اختلف الفقهاء في وقت نشوء الحق في التعويض ، فذهب جماعة على رأسهم مازو إلى أن الحق ينشأ من تأريخ صدور الحكم ، في حين ذهب الآخرون إلى أن الحق ينشأ من وقت وقوع الضرر ، وقد استقر هذا الرأي في القضاء الفرنسي في حين أن القضاء المصري يتراوح في حكمه بين النظريتين .
والذي يظهر رجحانه هو الاعتبار بوقت وقوع الضرر الذي يثبت بأية طريقة معتبرة ، وذلك لأن القضاء لا يثبت الحكم ، وإنما يقرر ، ويحكم بإقراره وتنفيذه .
الأشخاص المستحقون للتعويض عن الضرر المعنوي :
المستحقون للتعويض عن الضرر من حيث المبدأ هو الشخص المضرور الذي وقع عليه الضرر ، وفي حالة وفاتته فإن الورثة هم أصحاب الحق ، ولكن الفقهاء مختلفون في التعويض عن الضرر المعنوي حيث اعتبره بعضهم حقاً عن الضرر مقصوراً على المضرور ، وحينئذٍ لا ينتقل إلى الورثة إلاّ إذا رفع المضرور الدعوى بالمطالبة به ، واتفق على مقداره قبل وفاته ، فإذا مات قبل الاتفاق ، أو قبل رفع الدعوى فلا يحق لورثته المطالبة بأي تعويض معنوي وهذا اتجاه القانون المدني المصري في مادته 222 ، والقانون السوري في مادته 123/1 ، والكويتي في مادته 217/2 .
وذهب فريق آخر إلى انتقال هذا الحق للورثة مطلقاً ، وهو اتجاه القضاء الفرنسي .
والذي يظهر رجحانه هو أن هذا الحق ينتقل إلى الورثة ، لأنه حق ثابت يترتب عليه المال من خلال التعويض فلا بدّ إذن أن ينتقل ، فليس حقاً مجرداً محضاً حتى لا ينتقل ، وله نظائر في الفقه الإسلامي بخصوص الحقوق .
الشروط الواجب توفرها في الضرر المعنوي المستحق للتعويض :
بما أن الضرر المعنوي قد وقع بين مُفْرِط مبالغ فيه كما هو الحال في الغرب ن وبين مفرّط ناكر له كما هو الحال لدى الكثيرين ، وبما أنه أيضاً أمر اعتباري ونسبي يختلف في تقديره الناس ….لذلك نرى ضرورة توافر الشروط الآتية في الضرر المعنوي حتى يستحق التعويض عليه ، وهي :
الشرط الأول : أن يكون الضرر المعنوي المدعى قد أحدث أثراً فعلياً ، بحيث ضيّع عليه حقاً من حقوق الحرية الشخصية والكرامة الإنسانية ، أو من حقوق ابتكاره ، أو فوت مصلحة مشروعة ، أو أحدث ألماً .
الشرط الثاني : أن يكون الضرر المعنوي محقق الوقوع تشهد على ذلك الأدلة والقرائن والظروف المحيطة بالموضوع بحيث لا تدع مجالاً للشك والوهم ، بل تصل إلى مرحلة اليقين ، أو الظن الغالب ، وهذا في حقيقته شرط لقيام المسؤولية المدنية ، وهذا لا يمنع من التعويض عن الضرر الذي سيقع في المستقبل ، ولكن ليس له الحق في المطالبة إلاّ بعد الوقوع أو الظن الغالب وقوعه كما نصت على ذلك المادة 170 من القانون المدني المصري ، أما الضرر الاحتمالي فلا يجب به التعويض إلاّ إذا وقع فعلاً .
الشرط الثالث : أن يكون الضرر مباشـراً ، ويقصد بهذا الشــرط تحقيق أمرين : أحدهما : أن ما أصاب المدعى كان سبب مباشـر من المدعى عليه دون واسـطة ، وثانيهما : أن دعواه كانت على المدعى عليه بحيث لا تكون دعواه نيابة عن الميت المضرور .
الشرط الرابع : أن لا يبت فيه القاضي إلاّ بعد الإجراءات الآتية :
1ـ أن يعطي مهلة للخصمين للتصالح والتراضي .
2ـ أن تشكل لجنة من الخبراء لا يقل عددهم عن خبيرين متخصصين في موضوع الدعوى للنظر في تقدير التعويض العادل عن الضرر الذي أصابه ، بحيث تراعي اللجنة الشروط الثلاثة السابقة ، وتراعي حجم الضرر المستحق للتعويض المالي .
وكذلك تراعي ان التعويض عن الضرر المعنوي قد يتحقق بالاعتذار ، ورد الاعتبار دون الحاجة إلى التعويض المالي ، وقد نجمع بين الأمرين ، وقد يكتفي بأحدهما .
الخلاصة مع التأصيل :
لا شك أن الفقه الإسلامي عالج موضوع الضرر المعنوي (الأدبي) من خلال العقوبات والتعزيرات ، كما هو الحال بالنسبة لحد القذف ن والعقوبة التعزيرية على السب والشتم ونحو ذلك .
كذلك لا خلاف في وجود التعويض عن الأضرار المادية في الديات والأروش وحكومات العدل ولا ينكر أنه يدخل فيها الأضرار المعنوية ، أو بعبارة أخرى أن هذه التعويضات قد لوحظ فيها الأضرار المعنوية ، ولكنها ليست في مقابلها فقط ، بل الأصل والأساس فيها الأضرار المادية ، ولذلك لا مانع شرعاً في نظري أن يضيف القاضي مبلغاً آخر في مقابل ذلك الضرر المعنوي المصحوب للضر المادي خاصة في الأحوال التي فيها الأرش ، أو حكومة عدل .