بسم الله الرحمن الرحيم

ملخص خطبة فضيلة الشيخ القره داغي بمسد عائشة في الدوحة

ايها الاخوة المؤمنون

اذا نظرنا الى عالمنا العربي والاسلامي، لوجدنا ان فيه دساتير، بعضا في غاية من الجودة، في احترام حقوق الانسان، وجعل الشريعة الاسلامية المصدر الاساسي للتشريع، وكذلك وجدنا في بعض عالمنا العربي، الخططط والبرامج والمشروعات، الخطط باهدافها ورؤيتها واستراتيجيتها، ولو تجاوزنا ذلك الى ديننا العظيم، الذي هو دين هذه الامة، وهو الذي امنت الامة به، وجعلته مرجعيته في كل شئ، لوجدنا ان هذا الدين يدعو الى كل ما فيه المصلحة والرحمة للبلاد والعباد، فالله سبحانه وتعالى غني عن عباده، ولكن الله سبحانه وتعالى كلفنا بهذه العبادات حتى ينصلح احوالنا، ونحقق العبودية لله سبحانه وتعالى، فنكون صالحين، وحينئذ نكون قادرين على اصلاح الكون واصلاح الاخر.

اذاً أين الخلل في هذه الامة؟ واين العيب فينا؟ لو درسنا هذه العيوب، لوجدنا ان العيب الاساسي والسبب الاول يعود الى مسألة عدم تفاعل امتنا وشعوبنا، وافرادنا وجماعاتنا واحزابنا، مع ما يقولونه، او مع هذا الدين العظيم، او مع هذه الدساتير او الخطط والبرامج التي توضع لاصلاح البلاد واصلاح العباد. فمن هنا تأتي الاشكالية الكبرى في هذه الازدواجية ،او في هذا الفصل بين القول والعمل، بين العقيدة والسلوك، بين ما يأمره الله سبحانه وتعالى به والرسول صلى الله عليه وسلم وبين ما نفعله، بين ما نسمعه في المساجد، ففي بعض الاحيان تخشع القلوب، وتدمع العيون، ثم لا نتأثر بما نسمع، ولا نتأثر بما نخشع، ولا نتأثر بما تدمع له العيون، كأنها حالات طارئة تمر علينا دون ان يكون له تاثير فعال على معظمنا، ولا اقول على كلنا، لأن الامة دائما فيها الخير وانما الكلام على الغالبية من هذه الامة.

هذه هي الاشكالية، وهذه الاشكاية هي الازدواجية، وهي في حقيقتها مرض في الانسان، أي مرض الفصل بين ما هو في داخل الانسان وما هو في خارجه، وهذا  المرض العصبي خطير ويسمي بشيزوفرينا، وهو مرض اجتماعي خطير، ازدواجية في المعايير، وازدواجبة بين القول والعمل، يؤدي الى اضطراب في الانسان، يؤدي الى شل حركة الانسان.

اعتقد ان اكبر مشكلة تعاني او نعاني منها، هي هذه المشكلة التي اصبحت مشكلة متأصلة في معظمنا، ولذلك حينما رب العالمين يعالج هذه القضية في القران الكريم يشدد فيها حينما يقول “يا ايها الذين امنوا” بهذا النداء اللطيف الذي يصل الى شغاف القلوب، ويحرك هذا الباطن، ويحرك هذا الداخل، والدخل هو الايمان بالله سبحانه وتعالى، هذا الايمان الذي ينبغي ان نضحي في سبيله بكل شئ، هذا النداء الجميل يقول ” لما تقولون ما لا تفعلون ” قد يكون هذه الاقوال في هذا المجال اقوال طيبة، ليست هذه الاقوال هنا اقوالا سيئة ،و يعني لما تقولون الاقوال الطيبة وتأمرون الامر بالمعروف وتنهون عن المنكر وتدعون الى الخير، ولكن افعالكم تختلف عن اقوالكم، تقولون قولا جيدا ولكنكم لا تفعلون به، على الرغم من ان هذا يجب ان تكون ايجابية، اقل شئ انك قلت حقا، ولكن حينما تكون على مستوى الامة تكون كارثة، حينئذ قال رب العالمين ” كبر مقتا” أي كبر ذنبا وبعدا عن الله سبحانه وتعالى فالمقت هو الغضب، هو اللعنة، هو البعد عن الله وعن رحمته، فهذا الجزاء والعقاب العظيم لمن يقول ما لا يفعل.

ثم يأتي بمثال فيقول الله انكم جميعا تدعون الى وحدة الصف وتؤمنون بـه وان نجاحكم وفلاحكم وقوتكم وعزتكم وكرامتكم في الوحدة، وبدون الوحدة تتفرقون، تتنازعون، وتفشلون، وتأتي الامم الاخرى وتتداعي عليكم كما تتداعى الأكلة على قصعتها، كلكم تعرفون هذا، ومع ذلك لا تتوحدون ” إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا ” حتى لم يقل صفوفا وانما صفا واحدا كالبنيان المرصوص.  

هنا عالج القران هذا المرض الخطير، ولوقف الانسان امام هذه الاية الكريمة، في الظاهر ان الذي يقول قول الحق وان الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويدعو الى الوحدة، ويدعو الى العمل ويدعو الى الاخلاق الطيبة هذا عمل طيب، ولكنه اذا كان هذا الامر في نطاق القول فقط دون ان يصل الى الفعل، فهذا اما ان تكون لست مؤمنا به حقيقة، او انك تضحك على الناس، ولذلك جاءت هذه العقوبة الشدية التي لا تقال الا على اكبر الكبائر، بل على الشرك بالله سبحانه وتعالى، وهي عقوبة رادعة زاجرة تخشعر لها القلوب، وتدمع لها العيون ان فكرنا فيها، لأن هذا خطر على مستوى الامة، لأن الامة اذا تعودت على هذا تكون امة غير عاملة، تكون امة غير قادرة عل التنفيذ، تكون امة الاقوال، امة الشعر والخطب، وهذه الاشعار مهما كانت جيدة لا تبني الامة، ولو كانت الامة تبنى بالاشعار لكان الجاهليون قبل الاسلام كانوا اكبر الامم.

الامم لا تبنى بالخطب ولا بالمقولات ولا تبنى بالاشعار، وانما الامة تبنى على العقيدة الصحيحة، الامة تبنى على الاخلاق والسلوكيات، الامة تبنى على العمل، وتبنى على الابداع، والامة تبنى على الانتاج وتبنى على ان تحول الوقود الى الطاقة، هذا الوقود ليس له قيمة اذا لم يتحول الى الطاقة، ونحن ننتج هذا الوقود بكميات هائلة ولكن  اذا ما حاولناه الى الطاقة والطاقة الى الحركة والحركة الى الاضواء او حركة التنقل والماكينات، او حركة الكون كله، لم يكن لهذا الوقود فائدة ،بالعكس بل ليس له رائحة جيدة، وليس له لون جميل، وانما فائدته في التحويل هذا الوقود الى الطاقة

كذلك عظمة القران الكريم وما فيه من هذه الاسس من المبادئ العظيمة، والقواعد الكلية، وكذلك السنة النبوية المشرفة، وما فعله الخلافاء الراشدون، كل ذلك يجب ان نحوله الى طاقة وحركة، والحركة لها اثار، وهكذا الانسان لابد ان تهضم هذه المبادئ وتؤمن بها وتجعلها طاقة والطاقة تجعل ذلك حركة والحركة الى سلوك في كل مجالات الحياة  حينئذ تكون الامة .

وقذ بين الله سبحانه وتعالى هذا الاعجاز، وان اول ما تحدث عن الفصل بين القول والفعل، تحدث عن الفرقة، وتحدث عن الوحدة، لأن مشكلة الامة لا يمكن ان تتحد بالاقوال، وقد رايتم خلال هذه المئة السنة من الخطباء الذين قاموا بالانقلابات،  سنرمي اسرائيل في البحر، وكيف نحرر الارض، وكيف نحول الاراضي العربية الى جنة خضراء، كلام جميل، وتسحرك، ولكن ما النتيجة: الوحدة تمزقت والاراضي احتلت والاراضي حولوها الى صحراء قاحلة، وهكذا اذا لم يربط الفعل بالقول فأول ما تخسر فيه: الامة، لأنها لا تتحد ،انظر الى جامعة الدول العربية، التي أشأت منذ اكثر من ستين سنة، ولم تستطيع عمل شئ الا القرار الاخير، جزى الله قطر حينما قاد هذه اللجنة، وصدر منها قرار وحيد خلال كل هذه السنوات التي مرت على الامة العربية، بينما انظر الى امم اخرى، الى الغرب، انشأوا مجلس اقتصادي لا جامعة الامة الاوروبية، ولا جامعة الوحدة، وانما كلمة بسيطة، السوق الاوروبي المشترك،  ثم تحولت هذه السوق المشتركة التي نفذوها الى برلمانا موحدا، وجعلوها عملة موحدة، وجعلوها اوروبا بفيزا واحدة، وجعلوا اوروبا كأنه دولة واحدة، وكل هذا خلال فترة وجيزة، وحولوا هذه الفكرة الى مدرسة درسوها في الروضة وفي الجامعات، وتربى جيل مؤمن بأهمية الوحدة.

 ولذلك في هذه الازمة المالية، لو لو يكن اوروبا، لسقطت يونان تماما وانتهت وتفككت، وحتى ايطاليا التي ميزانيتها قبل الازمة كانت تزيد عن ميزانية جميع الدول العربية، وكادت تفلس، ولكن الوحدة انقذتهم، وماذا فعلنا نحن! فهذا اليمن يعاني ومددناهم بهذه الاتفاقية الناقصة فكيف يكون للمجرم حصانة.

اذا المسأله في هذه الازدواجية ،ونعاني منها داخل البيت والمدرسة والجامعة والمسجد والسوق، وفي التعامل مع غيرنا، واذا ما عالجنا في اعتقادي وحسب الايات القرانية هذه المسألة لا يمكن لنا ان نصل الى نتيجة، لذلك نبدأ بأنفسنا، والنجاة والفلاح في اننا نعمل القليل، ولكنه يكون عملا صالحا ناتجا ومطابقا لما نقول، وليس النجاح ولا الفلاح ولا الوحدة والعزة والكرامة تتحقق بكثرة الاقوال والخطب وغير ذلك.

الخطبة الثانية

ايها الاخوة المؤمنون

حتى هذه الثورات قامت على اثر النفاق الذي حدث من قبل هؤلاء الحكام في كل مجالات الحياة،  فهؤلاء الحكام لم يعملوا شيئا لتحرير فلسطين، جاء هؤلاء العسكريون الانقلابيون الظلمة المستبدون و رفعوا شعارات: انهم يحققون الوحدة العربية على اقل تقدير، اذا بهم مزقوا الوحدة، وفصلوا الامة العريبة على اعتبارات رجعية وتقدمية ومشاكل وحروب في كثير من الدول العربية، ولم تكن هناك دولة الا وتحارب الاخرى، ولا زالت المشاكل الحدودية داخل الامة الواحدة وشعب واحد لم تحل الى يومنا هذا بصورة صحيحة، ووعدوا بان تكون الدولة جمهورية،  لكن حولوها الى نظام وراثي، ففي سوريا غيروا الدستور خلال 15 دقيقة،  وقالوا بأنهم يعيشون كأبناء الشعب واذا ببعضهم كان راتبه قبل ان يصبح نائبا او رئيسا 450 جنيه واذا به حينما يترك السلطة 70 مليار دولار، وكذلك نجد شخصا بسيطا في الشرطة او عسكرية يصبح رئيسا للدولة ويترك مليارات من الدولارات ويجعل  اسرته تحكم البلد. انظر الى هذه التناقضات امام مرمى الشعب فكيف يصبر الناس.

لا يقام على ضيم مراد به  الا الاذلان عير الحي والوتن

 هذا على الخسف مربوط بذمته  يشج فلا يرثي له أحد

فالمسلم لا يمكن ان يصبر اكثر من هذا،  وهذه الازدواجيات تراكمت في النفوس واصبحت كراهية وحقد داخل كل انسان،  وجعلت الامة غير متحدة، فاقدا للتواصل، ونحن خسرنا التقدم خلال 100 سنة ولم نعمل شيئا مع كل الامكانيات المتاحة لنا.

وجاءت هذه الثورات ونسأل الله سبحانه وتعالى ان يحقق مقاصدها، على الرغم نحن الان قلقون جدا وندعو الله بتضرع ان يحقق لمصر مكاسبها، لأن ثورتهم من اجمل الثورات، وكان للجيش المصري موقف يشكر عليه، ولا يجوز ان ننكره، ولكن اليوم اضطربت الاحوال، والمصر له اهمية، واعداء الاسلام شرقيون او غربيون غير محدد بالجغرافيا يعرفون قيمة مصر، ولذلك مركزين وخصصوا لها اموالا طائلة لتوطين الديمقراطية في مصر والمقصود به لمنع الديمقراطية عن مصر، لذلك يجب علينا دعم مصر لأنه اذا صلح مصر تكون الشعوب العربية في خير وتنطلق، واذا صارات الاضطرابات في مصر فيتأثر به كل العالم العربي سلبا وايجابا، ونحن نحمل هذه المسؤولية انفسنا اولا، وكذلك حكوماتنا وامتنا الاسلامية، وان يقفوا صفا واحدا بأمرين اساسيين، بأن يمنعوا الفوضى اولا، والثاني ان يحافظوا على مكتسبات الشعب المصري من الديمقراطية الحقيقية، وان لا يفرضوا على الشعب المصري، وان لا يكون للعسكري هيمنة كهيمنة الجيش التركي سابقا في تركيا.

واما عن سوريا مع كل ما تفعله الجامعة العربية، وكل يوم تزداد اراقة الدماء اكثر، وتقابل سوريا فعلا، القول بالفعل. الجامعة العربية تقول وسوريا تفعل لكن بالقتل والتدمير، لذا فهذا الحزب الذي يقود سوريا لا اعتقد انهم ينفذون، وانما يعملون ما يريدون، وانما هم يراوغون، وليس لهم الا ان تقف الامة العربية والاسلامية وقفة رجل واحد لمنع الظلم، واعادة الامن والاستقرار لهذه الدولة العزيزة علينا، لأنها في الحدود مع الاسرائيل ولايريد اي مسلم ان يكون في سوريا مشاكل اذا كان الاخير تحترم حقوق شعبها. وقد طلبت من علماء حلب والشام وقلت لهم انكم تتحملون المسؤولية في استمرار اراقة هذه الدماء لأنكم لو شجعتم الناس وعمت المظاهرات لسقط النظام كما سقط في مصر وتونس.

واليمن الذي هو قلب الجزيرة العربية -واذا لا سمح الله – صار فيه اضطراب، تكون الاضطراب عندنا في الخليج كله، فلذلك مسؤوليتهم ان يقفوا مع الشعب، وان يحققوا ما يريده الشعب بكل اطيافه، ولا يجوز ان نعطي الحصانة للمجرمين الذين اراقوا الدماء بدون وجه الحق.

واهم شئ اليوم، وهو مسألة اليوم، الذي اعلنه الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، يوم الأقصى، لأن السرائيلين اكملوا مع الاسف الشديد النفق الذي تحت الاقصى من باب المغاربة، وهدموا هذا الباب، ويريدون ان يبنوا عليها جسرا للدبابات، وحينئذ يكون انهيار المسجد الاقصى لا سمح الله يكون وشيكا، ومن هنا أعلنا اليوم مع الازهر الشريف وبالتعاون بيننا اجتماع كبير لرفض هذا العمل الجبان، بهدم هذا الباب، وافرض نفسه على امتنا الكبيرة وعلى شعبنا الكبير، ولكن هيهات لهم ان يفرضوا ذلك، واذا لم تتحرك الدول فإن الشعوب تتحرك، والله اعلم ماذا يكون مصير هذه الامور.

كما فرحنا اليوم في ظل هذه النقمة بالمصالحة وتطبيق هذه الشراكة الحقيقية بين فتح وحماس لأن في تفرقه شرا وفي وحدتهم خيرا كثيرا وندعو لهذه المشاركة وهذه المصالحة ان تتحقق على ارض الواقع وان تعود بالنفع والخير على اخواننا في فلسطين كلها فبارك الله في هذه المصالحة ووفقهم جميعا