً للطاقة في الخلية، وتشكل مواد خاماً لتكوين وتشييد البروتين والدهون والمركبات النباتية الأخرى.
وبالإضافة إلى ثاني أكسيد الكربون الذي يأخذه النبات من الجو أو الماء، والماء الذي يمتصه من بيئته، فإن النباتات تمتص بعض العناصر والمركبات غير العضوية الذائبة في الماء، وبذلك فإن جل ما يأخذه النبات من بيئته، عناصر ومركبات غير عضوية.
ورغم ذلك: فإن هذه العناصر والمركبات تندمج مع المواد الكربوهيدراتية الناتجة عن البناء الضوئي، خلال عمليات عديدة معقدة، لتكون الكتلة الحية في جسم النبات.
فما هذه النباتات التي نراها أو لا نراها بالعين المجردة إلا كتل من المادة الحية ـ البروتوبلازم ومكوناته ـ وخلق هذه المادة الحية من المواد غير العضوية مستمر في النبات كل طرفه عين. ويستدل على ذلك ببساطة شديدة بنمو النبات، وبزيادة وزنه وكبر حجمه، وهي إضافات تتمثل بتكوين المادة الحية في جسم النبات تنشأ من مصادر غير حية.
وهذه العملية ـ عملية الخلق والإحياء ـ رغم رؤيتنا لمظاهرها ومعرفتنا ببعض مساراتها، إلا أن بث الحياة في هذه المكونات يظل السر الإلهي الذي لا ندركه.
وإن تمكن العلم الحديث من تصنيع وتشييد بعض المركبات العضوية من مركبات غير عضوية، فإنه يقف عاجزاً عن إحياء هذه المواد، أو بث الحياة فيها .
إن نزول الماء وإنبات النبات ونموه وإزهاره وإثماره، أمور لا دخل للإنسان في مسيرتها،ـ فهو يراها ويحسها، وقد يمهد الأرض للبذور، وقد يرويها ويتعهدها، أما مسارات التفاعلات وتكوين المواد في جسم النبات، وبناء الكتلة الحية في النبات، فإنها أمور لا يقدر عليها سوى الخالق القدير.
ولعل ربط الإحياء في النبات بالبعث نابع من طبيعة النباتات الخاصة التي حباها الله بها، فهي الكائنات الوحيدة التي أعطاها الله القدرة على تكوين جسمها الحي من مكونات غير حية، بل وغير عضوية )[42] .
3- ان القرآن الكريم قد استعمل مجموعة من الأمور المتماثلة بين الإنسان والنبات على ضوء ما يأتي :
أ – يبين القرآن الكريم أن الإنسان والنبات من الماء ، فقال تعالى : ( وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ )[43] بل إن القرآن الكريم جعل الماء هو السبب للإنسان والنبات فقال تعالى في شأن النبات : ( وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ )[44] وقال تعالى : (فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى)[45] وفي شأن الإنسان قال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً)[46] .
ب ـ استعمل لفظ ( أخرج ) ومشتقاته في الحالتين[47] فقال تعالى في أكثر من آية بشأن النبات ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ)[48] وقال تعالى : (وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً لِنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً)[49] وقال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُتَرَاكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)[50] .
وقال تعالى في شأن الإنسان : (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ)[51] وقال تعالى : (قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ)[52] وقال تعالى : (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى)[53].
ج ـ استعمل لفظ ( أنبت ) الذي اشتق منه النبات للإنسان أيضاً فقال تعالى : (وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتاً ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً)[54] وقال تعالى : (وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ)[55] وقال تعالى في شأن النبات : ( ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً وَعِنَباً وَقَضْباً)[56] .
د ـ استعمال إخراج الحي من الميت وإخراج الميت من الحي للإنسان والحيوان ، فقال تعالى : (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ)[57] وقال تعالى : (إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ)[58] .