أيها الإخوة المؤمنون
لو تدبّرنا في آيات القرآن الكريم، وتفقّهنا في سنّة نبينا العظيم ، وتبعنا كذلك سيرة النبي خطوة خطوة، لم نصل إلا أن هذا الإسلام جاء لتحقيق الأمن والأمان المعنوي والمادي للإنسان، فتلك هي الغاية القصوى بعد العبودية لله سبحانه وتعالى، بل العبودية لله سبحانه وتعالى نفسها تحقق جزءاً كبيراً من هذا الأمن، بل تحقق الأمن الداخلي، (أي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون).
فالذي يحقق الأمن هو هذا الإيمان العظيم، ولكن هذا الإيمان لا يكتفي بهذا الجانب المعنوي، وإنما يريد أن يكون المجتمع آمنا في نفسه، وآمنا في أمواله، وآمنا في أعراضه, وآمنا في حرياته وكلماته، حتى يكون هذا المؤمن عبد اً لله سبحانه وتعالى وحده، تغنيه عبوديته لله سبحانه وتعالى عن العبودية لغير الله، فتلك هي فلسفة هذا الدين العظيم، وهو تحقيق هذه الكرامة: أنْ تحس أنك لا تسجد ولا تركع ولا تخضع إلا لله.
من هنا جاءت العزة والكرامة النفسية، وجاء الأمن والآمان من خلال إيمانك بالله سبحانه وتعالى، بأن كل شيء بيد الله، ولذلك نجد أن القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة ركّزا على قضية الأمن الاجتماعي للإنسان، الأمن النفسي للإنسان، ولذلك جعل الرسول معيار الإسلام الحقيقي، وميزان الإيمان الحقيقي: من كان محافظاً على هذا الأمن للآخرين، لا يعتدي على الآخر لا باللسان ولا بالجوارح، ولا بالهمز واللمز، فقال ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)، فالمسلم الحقيقي هذا هو معياره، بل الإيمان والصلوات هي طاقات تحقق لك العبودية لله، حتى تخضع لله في أوامره، حتى لا تؤذي عباد الله. والحديث وإن كان في المسلمين، ولكن هناك أحاديث أخرى تدل بوضوح على أنه لا يجوز للمسلم أن يؤذي أي أحد إلا بالحق، إلا بما أذن الله به، ( من آذى ذمّياً فقد بَرئت منه ذمة الله وذمة رسوله)، وكذلك حتى الحيوانات: امرأة دخلت النار في هرة حبستها ثلاثة أيام، حتى في النملة، وكم فرح سيدنا سليمان حينما شهدت النملة بأنه هو وجنوده لا يؤذون النملة إذا علموا بهم (قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) والواو في (وهم) هنا حالية، أي حال كونهم لا يشعرون، ولكن ربما لا يحسّون بكم فأنتم خذوا حذركم.
ولذلك حرّم الله الاعتداء على الآخر بكل الوسائل، باللسان، باليد، بالجوارح وإن كان الحديث الشريف ذكر اليد، لأنه كما يقال جزء أريد به الكل، فلا يجوز للمسلم أن يؤذي أحداً مسلماً كان أم غير مسلم إلا بالحق.
حتى الحيوانات لما نذبحها نقول بسم الله، أي كأننا نقول: يا ربي أنت أذنت لنا أن نذبح هذا الحيوان وإلا ما كان لنا الحق أن نذبح الحيوان.
هذا هو الإسلام من سيدنا آدم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهذا هو الإسلام الذي أراد الله أن يكون رحمة للعالمين.
وحينما يتحول الإسلام -مع الأسف الشديد- إلى جانب العبودية فقط، الصلاة والصيام، ولا يراعى الجانب الآخر، كان الخلل العظيم في هذه الأمة العظيمة، مع أنها الأمة الوحيدة التي لا زالت لديها العقيدة الصحيحة: التوحيد، والأمة الوحيدة التي لا زالت عندها الوثيقة الوحيدة الصحيحة التي لم تحّرف لا بحرف ولا بكلمة ولا بأي شيء وهي: القرآن العظيم. أمتنا الوحيدة التي سيظل القرآن الكريم شاهداً عليها، ويبين الحقيقة ما يحدث، ولو لم يحفظ الله القرآن الكريم، وتطاولته يد التحريف، لنظننا أن ما نقوم به هو الدين، ولكن القرآن الكريم يشهد لنا بأن معظم ما نفعله ليس من الدين، والدين هو ما بينه القرآن الكريم بأنه لا يجوز الاعتداء على أي شخص، وبأي وسيلة من الوسائل، إلا إذا أذن الله، وإذا أذن الله فإن لهذا الإذن وسائله، وآلياته، وأدواته، فإذا كان لك حق على شخص عليك ألا تؤذي هذا الشخص، وإنما تلجأ إلى القضاء العادل، فهو الذي يحكم لك، ولا تكون أنت حكماً وخصماً فهذا لا يجوز أبداً، حتى وإن كان هذا الحق واضحاً مبيناً.
لذلك أراد الإسلام من خلال ذلك أن يكون الفرد في هذه الأمة آمناً على نفسه، وعلى عرضه، ولا يجوز لأي إنسان أن يذكر عرض الآخر حتى وإن كانت هذه العيوب فيه فتلك غيبة، وإذا لم تكن هذه العيوب فيه فذلك بهتان، وكلاهما أشد من الآخر (ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه).
وإذا كنت في مأمن، لا تُؤذَى باللسان سواء غبت أم حضرت، ولا بالجوارح، ولا يستطيع أحد أن يعتدي عليك، وإذا وجد شيء فهناك القضاء وهناك التصالح بين الناس، أما أن يؤذي الإنسان أخاه حتى ولو كان محقاً، فهذا غير جائز حتى يتحقق هذا الأمن النفسي والأمن الاجتماعي الذي يريده الله لهذه الأمة، حتى تكون أمة سعيدة في الدنيا، حتى تكون هذه الأمة ممن يعجل الله سبحانه وتعالى لها من بشرياته العاجلة، يعجل الله جنة الدنيا، ثم يؤخر له جنته الخالدة في الآخرة، هذا ما يريده الله سبحانه وتعالى لعباده حينما يطبقون شرع الله، ولكن حين يتحول هذا الإنسان إلى معتدٍ حينذئذ لا تتوافر فيه الشروط الصحيحة لهذا الميزان ولهذا المعيار الذي بينه الرسول.
فإن كنت تريد أن تنال رضاء الله فهذا هو معيار دينك ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)، بل إن القرآن الكريم يطلب من المسلم أكثر من ذلك، فهو لا يطلب أن يسلم فقط، بل يطلب من المسلم أن لا يقول إلا الأحسن، وليس الحسن فقط، رب العالمين يأمر نبيه محمداً أن يقول لعباده الذين يريدون أن يكونوا عبيداً لله، ويبين بأن العبودية لن تتحق بمجرد الصلاة والصيام فقط بقوله تعالى (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا ) أي لما يتحدثون ويتكلمون دعهم يفكروا داخل أنفسهم، ولا يقولون إلا ما هو أحسن، فالشيطان موجود، ومن أقرب الأشياء إليك، ولأنه إن لم يكن كلامك هو الأحسن قد يتأثر به الآخر وينزعج به . فقولوا الأحسن وإن قابلك أخوك بالسيئة (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)
أرجو منكم أن نطبق هذا الحديث، فلو طبقناه لدخلنا في عبودية الله، وأن نحاول بكل الوسائل، ونفكر عند خروجنا صباحاً بم نفعل حتى لا نؤذي أحداً، ونعود ونحمد الله على عدم أذيتنا أحداً.
تصوروا أن رسول الله كان يتمنى ذلك، وهو معصوم، فحينما غلا السِّعْر على عهد رسول الله ، قال الصحابة: يا رسول الله لو سَعَّرْتَ؟ فقال: (إن الله هو القابض الباسط الرازق المُسَعِّر وإني لأرجو أن أَلْقى الله عزَّ وجل ولا يَطْلُبني أحد بمَظْلمة ظلمْتُها إياه في دم ولا مال)، ولذلك قُبيل وفاته عرض نفسه على الصحابة وهو رحمة للعالمين قائلاً: ((أيها الناس، من كنت جلدت له ظهراً فهذا ظهري فليستقد مني اليوم ـ أي فليقتص مني اليوم، ومن كنت شتمت له عرضاً فهذا عرضي فليستقد مني اليوم، ومن كنت أخذت له مالاً فهذا مالي فليستقد مني اليوم قبل أن لا يكون هناك دينار ولا درهم)).
الخطبة الثانية
إذا نظرنا إلى هذه الآيات أو بعض هذه الايات التي تليت على مسامعكم، ثم نظرنا إلى واقعنا المؤلم، نجد أن معظم المسلمين بعيدون عن هذه الحقيقة، وعلى مستوى العالم أجمع، فما بالك اليوم المسلمون لا يسلم بعضهم من بعض، فخلال يوم واحد في سوريا استشهد 400 شخص ببراميل الموت، تُرمى عليهم رجالاً صغاراً شيوخاً نساءً، فانظروا إلى هذا الظلم. وفي مصر أيضاً يحدث أن فئة كبيرة من الشعب المصري الذين نالوا في ستة انتخابات حوالي 60 % وعلى أقل تقدير 50% وهم الآن يوضعون في قائمة الإرهاب، ومعناه الحبس من خمس سنوات إلى أن تصل عقوبته إلى الإعدام، وألف جمعية خيرية، منها الجمعية الشرعية ولها مئة سنة تعمل في داخل مصر، تكفل قرابة 600 ألف يتيم، ومئات الآلاف من الفقراء والمساكين والدعاة، كان تعليق الكنيسة: إن الكنسية تفتح أبوابها لهؤلاء. أيُّ خزي أكبر من ذلك! أن يفعل المسلم بالمسلم هذا الفعل! حتى يحتاج اليتيم المسلم إلى أن يقف أمام أبواب الكنيسة.
وهكذا الظلم في العراق وفي أماكن أخرى ولا أتحدث عن ظلم اليهود والصهاينة لإخواننا في غزة والضفة وفي فلسطين والقدس الشريف؛ لأنه كاد أن يُنسى أمام الأهوال الجديدة التي تقع في مصر وسوريا.
أرجو الله أن يصلح حالنا وحال الأمة جميعاً. آمين