ملتقى القدس الشبابي العالمي العاشر
استنبول 2-6 ديسمبر 2015

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد

أصحاب السعادة والفضيلة إخوتي وأخواتي الكرام
أحييكم أولاً بتحية من عند الله مباركة طيبة ، فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته
وأنقل إليكم تحيّات الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين رئيساً، وأمانة عامة، وأمناء، داعين لمؤتمركم النجاح والتوفيق، وأن يكون إضافة نوعيّة في هذا الوقت الحرج الذي تمرّ به أمتنا الإسلامية ، وشاكرين لـ(رابطة شباب لأجل القدس العالمية) على جهودهم الطيبة المباركة لخدمة قضيتنا الأولى، ولهذا البلد العظيم تركيا شعباً ورئيساً وحكومة على جهودهم المباركة ووقوفهم المبدئي مع قضايا أمتنا الإسلامية وبخاصة قضية فلسطين والقدس الشريف ، فحفظ الله تركيا من الفتن ما ظهر منها وما بطن ، وسائر بلاد الإسلام والمسلمين .

أيّها الاخوة والأخوات
 إن شرف العلوم بموضوعها، وشرف الأمكنة بمكينها، لذلك يُعدّ هذا المؤتمر الذي موضوعه القدس وانتفاضتها المباركة من أشرف المؤتمرات وأكثرها بركة، وهل هناك قضية في عالمنا الإسلامي اليوم أعظم وأولى من القضية المرتبطة بالأرض المباركة (فلسطين) وبقبلتنا الأولى ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومحلّ معراجه (المسجد الأقصى) ا لذي ربطه الله تعالى بالمسجد الحرام فقال تعالى : (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) [الإسراء : 1] ولهذا الربط بين المسجدين المباركين بـ(من) الابتداء من المسجد الحرام وبـ(إلى) الغاية نحو المسجد الأقصى دلالاتٌ عظيمة على أن المسجد الأقصى هو الغاية للمسلمين، وأنه لا يجوز التفريط فيه، كما لا يجوز التفريط بالمسجد الحرام.
 ففلسطين كلها أرض مقدسة مباركة، ودُرّتها القدس الشريف، بل هي مباركة للعالمين فقال تعالى : (وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء : 71] كما أن هذه الآية تدل على أنها أرض النجاة والملجأ للصالحين، وأنها أرض المحشر والمنشر ، وأنها الأرض المباركة التي تظل فيها الطائفة المنصورة لا يضرهم من خذلهم إلى يوم القيامة.
ولي في هذا المقام وقفات ، يكون من واجب العلماء بيانها :
الوقفة الأولى : هي وقفة تنبيه وتحذير لأمتنا الإسلامية والعربية بأن هذه المنطقة التي تسمى الشرق الأوسط لا يمكن أن تستقر، أو تزدهر أو يشييع فيها الأمن الكامل ما دامت القضية الفلسطينية لم يتم حلّها،وما دام الصهاينة يحتلّون الأرض المباركة، ويعيثون فيها فساداً، وفلسطين هي المؤشر وهي الترمومتر.
 ولذلك فإن أقرب طريق لتحقيق الاستقرار والقضاء على الفوضى الخلاّقة هو تطهير الأرض المباركة من رجس الاحتلال وأن كل ما يصيب أمتنا في مصر ، وسوريا، وليبيا، واليمن، فلهؤلاء المفسدين دور خطير فيها، فمشروعهم من يوم احتلالهم هو تفكيك الأمة وتفريقها وتمزيقها، ومع الأسف الشديد يساعدهم في ذلك مشروع خطير آخر يقوم على التمدد ليكمل المشروع الصهيوني ، فلننظر ماذا حدث للعراق، وسوريا وغيرهما.
 فلذلك إذا كانت الأمة تريد التخلص من جميع مشاكلها فعليها أن تبذل كل جهدها لإزالة الاحتلال الصهيوني وعودة الحقوق إلى أصحابها وهذا إنما يتحقق ببذل الغالي والنفيس، والأموال والأنفس في سبيل التحرير فقال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) [الصف : 10] ثم بيّن الله تعالى بأن النجاة من عذاب الذّل والفرقة والمصائب والمشاكل يتحقق بعدة شروط أساسية:
أولها : الايمان وتوحيد الله تعالى ، وتوحيد الأمة ، ووحدة الصف فقال تعالى : (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ) [الصف : 4] .
ثانيها: أن تتوافق أقوالنا مع أعمالنا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ) [الصف : 2] .
ثالثها: الجهاد الشامل بالفكر والمال والعلم، والنفس والبدن (تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) [الصف : 11] وختمت سورة الصّف ببشارة انتصار طائفة المؤمنين على طائفة الكفر من بني اسرائيل (فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ) [الصف : 14] .وهذا الجهاد يجب أن تتوافر فيه ثلاثة شروط أساسية، كما في سورة الاسراء:
(1) العبودية المطلقة لله تعالى (عِبَاداً لَّنَا) [الإسراء : 5] وفي سورة الصّف (كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ) [الصف : 14].
(2) والبأس الشديد من حيث الإعداد والقوة (أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ ) [الإسراء : 5]
(3) واتباع منهج القرآن الكريم (إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) [الإسراء : 9] .
وبعد اتباع هذا المنهج يكون النصر بإذن الله تعالى (وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) [الصف : 13] .

الوقفة الثانية: إسلامية القضية في الدرجة الأولى، بل هي قضية فلسطينية وعربية، وإسلامية وإنسانية و عالمية، واليوم أنني فرح جداً بهؤلاء الشباب الذين جاؤوا من كل حدب وصوب من غير الفلسطينيين وهم يحملون هذه القضية، وهذا هو المنهج الصواب ، والمدخل الصحيح.

الوقفة الثالثة: أن النصر لا يتحقق إلاّ لمن يستحقه من  عباده الصالحين الذين يقومون بالاعداد الكامل للقوة الشامل، وهذا هو ما أكده القرآن الكريم فقال تعالى : (بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا)[الإسراء : 5] فالصراع بين الحق والباطل ، بين أنصار الله العابدين لله تعالى، وبين العابدين للمال والشهوة والفساد، وقال تعالى : (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) [الأنبياء : 105] وقد دلت هذه الآية على أن أرض القدس يرثها عباد الله الصالحون لحمل الأمانة وتحقيق العدل وتحقيق العدل والخير للجميع.

الوقفة الرابعة: ضرورة الوقوف مع هذه الانتفاضة المقدسية القدسية المباركة التي قويت بروح الايمان، وثبتت بقوة العقيدة وصدق أهلها، وعمّت قطاعات الشعب كلها، وضربت أطناب الأرض وأعماقها، فكم من بيوت هدمت، ونساء وشباب وأطفال قتلوا حتى بلغ عددهم خلال الشهرين أكثر من مائة شهيد ، واندمجت قلوب غزة وضفة وكل فلسطين مع أهل القدس في ملحمة بطولية نادرة جعلت أرض فلسطين كلها جبهة واحدة ضد عدو مغرور متغطرس ظالم مجرم يعتمد القوة، ويستخدم أحدث ما في يديه من الأسلحة الفتاكة.
 ولكن مع قوة الانتفاضة ، وإجرام المعتدي ، فإن معظم العرب والمسلمين غائبون عنها، فلا دعم ولا معونة تذكر، شغلتهم الفتن المظلمة، بل أُشغِلُوا بمشاكلهم الداخلية حتى ينسوا قضيتهم الولى، ويسنوا معاناة الشعب الفلسطيني.
 ولذلك فإن واجب الأمة كبير، ومسؤوليتهم نحو هذه القضية عظيمة ، فواجبنا : الشكر والإجلال والثناء ، والبذل والعطاء بكل ما أوتينا ، فتحيّة لأهلنا في القدس وفي كل فلسطين.

الوقفة الخامسة: وقفة البحث والسعي الحثيث والتخطيط المنظم لايجاد الحلّ الفعلي لفرقتنا وجميع مشاكلنا، فليس الحلّ في القاء اللوم على الآخر ، وإنما الحلّ في إجراء مصالحة شاملة بين جميع مكونات الأمة حكاماً ومحكومين، من خلال وضع خطة استراتيجية تبدأ بوحدة المواقف ، واحتضان القضية الفلسطينية ، وترتيب البيت الفلسطيني وتوحيده، وتوحيد الدول العربية ، والإسلامية ، وعقد مؤتمر عاجل على مستوى الأمة لهذه القضية.

الوقفة السادسة: وقفة الشكر والإجلال والثناء لأهلنا في فلسطين كلها، وللمقدسيين والغزاويين بصورة خاصة على تضحياتهم وصبرهم، وتحملهم تبعات الاحتلال والحصار الصهيوين والعربي، داعين الله تعالى أن يتقبل قتلاهم شهداء، وأن يعجل بشفاء جرحاهم ، ويفك أسراهم، وان يحررهم من براثن الصهاينة.
 وتحية إجلال وإكبار لمجاهدات القدس المدافعات عن قبلتنا الأولى، الماجدات اللائي يحمين القدس، وهنّ يتحملن الضرب والايذاء والسجن والاعتداء ، فجزاهنّ الله خير الجزاء عن الأمة.

وفي الختام حتى يكون مؤتمرنا شبابياً أؤيد تحقيق ما يلي:
أ- السعي الفعلي بجميع الوسائل لتحقيق جيل صلاح الدين الأيوبي.
ب- التركيز على أن قضية القدس وفلسطين قضية للمسلمين بل قضية الإنسانية الحرة جمعاء، وأن الجميع مسؤولون عنها.
ج- جعل هذه القضية تحيى في نفوسنا وتجري في دمائنا ، ونتنفس بها شهيقاً وزفيراً.
د- تفعيل جميع مكونات الأمة لتتفاعل وتنتظم بهذه القضية، وبخاصة العلماء، والإعلاميون والمفكرون.
ه- استغلال واستثمار ابداعات وطاقات الشباب لخدمة أمتنا فهي بحاجة إليها، فالصهاينة استغلوا أموالهم لشراء وعد بلفور .
و- تدريس القضية الفلسطينية بدءاً من مرحلة الروضة.