بسم الله الرحمن الرحيم

 

الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

يدعو المسلمين في أوروبا وغيرها إلى الاندماج الإيجابي ويطالبهم بالمشاركة الفعالة في الانتخابات وإعطاء أصواتهم لمن يستحقها.

ويحذر المتعصبين المتطرفين من عواقب وخيمة  للجميع إذا اتخذت سياسات التمييز العنصري مذكراً بأن النازية والعنصرية أدخلت أوروبا في حربين عالميتين خلال اقل من نصف قرن، مناشداً العقلاء من دحض هذه الأصوات.

 

يتابع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أوضاع العالم إيماناً منه بأن الإنسانية واحدة، فسلمه للجميع، وحربه على الجميع، وأن الله تعالى خلق الأرض للجميع فقال تعالى (وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ) (سورة الرحمن/10).

وانطلاقا من المسؤولية الدينية والأخلاقية يوجه الاتحاد هذا البيان البلاغ للجميع

 

أولاً: بالنسبة للمسلمين الذين يعيشون في هذه البلاد يوجه لهم ما يأتي :

الحمد لله الذي أنزل دينه رحمة للعالمين، وجعل عباده شعوبا وقبائل ليتعارفوا، وكلّفهم بعمارة الأرض متعاونين على البرّ والتقوى. أما بعد

فقد قال تعالى:" يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا" (الحجرات/13)، وقال تعالى:" هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها" (هود/61) وهو تكليف للمسلمين أينما كانوا بأن يسعوا فيما فيه للناس خير، وأن يجتهدوا في التعاون مع المجتمعات التي يعيشون فيها مهما كانت دياناتها وأجناسها، يتعاملون معهم بالحسنى، ويتعاونون معهم مخلصين في جهود التنمية المادّية والبشرية، ويشتركون معهم جنبا إلى جنب في البناء الحضاري مقدّمين من مخزونهم الديني والثقافي ما فيه إضافة خير من القيم الأخلاقية والتعميرية، ملتزمين بالقوانين والنظم المعمول بها في البلدان التي يعيشون فيها، محافظين على المواثيق والعهود التي بها دخلوا تلك البلاد وأقاموا فيها وتجنّسوا بجنسيتها.

هذا وقد أصبح للمسلمين في البلاد الغربية عامّة وفي البلاد الأوروبية خاصّة وجود معتبر، وهو ما يلقي عليهم بمسؤولية ثقيلة في أن يكونوا في هذه البلاد رسل خير وسلام ومحبّة وتعاون، وأن يبذلوا جهدهم في تحقيق مصالح مجتمعهم، سعيا في العلم وجدّا في العمل، وإخلاصا في المعاملة، والتزاما بالقوانين، وأداء للواجبات، وإضافة من دينهم لما فيه الصلاح، وأن يكونوا في كلّ ذلك في موقع الريادة في العطاء لا موقع التبعية والهامشية.

وتزداد هذه المسؤولية الملقاة على عاتق المسلمين بأوروبا ثقلا بالنظر إلى ما تسبّبه تصرّفات بعض المنتسبين إلى الإسلام من ضرر بالغ بصورة الإسلام والمسلمين، إذ يظنّ البعض عن غفلة ويستغلّ بعض آخر هذه الأحداث عن تربّص وإضمار ليلصقوا بالإسلام والمسلمين تهمة العنف والإرهاب، وهو ما يستدعي من المسلمين أن يبذلوا جهودا مضاعفة ليزيلوا من الأذهان هذه الصورة السيئة بما يقدّمون من الخير وبما ينشرون من الأمن والمحبّة، وبما يجتهدون في تحقيق المصلحة العامّة.

ومن واجب المسلمين في هذه البلاد أن ينخرطوا في قضايا المجتمع الذي يعيشون فيه، وأن يحملوا همومه، وأن يتضامنوا مع كلّ أبناء المجتمع في مواجهة المشاكل التي تطرأ فيه، وأن يقتسموا معهم تحمّل أعبائها، وأن يشتركوا معهم بإيجابية في حلّها سواء باعتبارهم مواطنين فيما تفرضه عليهم واجبات المواطنة، أو باعتبارهم مقيمين فيما تفرضه عليهم واجبات الوفاء بالعهود والمواثيق. وأن يكون رائدهم الدفاع على المصلحة العامّة، وإذا كانت لهم مصالح خاصّة بهم كمسلمين فليطالبوا بها في رفق في نطاق القوانين المعمول بها، ولتكن نصرتهم دوما لقضايا الحقّ والعدل في غير انحياز إلا إليهما في كلّ شأن.

ومن أهمّ الشؤون التي يجب على المسلمين أن ينخرطوا فيها الشأن السياسي، فهو المدخل الأوسع للإسهام في حلّ المشاكل ولخدمة الصالح العامّ، وهو المنبر الفاعل لإصلاح الصورة السلبية عن الإسلام والمسلمين، بما يتوفّر فيه من فرص للأقوال والأعمال، وبما يظهر فيه عاجلا من مظاهر الوطنية والعطاء.

والانتخابات لاختيار ممثلي الشعب في الدوائر السياسية المختلفة هي مفتاح السياسة، وهي مظهرها الأبرز، فليكن للمسلمين فيها مشاركة فاعلة، يتحرّون فيها المصلحة العامّة، وينتصرون فيها للقويّ الأمين من المرشّحين، فيختارون منهم الأكفأ في قدراته، والآمن في ضميره وأخلاقه، والأرحام بالناس والأنجع للوطن من الخطط والمشاريع، لا تأخذهم في ذلك حمية من عصبية، أو دافع من حزبية، أو هوى من عرقية، وإنما يكون رائدهم المصلحة الوطنية.

هذا وإنّ الاستحقاقات الانتخابية بأوروبا تتتالى مختلفة الأنواع والمستويات، فليكن للمسلمين فيها حضور مشهود، يرشحون ويترشحون، ولتكن لهم أفكار وخطط رائدة صبّ في مصلحة المجتمع، يخاطبون بها الناس ليقنعوهم بها، أو ليناصروا غيرهم من المرشحين ومن البرامج والخطط، مناصرة تقوم على تحكيم الضمير ومراعاة مصلحة المجتمع، في غير انحياز إلى هذا الشخص أو ذاك، وإلى هذه الخطّة أو تلك إلا على هذا الأساس الوطني، وليصمّوا آذانهم عن تلك الدعوات التي تصرفهم عن المشاركة السياسية بما فيها المشاركة الانتخابية، فإنها دعوات ليس لها أساس من الدين الحنيف الذي يدعو إلى تحرّي الأصلح وتكثيره أينما وجد، وإلى تجنّب الضرر وتقليله، وإلى الإدلاء بشهادة الحقّ، وما المشاركة السياسية والانتخابية إلا سبيل من السبل المحقّقة لذلك.

إنّ على المسلمين في كلّ مكان، وعلى المسلمين بالبلاد الأوروبية بصفة خاصّة أن يتمثّلوا قوله تعالى:" وكذلك جعلناكم أمّة وسطا لتكونوا شهداء على الناس" (البقرة/143) بكلّ ما يتضمّنه معنى الشهادة من الحضور الفاعل، ومن العلم النافع، ومن الصدق في القول والعمل، ومن السعي في نفع الناس وتحقيق الخير لهم.

ثانياً: بالنسبة للأكثرية الحاكمة في أوروبا وضميرها نوجه لهم الخطاب الآتي:

 

إن ديننا الإسلامي الحقيقي هو دين الرحمة والتعايش السلمي على أساس العدل والمساواة، قال تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) (سورة الأنبياء/107)، وأن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم في تعامله مع غير المسلمين يقوم على أساس البر والإحسان والعدل وكرامة الإنسان، وعدم إكراه أحد على الدين (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) (سورة البقرة/256).

وقد أكد الإسلام على مجموعة من المبادئ المشتركة تدل بوضح على الأخوة الإنسانية، وأن أصلهم واحد، فلا فضل لأحد على الآخر إلا بالتقوى والعمل الصالح النافع.

وقد هاجم الإسلام هجوماً عنيفاً ضد العنصرية والعصبية الجاهلية، وبنى مجتمعه على أساس التعايش، والسلم فقال تعالى (ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) (سورة البقرة/208).

وبناء على ذلك فإننا نرى أصوات بعض السياسيين تعلو بالعنصرية وغرس الكراهية والحقد، والتميز العنصري وبخاصة ضد المسلمين، ويحاولون الوصول إلى الحكم على هذه الأصوات المتعارضة لجميع الأديان السماوية مثل اليهودية والنصرانية والإسلام.

لذلك نحذرهم من مغبة هذه السياسات التي تعود على أوروبا وعلى العالم بالخراب والعواقب الوخيمة، ونذكر العالم والعقلاء بما حدث في أوروبا خلال النصف الأول من القرن العشرين بأن النازية والعنصرية والظلم اشعلت حربين عالميتين راح ضحيتهما عشرات الملايين من البشر، ودمرت أوروبا بالكامل.

لذلك ندعو العقلاء إلى منع هذه الأصوات المتطرفة من الظهور والهيمنة، فالتطرف شر كلّه، وخراب كلّه، والعنصرية دمار وخراب من أي قوم كان والى أي دين ينتسب.

ونحن جميعاً شركاء في الأرض وفي مستقبلها فعلينا جميعا حمايتها من التشدد والتطرف، والعنصرية سواء كان باسم دين، أو قوم.

والله المستعان

 

علي محيي الدين  القره داغي  

                                                                   الأمين العام