لقد توصل البحث  إلى ما يأتي :


1 ـ إن مطل الغني ظلم وحرام يستوجب عقوبات حددها الفقهاء العظام .


2 ـ غرامة التأخير عقوبة يكون ناتجها لخزينة الدولة ، وبالتالي تستبعد عن الحل والبديل إلاّ من باب دفع المدين إلى دفع دينه .


3 ـ أن الشرط الجزائي في الديون غير جائز ، وأنه يؤدي إلى ربا النسيئة المحرم شرعاً.


4 ـ أن اشتراط التعويض المالي عن التأخير في سداد الدين غير جائز سواء كان التعويض حدد بنسبة من الدين ، أو بمبلغ محدد أو لم يحدد وإنما أحيل تحديده إلى القضاء أو التحكيم ، أو إلى معيار يحدد نسبة من الربح الذي يتحقق لبنك من خلال فترة التأخير عن السداد .


5 ـ أن حصول البنك الدائن على مبلغ من المال بسبب تأخير المدين عن أداء دينه غير جائز حتى ولو كان صادراً من المحكمة ، أو التحكيم .


6 ـ لا يجوز للبنك الدائن الاستتفادة من غرامة التأخير ، أو الشرط الجزائي ، وإنما يجب صرفها في وجوه الخير .


7 ـ أن حصول البنك الدائن على جميع مصاريفه الفعلية وما تكبده من غرامات بسبب تأخير الدين يجوز تحميل المدين لها .


8 ـ يجوز تضمين المدين ما نقص من قيمة العملة بسبب التضخم .


9 ـ أن حلول الأقساط بسبب التأخير عن سداد قسط أو قسطين جائز كما صدر قرار المجمع الفقهي الدولي رقم 64(2/7)  .


 


البدائل المشروعة هي ما يأتي :


1 ـ تعاون البنوك الإسلامية فيما بينها في المعلومات المتوافرة عن المستثمرين ، والاتفاق على جعل المدين المماطل في القائمة السوداء .


2 ـ إشهار اسم المماطل في وسائل الإعلام .


3 ـ الأخذ بالوسائل الفنية للجدوى الاقتصادية للمشروعات الممولة .


4 ـ أخذ ضمانات كافية من الكفالة والرهن ونحوهما ومنها ربط الدين بكل ما لدى المدين من حقوق في البنك .


5 ـ الدخول مع المدين في شركة الملك عن طريق جعل الدين ثمناً لنسبة من عقار ، أو مصنع يملكه المدين .


6 ـ شراء عقار ، أو مصنع أو نحوهما من المدين بدينه ، وهذا جائز فهو بيع الدين للمدين بعين .


7 ـ الاستفادة من بعض صور بيع الدين الجائزة .


8 ـ الاستفادة من التأمين على الدين سواء كان في البداية ، أو في وقت آخر عن طريق شركات التأمين الإسلامي ، حيث إن ذلك جائز وتحمى للبنوك الإسلامية في          حالات كثيرة  .    


9 ـ إيجاد صندوق مشترك بين البنوك الإسلامية المتعاونة يكون خاصاً للديون المتعثرة ، أو المشكوك فيها .


10 ـ شراء العقار أو المصنع أو نحوهما من المدين بالدين ، ثم تأخيره تأخيراً منتهياً بالتمليك .


11 ـ الدخول في مرابحات جديدة أو عقود آجلة أخرى مثل الاستصناع ونحوه ، وبالتالي يلاحظ البنك الإسلامي الدائن في نسبة مربحة ، أو مرابحته ما فاته من أرباح في الدين السابق دون الربط بينهما .


12 ـ الاستفادة من القروض المتبادلة ، حيث يشترط البنك أن يقوم المدين بإيداع مبلغ مناسب في الجاري بحسب الزمن المطلوب ، وقد صدرت فتاوى من ندوة البركة الثامنة للاقتصاد الإسلامي بجواز القروض المتبادلة (الفتوى رقم 8/10) .


13 ـ زيادة نسبة الربح بالنسبة لمن يشك في مماطلته ، ثم إذا وفى بدينه يلزم برد ما دفعه من باب التنازل استئناساً بمسألة ” ضع وتعجل ” .


14 ـ الخروج عن عالم المرابحات ، والأوراق إلى الدخول في عالم التجارة والاستثمار والأسواق .


وأخيراً فإذا التزم البنك بالقواعد الفنية والإجرائية والوقائية فن التعرض لمخاطر التأجيل والمماطلة تكون قليلة ومعقولاً ومقبولاً لا يؤثر في الأرباح ولا يشكل نسبة خطيرة مع علمنا بأن التجارة لا تخلو من مخاطر كما أن لها أرباحاً . (فالغرم بالغنم) .


  وهناك بديل آخر اهتدت إليه الهيئات الشرعية ، وهو تعهد المدين بدفع مبلغ مقطوع أو نسبة من الدين إذا تأخر في سداد أي قسط ، أو في كل شهر ، على ان تصرف هذه النسبة في وجوه الخير ، وقد يكون المبلغ الملتزم به مبلغاً كبيراً ، أو نسبة كبيرة من ربح البنك .


  وحاصل هذا التعهد هو أنه دافع للمدين بالدفع ، وان كانت المؤسسة المالية الاسلامية لا تستفيد شيئاً من المبلغ المحصل شيئاً ، لكنه أثبت فعاليته ، لن المدين قبل ذلك كان في مأمن من أخذ أية زيادة عليه بسبب مماطلته ، ولكنه في ظل هذا الشرط سيؤخذ منه مبالغ أكبر مما تأخذه منه البنوك الربوية .


  وقد أجازت بعض الهيئات أن تأخذ البنوك الاسلامية الرسوم الادارية الفعلية على التأخير ، وهذه المسألة تحتاج إلى دقة وضبط حتى لا يختلط الربا بالرسوم .


ونذكر هنا قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي 133(7/14) حيث جاء فيه :


(ثانياً: الديون المتأخر سدادها:  أ‌- بخصوص الشرط الجزائي في العقود: يؤكد المجلس قراراته السابقة بالنسبة للشرط الجزائي الواردة في قراره في السلم رقم 85 (2/9) ونصه: “لا يجوز الشرط الجزائي عن التأخير في تسليم المسلم فيه ؛ لأنه عبارة عن دين، ولا يجوز اشتراط الزيادة في الديون عند التأخير”، وقراره في الشرط الجزائي رقم 109 (4/12) ونصه: “يجوز أن يكون الشرط الجزائي في جميع العقود المالية ما عدا العقود التي يكون الالتزام الأصلي فيها ديناً، فإن هذا من الربا الصريح، وبناء على هذا لا يجوز الشرط الجزائي – مثلا – في البيع بالتقسيط بسبب تأخر المدين عن سداد الأقساط المتبقية سواء كان بسبب الإعسار، أو المماطلة، ولا يجوز في عقد الاستصناع بالنسبة للمستصنع إذا تأخر في أداء ما عليه”.


 


ب‌- يؤكد المجمع على قراره السابق في موضوع البيع بالتقسيط رقم 51 (2/6) في فقراته الآتية:


ثالثاً: إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط عن الموعد المحدد فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدين بشرط سابق، أو بدون شرط، لأن ذلك ربا محرم.


 


رابعاً: يحرم على المدين المليئ أن يماطل في أداء ما حل من الأقساط، ومع ذلك لا يجوز شرعا اشتراط التعويض في حالة التأخر عن الأداء.


خامساً: يجوز شرعاً أن يشترط البائع بالأجل حلول الأقساط قبل مواعيدها عند تأخر المدين عن أداء بعضها ما دام المدين قد رضى بهذا الشرط عند التعاقد “.


 


سادساً: لا يحق للبائع الاحتفاظ بملكية المبيع بعد البيع، ولكن يجوز للبائع أن يشترط على المشتري رهن المبيع عنده لضمان حقه في استيفاء الأقساط المؤجلة “.


ضرورة اعتناء المصارف الإسلامية بمعالجة أسباب تأخير سداد الديون كالاهتمام بالمرابحات والعقود الآجلة، ومن عدم الأخذ بالوسائل الفنية للتمويل ( كدراسة الجدوى ) وعدم الأخذ بالضمانات الكافية.


 


ثالثاً: يوصي المجلس بما يأتي:


أ‌-     أن تلتزم المصارف الإسلامية في مسيرتها بالمنهج الاقتصادي الإسلامي وضوابطه، وأن تقوم بالإصلاحات الفنية والإدارية اللازمة لتحقيق المزيد من التقدم من خلال الاستثمارات المباشرة والمشاركات لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وهي من أهم غايات وأهداف المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية.


ب‌-    أن يتم البحث عن آليات بديلة لمشكلة المتأخرات في المؤسسات المالية الإسلامية وتقديم دراسة فيها لعرضها على المجلس في دورة لاحقة ) .


 


رابعاً ـ مشكلة الفتاوى المتضاربة سواء كانت داخل الهيئات الشرعية ، أومن خارجها ، وعدم وجود مرجعية عامة لهذه الهيئات ، حتى القرارات الصادرة من المجامع الفقهية ، والمعايير التي صدرت من هيئة المعايير التي صدرت بمملكة البحرين .


 


وهذه الفتاوى إذا قمنا برصدها نجدها تتجه نحو ثلاثة اتجاهات :


الاتجاه الأول : اتجاه التشدد .


الاتجاه الثاني : الترخيص ، بل والتفلت .


الاتجاه الثالث : المعتدل القائم على التأصيل الشرعي والتحليل .


 فهذه مشكلة تحتاج إلى حل ، ولا أجافي الحقيقة أنني أخاف أن تذبح هذه التجربة الاسلامية بهذه الفتاوى غير المنضبطة تشدداً أو تفلتاً .


والمنهج الوسطي الصحيح للفتوى ـ اضافة إلى شروطها المعروفة ـ هو أن يقوم على الأسس والمبادئ الآتية :


1) المبادئ العامة في الاسلام ، مثل مبدأ العدل ، والتوازن ، والمساواة في الحقوق والواجبات ، ونحوها .


2) المقاصد الكلية مع ملاحظة الأدلة الجزئية ودمجهما في منظومة واحدة على أساس التوفيق والنظرة الشمولية القائمة على النظرة الزوجية وليست النظرة الاحادية .


3) النظر في مآلات الفتاوى الجزئية ، وأثرها على مستقبل الاقتصاد الاسلامي والمؤسسات المالية الاسلامية .


4) رعاية فقه الواقع ، وفقه التنزيل ، وفقه الميزان ، والأوزان ، والتوازن .


5) رعاية منهج التيسير ، ولكنه يختلف عن تتبع رخص الفقهاء ، أو ما يسمى بالمخارج والحيل ، وهي غير الرخص التي وردت بشأنها أدلة شرعية فهذه جائزة بلا شك ، يقول الشاطبي : (… وعلى هذا يكون الميل إلى الرخص في الفتيا باطلاق مضاداً للمشي على التوسط ، كما ان الميل إلى التشدد مضاد أيضاً ، وربما فهم بعض الناس أن ترك الترخص تشديد ، فلا يجعل بينهما وسطاً ، وهذا غلط ، والوسط هو معظم الشريعة وأم الكتاب …. )  .


ومن هذه الأمثلة ما يأتي :


‌أ) التورق المصرفي المنتظم الذي يختلف في جوهره عن المبادئ والأسس للاقتصاد الاسلامي ، ولمقاصد الشريعة ، ولفقه المآلات ، يقول العلامة ابن القيم : ( و كان شيخنا رحمه الله يمنع من مسألة التورق ، وروجع فيها مراراً وأنا حاضر ، فلم يرخص فيها ، وقال : المعنى الذي لأجله حرم الربا موجود فيها بعينه مع زيادة الكلفة بشراء السلعة ، وبيعها والخسارة فيها ، فالشريعة لا تحرم الضرر الأدنى وتبيح ما هو أعلى منه )  .


‌ب) صكوك الاستثمار بشرط ضمان أصل الاستثمار وعوائده ( ليس من جهة ثالثة ) .


‌ج)  الاجارة المنتهية بالتمليك مع اشتراط دفع الأقساط ( الأجرة ) حتى لو هلكت العين المستأجرة .


‌د)  المرابحة في الأوراق ، وليست في الأسواق .


  


    وأخيراً فإن عدم التزام المؤسسات المالية الاسلامية بالمنهج الصحيح للاقتصاد الاسلامي هو أكبر التحديات الشرعية ، وأخطرها على الاطلاق ، حيث يفقدها المرجعية ، والمصداقية ، وعدم التمايز ، وعدم القدرة على التنافس مع البنوك الربوية .


 


والله الموفق وهو أعلم بالصواب


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين


وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم


  اعلى الصفحة