مقدم الحلقة: محمود مراد
ضيف الحلقة: علي القره داغي/ الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
تاريخ الحلقة: 25/3/2012
– التناقض بين الأقوال والأفعال
– ابتعاد السياسة عن الأخلاق
– عنجهية النظام وأخلاقية الثورة
– أخلاق السياسة وسياسة الأخلاق
محمود مراد: مشاهدينا الأعزاء السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته وأهلا بكم في حلقة جديدة من برنامج الشريعة والحياة، الصفة اللصيقة بالإنسان هي أنه كائن أخلاقي قبل أن يكون كائنا عقلانيا كما أن فساد الاستبداد وإفساده شمل الجانب الأخلاقي والقيمي وقلما يتنبه إلى هذا في غمرة الانشغال بالسياسة والسلطة أضف إلى ذلك أن وقائع الثوران العربي الكبير وما نجم عنه من ممارسات وانقسامات ونصر لبعض التيارات دون غيرها يفرض علينا إعادة طرح سؤال الأخلاق في كل ما جرى ويجري فهل تنحصر المسؤولية الأخلاقية داخل الحدود القطرية للدولة؟ وأين يتجلى البعد الأخلاقي للثورة؟ وهل تسقط شرعية الحاكم بفساده أخلاقيا؟ وأي أخلاق ينبغي أن تحكم المتنافسين سياسيا؟ إذن الأخلاق في السياسة موضوع حلقة اليوم من برنامج الشريعة والحياة وضيفنا هذه الليلة هو الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين فضيلة العلامة الدكتور علي القره داغي وهو كذلك نائب رئيس المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث مرحبا بك فضيلة الدكتور.
علي القره داغي: يا مرحبا بارك الله فيكم.
محمود مراد: المنسوب إلى الإمام الشيخ محمد عبده عبارة شهيرة تقول: ” لعن الله ساسة يسوس وكل مشتق من هذه المادة في اللغة العربية” أنا لست أدري تحديدا ما صحة هذه النسبة للشيخ محمد عبده من عدمها لكن كثيرون يتحدثون عن أن السياسة هذا مجال لا ينبغي للأخلاق أن تدخل فيه ولا ينبغي على المتحلين بالأخلاق أن يلجوا هذا المجال بالأساس لأنهم سيتلوثون وسيسقطون من نظر العامة ما تعليقكم على هذا؟
علي القره داغي: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أيها الأخوة والأخوات أحييكم جميعا بتحية الإسلام وتحية الإسلام السلام فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وفعلا ما سمعته قبل أن أرد على حضرتكم في هذا السؤال الجيد أن ما قيل في العرض الذي تفضلت به وهو أن الإنسان كائن أخلاقي هذا ما أكده الرسول صلى الله عليه وسلم حينما قال: ((كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)) فالفطرة هي هذه القيم الأصيلة هذه هي الأخلاق النبيلة هذه القيم الشامخة التي ركزت عليها جميع الأديان ومن هنا دخلت في القيم والأخلاقيات النبيلة المعتدلة دون إفراط ولا تفريط في صميم هذا الدين في عقيدته وفي شريعته وفي منهج حياته وقد ارتبطت هذه العقيدة والشريعة والأركان العبادية كلها بهذه القيم شوف الصلاة {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}[العنكبوت: 45] والصوم لعلكم تتقون الحج ليشهدوا منافع لهم الزكاة خذ من أموالهم صدقة تطهرهم، تطهرهم وتزكيهم بها أيضا أمور الإسلام تدور حول تزكية هذه النفس وإصلاحها حتى تكون صالحة وبالتالي تكون قادرة على الإصلاح ومن هنا حقيقة مسألة والسياسة إذا قلنا بأن السياسة بمعنى أنها إدارة الحكم بما يحقق المصالح ويدرأ المفاسد عن البلاد والعباد وهذا هو السياسة فهذه السياسة جزء أساسي من هذا الدين جزء من منهج الحياة الذي بين الله سبحانه وتعالى بقوله حينما قال: }اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}[الأنفال:24] {إنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{[الأنعام: 162] فكل نشاط إنساني سواء كان نشاطا عفوا اجتماعيا أو إنسانيا أو سياسيا فهو لابد أن ينظم في إطار هذا التنظيم وفي هذا المنهج ومن هنا فما أسند إلى الشيخ محمد عبده لم أسمع بأنه صحيح ولو صح هو كلامه منصب على هذه السياسة التي كانت تطبق في عصره وهي كانت سياسة المحتلين أو سياسة المتعاونين مع المحتلين كما لا يخفى على حضراتكم فكانت هذه السياسة سياسة احتلال سياسة الظلم سياسة الاستبداد، لعنة الله على هذه السياسة التي تقوم على الاستبداد والاحتلال، أما السياسة بمعنى ساس الأمر أي أنه ساسه بحكمة حتى المعنى اللغوي فإذا كان المقصود بهذه السياسة وإدارة البلاد بحكمة وحراسة الدين والدنيا بحكمة بما يحقق المصالح فهذا جزء من الإسلام ويجب أيضا أن ترتبط وتنظم هذه السياسة بالأخلاقيات حتى يسير الناس على حرية وعلى عدل وعلى مساواة.
التناقض بين الأقوال والأفعال
محمود مراد: يعني كثيرا فضيلة الشيخ في كثير من الأحيان يعمد القائمون على أمور بعض البلاد إلى اصطناع عناوين كبيرة يخفون تحتها ممارسات لا ترتبط أو لا تمت إلى الأخلاق بأي صلة يضعون عنوان مثلا مثل المقاومة مثل الممانعة ثم تحت هذا العنوان يبيحون لأنفسهم قتل الناس واغتصابهم واعتقالهم وما إلى ذلك من هذه الممارسات التي لا تخفى على أحد؟
علي القره داغي: ولذلك نحن عندنا قاعدة أصولية بأن العبرة بالمقاصد والمعاني وليست بالألفاظ والمباني مهما حاولنا أن نسمي الخمر مثلا كما يسمى المشروبات الروحية فهل أصبحت الخمر من المشروبات الروحية ومهما حاولنا أن نسمي الربا فائدة فهل هو فائدة إنما هو فعلا كما حقا تبين ذلك بأن الربا محق وبالتالي تغيير الكلمات وتغيير الأسماء يعني حقيقة يؤدي إلى حيلة وبالتالي هذا التغيير إن لم يكن صحيحا أو هذا الشعار إن لم يكن صحيحا فإن هؤلاء الذين يحملون هذه الشعارات يرتكبون جريمتين جريمة لا أخلاقية من أنهم حملوا شعارا جميلا وفعلوا شيئا سيئا وهذا ما بينه القرآن الكريم لليهود حينما قال: {لمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2] رغم أن القول بالمعروف والنهي عن المنكر أمر طيب لكن حينما يراد بهذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الوصول إلى التحايل حتى تزين نفسك للناس وأنت لست من هؤلاء، الله سبحانه {كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2] حينما يقول الإنسان أو يرفع الإنسان شعارا جيدا طيبا ولكنه يعمل أعمالا لا أخلاقية فحينئذ غش الناس ومن غشنا فليس منا فمن هنا هذه الأمور كلها فعلا تدخل ضمن هذه الممارسات أللأخلاقية وليس هناك شيء في الإسلام أعظم من الأمور أللأخلاقية يعني كما يقال يعني كما قلت الآن الأمر بالمعروف والنهي هو أمر مطلوب لكن حينما يستغل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لإخفاء أمر آخر للوصول إلى أن الإنسان يعصي الله في شيء أو يستغل حاجة أخيه الإنسان كما حدث لبعض الطوائف حينئذ {كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2] ومن هنا لا نجد أن الله سبحانه وتعالى يصف رسوله الحبيب خاتم الرسل وأعظم الرسل ما يصفه مع هذا الحلف ومع هذا القسم إلا بالأخلاق بعدما يقول {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ}[القلم:1] ثم بعد مجموعة من الحلف عظيمة جدا يقول: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } [القلم : 4 ].
محمود مراد: فضيلة العلامة الدكتور علي القره داغي في المرحلة التي نعيش فيها في العالم العربي هناك تيارات إسلامية خاضت غمار السياسة بقوة بعضها حقق نتائج طيبة في الانتخابات، لكن هناك في أذهان بعض هذه التيارات بعض المنتمين لهذه التيارات هناك تشوش وخلط بين الغاية السامية الأخلاق وأكبر تلك الغايات بالطبع هي تطبيق شرع الله في البلاد وبين الوسائل التي تؤدي إلى هذا الأمر نجد بعضهم لا يتحرج من تزوير الانتخابات على سبيل المثال لا يتحرج من عدم إتباع القوانين المنظمة لتلك الانتخابات في بعض البلدان من أجل أنه في نهاية المطاف سيطبق شرع الله هل الغايات تبرر الوسائل؟
علي القره داغي: أبدا هذه مسألة الميكيافلية التي تبنتها مع الأسف الشديد السياسات الغربية وهي متأثرة بالسياسات أللأخلاقية التي تبنتها الصهاينة الميكيافلية وهي أن الغاية تبرر الوسيلة أما في الإسلام لا يمكن أن تبرر الغاية الوسيلة يجب أن تكون الوسيلة مشروعة كما يجب أن تكون الغاية مشروعة وقد عقد الأئمة الكبار ومنهم ابن القيم فصولا خاصا بهذه المسألة بأن العبرة بأن تكون الوسائل تؤدي إلى غايات شريفة.
محمود مراد: نعم فضيلة الشيخ، هناك من يتحدث عن أن غياب الأخلاق عن هذه الممارسات ربما يمحق بركة هذا العمل السياسي ولا يؤدي في نهاية الأمر إلى نصر من الله هذا الأمر قانون جامع مانع.
علي القره داغي: هذه سنة الله سبحانه وتعالى سنة الله سبحانه وتعالى فيمن يتبنون الرؤية الإسلامية يجب أن يكونوا ملتزمين في الإسلام حقا وحقيقة وأن يقدموا الأخلاق قبل العمل وأن يكونوا قدوة قبل أن يعملوا أو قبل أن ينفذوا، لأن بالمناسبة السياسة الرئاسة أو الوصول ليست غاية في نظرنا إنما هي وسيلة لخدمة الشعب لو كان الشخص مسلما حقيقيا فليس الغاية أنني أكون رئيسا ولا أكون نائبا إنما الغاية اخدم كيف أخدم ديني وأخدم شعبي، فمن هنا حقيقة من هذا الجانب لا أقول يمحق البركة وإنما هو يخالف الشريعة وسنة الله سبحانه وتعالى في ذلك يقول حينما يقول: {وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلا إِذًا لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا} [الإسراء :74-75] هذه الآية من أقوى الآيات في هذا المجال يهدد الله سبحانه وتعالى من خلالها الذين يتبنون الفكر الإسلامي وحتى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان الخطاب موجها إليه ومن خلال الرسول صلى الله عليه وسلم يوجهه إلى جميع الإسلاميين بأنه إذا أنتم تتبنون الفكر الإسلامي لابد أن تتبنون الحق والحقيقة ولا تركنوا إلى الظلمة ولا تركنوا إلى أي شيء وأن لا تستعملوا الوسائل غير المشروعة الخ ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن كدت تركن أي تميل إليهم شيئا قليلا مباشرة إذن لأذقناك إذن هذا في اللغة العربية للمفاجأة فورا دون أي تمهل أو لأن الله سبحانه قد يقبل من غير الإسلامي أن يعمل ما يشاء يمهله ولكنه لا يهمله لكن حينما يكون المنهج إسلاميا ويدعي وتدعي المجموعة أنها مجموعة إسلامية ثم لا تطبق الإسلام إن الله سبحانه لا تعطي له مهلة {إِذًا لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا} [الإسراء : 75]
محمود مراد: لكن فضيلة الشيخ يعني..
علي القره داغي: الأخلاق مهمة جدا في نعم.
ابتعاد السياسة عن الأخلاق
محمود مراد: في ممارسات بعض الدول في عصرنا الراهن ما يمكن أن يسبب فتنة في هذا الصدد دول تتجرد ممارساتها السياسية عن كل جانب أخلاقي ومع ذلك هي دول ناجحة ومتقدمة بمعايير العصر.
علي القره داغي: كما قلت لحضرتكم يعني هناك إحنا عندنا معايير يعني لأمور الدنيا ومعايير للدنيا والآخرة وأنا تكلمت بالنسبة لمن يعيش على هذه الدنيا بمعايير الدنيوية كما هو الحال بالنسبة للغرب فالله سبحانه وتعالى يمكنهم حسب سنن الله سبحانه وتعالى الخاصة بالتمكين في الدنيا أما من الشخص الذي لا سمح الله يغش الناس باسم الدين وهذا لا يطبق المعايير لا المعايير الغربية ولا المعايير الشرعية لأنه المعايير بالنسبة له هناك ضوابط وهناك مجموعة من القيم السلوكية وخطاب الله سبحانه وتعالى لهم في هذا المجال بالنسبة لمن يغش الناس ولا سمح الله ويدعي أنه إسلامي ولكنه ليس بإسلامي ويدعي أنه يطبق الإسلام ولكنه لا يطبق هذا كلامنا في هذا المجال وهنا تأتي الخطورة فمن هنا هذا تحذير من الله سبحانه وتعالى للتيارات الإسلامية بأن تلتزم تماما بالإسلام، وأن تلتزم تماما بالشفافية والقيم الأخلاقية، وأن تأخذ كذلك بسنن الله سبحانه وتعالى التي انتصر بها هؤلاء الغربيون نحن معهم في هذا المجال هناك السنن العامة للقوة والنصر في الدنيا تشترك فيها الأمة الإسلامية مع الأمم الأخرى، وهناك سنن خاصة بالأمور الدينية، سنن خاصة بأمور الآخرة، سنن خاصة بالمسلمين هنا تختلف فيها الأمة الإسلامية عن غير الإسلامية، وبالمناسبة مع الأسف الشديد أنا أقول لحضرتك يعني حقيقة نحن نتحدث عن القيم الأخلاقية ولكن مع الأسف الشديد حينما جربت هذه القيم الأخلاق اليوم على مستوى قادة الغرب وقادة الشرق ومعظم حتى قادة العالم الإسلامي، هل نجحوا في تحقيق أو تنفيذ هذه القيم الأخلاقية الإنسانية لا أقول القيم الإسلامية حتى القيم الإنسانية في نصرة المظلومين في سوريا، انظر ما الذي يحدث الذي يحدث في سوريا يندى لها حقيقة أو يندى له جبين الإنسانية جمعاء من قتل وتدمير واغتصاب وتعذيب ممنهج ومبرمج ويوميا قتل ولم يكن شهرا ولم يمض شهر أو شهران إنما سنة دخلنا في سنة ثانية والعالم يتفرج، أين الأخلاق؟ أين القيم الإنسانية؟ أين حقوق الإنسان؟ ولو حدث مثل ذلك في العالم الغربي أو في عالم ربما ينتمي للغرب كعالم نصراني أو شيء هل قبل هؤلاء بذلك..
محمود مراد: هذا سؤال بالغ الأهمية لعلنا نستمع إلى الإجابة معنا عبر الهاتف الدكتور نصر عارف أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة دكتور نصر مرحبا بك.
نصر عارف: مرحبا أهلا وسهلا.
محمود مراد: دكتور نصر فضيلة العلامة الدكتور علي القره داغي طرح سؤال مسألة أين الأخلاق فيما يحدث تجاه سوريا في عصرنا الراهن هل للسياسة مجال لا مجال فيه للأخلاق؟
نصر عارف: لا طبعا هذه مغالطة كبيرة السياسة تحكم بمعادلة ثلاثية وهي المصالح والأخلاق والقانون، وفي العادة يحدث توازن بين هذه الأبعاد الثلاثة ولكن القوى الفاعلة في العالم هي التي تحدد الأوزان النسبية لهذه الأبعاد ففي بعض الأوقات تعلو المصالح على الأخلاق ومن ثم يتم النزول بالأخلاق والقانون درجة دنيا كما يحدث في فلسطين عادة وفي بعض الأوقات تعلو بعض الأبعاد القانونية على المصالح وعلى الأخلاق ونبدأ نتكلم على قوانين الأمم المتحدة والقانون الدولي الإنساني وإلى آخره أو تدخلات الأمم المتحدة ولكن الأخلاق ليست مفصولة دائما ولكنها تستخدم حيثما يراد لها أن تستخدم.
محمود مراد: ولكن مقولة شائعة من أن غالبية زعماء العالم يضعون تحت وسائدهم قبل النوم يضعون كتاب الأمير لمكيافيللي لما يشتمل عليه من قواعد تسهل عليهم ممارسة السياسة بلا أخلاق أو بلا ضوابط أخلاقية ما مدى صحة هذه المقولة من الصواب أو الخطأ؟
نصر عارف: هذا كلام أحيانا هذا كلام يعني للثقافة العامة وللاستهلاك العام لكن لا يمكن أن توجد دولة في العالم لا تقوم على الأخلاق في العادة ينظر إلى الحكام والطبقات الحاكمة بموازين أعلى وتتذكر حضرتك ما حدث مع كلينتون في أميركا مثلا حيث يحاسبون الحاكم والطبقة الحاكمة بدرجة أخلاقية عليا فالفصل بين السياسة والأخلاق تتحول العالم إلى غابة ولكن هو: ما هو الوزن النسبي للأخلاق؟ وكيف تستطيع أنت من خلال خطاب سياسي ناضج ومن خلال تعامل دبلوماسي محنك ومن خلال اللعب على المصالح وتحريك القانون أن تحرك البعد الأخلاقي في العالم؟ نحن أمة لا تملك لا وسائل إعلام جيدة ولا خطاب ثقافي جيد نستدعي الناس عادة بخطاب زاعق غير عقلاني متوتر عنيف ثم نطلب من الآخرين أن ينظروا إلينا بأخلاقية هذه ستكون معادلة..
محمود مراد: دكتور نصر إذا ملكنا هذه الأدوات هل يمكن أن نلفت انتباه هؤلاء ونجعلهم يتعاطفون مع قضايانا يعني كثيرا ما يحدث أن تنحصر الوظيفة الأخلاقية داخل حدود الدولة القطرية ولا تتجاوز هذه الحدود، الناس يطبقون أو الدول تطبق الأخلاق تطبق القانون والسياسة بأخلاق داخل حدودها لكن في تعاملها مع الدول الأخرى في السياسة الخارجية في السياسة الدولية تتجرد تماما من هذه القيم؟
نصر عارف: هنا في حضرتك لو سمحت لي هنا في خلط بين شيئين بين القانون كتعبير عن الأخلاق أو كممارسة أخلاقية راقية ومقننة وبين الأخلاق كبعد إنساني لذلك يفرق في العالم بين القانون الدولي العام والقانون الدولي الإنساني، الإسلام هو الذي علم العالم إقليمية القانون وهو أن القانون يطبق داخل حدود الدولة، ولكن الأخلاق لا تنحصر داخل حدود الدول وإنما الأخلاق هي بعد إنساني لذلك في الخمسين سنة الأخيرة تم التعارف دوليا على أن هناك ما يسمى بالقانون الدولي الإنساني الذي يعطي الحق للمنظمات الدولية وللدول فرادى أو جماعات طبقا للمادة 51 لميثاق الأمم المتحدة للتدخل إذا ما شعروا أن هناك ممارسة سياسية في دولة معينة أو ممارسة عسكرية تهدد السلم والأمن الدوليين بأبعاد أخلاقية مثلما يحدث حاليا في سوريا هذا في مأساة إنسانية ولابد من تدخل بحذر وبمعرفة موازين القوى المتدخلة حتى لا نقع لا نستجير من الرمضاء بالنار وتحتاج حكمة وتحتاج بعد ذكي في التعامل وأنها تكون مسألة أخلاقية بيدنا ليس بيد عمرو والمعروف من هو عمرو.
عنجهية النظام وأخلاقية الثورة
محمود مراد: أشكرك شكرا جزيلا الدكتور نصر عارف أستاذ العلوم أو أستاذ الفكر السياسي بجامعة زايد، شكرا جزيلا لك نعود مرة أخرى إلى فضيلة العلامة الدكتور علي القره داغي فضيلة الدكتور يعني كنت تتحدث قبل هذه المداخلة عن القوانين الإلهية والسنن الإلهية التي ينبغي على الجميع مسلمين وغير مسلمين أن يتبعوها حتى يمتلكوا ناصية القوة وأسبابها وتلك التي تتعلق بالممارسات الدينية هل ونحن في مرحلة الثوران العربي كما ذكرنا هل ينبغي على الثوار أن يتسموا أو يتحلوا بالأخلاق وبالسلمية في كل أطوارهم إزاء آلة القمع التي ربما تصل إلى حد قتل العشرات منهم أو المئات منهم دونما غمضة عين ودونما رجفة ضمير هل ينبغي أن يتحلى الثوار بالأخلاق إزاء خصم غير متحل بهذه الأخلاق؟
علي القره داغي: قبل ما أجيب على هذا السؤال تسمح لي بتعليق على أخي الحبيب دكتور نصر جزاه الله خيرا أنا أقول يعني الأخلاق لدى السلطات أو الفكر الغربي مع الأسف الشديد ارتبطت حتى الأخلاق بأمرين أساسيين: الأمر الأول هو المصالح وهي مقدمة عن الأخلاق وهو قال أيضا قال تطبق الأخلاق حينما يريدونها وهذا لا يسمى التزام بالأخلاق، الالتزام بالأخلاق يعني التزام بالمبدأ سواء كان لي أو لغيري كما يقول رب العالمين{وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَئَانُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [ المائدة : 8 ] بل إن الله سبحانه وتعالى عاتب الرسول صلى الله عليه وسلم حينما خاصم يهوديا صحابي وكان الحق مع اليهودي وكان الرسول صلى الله عليه وسلم حقيقة كان يحب أن يكون يصدر الحق لصالح المسلم فالله قال: {وَلَا تَكُنْ لَلْخَائِنِينَ خَصِيمًاْ}[النساء:105] شوف أنزل الله فالمعنى الأخلاق يعني الذي نفهمه نحن في علم الأخلاق حتى في المستوى الإنساني هو التزام الإنسان بهذا ديغول يقول بالنص أنا قرأته يقول:” أنا ليس عندي عدو دائم ولا صديق دائم” العدو الدائم من كان يقف ضد مصلحتي أو مصلحة شعبي والصديق الدائم ولذلك عدوي يتغير وصديقي يتغير، وهذا هو الذي حدث يعني بالنسبة لليبيا فرحنا بهذه يعني الفزعة إن صح كما يقول باللهجة القطرية الفزعة الدولية وجزاه الله خيرا دولة قطر كان لها دور والآن مع محاولة قطر ودول الخليج ليس هناك فزعة دولية ولا فزعة عربية أيضا فمن هنا حقيقة هذه خارجة عن جانب أخلاقي حينما تستغل الأخلاق إنما الأخلاق مبدأ، مثلما حدث في حمص بالمناسبة أصل المسلمون حينما أخذوا حمص في وقت أبي بكر في عصر أبي بكر الصديق وعمر جاءت الهجمة الرومانية قال:” يا جماعة إحنا أخذنا منكم الفلوس للأمان الآن هذا فلوس لكم لأننا لا نستطيع أن..”..
محمود مراد: أطلب الجزية.
علي القره داغي: الجزية نعم فلوس الجزية أخذنا منكم فلوس الجزية والآن ما نستطيع وهو بمقابل الأمان توفير الأمان تفضلوا خذوا فلوسكم لما عرف أهل حمص بهذا وهم أهل الشهامة حتى في الجاهلية قالوا:” والله نحن نقف معكم” فحاربوا ضد الرومان ولما دخل مجموع قصدي في قنسرين في إيران آخر إيران سابقا ودخلوا معه بدون أن يعرضوا عليهم تدخلوا في الإسلام دخلوا فورا..
محمود مراد: أيام قتيبة بن مسلم الباهلي..
علي القره داغي: أيام قتيبة أحسنت بارك الله فيك ماذا فعل عمر بن عبد العزيز أرسل لهم رسالة بأن يرجعوا قال آمركم..
محمود مراد: أنصب عليكم قاضيا..
علي القره داغي: فهذا هو القيم هذا هو الأخلاق، أخلاقه ضدي أو معي أكون معه أما أنا أكون مع الأخلاق إذا كانت معي وإذا كانت لم تكن معي هذا لا يسمى التزام بالأخلاق فلذلك أنا قرأت درست القانون حقيقة القوانين الفردية منذ عصر الألواح الاثني عشر انفصلت القوانين الغربية عن الأخلاق وانفصلت السياسة فمثلما تفضلت منذ عصر الميكيافلي الذي ألف كتابه المعروف انفصل مع الأسف وأدخلت الأخلاق إذا وجدت للداخل داخل ذلكم ما يسمونه تربية المواطن ولا يسمونه يعني التربية للوطن وليس لخارج الوطن، ومن هنا يأتي الأميركي من أميركا ملتزم بأخلاقيات السلوك والوقت وكذا لكن لما يأتي إلى بلادنا لا يهمه أن يلتزم ولا ما يلتزم، فمن هنا الحقيقة هذه الأخلاقيات أنا في اعتقادي لا تعتبر أخلاق، أعود إلى السؤال.
محمود مراد: يعني ربما أنت أثرت نقاط بالغة الأهمية سنستفيض فيها لكن بعد أن نذهب إلى فاصل قصير، نرجو منكم مشاهدينا الأعزاء أن تبقوا معنا.
[فاصل إعلاني]
محمود مراد: أهلا بكم مجددا مشاهدينا الأعزاء في هذه الحلقة من برنامج الشريعة والحياة وتناقش كما ذكرنا في بدايتها مسألة الأخلاق والسياسة وضيفنا في هذه الحلقة فضيلة العلامة الدكتور علي القره داغي، دكتور علي كنا نتحدث قبل الفاصل عن جملة من النقاط البالغة الأهمية، أنت أثرت نقطة وإن لم ترد على السؤال المتعلق بمسألة تحلي الثوار في هذه المرحلة وهم ينشدون الحق والعدل، تحليهم بالأخلاق في مواجهة خصم لا يتحلى بهذه الأخلاق؟
علي القره داغي: إحنا في الإسلام بالتأكيد في كل الأماكن وكما أشار أخي الدكتور ناصر، في وقت الحرب وفي وقت السلم نحن نلتزم بالأخلاق، ولكن أيضا للقيم الأخلاقية أيضا حدودها، فإذا كان الخصم يقاتل فحينئذ الدفاع عن النفس والدفاع عن العرض والدفاع عن الحق لا يعتبر مخالفة للقانون، فمن هنا إخواننا في سوريا حينما الآن يحملون، بعضهم يحملون رغم أن الثورة والمظاهرة لا زالت سلمية إخوتي، هؤلاء الجيش الحر، هم يدافعون عن الثورة ضد الشبيحة، فالدفاع عن النفس، من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون نفسه فهو شهيد، ولذلك أدعو على هذا المنبر جميع إخواننا في العالم الإسلامي والعالم العربي، وأدعو أولياء الأمور قادة الأمة العربية وقادة الأمة الإسلامية، لتسليح هذا الجيش، لتسليحهم بالأسلحة التي يستطيعون من خلالها الدفاع عن النفس، فالدفاع عن النفس هو واجب إنساني، ((من قتل دون ماله أو دون نفسه فهو شهيد))، فهذا لا يدخل لا سمح الله من جانب غير أخلاقي، جانب غير أخلاقي أننا نتعامل بنفس المعاملة، الاغتصاب، جانب غير إنساني، لا يجوز للمسلم، ولذلك حتى لو واحد قتل شخصا بالتعذيب، لا نقتل يعني بالتعذيب، فنحن لا نتعامل بقيم غير أخلاقية، لكن رد الفعل أو الدفاع عن النفس يدخل ضمن الدفاع عن النفس ولا يدخل ضمن الجوانب لا سمح الله المحرمة.
محمود مراد: والحد الذي لا ينبغي على الثوار أو على أصحاب القضايا الأخلاقية أن يتجاوزوه حتى لا يصبحوا بغاة، يعني الله عز وجل قال {فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ ۖ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} [الإسراء:33].
علي القره داغي: إحنا حتى في الاتحاد العلمي لعلماء المسلمين أصدرنا أكثر من حوالي، إلى الآن حول سوريا أكثر من حوالي ثلاثين بيان، كله يتضمن جانبا أساسيا من وجوب هذه المظاهرة أن تبقى سلمية بقدر الاستطاعة وأن يبقى الجيش الحر في حدود الدفاع عن النفس وفي حدود الدفاع عن هذه المظاهرة وغير ذلك من.
محمود مراد: أنا ما قصدت إلى هذا لكن في كثير من الأحيان يحتاج صاحب القضية الأخلاقية أن يثخن في الأرض، الله عز وجل أيضا قال: { {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} [الأنفال: 67]، في كثير من الحالات يكون باقي النظام السابق أو فلول النظام السابق كما يسمون في بعض التوصيفات أو التسميات، كثيرا ما يكونون وبالا على البلد بأسره ويثيرون الفتن ويزعزعون الاستقرار وكلنا ندري ما يجري في بعض البلدان.
علي القره داغي: وهذا لا يخرج عن دائرة الدفاع عن النفس، ولا يخرج عن دائرة حتى في الأعراف الدولية بما يسمى مجرمي الحرب، فقتل مجرم الحرب جائز، والإثخان في الأرض أي إثخان القتل للمجرمين الذين يعتدون، والله سبحانه وتعالى ذكر قبل هذه الآية مجموعة من الآيات كيف هؤلاء أنهم لا يعرفون لا عهدا ولا قربى ولا أي شيء ولا يراعون أي شيء، وهؤلاء ينقضون العهود، وهؤلاء فعلوا كذا وهكذا، فحينئذ هؤلاء يستحقون، وهؤلاء عذبوا الرسول صلى الله عليه وسلم وأخرجوه وأخرجوا الصحابة من ديارهم وأرضهم فهؤلاء حينما يعاملون بالمثل، بالإثخان، أي بعدم الرحمة فيهم مع احترام القواعد الأخلاقية، هذا لا يخرج عن دائرة الأخلاق أبدا، وإنما يدخل ضمن المعاملة بالمثل أو معاقبة مجرمي الحرب حتى بعد الأسرى، يعني الرسول صلى اله عليه وسلم، أعلن حوالي سبعة أشخاص، وقتل منهم أربعة فقط، كل ما فعلوا، وهذا يدخل بما يسمى مجرمي الحرب.
محمود مراد: نعم، دعنا نتلقى هذا الاتصال أو المكالمة الهاتفية من الدكتور رضوان السيد، أستاذ الدراسات الإسلامية بالجامعة اللبنانية، دكتور رضوان، مرحبا بك أولا.
رضوان السيد: نعم سيدي.
محمود مراد: دكتور رضوان مسألة الثورة وكنت أناقش مع فضيلة الشيخ علي القره داغي مسألة إلى أي مدى يجب أن يذهب أو ما الحاجز الذي يجب أن يتوقف عنده الثوار والثائرون ولا يتجاوزوه حتى لا يكون دفاعهم عن نفسهم مجردا من الأخلاق أو إسرافا في القتل، وما إلى ذلك، مسألة اجتثاث فلول الأنظمة السابقة التي أفسدت في الأرض وينتظر أن يفسدوا في الأرض مستقبلا؟
رضوان السيد: لدينا أصلان، الأصل الأول هو أن الدين كله أخلاق، والأصل الثاني أن العمل العام أو العمل السياسي هو عمل أخلاقي شريف وكبير لأنه عمل لخدمة مصالح الناس ونحن نعرف أن خدمة مصالح الناس جزء من هذه المنظومة الأخلاقية التي اقترحها الفقهاء بناء على استقراء القرآن لمصالح الإنسان الخمس، حق النفس، وحق الدين، وحق النسل وحق الملك، هذه الحقوق الخمسة هي مصالح خمسة ضرورية، والدليل ليس فقط على دينيتها وعلى علانيتها، الشافعي قال عندما تحدث عنها في الموافقات قال إنها “يقال إنها مراعاة في كل ملة”، يعني كل دين يحفظ ملته، كل شريعة هدفها حفظ هذه المصالح الخمس للإنسان، فالعمل السياسي عمل أخلاقي من طراز رفيع لأنه يتصل بحفظ هذه المصالح الخمس للإنسان، كلها وليس بعضها بالذات العمل السياسي اللي هو إدارة الشأن العام، وبهذا المعنى كما أنه واجبنا نحن مسلمون على أساس أخلاقي في العمل العام، نستطيع أيضا بل إن مشروعية التغيير والثورة تقوم على هذه الأسس الأخلاقية مثل الأسس أو الشعارات التي رفعتها الثورات العربية في الحرية والعدالة والكرامة..
محمود مراد: دكتور رضوان دعنا نكن أكثر دقة، دكتور رضوان..
رضوان السيد: فلذلك طبعا نحن عندما نسعى للتغيير إنما نقوم بعمل أخلاقي ولا يجوز أن يتطرق العنف إلى عملنا إلا إذا كان على سبيل الدفاع عن النفس، وعن المال، وعن الكرامة، إنما لا ينبغي أن يتجاوز ذلك حدود الدفاع وهنا..
محمود مراد: دكتور رضوان دعنا ننزل هذا على أرض الواقع، لدينا حالة في مصر وحالة في ليبيا، في ليبيا نكل الثوار برأس الفتنة، الديكتاتور الذي كان يحكمهم طيلة هذه السنوات وقتلوه شر قتلة، ربما كانت هذه رسالة شديدة اللهجة، سدت الباب أمام أنصاره حتى لا يعاودوا الكرة ويثيروا الفتن مرة أخرى، في مصر حدث العكس يعيش الرئيس المخلوع في حالة مرفهة حتى الآن إلى حد كبير، أو هكذا يقول معارضوه وتُرك أنصاره ليدسوا الفتن في البلاد حتى أن هذه الفتن أوقعت الكثير من القتلى حتى الآن، أيهما أفضل في التعامل مع الخصوم إذا ما قدر عليهم؟
رضوان السيد: لا شك بأن القذافي جازاه الله بما يستحقه، هو مجرم حرب، ولكن عندنا في التعاليم الأخلاقية والتعاليم السياسية أن أبا بكر رضي الله عنه عندما أحرق الفجاءة السلمي لأنه شن حربا على المسلمين بسلاحهم، أعطوه سلاحا في حرب الردة على أساس أنه مسلم، ليساعد جيوش المسلمين ضد المرتدين فأخذ هذا السلاح واشتغل به مع عصابة مسلحة ضد المسلمين، فعندما قبض عليه المسلمون أمر أبو بكر بإحراقه ثم ندم على ذلك، وقال: “لا يحرق بالنار إلا الله عز وجل”، فأنا أفضل تعامل المصريين القانوني والحقوقي وإن كان بطيئا وإن كان فيه بعض الشوائب على ما تعامل به الإخوة الليبيون مع حاكمهم الديكتاتور معمر القذافي، أيا تكن الاعتبارات والتي أحيانا لا تخضع يعني لمسائل العواطف الإنسانية الهائجة أو التي لا تقف عند حدود الشريعة أو القانون ولكنني أنا أفضلها إذا أمكن ذلك.
محمود مراد: نقطة أخرى دكتور رضوان، كثيرا ما يرفع المستبدون عبارات فضفاضة وفخمة من قبيل المقاومة والممانعة ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة، وتحت هذه الشعارات، ينكلون بكل من يعارضهم، كل من يفتح فاه، ينكلون به يعتقلونه، يغيبونه في السجون، يقضون على حرية التعبير.
رضوان السيد: هذا مفكر سوري، عام 1992 في طبائع الاستبداد، قال ذلك العجيب كأنما كان يتحدث عن بشار الأسد وعن والده، عندما يقول:” إن الاستبداد يفسد الدين والخلق والسياسة والعقل”، ويقول: “عادة يأخذ المستبد أعذارا مثل أنه يدافع عن الأمة ومثل أنه يريد أن يحفظ هيبة الدولة، ومثل أنه يريد أن يرد المستعمرين والغزاة”، كل هذا كلام فارغ لا يبرر هذا، وعندنا على الأسد أمران، وليس أمرا واحدا، أولا أنه ليس ممانعا ولا مقاوما لا شكلا ولا مضمونا، الأمر الثاني، أن المقاومة لا تبرر الاستبداد، كيف ستقود شعبا ليقاوم أعداءه وأنت مستبد به، مستبيح بدمائه وكرامته وأعراضه وماله وملكه، كيف هذا الكلام؟ كيف سيقاتلون عدوا لا ينتهك منهم ما تنتهكه أنت منهم؟ فهذا كله كلام فارغ، والدين أكبر أعداء الاستبداد، وأخلاق الدين أكبر أعداء الاستبداد، إنما كما، ليس هناك حرج بل هذا الإسلام نفسه في مصارعته للاستبداد، في كل ما قام به هؤلاء الشبان والثوريون العرب لكن ينبغي أن نظل على مبعدة في أن نقلد الأنظمة في أن نمارس عنفا عندما نستطيع ذلك، فكأنما نفعل ما يفعله المستبدون الذين نريد إزالتهم، ينبغي أن نحفظ حدود حق الدفاع عن النفس بالقدر المحدود في انتظار نجاح الثورة.
محمود مراد: شكرا جزيلا للدكتور رضوان السيد أستاذ الدراسات الإسلامية بالجامعة اللبنانية، أعود مرة أخرى للدكتور علي القره داغي، دكتور علي، الدكتور رضوان فضل التعامل المصري مع المستبد ولم يفضل التعامل الليبي، التجربة الليبية.
علي القره داغي: أنا أشكرك على هذا السؤال، أنا كنت أريد أن أعلق على هذه المسألة، أساسا لا بد أن نفرق بأن الحالة الليبية كانت مختلفة عن الحالة المصرية، الحالة المصرية الرئيس المصري هو بنفسه إن صحت أجبر على الاستقالة ولا هو قدم الاستقالة بشكل مدني وطبيعي والحمد لله وقف الجيش موقفا مشرفا حقيقة، وهذا لا بد أن يذكر ويشكر، أمام انتفاضة الشعب المليونية، بينما وبالتالي القضية بدأت مدنية وانتهت مدنية، فيجب أن تستمر مدنية.
محمود مراد: هذا في تقييمك بالمناسبة لأن هناك الكثيرون في مصر الآن يقيمون الأمر خلافا لهذا، الرجل لم يجبر على الاستقالة والجيش لم يقف هكذا يقول الجيش لم يقف وقفة مشرفة.
علي القره داغي: هذا هو الظاهر، على أية حال لكنه لم يبدأ حربا بين جيش، لم تبدأ معركة بين شعب.
محمود مراد: هم يجادلون أيضا بأنه يمكن لهذه الحرب أن تكون مؤجلة وأنها وشيكة القدوم، نظرا لأنه لم يقض على ذيول هذا.
علي القره داغي: إلى يومنا هذا لم تحدث هذه المعركة، هذا إذا حدثت أمر آخر، عموما كان هناك انتفاضة سلمية لم يحمل فيها سلاح، الانتفاضة المصرية، وبقوة الانتفاضة سقطت الحكومة الظالمة المستبدة التي تستحق أن تسقط، وتستحق أن يفعل معها كل ما يستحقون من وسائل، بينما في ليبيا القضية كانت حربا بكل ما تعني الكلمة، أولا بدأت مظاهرة سلمية ولكن إحنا رحنا بأنفسنا إلى ليبيا، ولكن هذا فرعون ليبيا القذافي جيّش جيشا، صدق تقريبا بدايته من طرابلس وآخره قريب من بنغازي، ولو لم تتدخل الدول ومنها حقيقة دولة قطر جزاهم الله خيرا، كانت يمكن أن تباد مدينة بنغازي خلال يعني أقل من خمس ساعات، ست ساعات بكل ما جابوا من الأسلحة الفتاكة، نحن شفنا بعض آثارها، كان بعض القنابل أربعة كيلومترات كانت تغطي مساحتها من التدمير، فكان هناك حرب، ثم بدأ الثوار فبالتالي أنا لا أبرر بالمناسبة كيفية المقتل ولكن أقول إخواننا الليبيون كانوا دخلوا في حروب وميزان الحرب غير ميزان السلم مهما كان، فبالتالي أنا أعتقد أنا مع الطرفين، كل واحد حقيقة عمل ما عليه ويجب إخواننا في مصر أن يستمروا على هذه الحالة ولكن في نفس الوقت عفوا لا يجوز لهم أن يتركوا أصحاب الفتن أن يصولوا ويجولوا، ولأن منع الفتنة واجب ولاسيما الآن نرى آثار هذه الفتنة من فلول النظام، الآن تظهر من خلال محاولة ما يسمى بمشروع كما يسمون الثورة المضادة، لكن إن شاء الله الشعب المصري أوعى من ذلك وسوف يفوت عليهم هذه الفرصة بإذن الله تعالى، ونحن متفائلون من نجاح ثورة مصر كما أننا أيضا حقيقة ندعو الله سبحانه وتعالى أن ينصرهم لأن نجاح مصر في نظرنا وفي نظر العقلاء جميعا من العرب ومن المسلمين هو نجاح للأمة الإسلامية، وأن نجاح الثورة وإعادة القوة والعزة والكرامة إلى مصر لتقود حقيقة بمهامها في ريادة الأمة العربية والإسلامية، أنا في اعتقادي هذا هو العنصر الأساسي الذي يجب علينا جميعا، ومن هنا أنتهز هذه الفرصة والله لأوجه نداء باسمي وباسم الاتحاد العالمي، نحن نعد الآن بيانا بهذا المعنى لكل حكام العرب والمسلمين جميعا والشعوب الإسلامية أن تقف مع هذه الثورات، لأن قوة مصر قوة للخليج، وقوة الخليج قوة لمصر، وهناك مؤامرة للفصل بين حقيقة القوة المصرية والثورة العربية بكل أطيافها والخليج والعالم العربي، فيجب أن نفوت هذه الفرصة وأن نقضي على هذه المؤامرة وتبقى مصر والخليج والعالم العربي والعالم الإسلامي وحدة متكاملة يكمل بعضها بعض بالموارد البشرية وهذا جزء أساسي أقول من القيم الأخلاقية التي تفرض علينا أن نقف مع المحتاج وأن نقف مع من يحتاج إلينا.
محمود مراد: طيب في مسألة ذات صلة في هذا الصدد، التاريخ الإسلامي يحفل بتجارب أسرف حاملو لواء التغيير فيها في القتل ومع ذلك نجحت تجربتهم بعد ذلك نجاحا مبهرا وخدموا الإسلام أيما خدمة، على سبيل المثال، سفينة الدولة العباسية حملت على طوفان من دماء الأمويين، على سبيل المثال أيضا دولة الموحدين في المغرب العربي والأندلس بدأت بمقتلة عظيمة بينهم وبين المرابطين ثم استتب لهم الأمر وحملوا لواء الإسلام، بل أفراد، واحد مثل الحاجب المنصور أو محمد ابن أبي عامر في الأندلس نكل بكل منافسيه وخصومه قبل أن يستتب له الأمر ورفع راية الجهاد وأعز كلمة الدين ونجح أيما نجاح بعد ذلك، كيف نوفق بين هذه وتلك؟
علي القره داغي: أنا أعتقد حتى ولو وجدت مظالم{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}[الزلزلة: 7-8] الذين ارتكبوا مظالم إن صح التعبير من الثوار فهم يتحملون مسؤوليتهم، لكن حينما استقر الأمر لهارون الرشيد ولا لأبي جعفر المنصور هؤلاء حقيقة يعني أقاموا العدل إلى حد كبير، لا أقول إلى حد مثالي وقاموا بخدمة الإسلام في هذا الجانب ولما نقيس الدولة العباسية في بدايتها بالذات، مع الدولة الأموية في نهايتها سنجد أن هناك بوناً شاسعا بين الدولتين، سواء كان من الجانب الحضاري سواء كان من جانب التنظيمي، سواء كان من جانب الفتوحات، خاصة بالفترة الأخيرة بالإضافة إلى المظالم التي حدثت في عصر بني أمية ولاسيما في بعض عصورها، هذا لا يجوز أن نتركها، يعني خاصة ما حدث في يعني مظالم كبيرة جدا للعلماء في عصر الحجاج وكذلك ما حدث لسيدنا الحسين رضي الله تعالى عنه وعليه السلام، هذه المظالم كانت كلها تراكمت ثم بعد ذلك جاء العباسيون وفعلا كانت ثورة ليست للعباسيين فقط، كانت ثورة لآل البيت جميعا بمن فيهم آل علي وآل عباس، ثم بعد ذلك طبعا العباسيين بحكم أنهم كانوا يعني لم يؤذوا الأذى الشديد الذي نال يعني بقية آل علي فهم استطاعوا أن يقودوا ولكن مثلما تفضلت قادوا وعملوا، العبرة بما هو مطلوب والعبرة أيضا ضمن الأشياء الأساسية بمشروعية الثورة، أنا في اعتقادي كانت مشروعية ثورة العباسيين أو الآن كانت المشاريع قائمة، لأنها قامت هذه الثورة ضد ظلم في العصر الأخير وضد الطغيان ومن هنا الله سبحانه وتعالى نصرهم، وكذلك بالنسبة للموحدين هؤلاء وجدت طوائف وكادت تضيع الأندلس، هم أخروا ضياع الأندلس حوالي 200، 300 سنة، فمن هنا كانت هناك مشروعية لثورتهم، ومشروعية أخلاقية، قد يكون هناك إسراف، الذي أسرف يتحمل مسؤوليته أمام الله عز وجل.
محمود مراد: فضيلة الشيخ، أثر عن عمر بن الخطاب أنه قال:” لستُ بالخِبِّ، ولكن الخِبُّ يخدعُني”..
علي القره داغي: صحيح.
أخلاق السياسة وسياسة الأخلاق
محمود مراد: في عصرنا الراهن في كثير من الحالات يختلط لدى السياسي مفهوم الذي يبغي الأخلاق، مفهوم الأخلاق واللين والصفات الحسنة بالضعف الشديد فيصبح تكأة لكل من يريد أن يتجاوز على الدولة وتنهار معها الدولة بأكملها أو ينهار النظام بأكمله وتضيع المصالح، كيف ممكن أن يتحقق هذه الصفة، صفة عمر بن الخطاب في حكام اليوم؟
علي القره داغي: أنا أعتقد أنه ما قاله سيدنا عمر من أنه لست خبا يعني لست ماثلا ولست مخادعا، إنما أنا ملتزم بالأخلاق ولكن غير الأخلاقي لا يستطيع أن يغلبني أو أن يخدعني، هذا هو المطلوب، والمناسبة القضية الأخلاقية في الإسلام ليست هي قضية الضعف، إنما هي قضية العدل، قضية الرحمة، والرحمة نفسها هي مع القوة، وإلا الإنسان المظلوم العاجز المسكين يقول أنا أرحم إيش قيمة هذا؟ ولذلك بعض علماء المسلمين لما قال {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107] قالوا يجب أن تكون هذه الأمة قوية، لأن الرحمة تأتي من القوي، أما إذا كانت الأمة مستضعفة فكيف يكون لها رحمة، هي أساسا تحتاج أن ترحم فكيف ترحم! فمن هنا الأخلاق في الإسلام قوة، ولكن قوة بعدل، قوة بإنصاف، قوة بكرامة، قوة أنه لا يمكن، الشريف كما قال سيدنا أبو بكر، الشريف أي القوي، ضعيف عندي حتى آخذ منه الحق، والضعيف عندي قوي حتى آخذ له الحق، هذا هو الأخلاق الإسلامية التي أشار إليها الدكتور رضوان، أن السياسة الشرعية عندنا هي قمة الأخلاق فعلا حينما تطبق.
محمود مراد: فضيلة العلامة، الدكتور علي القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي للعلماء المسلمين، ونائب رئيس المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، شكرا جزيلا لك على هذه المشاركة، مشاهدينا الأعزاء، في ختام حلقتنا أتوجه بالشكر إلى منتج هذه الحلقة معتز الخطيب، ومخرجها منصور الطلافيح، كنت معكم فيها محمود مراد وإلى اللقاء في حلقة قادمة بإذن الله.
المصدر: الجزيرة