بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الاخوة المؤمنون
اذا نظرنا الى المجتمعات المعاصرة والمجتمعات التي مضت في القرون السابقة، نراها انها تُبنى على أحد الوجهين، إما أن تُبنى على أساس الحقوق فقط والمطالبة بالحقوق كما هو الحال في المجتمعات الرأسمالية التي يبحث هؤلاء عن حقوقهم واذا لم تفرض عليهم الحقوق بالقوانين فليس هناك دافع لإعطاء الحق لأي شخص آخر، وهناك مجتمعات أخرى تبنى على أساس الواجبات والمسؤوليات فقط كما هو الحال في المجتمعات الاشتراكية والمجتمعات الشيوعية التي سقطت لأنها لم تستطع أن تحقق التوازن فلم تستطع ان تواصل مسيرتها فأنتهت بإنتهاء الاتحاد السوفيتي السابق.
ومن هنا تأتي أهمية بناء مؤسسات المجتمع الاسلامي حيث أسسه الاسلام على أمرين اساسيين الامر الأول الحقوق المتقابلة والأمر الثاني هو الإيثار والإحسان. ونحن اليوم نتحدث عن جزء من الجزء الأول الذي يتعلق بالحقوق المتقابلة وهي مصطلح شرعي ويقصد بها أنه ليس هناك شخص صغيرا أم كبيرا إلا وله حق وعليه حق آخر وعليه واجب ومسؤولية كما أن له حقوقا، فالحقوق متقابلة فأنا لي حق علي وكذلك لي حق على الآخر وهذا الحق على الآخر يسمى في المصطلحات المعاصرة الحقوق وأما الحق علي فيسمي بالمسؤولية والواجبات.
ولكن المصلطلح الاسلامي هنا أدق لأنه يتحدث عن أن كل ما يفعله الانسان إنما هو في دائرة الحقوق إما لي أو علي وليس هناك فرق بين ما هو حق لي وما هو حق علي وإن المسلم في ظل هذا المصطلح وفي ظل هذه التربية يبحث أولا عن أداء الحقوق الآخر قبل أن يبحث عن حقوقه وحينما تكون النية بهذه الصورة أن كل انسان يتربى على أن يعطي حق الآخر وأن لا يكون ظالما وحتى إن وجد الأمر واصبح الانسان بين أحد الأمرين إما أن يكون ظالما او أن يكون مظلوماً فالمسلم يختار أن يكون مظلوماً فكن عبدالله المظلوم ولا تكن عبدالله الظالم لأنك اذا ظلمت فإن الله سبحانه وتعالى يعاقبك وأن عقوبة الله سبحانه وتعالى في القبر وفي الجحيم اشد وأبقى من عقوبة الانسان وهذا ما فعله الإبن الصالح لسيدنا آدم حينما قال ” لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ”
هذا هو بناء المجتمع الاسلامي أنك تبحث ما الذي عليك من حقوق أمام الله وأمام الناس وامام الآخرين واذا كان كل واحد فكر بهذا التفكير أو ربي هذه التربية ونفذ هذه الحقوق فلن نحتج الى القضاء والى الخصومات، لأنك قبل أن تطالب بالحق أنك تسرع وتتسارع وتتعجل في أداء ما عليك من حقوق امام أخيك سواء كان هذا الحق قرضا أو واجبا أو أجرة وهذا ما حدث في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم حيث كانت الخصومات نادرة وكذلك في عصر أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه حينما عين عمر قاضيا لمدة سنة ولم تأتي إليه إلا قضية أو قضيتان من اسهل القضايا فقدم استقالته وقال يا أبا بكر ليس هناك حاجة للقاضي لأنه لا يأتيني أحد للمخاصمات فكلهم يحلون مشاكلهم بالتصالح والمصالحة وأغلبهم يعطون حقوقهم واذا لم يعطى له حقه فيفوض أمره الى الله سبحانه وتعالى ويرى أن أخذ حقه يوم القيامة أحوج ما يكون من أن يأخذه في الدنيا.
هذا هو المجتمع الأسلامي الحقيقي الذي هو يقوم على اساس الأخوة ومبناه واسسه تقوم على الأخوة الأيمانية التي فضلها الله سبحانه وتعالى على الأخوة النسبية دون أن يلغيها فالأخوة النسبية قائمة والأخوة القومية قائمة والمواطنة قائمة ولا حرج ولكنها في دائرة الإحوة الأيمانية التي هي الحاكم والمرجعية فيما أذا تعارضت هذه الأخوات مع الأخوة الإيمانية فقال ” إنما المؤمنون إخوة” ثم قال في سورة أخرى ” لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ۖ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ”
هذه الاخوة الايمانية ليست مجرد قول يقال وليست مجرد شعرات ترفع وليست مجرد كلمات تقال وليست مجرد قوانين يكتب أو دساتير تسجل وتسطر وكم من دساتير تنص على هذه الحقوق ولكن الحكومات لا تنفذ وكم من إدعائات بالاخوة القومية والقبلية فحينما تتصارع مع مصالح الانسان مع قومه يضرب مصلح قومه عرض الحائط ولا يبحث الا عن مصلحته لذل وضع الله سبحانه وتعالى لهذه الاخوة موازين ومعايير طبقها الرسول صلى الله عليه وسلم في المجتمع الاول مجتمع المدينة حينما آخ أولا بين المهاجرين أخوة حقيقية فاقت كل أنواع الاخوة ثم بعد ذلك تأخ وآخ بين الانصار والمهاجرين وكان الانصار قد نجحوا في ذلك نجاحا عظيما حينما لم يكتفوا بالحقوق فقط وإنما وصلوا الى مرحلة الإيثار ” وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ” محتاجون فقراء ولكن مع ذلك يؤثرون إخوانهم المهاجرين على أنفسهم ويحبونهم حباً ويطعمون الطعام ويعطون المال ويشاركونهم بمنتهى الحب وبمنتهى الإيثار فحينما يتآخ الانصاري مع المهاجري فيعرض عليه نصف ماله ثم يعرض عليه لإن كانت له أكثر من زوجة أن يطلق إحدى زوجاته ليتزوجها أخوه المهاجر ولكن المهاجرين لم يرضوا ذلك في مسألة النساء ولكنهم أتوا ولم يكن معهم أي شئ فقبلوا كرم إخوانهم وحق إخوانهم في الخيرات والبركات والمشاركة في الاموال وفي ثمار المدينة وفي خيراتها وبركاتها.
ويقال أن شخصا ذهب الى أبي حنيفة الامام الأعظم رحمة الله عليه وكان يوده ويتوادد إليه كثيرا وكان يقول أقبلني أخاً لك فقال ابو حنيفة بالله الذي خلقك وأناشدك أن تكون صادقا هل انني افضل مما في جيبك من نفسك أو أنت فقال الرجل لإتنا أنا أولى بمالي منك واذا احتجته أفكر فقال ابو حنيفو أنت صديقي ولست أخي فالأخ الذي إن لم يكن مؤثراً فهو يعتبر أم ما يدفعه لأخيه كأنه يدفعه لنفسه بل أفضل من ذلك
وشبه الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح المتفق عليه الذي رواه البخاري ومسلم بسندهم عن النعمان بن بشير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ” فهذه السخونة كلها لأن الجسم يتحرك للقضاء على الجرثومة الذي دخل في الجسم وهكذا المسلم احساس وعمل وتطبيق فإحساس أنظر الى ظاهرة السخونة في الجسد وعمل هي تكاتف اجزاء الجسد للقضاء على الجرثومة ومشاركة فعلية للتنفيذ والقضاء على هذه الجرثومة
ويعود مرجعية هذه الاخوة الى ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث آخر متفق عليه ويضع فيه الرسول صلى الله عليه وسلم لنا معيارا يخاف منه الانسان فوالله كلما اقرأ هذا الحديث احس بشئ من القشعريرة والخوف وهو “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه” فلينظر كل واحد الى نفسه هل وصلت الى هذه المرحلة وليس مجرد الحب لأن الحب لابد أن يتبعه العمل .
ووضع الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الأحاديث وبنى هذا المجتمع القوي الذي استتطاع أن يفتح به العالم وأن يكون القاعدة العظيمة لإنطلاق الدعوة والصحابة كانوا على هذا المستوى العظيم من التربية ومن المحبة للناس ولذلك بلغوا ما بلغوا وهذا لا يعني أن هؤلاء معصومون وإنما يعني خاصة الرعيل الأول من المهاجرين والأنصار أبلوا هذا البلاء العظيم واصبحوا قدوة لنا في كيفية الأخوة الايمانية والحقوق المتقابلة
وفي حديث آخر يدخل الرسول صلى الله عليه وسلم في تفاصيل هذه الاخوة ” المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ( اي لا يخذله عند الشدة) ولا يسلمه ( أي لا يسلمه للعدو) ومن فرج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب الآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه” ويقول ايضا ” لا تناجشوا (النجش أنك تذهب وتساعد كذبا وترفع السعر في المزاد ولا تريد الشراء وانما تساعد البائع فقط لزيادة ثمن المعروض) ولا تدابروا (أي لا يهتم ويدبرعنك” هكذا الرسول يدخل في تفاصيل هذه الاخوة الايمانية وفي بعض الاحاديث يذكر لنا عددا محددا والعدد كما يقول علماء الاصول لا مفهوم له في حديث مسلم يقول” حق المسلم على المسلم ست” ولكن حقوق المسلم أكثر من ذلك بكثير ولكن أهمها قد بينها الرسول صلى الله عليه وسلم اذا لقيته فسلم عليه واذا مرض فعده واذا مات فأتبعه واذا استنصحك فأنصح له واذا عطس فحمد الله فشمته وهكذا يبن الرسول صلى الله عليه وسلم وقد تصل هذه الحقوق اذا جمعناها الى أكثر من خمسين حقا من حقوق الاخوة وهي حقوق متقابلة ومن تتكامل المجتمع الاسلامي ويصبح مجتمعا متماسكا متحدا قويا قادرا على صنع الحضارة وكذلك على دفع العدو.
الخطبة الثانية
اذا كنا نتحدث عن حقوق المؤمنين وعن حقوق الاخوة الايمانية وعن حقوق الجسد الواحد فعلينا أن نتسعرض ما يصيب اخواننا المسلمين في كل مكان ومدى احساسنا بهم ومدى تفاعلنا مع قضاياهم ومع تنفيذنا لهذه المحبة حتى لا يكون ذلك مجرد قول يقال أو شعارات ترفع وحتر لا ندخل ضمن قول الله تبارك وتعالى “لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا … أن تقولوا ) فعلينا اليوم أن نحس بآلام اخواننا الأسرى في فلسطين داخل سجون الصهاينة الذين قاموا باضراب عن الطعام حتى وصل بعضهم الى حالة قريب من الموت وما فعلوا ذلك حبا في غضراب عن الطعام وغنما فعلوا ذلك لأنه وصل بهم من التعذيب النفسي والبدني الى حالى آثروا الموت على الحياة وهم في سجون الاحتلال عشرا السنوات يبقون دون أن يحاكموا وهذا مخالف لكل القواني الدولية وناهيك عن الشرائع السماوية كلها بالاضافة أن هؤلاء محتلون لكل اراضي الفلسطينية وليس لهم حق في هذه التصرفات حتى حسب قوانين الامم المتحدة فهم عليهم احكام المحتل ولكنهك يفعلون ما يفعلون ويدمرون ما يدمرون ويؤذون ما يؤذون دون رادع لأن الدول الكبرى مع هذه الدولة الصهيونية والامة الاسلامية مشغولة بنفسها وضعيفة لا تستطيع في كثير من الحالات ان تقدم أو تؤخر
فهذا واجبنا على اقل تقدير أن ندعو لهم ,ان نتضرع من الله سبحانه وتعالى وهذه ليست قضية سياسية وانما قضية ايمانية فهؤلاء اخواننا وهؤلاء أسرى ومظلومون .
ومن هذا الباب ايضا اخواننا يقتلون ويعذبون بشتى أنواع التقتيل والتعذيب في سوريا ولم تكتفي الشبيحة بما تقتل ولم يكتفي الجيش بدباباتها وطائراتها وحتى سفنها الحربية بضرب المناطق وتدميرها في درعا وحمص وكثير من الاماكن وانما الان بدأ بتفجيرات داخل المناطق التي فيها مظاهرات ويتهم بها المعارضين لهم وفي نفس الوقت يخوف بها الاهالي ليتركوا البلد .
وواجبنا ايضا اخواننا الذين نجح فيهم الثورة فقد كنا في تونس في الاسبوع الماضي والشعب التونسي متعطش تعطشا كبيرا وقد اجتمع في الخطبة بالالاف ليجتمعوا حول علماء المسلمين
نحن دعمناهم بالدعاء سابقا ولكن الان علينا أن ندعمهم حتى تنجح هذه الثورة وهناك مؤامرات خاصة من فرنسا لافشال هذه الثورة وللاستفادة من الثروة واعادتها الى ما كان عليه في السابق، وكذلك علينا ان ندعم مصر دعاءا ومناصرة وفتحا للشركات حتى لا تحتاج الى صندوق النقد الدولي او الى غير ذلك .