يستعمل هذا المصطلح وكذلك مصطلح: (الإجارة المنتهية بالتمليك) و(الإجارة التمليكية) و(التأجير المنتهي بالتمليك) فالكل بمعنى واحد وهو أن يتفق الطرفان على إجارة شيء لمدة معينة بأجرة معلومة قد تزيد على أجرة المثل، على أن تنتهي بتمليك العين المؤجر للمستأجر.
وهو كما ترى يشبه بيع التقسيط من حيث المقصد الخاص للمتعاقدين ولكنه مختلف عنه تماماً، لأنه يتكون من عقدين عقد الإجارة وعقد البيع أو الوعد بالبيع أو الهبة، كما أنه لا يلاحظ في بيع التقسيط أي تناسب مع قيمة الإيجار، وإنما ينظر إلى توزيع الثمن على الوقت المحدد، كما أنه يختلف عن الإجارة العادية (التشغيلية) التي لا يقصد منها التمليك ولكنه متفق معها في الأسس العامة وتطويرها([1])، وهي صيغة استثمارية معاصرة تتلاءم مع التطوير الاقتصادي في العالم، وطورتها البنوك الإسلامية، وبالأخص بنك التنمية الإسلامي في تعامله مع الدول الإسلامية، واقتضاها التنوع في التمويل الاستثماري لتلبية حاجات المتعاملين مع البنوك الإسلامية من المستثمرين والأفراد الراغبين في التملك وغير القادرين على الشراء مباشرة مع الحفاظ على حقوق البنوك الإسلامية.
وهو صيغة لا يقصد بها الا ستمرار في عقد الإجارة، أو عودة العين المؤجرة إلى المؤجِّر بعد انتهاء المتفق عليها- كما هو الحال في عقد الإجارة العادية- وإنما يراد من خلالها تملك المستأجر العين المؤجرة بعد مدة الإجارة مباشرة، أو من خلال تملكه نسبة شائعة منها شهرياً أو سنوياً (بالتدريج) فتطفأ الحصص في آخر المدة المتفق عليها، ويصاغ ذلك من خلال اتفاقية مسبقة تتضمن هذا العقد مع وعد بالبيع، او الهبة في آخر المدة.
نحن هنا نذكر جميع الصور المتاحة لنا واحدة واحدة مع تكييفها الشرعي، والقانوني، ثم ما يرد عليها من إشكالات أو شبهات لمناقشاتها، للوصول إلى الرأي الراجح الذي يدعمه الدليل، ثم نذكر بعض العقود المطبقة في بعض البنوك الإسلامية، ثم نختم هذا المبحث بالبدائل الممكنة المحققة لمثل هذه الأغراض المنشودة بعد الإجارة المنتهية بالتمليك([2]).
نبذة تاريخية:
تعود فكرة البيع الإيجاري (الإيجار المنتهي بالتمليك) إلى القانون الإنجليزي حيث لجأ أحد التجار بإنجلترا إلى هذه الطريقة المعروفة في القانون الإنجلو أمريكي باسم (Hir-Pur chass) قاصداً رواج مبيعاته بتشجيع عملائه على الشراء بالتقسيط مع وجود ضمان كافٍ للتأجر نفسه حيث تبقى ملكيته للعين، ثم ما لبث هذه الطريقة أن انتشرت نتيجة إنتاج الصناعات الكثيرة فلجأ إليها العديد من المصانع الكبيرة لتسويق مصنوعاتها مثل مصنع سنجر حيث كان يتعامل مع عملائه عن طريق عقد إيجار يتضمن إمكانية تملك الآلات المؤجرة بعد تمام سداد مبلغ معين يمثل في حقيقته ثمناً لها، ثم تطور هذا العقد عن طريق مؤسسات السكك الحديدية التي كانت تشتري مكائن خاصة لمناجم الفحم من خلال البيع الإيجاري([3])، ثم تزايد انتشار هذا العقد مما دفع بالمشرعين إلى تنظيمه بنصوص قانونية، وذلك منذ بداية هذا القرن.
فقد تناوله فقهاء القانون تحت مسميات الإيجار الساتر للبيع، أو البيع الإيجاري، أو الإيجار المملِّك، وذلك عند شرحهم للمواد القانونية الخاصة به مثل المادة (430) من القانون المدني المصري، والمادة (398) من القانون المدني السوري، والمادة (419) من القانون المدني الليـبي، والمادة (534) من القانون المدني العراقي، والمادة (140) من القانون المدني الكويتي([4]).
عقد الليزنج:
وقد تطوّر الإيجار الساتر، أو البيع الإيجاري في القانون الأنجلو أمريكي عندما دخلت المؤسسات المالية كوسيط بين العاقدين، وقامت بتمويل عملياتها التي سميت بعقد الليزنج (Leasing) أو ما يسمى في القانون الفرنسي بهذا المسمى؛ ويسمى الإيجار الائتماني (Credit Boil)، بل سميت هذه المؤسسات نفسها بمؤسسات الليزنج، وكانت بداية هذا العقد في أمريكا عام 1953م، ثم في فرنسا عام 1962م، ولم يظهر في القانون المصري إلى اليوم([5]).
وقد امتازت هذه الصورة بتدخل طرف ثالث وهي المؤسسات المالية التي تقوم بشراء الأشياء التي هي في الغالب تجهيزات وصناعات كالطائرات، والقطارات، والسفن، والدور، ونحو ذلك، ولكنها لا تريدها لنفسها، بل تشتريها لهذا الغرض، حيث تقوم بتأجيرها لمن يتعاقد معها لفترة مناسبة للطرفين طويلة – في الغالب – وقد يجددها لفترة أخرى، ثم يقوم المستأجر بإعادة الشيء المستأجَر إلى المؤسسة، أو بتملكه مقابل ثمن يراعى في تحديده المبالغ التي دفعها كأقساط إيجار، فليس في عقد الليزنج إلزام بشراء العين المؤجرة، وكذلك تظل مملوكة للمؤسسة.
والجديد في الليزنج هو تدخل مؤسسة الليزنج التي لا تريد شراء هذه المعدات، وإنما تريد تحقيق الأرباح من خلال هذه العملية، ولذك يقوم المستأجر نفسه بتحديد الأشياء التي يريدها، ومواصفاتها، بل قد توكله المؤسسة للقيام بشراء هذه الأشياء باسمها، فهو وكيل فمستأجر، لذلك يوجد بجانب عقد التأجير عقد التوريد طرفاه الصانع، أو المورد، ومؤسسة الليزنج التي تحتفظ بملكية هذه الأشياء، وهي تنظر إلى كيفية استرجاع رأسمالها مع أرباحها، آخذة بنظر الاعتبار نوعية هذه الآلات والمعدات وعمرها الافتراضي والأقساط التي تتسلمها، مع قيمتها بعد انتهاء مدة الإيجار مع إتاحة حق الشراء الاختياري للمستأجر في نهاية العقد بأسعار تحدد بعد منذ البداية، أو بأسعار السوق السائدة، وتحميله تكاليف الصيانة والإصلاح والتأمين وغيرها([6]).
ولذلك عرّف القانون الفرنسي الصادر في 2 يوليو 1966م عقد الليزنج بأنه عمليات تأجير المعدات والتجهيزات والآلات والعقارات ذات الاستعمال الصناعي، والمشتراة خاصة بقصد هذا التأجير من قبل شركات تبقى محتفظة بملكية هذه التجهيزات، ويكون من شأن هذه العمليات أن تخول المستأجر الحق في شراء التجهيزات([7]).
مزايا الليزنج (البيع الإيجاري):
أصبح الليزنج وسيلة جيدة لتمويل التجهيزات ساعدت على تنشيط المشروعات الصناعية، والتجارية، وتدوير السيولة وتحققت له مكانة مرموقة في الأسواق العالمية حيث حقق معدل نمو مرتفع للغاية، فقد بلغ معدل نموه في أوربا الغربية وحدها على سبيل المثال (800%) خلال الفترة من عام 1970 إلى عام 1979م، وتقدر الاستثمارات الأوروبية التي تتم حالياً عن طريق (8%) من إجمالي الاستثمارات، وفي عام 1981م بلغ رأس مال الشركات العاملة في مجال التأجير في الدول الصناعية (55) مليار دولار([8]). وبذلك قد فاق كل وسائل التمويل الأخرى, وذلك لما يتمتع به من مزايا مقارنة بوسائل التمويل التقليدية الأخرى، وهذه المزايا هي:
1- يهتم نشاط الليزنج بالدرجة الأولى بمقدرة التدفقات النقدية للمستأجر على السداد دون التركيز على حجم أصوله ومقدار رأس ماله.
2- احتفاظ شركات الليزنج بملكية الأصل موضوع الإيجار يجعلها تتغاضى عن كثير من الضمانات التي تطلب في حالة التمويل النقدي.
3- تكون شروطه في الغالب أفضل وسائل التمويل المتاحة حيث تقدم المؤسسة (الطرف الثالث) في الغالب ما يقرب من (100%) من التمويل المطلوب في حين أن التمويل التقليدي لا يتجاوز في أغلب الأحيان (70%) مما يدفع المقترض المستفيد أن يبحث عن السيولة لتغطية الباقي (30%).
4- يحقق مرونة أكثر في تقدير أقساط الأجرة مقارنة بأقساط سداد القروض في حالة التمويل التقليدي، وذلك لأن شركات الليزنج تركز على تحليل قدرة التدفقات النقدية على الوفاء بالتزامات المستأجر.
5- يقوم المستأجر في إطار نشاط الليزنج بتنزيل كافة مدفوعاته مقابل استقلال الأصل محل الإيجار من حسابات الأرباح والخسائر الخاصة بشروطه.
6- لا تؤثر الاستفادة من الليزنج على قدرة المستأجر على الاستفادة من وسائل التمويل الأخرى، وذلك لأن التزاماته الناشئة عن عقد الليزنج تكيف على أساس كونها أحد مصروفات التشغيل، ولا تدخل عند حساب معدلات المديونية، وبالتالي لا تؤثر على القدرة الائتمانية للمستأجر.
7- تفادي القيود التي تلتزم بها البنوك في تمويلها للمشروعات، أو إقراضها حيث جعلتها عاجزة عن إشباع حاجة الائتمان في مختلف صوره.
8- يدفع عجلة التنمية إلى الأمام لما يتمتع به من تسهيلات كبيرة تؤدي إلى تذليل مشكلات التشييد والمرافق التي ترجع أساساً إلى ضعف إمكانيات أجهزة المقاولات الحالية([9]).
وقد نشرت الأهرام في أغسطس 1983م، أن هيئة سوق المال بالاشتراك مع بنك مصر إيران للتنمية تعتزم إدخال نظام الليزنج كوسيلة تمويلية فعالة مستحدثة في مصر فقالت:
“ذلك أنه بالرغم من أن صدور قانون الاستثمار والمناطق الحرة كان إيذاناً بتحرك قوي على مدارج النمو الاقتصادي، وهو تحرك يستهدف مسايرة التقدم التكنولوجي العالمي واستقطاب رؤوس الأموال الأجنبية لكي تسهم بدور فعال في دفع عجلة التنمية ودعم الصرح الاقتصادي لمصر المستقبل، ومع أن البنوك المصرية والمشتركة قامت بدور فعال في تمويل الكثير من المشروعات الجديدة، إلا أن طبيعة القيود التي تلتزم بها البنوك التجارية قد جعلتها عاجزة عن إشباع حاجة الائتمان في مختلف صوره، فبدت فجوة واسعة لم تستطع أن تسدها في مختلف الدول النامية إلا نوعية من شركات توظيف الأموال، التي تقوم بمزاولة نشاط الليسنج أو التأجير المالي للعقارات والمنقولات المختلفة الذي يستهدف سد احتياجات كافة القطاعات الإنتاجية والخدمية من الآلات والمعدات والمنشآت والتي عادة ما تعجز وسائل التمويل التقليدية عن مقابلتها”.
“وبناء على ما سبق فقد قامت هيئة سوق المال بالاشتراك مع بنك مصر إيران للتنمية بدراسة كافة الجوانب القانونية والمالية والمحاسبية والتسويقية المتعلقة بمثل هذا النشاط، وذلك بالاستعانة بهيئة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي للإنشاء والتعمير نظراً لخبرتها في تقديم هذا النشاط في العديد من البلدان النامية، وعلى أثر النتائج الإيجابية للدراسات العديدة التي تم الانتهاء منها في هذا الشأن، يقوم حالياً بنك مصر إيران للتنمية بالاشتراك مع هيئة التمويل الدولية وشركة مانوفاكتشورز ليسنج الأمريكية إحدى كبرى الشركات العالمية المتخصصة في هذا النشاط بالاضطلاع بمسؤولية تأسيس أول شركة تأجير مالي في مصر للمساهمة في سد النقص الملموس في هيكل ووسائل التمويل المتوسط والطويل الأجل المتاحة في مصر حالياً(10).
صور الإيجار البيعي في القانون (الإيجار المنتهي بالتمليك):
ذكر الأستاذ السنهوري صورتين، تتفرع من الثانية صورتان فأصبحت ثلاثاً، وهي:
1- الإيجار الساتر للبيع: وهذا يتحقق فيما إذا كان قصد العاقدين هو البيع بالتقسيط، ولكن البائع يخاف من عدم استطاعة المشتري من دفع الأقساط فيعمد إلى تسميته بالإيجار ولا يذكر البيع مطلقاً في العقد حتى لا تنتقل ملكية العين المؤجرة إليه، ولكنهما يتفقان على أنه إذا وفي المشتري بالأقساط المطلوبة انقلب الإيجار بيعاً،ولذلك قضت الفقرة الرابعة من المادة (430) من القانون المدني المصري بأن أحكام البيع بالتقسيط تسري على هذا العقد: (ولو سمى المتعاقدان البيع إيجاراً) ويترتب على ذلك أن الإيجار الساتر للبيع يعتبر بيعاً محضاً وتسري عليه أحكام البيع بالتقسيط من انتقال ملكية المبيع إلى المشتري معلقة على شرط واقف منذ إبرام العقد، وأنه إذا أفلس المشتري على العين فإن البائع يستطيع أن يفسخ البيع، كما له حق امتياز على العين يتقدم به على دائني المشتري([11]).
2- الإيجار المقترن بوعد بالبيع، ولكن النيّة واضحة في أنه بيع بالتقسيط، وذلك بأن يكون المتعاقدان يريدان في الحقيقة بيعاً بالتقسيط منذ البداية، وآية ذلك أن يجعل المؤجر الوعد بالبيع الصادر منه معلقاً على شرط وفاء المستأجر بأقساط الإيجار في مواعيدها، وأن يجعل الثمن في حالة ظهور رغبة المستأجر في الشراء هو أقساط الإيجار، وقد يضاف إليها مبلغ رمزي، ففي هذا الفرض يكون العقد بيعاً بالتقسيط لا إيجاراً، ويعتبر المشتري مالكاً تحت شرط واقف، فلا يكون مبدداً إذا هو تصرف في المبيع قبل الوفاء بالثمن، ولا يستطيع البائع استرداده من تفليسة المشتري.
3- الإيجار الجدي المقترن بوعد بالبيع، بحيث تكون الأجرة مناسبة للعين المستأجرة، وأن يكون الثمن الموعود به عند البيع ثمناً حقيقياً جدياً مستقلاًّ عن أقساط بالتقسيط، ولا يتم البيع تلقائياً بنهاية المدة المحددة، وإنما بعقد جديد([12]).
4- عقد الليزنج – كما سبق شرحه.
التكييف القانوني للإيجار البيعي وحكمه:
اعتبر القانون المصري الصورة الأولى بيعاً بالتقسيط (كما في الفقرة: 430م.م) حيث قضت بأن أحكام البيع بالتقسيط تسوى على العقد (ولو سمى المتعاقدان البيع إيجاراً) فلم يحتفل بهذا التذرع وذلك لأن الغرض الذي يرمي إليه العاقدان واضح وإن لم يذكرا عقد البيع، حيث قصدا أن يكون الإيجار عقداً صورياً يستر به العقد الحقيقي وهو البيع بالتقسيط، وأن الثمن الحقيقي الذي يسميانه أجرة إن هو إلا أقساط، فتسري عليه أحكام البيع بالتقسيط التي سبق أن ذكرنا بعضها([13]).
وكذلك الأمر في الصورة الثانية حيث يعتبر العقد بيعاً بالتقسيط لا إيجاراً حتى ولو أضيف إليه مبلغ رمزي، ويعتبر المشتري مالكاً تحت شرط واقف، فلا يكون مبدّداً إذا هو تصرَّف في المبيع قبل الوفاء بالثمن، ولا يستطيع البائع (المؤجر) استرداد المبيع من تفليسة المشتري([14]).
ومن هنا عوقب البائع (المؤجر) بنقيض قصده وانطبقت عليه القاعدة الفقهية: “من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه”([15])، وذلك لأن البائع قد ظن أنه حصن نفسه من أن يتصرف المشتري في العين، ومن شر إفلاسه، حيث لا تزال العين في ملكه ولم تنتقل إليه، ولكنه لم يستفد منه.
وأما الصورة الثالثة فتعتبر إيجاراً، لا بيعاً بالتقسيط، فلا تنتقل الملكية إلى المستأجر، وإذا تصرف المستأجر في العين المؤجرة كان مبدداً وإذا أفلس استرد المؤجر السيارة من تفليسته، فإذا ما أظهر المستأجر رغبته في شراء العين انتهى عقد الإيجار، وتم عقد بيع بنقل الملكية إلى المشتري من وقت ظهور الرغبة، ولا يستند بأثر رجعي إلى وقت الإيجار، وزال التزام المستأجر بدفع أقساط الأجرة، وحل محله التزام المشتري بدفع الثمن المتفق عليه، ويكون الثمن مضموناً بحق امتياز على المبيع([16]).
وقد كان فقهاء القانون والقضاة في مصر مختلفين قبل صدور القانون المدني الجديد، فكان بعضهم يذهب إلى أن البيع الإيجاري إيجاد مقترن بشرط فاسخ ومصحوب ببيع معلق على شرط فاسخ([17]).
في حين ذهب بعضهم إلى اعتبار العقد مركباً يهدف إلى غرضين مختلفين في وقت واحد، لا يمكن الفصل بينهما، ومن ثم يكون عقداً غير مسمى[18]، وقضت محكمة الاستئناف المختلطة في 11/12/1934م بأن حقيقة العقد بيع لا إيجار، وذهبت محكمة النقض في 21/6/1934م إلى أن تكييف العقد هل هو بيع أو إيجار يتبع فيه قصد العاقدين وأن المحكمة تستهدي في ذلك بنصوص العقد، والظروف التي تحيط به[19].
وأما النظام الإنجليزي فلم يعتبر الإيجار البيعي إيجاراً بالمعنى الدقيق، لأنه يتضمن عناصر للبيع، ولا بيعاً، لأنه لا يؤدي إلى إلزام المؤجر أو المستأجر بعقد البيع، بل تظل ملكية الشيء للمؤجر، ولا تنتقل إلى المستأجر(المشتري) ولذلك فرق القانون الإنجليزي بين العمليتين الآتيتين:
1- اتفاق بين عاقدين يظهران كمؤجر ومستأجر يحصل بمقتضاه المستأجر على حق التملك في نهاية مدة الإيجار مقابل دفع مبلغ إضافي، رمزي في العادة، وفي هذه الحالة يقرب الإيجار البيعي من عقد الإيجار.
2- عقد بينهما على الإيجار في الظاهر لكنه يتضمن تملك المستأجر للعين المستأجرة بمجرد دفع القسط الأخير دون حاجة إلى إبرام عقد جديد، وفي هذه الحالة يقترب من عقد البيع([20]).
وقد حاول الفقه الفرنسي تحديد طبيعة هذا العقد، ولكنه لم يتفق على ذلك، فقد ذهب الاتجاه السائد إلى تكييفه بأنه عقد إيجار مقرون بوعد منفرد بالبيع، وأما القضاء الفرنسي فقد اعتبره متضمناً عمليتين قانونيتين في وقت واحد وهما: إيجار يليه بيع، وكل منهما مستقل عن الآخر، إذا تبين استقلال الإيجار عن البيع، وحينئذٍ يخضع كل منهما لأحكامه الخاصة، وفيما عدا ذلك يعتبر عملية قانونية واحدة، وقرر القضاء في هذا الصدد أنه بمجرد سداد جزء معين من الثمن فإن عقد البيع الإيجاري يتحول إلى بيع ائتماني([21]).
وبما أن العبرة في تكييف الاتفاق هو ما اتجهت إليه نية العاقدين، فإن للقضاء سلطة واسعة في إعطاء هذا الاتفاق تكييفه الصحيح، فإذا ظهر له أن نيتهما كانت متجهة إلى إبرام عقد بيع فإنه يكيف على أنه بيع، ويظهر ذلك من خلال ما يأتي:
1- الظروف المحيطة بالتعاقد والأمور التي التزم بها العاقدان.
2- والنشاط المهني الذي يمارسه المؤجر.
3- ووجود اتفاق ملحق بالعقد.
4- والسلطات الكبيرة المخولة للمستأجر على العين المؤجرة من حيث التصرف.
5- وكيفية سداد الثمن من حيث القدر والتناسب مع الأجرة، أو الأقساط، بل قد يعطي المستأجر جزءاً كبيراً من الثمن قبل تحقق البيع، فإن هذا يدل بوضوح على أنه بيع، وما دفعه أقساط حتى ولو تحايل فسمى المبلغ المقدم عربوناً، أو باسم الضمان، أو التأمين([22])، اعتبر القضاء ذلك الاتفاق بيعاً وليس إيجاراً.
6- وقلة المبلغ الذي يباع به الشيء في الأخير وضآلته حيث يستشف منها أن العملية كلها بيع وإن ستر بلفظ الإيجار([23]).
ففي هذه الحالات التي تظهر منها نية العاقدين أنها متجهة في حقيقتها إلى بيع بالتقسيط في صورة عقد الإيجار اعتبرت المحاكم هذه النية، وجعلت العقد بيعاً بالتقسيط مع الاحتفاظ بالملكية، ولم تول عناية بهذا الظاهر المتمثل في العقد بأنه إيجار، وقررت نتيجة ذلك عدم الاحتجاج باحتفاظ البائع بالملكية في مواجهة تفليسة المشتري، أما إذا كانت النية متجهة للتحايل على الأحكام التي يفرضها المشرع للبيع الائتماني فقد أعلن القضاء الفرنسي بطلان مثل هذا الاتفاق لعدم مشروعيته([24]).
الخلاصة:
إن البيع الإيجاري ليس له تكييف واحد، بل يتردد تكييفه وتحديد طبيعته القانونية بين البيع مع الاحتفاظ بالملكية لحين استيفاء كامل الثمن، وبين الإيجار المقترن بوعد بالبيع، ففي الحالة التي تنطبق على الصورتين الأولى والثانية اللتين ذكرناهما فإن القضاء الفرنسي يخضع البيع الإيجاري من حيث الأصل لأحكام عقد البيع، والتشريعات التي تنظم البيع الائتماني من حيث وضع القيود المتعلقة بمدة الائتمان وأقساط الثمن، ولا يطبق عليه قواعد الإيجار إلا استثناء، ولذلك فإذا تضمن العقد وعداً فلا بُدّ أن يكون ثمن البيع محدداً، أو قابلاً للتحديد، وإلا لما وجد العقد، كما أن الأجل الممنوح للمشتري (المستأجر) يسقط في حالة تصرف المشتري في المبيع بإعادة بيعه إذا كان البائع قد اشترط ذلك، كما تطبق عليه قواعد الغبن في حالة بيع العقار، وتكون العبرة في تقدير الغبن بوقت إبرام العقد([25]).
وفيما يخص نقل ملكية الشيء المؤجر، فله اعتباران حيث إنه بالنسبة للعاقدين لا يتم ذلك، وفي مقابل دائني المستأجر (المشتري) قرر القضاء الفرنسي – ورغبة منه في وأد كل محاولة للتحايل على دائني المستأجر – أنه بمثابة البيع النهائي بالنسبة لهم، لذلك لا يسمح للمؤجر بالاحتجاج باحتفاظه بالملكية إلى حين تمام سداد الثمن على تفليسة المشتري، وحينئذٍ فلا يمكن استرداد المبيع من التف