الإرهاب في اللغة يراد به التخويف من رهبه رَهَباً ورَهْبَة ورَهباً ، أي أخافه ، و ( ترهب ) الراهب : انقطع للعبادة في صومعته ، و( استرهبه ) أي خوّفه ، و( الراهب ) المتعبد في صومعته من النصارى والمتخلي عن الدنيا ، وجمعه ( الرهبان ) ، و ( الرهبانية ) و ( الرهبنة ) و( الرهبون ) ، التخلي عن الدنيا وملاذها والعزلة عن أهلها .
و(الإرهابي ) لفظ حديث لم يكن مستعملاً في المعاجم اللغوية ، ولكن أصبح شائعاً ، على من يستعمل العنف ضد الأبرياء الآمنين ، وأقره مجمع اللغة العربية .
ولم يرد في القرآن الكريم لفظ الإرهاب ، وإنما تكررت مادته اثنتي عشرة مرة استعملت أربع مرات للخوف من الله تعالى وهي قوله تعالى : ( وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون ) أي يخافون ربهم ، وقوله تعالى : ( وإياي فارهبون ) أي خافوا الله تعالى وحده ، وقوله تعالى : ( إنما هو إله واحد فإياي فارهبون ) ، وقوله تعالى في وصف المؤمنين : ( ويدعوننا رغباً ورهباً ) أي رغبة في رضاء الله تعالى وجنته ، وخوفاً من غضبه وعذابه ، وبمعنى الخوف من الإنسان مرة واحدة وهي قوله تعالى : ( لأنتم أشدّ رهبة في صدورهم من الله ) ، وبمعنى التخويف مرتين وهما قوله تعالى : ( واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم ) أي خوفوهم ، وقوله تعالى : ( ترهبون به عدوّ الله وعدوكم ) أي تخيفوهم باعداد القوة ، وبمعنى الكمِّ في قوله تعالى : ( واضمم جناحك من الرهب ) ، وبمعنى الاعتزال عن الحياة وملاذها في النصرانية أربع مرات في الآيات 43 التوبة ، 82 المائدة ، 31 التوبة ، 27 الحديد .
ولا يختلف معناه واسـتعمالاته في السـنة المطهرة عما ذكر .
ونقف هنا مع الآية الكريمة التي تتحدث عن إرهاب العدّو وهي قوله تعالى : ( وأعدَّوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدَّو الله وعدّوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم … ) .
فقد جاءت هذه الآية في خضم الحديث عن المعارك التي دارت بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين هؤلاء الكفار الذين حاربوه وحاولوا القضاء على دينه في غزوة بدر الكبرى والغزوات اللاحقة .
حيث تتحدث الآيات ( 56 وما بعدها ) عن هؤلاء الكفرة المشركين الذين نقضوا عهودهم ، وعن خوف رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيانة هؤلاء وتحديهم لله تعالى ، فأمر الله تعالى بإعداد القوة بجميع أنواعها لتخويف هؤلاء الأعداء ومن وراءهم حتى لا يطمعوا بسبب ضعف المسلمين في قتالهم والحرب ضدهم ..
فالآية الكريمة يفهم منها أن الإسلام لا يريد الحرب لذاتها بل يريدها للدفاع عن الدعوة الحقة ، بل الآية يفهم منها أن الغرض من الإعداد هو عدم وقوع الحرب بسبب خوف الأعداء من قوة الإسلام فيخافون منها فلا يقدمون على الحرب ، ولذلك جاءت الآيات الثلاث بعدها مباشرة تتحدث عن السلم ، فتقول : ( وإنْ جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم ، وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم جميعاً لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم … ) .
فلم يقل ربّ العالم : وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة لقتل العدّو مطلقاً ، وإنما لإرهابه وتخويفه ، فالآية تمثل بعداً استراتيجياً انتبهت إليه الدول الكبرى في عصرنا الحاضر من الأسلحة النووية التي سلمت بها الدولتان العظميان أمريكا ،والاتحاد السوفيتي السابق من الحرب بينهما طوال النصف الأخير من القرن العشرين ، في حين أن النصف الأول منه قد شهد حربين عالميتين راح ضحيتهما مئات الملايين من الناس وآلاف المليارات من الدولارات ـ كما لا يخفى ـ .
فهذه الآيات الثلاث توضح الاستراتيجية الإسلامية في الحرب التي تقوم على الدعائم التالية :
1ـ الإعداد الممتاز للقوة الروحية والمعنوية والعلمية ، ، والمادية والبشرية ، والاقتصادية والعسكرية والصناعية …. وأن يكون هذا الإعداد على أقصى طاقات الأمة أفراداً وجماعات وحكومة .
2ـ ان هذا الإعداد ليس للتعدي أبداً ، ولا لحب القتال أيضاً ، وإنما لتخويف أعداء الله تعالى وأعداء الأمة الذين يتربصون بالمسلمين ويريدون لهم دوائر السوء ، فهذه القوة لحماية دار الإسلام ، ولتحرير الإنسان كله في الأرض كلها .
3ـ ان هذا الإعداد للقوة على هذا المستوى يحقق الردع الاستراتيجي لمنع الاعتداء والحرب من كلّ مَنْ تُسَوِّل له نفسه للاستفادة من ضعف الآخر ، فحماية الأمة إنما تتحقق من خلال قوتها الرادعة وإلاّ ( تتداعى عليها الأمم كما تتداعى على قصعتها ) .
4ـ باب السلام مفتوح دائماً على مصراعيه ( وإن جنحوا للسلم فاجنح لها ) حيث أمر الله تعالى بالسلام ، والسلم لكل من يجنح إليه ، حتى ولو كانت نيته خبيثة ( وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله … ) .
5ـ فهذه الآيات تدل على أن الأصل في الإسلام في العلاقات بين الشعوب والأمم والدول هو السلم والسلام العادل حيث أمر الله تعالى به حتى ولو أراد المقابل الخداع ، فلو لم يكن أصلاً عظيماً لما كان الله تعالى أولى له هذا الاعتناء وأمر بالجنوح إليه حتى ولو أراد المقابل الخداع والمكر. وأما السلام الذي فيه إهانة للإسلام والمسلمين وحقوقهم فهذا هو الذي لا يجوز تنفيذه لقوله تعالى : ( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ) .
6ـ تقوية الجبهة الداخلية وتوحيدها وإقامتها على العقيدة والاخوة الإيمانية والتآلف بين القلوب ، وإزالة كل مظاهر الصراع والنـزاع بين الأمة وأنفسهم ، وبينهم وبين حكامهم .
7ـ الحفاظ على العهود والمواثيق بين المسلمين وغيرهم ماداموا يحافظون على عهودهم.
8ـ الاعتماد على الله تعالى والتوكل عليه من قبل ومن بعد ، والسير على هديه وطريقه المستقيم ، وحينئذٍ تكون مع الأمة وإعدادها القوة الإلهية والقدرة الربانية ، وهذا التوكل حماية للأمة وحصانة لها ، وبذلك تتحقق للأمة الإسلامية كل عناصر القوة المادية والمعنوية .
9ـ الإسلام دين واقعي للحياة يواجه مناهج أخرى وتقوم على القوة والسلطان ، وتقف وراءها قوى مادية فلا مفرّ للإسلام لحماية منهجه الرباني وإقراره من قوة عظيمة يحمي بها نفسه وأنصاره ، ويتيح بها المجال لحرية الآخرين فيحطم بها قوى الشر والطواغيت الذين يقفون دون تحقيق هذه الحرية .
10ـ ربط قوله تعالى : ( وإن جنحوا للسلم فاجنح لها ) بواو العطف على الآية السابقة : ( واعدّوا لهم ما استطعتم من قوة ….) يدل على أن هذا الإعداد للقوة بهذا المستوى يؤدي إلى أن أعداء الإسلام يجنحون إلى السلم حتى ولو كان في الظاهر وحينئذٍ لا يقع القتال ، ولا الهجوم منهم على المسلمين ، وقد أشار الإمام الرازي إلى هذا الربط حيث يقول : ( واعلم أنه لما بيّن ما يرهب به العدّو من القوة والاستظهار بيّن بعده أنه عند الإرهاب إذا جنحوا أي مالوا إلى الصلح فالحكم هو قبول الصلح ) .
وهذه الآيات لا تعارض بينها وبين الآيات الآمرة بالقتال أبداً ، لأن الآيات الأخيرة خاصة بقتال هؤلاء المعتدين والناقضين للعهود ، والذين يتربصون بالمسلمين بحيث لم تنفع معهم وسيلة إلاّ وسيلة الحرب.
وجاء في ظلال القرآن : ( هذه الآيات … تمثل إحدى قواعد العلاقات الخارجية بين المعسكر المسلم وما حوله من المعسكرات الأخرى … وظلت إحدى القواعد الأساسية في المعاملات الإسلامية الدولية ، إنها تقرر إمكان إقامة عهود تعايش بين المعسكرات المختلفة ما أمكن أن تصان هذه العهود من النكث بها مع إعطاء هذه العهود الاحترام الكامل والجدية الحقيقية …… ) .
وقال الإمام الرازي : ( وذلك أن الكفار إذا علموا كون المسلمين متأهبين للجهاد ، ومستعدين له مستكملين لجمع الأسلحة والآلات خافوهم ، وذلك الخوف يفيد أموراً كثيرة :
أولها : أنهم لا يقصدون دخول دار الإسلام ( أي لحربهم ) .
ثانيها : أنه إذا اشتد خوفهم فربما التزموا من عند أنفسهم بالجزية ( أي الاعتراف بالدولة الإسلامية والمساهمة في الدفاع عنها بالمال الذي يدفع نظير حقوق المواطنة ) .
ثالثها : أنه ربما صار ذلك داعياً لهم إلى الإيمان .
رابعها : أنهم لا يعينون سائر الكفار ( الأعداء ) .
ثمّ قال تعالى : ( وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم ) والمراد أن تكثير آلات الجهاد وأدواته بما يرهب الأعداء الذين نعلم كونهم أعداء كذلك يرهب الأعداء الذين لا نعلم أنهم أعداء … مثل المنافقين …. فإن قيل : المنافقون : لا يخافون القتال فكيف يوجب ما ذكرتموه الإرهاب؟
قلنا : هذا الإرهاب من وجهتين :
الأول : أنهم إذا شاهدوا قوة المسلمين وكثرة آلاتهم وأدواتهم انقطع عنهم طمعهم من أن يصيروا مغلوبين ، وذلك يحملهم على أن يتركوا الكفر في قلوبهم وبواطنهم ويصيروا مخلصين في الإيمان .
الثاني : أن المنافق من عادته أن يتربص ظهور الآفات ويحتال في إبقاء الفساد والتفريق فيما بين المسلمين ، فإذا شاهد كون المسلمين في غاية القوة خافهم وترك هذه الأفعال المذمومة ) .
موقف الإسلام من الإرهاب :
لا ينبغي الحكم على شيء إلاّ بعد تصوره ومعناه المراد ، لذلك فلا يمكن أن يذكر حكم الإرهاب في الإسلام إلاّ بعد تحديد مراده .
لذلك نقول : عن كان المقصود بالإرهاب : تخويف الأعداء من خلال إعداد القوة لمواجهتهم واسترداد الحقوق والدفاع عن الحق والتحرير فهذا عمل مشروع في كل الشرائع والقوانين الدولية ، وهو داخل في الجهاد الإسلامي الذي هو ماض إلى يوم القيامة ، وهو من الكفاح المشروع لاسترداد الحقوق السليبه كما هو الحال في فلسطين ونحوها .
وأما إذا كان المراد به هو تخويف الآمنين الأبرياء أو قتلهم فهذا غير جائز شرعاً ، وذلك للأدلة التالية :
1ـ الإسلام دين الرحمة للناس كافة ، بل للعالم أجمعين ، فإذا كان الإرهاب بمعنى تخويف الآخرين قد ورد في القرآن الكريم مرة واحدة ، فإن لفظ ( الرحمة ) ومشتقاتها قد تكررت في القرآن الكريم مئات المرات حيث أولى الإسلام عناية منقطعة النظير بالرحمة والعدالة والمعاني الإنسانية حتى لا نرى مثلها في أي نظام ، أو دين آخر ، ويكفي أن نرى القرآن الكريم يكرر لفظة ( رحم ) ومشتقاتها أكثر من ( 340 ) مرة إضافة إلى تكرار ( الرحمن الرحيم ) في بسم الله الرحمن الرحيم في بداية السور مائة وثلاث عشرة مرة ، تحدث فيها عن عظمة الرحمة ، وكونها صفة لربّ العالمين ، بل إنها الكلمة الوحيدة التي اشتقت منها صفتان لله تعالى يذكرهما المسلم في صلاته ، وعند بدئه بأي عمل فيقول : بسم اله الرحمن الرحيم ، بل جعل الله تعالى الغاية من إنـزال هذه الرسالة المحمدية هو نشر الرحمة للعالم أجمع وليست للمسلمين وحدهم فقال تعالى : ( وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين ) ، وجعل الله تعالى ( رؤوف رحيم ) من أسماء الرسول حيث قال : ( بالمؤمنين رؤوف رحيم) ، ويقول : ( ورحمتي وسعت كل شيء ) ، وجاءت السنة النبوية لتوضيح هذه المعاني السامية من خلال السنة القولية ، والسنة العملية ، فقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه بأنه ( نبي الرحمة ) كما وضع صلى الله عليه وسلم قاعدة في غاية من الأهمية تقضي بأنه ( من لا يَرْحَم لا يُرْحَم ) وأن الله لا يرحم من لا يرحم المخلوقات إلى غير ذلك من الأحاديث التي لا يمكن حصرها هنا ، إضافة إلى أن سيرته صلى الله عليه وسلم كانت تطبيقاً لهذه الرحمة حيث كان يؤذى من قبل قومه بشتى أنواع الأذى والإهانة ،ومع ذلك يمتنع عن أن يدعو عليهم ، أو يطلب من الله تعالى أن يهلكهم بصاعقة في الدنيا ، بل كان يدعو لهم ، ويرجو أن يخرج من أصلابهم مَنْ يعبد الله ، وينتصر في فتح مكة ويرى كل أعدائه الذين آذوه فيقول لهم ( اذهبوا فأنتم الطلقاء ) .
ومع كل ذلك لم ينج الإسلام من هجمات الأعداء ، فوصفوه بالقسوة في تشريعاته ولا سيما في الحدود ، وبالعنف في استعماله القوة ، وأنه انتشر بالسيف ، فدين تحتل الرحمة فيه هذه المكانة لا يمكن أن يجيز لأتباعه بإرهاب الآمنين الأبرياء .
2ـ الإسلام دين الأمن للإنسان ، والسلام لهذا الكون كله وأحد أسماء الله تعالى السلام ، وليلة نـزول القرآن هي ليلة السلام بنص القرآن الكريم ( سلام هي حتى مطلع الفجر ) ، بل الإسلام مشتق من لفظ ( السلم ) وأن تحية المسلمين في الدنيا هي ( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ) ، وتحيتهم في الجنة أيضاً السلام فقال تعالى : ( وتحيتهم يوم يلقونه سلام ) .
وقد أمر الإسلام بالجنوح إلى السلم حتى مع الأعداء المحاربين ما داموا قد جنحوا إليها حتى ولو أرادوا الخداع ، ـ كما سبق ـ .
ودلت أحاديث كثيرة على حرمة ترويع المسلم وكذلك من يعيش على أرض الإسلام بأمان حتى ولو على سبيل المزاح والهذار فقد عقد المنذري في كتابه الترغيب والترهيب باباً مستقلاً للترهيب من ترويع المسلم ، ومن الإشارة إليه بسلاح ونحوه جادّاً أو مازحاً ، ذكر فيه أحاديث كثيرة منها ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى ينتهي وإن كان أخاه لأبيه وأمه ) ، ومنها ما رواه أحمد والترمذي وأبو داود بسندهم عن عبدالرحمن بن أبي ليلى قال : ( حدثنا أصحاب محمد أنهم كانوا يسيرون مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فقام رجل منهم فانطلق بعضهم إلى حبل معه ، فأخذه ففزع ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل لمسلم أن يرّوع مسلماً ) ، وفي حديث آخر رواه الطبراني بسند رواته ثقات عن النعمان بن البشير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال 🙁 لا يحل لرجل أن يرّوع مسلماً) ، وفي حديث آخر رواه البزار والطبراني عن عامر بن ربيعة أن رجلاً أخذ نعل رجل فغيّبها وهو يمزح ، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تروّعوا المسلم ، فإن روعة المسلم ظلم عظيم ) ، ولم يترك الرسول صلى الله عليه وسلم أي مجال للتخويف حتى ولو بالنظر فقد روى الطبراني بسنده عن عبدالله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من نظر إلى مسلم نظرة يخيفه فيها بغير حق أخافه الله يوم القيامة ) .
وقد طبقت هذه التوجيهات في عصر الخلافة الراشدة حيث أرسل الخليفة عمر إلى امرأة مغيبة كان يدخل عليها ، فأنكر ذلك ، فقيل لها : إن عمر يدعوك قالت ويلها ، وما لها ولعمر ، فبينما في الطريق ضربها الطلق فدخلت داراً فألقت ولدها ، فصاح صيحتين ،ومات ، فاستشار عمر الصحابة فأشار إليه بعضهم وفي رواية هو عبدالرحمن بن عوف : أن ليس عليك شيء ، إنما أنت وال مؤدِّب ، فقال عمر : ما تقول يا علي ؟ فقال : (… أرى أن ديته عليك ، لأنك أفزعتها فألقت ولدها من سببك ، فأمر علياً أن يقيم عقله على قريش ) فهذا الأثر التطبيقي يدل بوضوح على أن الترويع حتى بالوسائل المعنوية يترتب عليه العقوبة في الدنيا أيضاً .
وقد شدد الرسول صلى الله عليه وسلم في الحفاظ على جمال الإنسان وعدم تشويه صورته حتى في القتال ، لأن الله تعالى خلق آدم على صورته ، ولأنه أكرمه وخلقه في أحسن تقويم ، فقد عقد مسلم في صحيحه باباً للنهي عن ضرب الوجه ، حيث روى بسنده عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا قاتل أحدكم أخاه فلجتنب الوجه ) وفي رواية أخرى عنه بلفظ ( إذا قاتل أحدكم أخاه فلا يلطمنّ الوجه ) وفي رواية أخرى عنه بلفظ ( إذا قاتل أحدكم أخاه فلجتنب الوجه فإن الله خلق آدم على صورته ) .
ومن المعلوم بين أهل العلم أن هذه الأحكام تعم كل إنسان آمن برئ غير محارب للإسلام والمسلمين ، حيث دلت آيات كثيرة وأحاديث صحيحة على حرمة الاعتداء على أي ذات روح ، بل على الجمادات والبيئة ، فالمسلم يجب أن يكون صالحاً مصلحاً نافعاً مفيداً غير مفسد .
فقد حرم الإسلام ترويع الحيوانات وايذاءها فقد روى البخاري ومسلم بسندهما عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار ، لا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها ، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض ) .
ورويا أيضاً عن ابن عمر أنه مرَّ بفتيان من قريش قد نصبوا طيراً يرمونه ، وقد جعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم فلما رأوا ابن عمر تفرقوا ، فقال ابن عمر : من فعل هذا ؟ لعن الله من فعل هذا ؟ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذ شيئاً فيه الروح غرضاً ) . ورويا أيضاً عن أنس قال : ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تصبر البهائم ) .