أيها الإخوة المؤمنون
حينما جاء رسول الرحمة صلى الله عليه وسلم إلى العالم أجمع كان العالم يعيش في ظلام دامس وكان العرب في تفرق كبير وتمزق شديد وجاهلية جهلاء وعقائد غريبة لا يقبل بها أي شخص له مسكة من العقل يسجدون من الأصنام التي قد تصنع من التمور في وقت الوفرة ثم يأكلون هذه الأصنام حينما يحتاجون إليها.
وأما التفرق والتمزق فحدث ولا حرج حتى وصل التفرق إلى بني الأفخاذ قبيلة ضد قبيلة ومجموعة ضد مجموعة ونهب وغير ذلك مما سجلها التاريخ ومما سجله القرآن الكريم في سورة الأنعام وفي سور أخرى.
وكانت العقلية العربية تعيش في ظل الأنانية الفردية أولاً ثم العصبية القبلية ثانياً والعصبية العمياء ولذلك لما سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن االعصبية قال هي أن تعين أخاك أو قومك على ظلم الآخر.
هذه المظالم أدت إلى هذه العقلية الضيقة التي عادت بالأضرار الكبيرة في المجتمع العربي في ذلك الوقت فتمزق المجتمع سياسياً إلى أن يكون البعض أتباعاً لإمبراطورية فارس وبعضها كانوا أتباعاً لإمبراطورية الروم وكانت الروم والفرس يلعبون بهذه القبائل ويضربون بعضهما ببعض كما في الحروب التي حدثت بين الغساسنة والمناذرة وغير ذلك من الحروب بالإضافة إلى حروب الجاهلية التي كانت تقع بسبب فرس أو نحو ذلك.
جاء الرسول بهذه الرحمة للعالمين وبهذه الرحمة خاصة للعرب ليهيئهم أن يكونوا خير أمة أخرجت للناس ليقودوا العالم ليصبحوا أمة أساسها العقيدة الصحيحة وأخوتها تبنى على أخوة الإيمان فوفق الله سبحانه وتعالى هذا الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم بصبره الكبير على إيذائهم واستهزائهم وعلى ما فعلوا حتى تحققت الغاية.
هذا التاريخ يذكر دائماً ليس من باب التنقيص للعرب لأن العرب أيضاً كانت لهم مآثر طيبة من الشجاعة والجود والكرم ولكن هذه العقليات وخاصة القيادات كانت تقود العامة إلى هذه المسائل و المهاوي والتمزق الذي سجله التاريخ.
وجاء الإسلام وجعل منهم ومن غيرهم أمة واحدة شهد الله سبحانه وتعالى لهم (كنتم خير أمة أخرجت للناس)
وهذه الخيرية ليست بسبب عرقهم لأن الله خلق كل الناس سواسية وإنما بسبب تغير حالهم إلى حال أحسن ( تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) فالإيمان والعقيدة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكل القيم الأساسية هي الأساس لهذه الخيرية وهي التي دفعت بالعرب المسلمين، والذين لم يسلموا سجل الله سبحانه وتعالى عليهم هذا الهجوم العنيف (تبت يدا أبي لهب وتب) وهو عم لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
يُذكر هذا في ظل ظروفنا الحالية التي تمر بأمتنا الإسلامية ولاسيما العرب الذي هم مادة الإسلام والشرق الأوسط على مر التاريخ مكان ملتقى الحضارات فعليها التاثر العالمي واليوم وقبل اليوم لما كان الحروب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفيتي كان الشرق الأوسط هي الوقود وسيظل الشرق الأوسط وشعوبه من العرب وغيرهم من الأتراك والأكراد والفرس سيكونون وقوداً إذا لم ينتبهوا إلى هذه المعركة.
لقد ربى الرسول الأمة على العقيدة الصحيحة التي تربطهم بالله سبحانه وتعالى وحده ولا تربطهم بأي شخص لا بالقبيلة ولا العشيرة وهذا لا يعني إلغاءهم بل تُنظمهم في إطار دائرة الإسلام لتسير جنباً إلى جنب لتحقيق الأهداف الأساسية من التماسك والتناصر والمحبة ونصرة المظلومين وليست نصرة الظالمين.
والأمر الآخر بنى الرسول هذه الأمة على العقلية الجماعية القائمة على العقيدة وليس على العقلية الفردية الأنانية أو القبلية أو العصبية كما كانت قبل الإسلام وهذا أهم تغيير فعله الرسول صلى الله عليه وسلم وسعى لها سعياً كبيراً جداً نظرياً وعملياً وتربوياً وتطبيقياً وحتى جرّب من ذلك على نفسه فمثلاً كانت من ضمن الأمور الأساسية أنه ما كانت لامرأة قريشية هاشمية النسب أن تتزوج عبداً ولكن الرسول زوّج ابنة عمته زنيب لزيد وهو ابن عبد عند العرب وهو الذي تبناه الرسول ثم ألغي التبني ثم أعتقه قبل ذلك ومن ثم طلقها زيد بكامل رغبته زوّجها الله من الرسول من فوق سبع السماوات.
وأعتقد أن نزول سورة كاملة على عم الرسول صلى الله عليه وسلم ولم تنزل هذه السورة على أبي جهل وهو كان أخطر منه وذلك للقضاء على فكرة العصبية فهو كان عم النبي وهو الذي لما وصلت إليه البشارة بمولد الرسول أعتق الجارية وفعل ما فعل ولكن الله سجّل هذه المسألة عليه لأنه لم يقف ولم يسر في موقف الدعوة.
لذلك ربى الرسول أمته على العقلية الجماعية القائمة على العقيدة وعلى الشورى وعلى مصالح الأمة قبل مصلحة الفرد وقبل مصلحة القبيلة.
ولذلك قامت واستمرت الحضارة الإسلامية لأن المسلمين ظلوا على هذه العقلية والمنهجية التي رباهم الرسول على ذلك.
ونزل آيات كثيرة وهناك أحاديث في ذم الأنانية والمصلحة القبلية وهناك آيات وأحاديث كثيرة في ضرورة أن يكون الإنسان مرتبطاً بأمته وبمصالحها ويضحي بمصلحته في سبيل مصلحة الأمة .
ومن هنا يأتي الإيثار فقد آخى الرسول بين المهاجرين والأنصار فتآخوا فيما بينهم وتنازل الأنصار كثيراً لإخوانهم المهاجرين وكل ذلك لتحقيق هذه الأخوة وهذه لمصلحتهم بالإضافة إلى أنها دين ولكنها أيضاً مصلحة لأن الأمة إذا انتشرت فيه العقلية الفردية أو العقلية المصلحية أو الأنانينة سوف تتفرق وسوف تشترى سوف يُفعل فيها كما فعل بهم في أيام الجاهليين.
ورباهم الرسول بعد العقيدة والعقلية الجماعية والإخوة الإيمانية كذلك رباهم على الشورى وعلمهم الشورى في كل شيء (وأمرهم شورى ) حتى الزوج والزوجة عليهم ألا يفعل أحدهم فعلاً إلا بالتشاور مع الآخر كما قال الله سبحانه وتعالى في مسألة انتهاء فترة الرضاعة (عن تراضٍ منهما وتشاور فلا جناح عليهما).
هذه التربية الفذة لصناعة الدولة لصناعة الأمة المجاهدة العادلة والقادرة على أن تحكم وعلى أن لا تُحكم وعلى أن تكون فاعلة ولا تكون مفعولاً بها.
الفرد والحاكم حينما يربط بالله والعقلية الجماعية والإخوة الإيمانية والتشاور لا يمكن أن يُشترى أو يتصرف تصرفاً خاطئاً يضر بأمته حتى ولو كان فيه منفعة.
حينما هجر الرسول والصحابة كعب حتى هجره زوجته أصبح معزولاً فتأتيه رسالة من هرقل الروم ويبدي استعداده لكعب إن أتى إليه ليزوده بما يشاء فبكى كعب وقال والله هذه هي الفتنة فأحرق الرسالة وقال أصبحت في مرحلة ضعف أن يطمع فيّ هرقل فعكف إلى أن أنزل الله آيات خاصة للعفو عنه من فوق سبع سماوات.
مشكلتنا اليوم في العالم الإسلامي والعالم العربي بالذات بدأت تتآكل يوم بعد يوم من بغداد إلى دمشق وإلى اليمن والشام ومصر فقد عُمل في مصر ما لم يعمله أي إنسان عاقل الذي ينظر إلى الأخوة وإلى المشورة وإنما فتآمروا ووصلت الحالة إلى هذه المرحلة بسبب هذه العقلية التي سوف ترتب على ذلك ما كان عند السابقين ما يكون مع إمبراطورية ومن يكون مع إمبراطورية أخرى.
نحن نحتاج وكلامي للفرد وللجماعة أولاً وللحكام والأمراء ثانياً أن يعودوا إلى هذه التربية الإسلامية الصحيحة أن نربي أنفسنا على حب الله وحب رسوله وحب دينه، وعلى حب المؤمنين وعلى الولاء الحقيقي للمؤمنين وليس الولاء بالاسم الذي رفع في 100 سنة ولما جاء التطبيق لم يستطع بعضهم أن يطبقها مع الأسف الشديد. فكيف يكون الولاء لله وللرسول والمؤمنين ونحن نحاربهم وننقلب عليهم ونحن نتآمر مع المجرمين ضد المؤمنين الصادقين ونتآمر مع العلمانيين ضد من يحفظ القرآن الكريم وضد من كان يريد تطبيق الإسلام بصورة صحيحة وبصورة معتدلة.
لذلك يحتاج كل واحد منا أن يعود إلى نفسه حتى يزيل عنه هذه العصبيات الجاهلية والأنانية وحب الذات فهذه مهلكة للإنسان ويقول الرسول في صحيح مسلم: { ليس منا من دعا إلى العصبية وليس منا من قاتل على العصبية، وليس منا من مات على العصبية }. وهذه العصبية سواء كانت للقبيلة أو الدولة فهو نفس الشيء إذا لم تكن هذه الدولة ضمن إطار عالمنا العربي والإسلامي.
وقد قال الله في قرآنه العظيم في وظيفة الرسول صلى الله عليه وسلم (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) يتلو عليهم آياته حتى تسمو أرواحهم من هذه الدنيا الدنية إلى عالم السمو وتزكو قلوبهم وأنفسهم ويعلمهم القرآن والحكمة، والحكمة هي النظر في المآلات.
يجب أن نربي أنفسنا وأولادنا وأهلنا على هذه التربية على الانتماء الحقيقي للإسلام ولهذه الأمة وعلى الشورى داخل البيت وأن ننظر إلى المصالح العامة قبل المصالح الخاصة وعلى الحذر من الخطر الذي يداهمنا في كل بلد وفي كل بيت، رغم وفرة الأموال في البلد نجد الرشاوى لحب الذات وأن الرجل يقدم إلى الدولة بمرتب عال فيغش ويخون لأنه لم يرب التربية التي تجعله تخاف الله سبحانه وتعالى، ومن يبيع الفيز ويوظف الناس بمبالغ كبيرة جداً كل ذلك حرام في القانون وفي الشريعة قبل ذلك كل ذلك يعود إلى حب الذات وحب الأنانية والمصلحة الذاتية.
الخطبة الثانية
أيها الإخوة علينا أن لا ننسى كم أوذي الرسول في سبيل أن تصل أمته إلى هذه الشهادة الربانية (كنتم خير أمة أخرجب للناس) فلذلك حق علينا وحق لرسول الله صلى الله عليه وسلم علينا أن نصلي عليه دائماً وأن نذكره وأن نتبع سنته وأن ندافع عنه بكل ما أوتينا ولكن في ضوء سنته وفي ضوء شريعته لأننا نحن مأمورون باتباعه (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّه فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّه وَيَغْفِر لَكُمْ ذُنُوبكُمْ وَاَللَّه غَفُور رَحِيم) فاتباع سنته دائماً كانت بالحكمة والموعظة الحسنة وكانت بالدعوة والرد الجميل وكانت بمقابلة السيئة بالحسنة، وهذا لا يعني السكوت بل يعني الدفاع عنه كل في مكانه والحكام والمسؤولون عليهم أن يجتمعوا شرعاً ولأن يجتمعوا لرسول الله أولى أن يجتمع بعضهم في باريس، كان عليهم أن يجتمعوا ويعطوا مشروع قانون للأمم المتحدة بمنع ازدراء والاعتداء على ديننا وبقية الأديان.
الغرب يدعي قيم الحرية ولكن لما لا يطبقونها حينما يهاجم شخص هولوكوست فالفيلسوف جارودي وفي فرنسا نفسها حينما شكك في المحرقة اليهودية حكم عليه بالسجن سنة لأن عمره تجاوز 80 وإلا لكان يحاكم إلى 10 سنوات.
ونحن لا نلوم الغرب وإنما نلوم أمتنا وحكامنا فنحن نملك كثيراً من الأوراق، من البترول والمعادن والممرات وغير ذلك ولكن هل نستيطع أن نستخدمه؟ يبدو أنه عدنا إلى ما قبل الإسلام فيُستعمل بعض منا من قبل الإمبراطورية الساسانية والبعض الآخر تبع للإمبراطورية الرومانية .
الأمة القوية لا يستطيع أحد أن ينال منها فقد حدث نفس المشكلة في القرن 19 أن بعض الممثلين في فرنسا أرادوا أن يعملوا مسرحية مهينة للرسول صلى الله عليه وسلم فنادى السلطان عبد الحميد السفير الفرنسي آنذاك ولما دخل السفير على السلطان وجد السلطان بلباس عسكري والقوات معه فقال السفير : يا سلطان قد وصلت الرسالة .
فنحن إذا لم نحارب من أجل رسولنا فمن أجل من نحارب! ولكن هذا لا يعني جواز الذهاب إلى الغرب وقتل الناس هناك فهذا غير جائز. أما قوة الدولة فشيء آخر.
فمن الشباب التائهين يعملون تصرفات غير صحيحة، من يهاجم الناس في دولهم بالأسلحة فهذا ليس من شأنهم شرعاً وإنما هذا من شأن الدول والحكومات ومن شأن العلماء أن يبينوا أن يظهروا (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) وشأن عامة الناس أن يحسوا بالألم فلو وجهت هذه الإساءات إليك لابد أن يكون قلبك يحس بهذه الآلام ولكن دون تصرف سيء كما فعل بعض الناس وأحرقوا بعض الكنائس ودور الأيتام فهذا غير صحيح وإنما الشريعة تضبطنا وتضبط تصرفاتنا.
إلى متى هذا الضعف في الخارج وأما في الداخل فلننظر إلى اليمن وهم أصل العرب بالإضافة إلى الإسلام وإلى الحدود وانظر كيف كان ردة فعلنا! أبداً لاشيء! فقد وصل الحوثيون إلى القصر وعملوا الانقلاب وقتلوا وضربوا. وكان هناك قبل يومين بيان تنديد من بعض الدول وانتهت المسألة مع أن كل الدول قامت لإسقاط الربيع العربي وخصصت 220 مليار دولار مع أن الربيع العربي يعبر عن ضمير الشعب ولماذا لا يخصص 20 مليار ولا أقل 220 لإسقاط من يضر بالعرب ولإسقاط من يضر بالمسلمين . اللهم أصلح أحوالنا وأحوالهم.