أيها الإخوة المؤمنون
لقد تحدثنا في الخطبة السابقة عن العنف الأسري وعن مخاطره وآثاره الخطيرة على مستوى الفرد والأسرة بل على مستوى الأمة والجماعة. واليوم نتحدث عن عناية الإسلام بما يقابل العنف، وهو الرفق الذي يشمل في الفكر الإسلامي وفي ضوء الكتاب والسنة جميع حركات الإنسان الداخلية والخارجية، فالرفق من أعظم الأخلاق الإسلامية التي أَوْلاها الإسلام العناية القصوى، ومن هنا كان الرسول قدوتنا وكان الأنبياء جميعاً قدوة في كيفية التعامل مع الناس.
والرفق في هذا الجانب، أي جانب التعامل مع الناس، أو ما يسمى اليوم بفن التعامل مع الناس، يهتم به حتى غير المسلمين، ولا سيما الأمم المتحضرة، ولهذا الفن معاهد وكليات تابعة لجامعات عريقة، و فيها شهادات من الماجستير والدكتوراه، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أنه أمر فطري يحبه الإنسان، ولا يرتقي الإنسان إلا بالرفق، ولا ترتقي الحضارة إلا بالرفق، ولا يمكن أن ترتقي الحضارة بالعنف والشدة والقسوة.
والرفق في الإسلام يشمل الرفق الداخلي الذي يشمل الجوانب النفسية في ترويض النفس وملء القلب بحب الناس؛ لأن التظاهر بالرفق لا يحقق الحقيقة، ولا يحقق ما ينشده الإسلام؛ و لأن الرفق يجب أن يكون متأصلاً في داخل النفس، وذلك حينما يكون الإنسان متصلاً بالله ، ويحب رسوله ، وبالتالي يكون مقتدياً به في حِلمه وصبره وفي رفقه وشفقته بالناس.، ونحن سنتكلم في هذه الخطبة عن الرفق من جانبين:
الجانب الأول: الرفق الداخلي وهو عبارة عن هذه المعاني الجميلة في داخل النفس، وعن تربية النفس وترويضها عليها، و ليس الرفق أمراً سهلاً ، وإنما يحتاج إلى الترويض والتدريب، ويحتاج إلى التفكير في كيفية التعامل مع الآخر، وفي داخل الأسرة ومع أقاربك والآخرين وحتى مع غير المسلمين، بل أكثر من ذلك في التعامل مع الحيوانات، لأن الله سبحانه وتعالى كتب الرفق في كل شيء. وقد ورد في أحاديث صحيحة (إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه) وليس هناك عطاء أجزل من عطاء الله سبحانه وتعالى، فحين يكون الإنسان رفيقاً وحليماً وصابراً، وحين يتعامل الإنسان بالرفق والطيب مع الآخرين. يحظى بعطايا الله التي لا تعد ولا تحصى، والترويض النفسي والتربية الصحيحة هما المنطلق الأساسي للسان والجوارح والتصرفات والحركات التي يتحرك الإنسان من خلالها مع الآخرين.
وقد ركزت العقيدة الإسلامية على تصفية هذا الجانب من العنف والشدة والقسوة، وملأتْ هذا الجانب بالحب والرفق والحلم والصبر والتصبر، حتى لو لم يكن الإنسان صابراً فإنه يتصبر لأجل الله سبحانه وتعالى، والتصبر هو التكلف، تتكلف وتتعب نفسك، أنت لست صابراً ولست حليماً ولكنك تحاول أن تصبح صابراً فيكون لك أجران: أجر التكلف وأجر الصبر والحلم على هذه التصرفات التي يراها الإنسان، ويستفز منها الإنسان، ولكنك تضغط على نفسك ولا تستفز، فهذا الجانب لا يمكن أن يتحقق إلا بترويض النفس وبملء النفس بهذه المعاني الجميلة .
وصف الله سبحانه وتعالى المؤمنين الصادقين بقوله سبحانه وتعالى (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس)، فالإنسان يسمع كلمة نابية أو يرى تصرفاً سيئاً، وربما تصرفاً مؤثراً، وربما يتجاوز مقامه، لكنه يكظم هذا الغيظ ولا يبديه ويتعامل معه كأنه لم يكن شيئاً، وأكثر من ذلك فقد يعفو، وحينئذ يصل إلى حد الرقي الذي يريده الله سبحانه وتعالى.
وإذا نحن لم نولِ العناية القصوى بهذا الجانب، ولم نروض أنفسنا على هذه الصفات الطيبة، لا نستطيع أن نصبر، وإنما ينفجر الإنسان كلما سمع كلمة، ولكن حينما نركز على هذا الجانب تصبح الأخلاق وبخاصة قضايا الرفق والحلم جزءاً متأصلاً، وتصبح ملكةً عاديةً تسير عليها ولا تتأثر بما يحدث حولك؛ لأنك تملك هذا الجانب الأساسي، وهذه التربية التي هي جزء من تربيتنا الإسلامية. ولكننا نسير اليوم مع العواطف والتقاليد والعصبيات الجاهلية التي كانت قبل الإسلام، بحيث إذا كانت لدي قوة لا بد أن أظهرها، فإذا لم أظهر القوة ولم أقم برد مناسب فهذا ضعف.
فالنفس تروض على هذه المعاني، وعلى هذه الأخلاق العظيمة، كما تروض الحيوانات؛ لأن هذا الجانب النفسي قابل وقادر على التكييف حسبما يراد لها، وليس هناك شخص أخذ الغضب من جيناته التي ورثها عن أبيه، فالأخلاق لا تورث، وقد قال الرسول قبل 1400 سنة (كل مولود يولد على الفطرة)، فهذه الفطرة السليمة كل إنسان يولد عليها، ولكن المشكلة أن الطفل يتأثر بالبيئة وهو جنين، وهو في بطن أمه، فإذا كان الوالد كثير الغضب، والوالدة كثيرة الغضب، وإذا كانت الأسرة معظمها تسير وفق الغضب والشدة والقسوة، فهو يتأثر بهذه البيئة السيئة، وإذا كان الأمر عكس ذلك يتأثر بذلك، وهذا الجانب يعتبر إعجازاً علمياً كشفه القرآن الكريم قبل 1400 سنة حينما قال (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا)، وكلمة الدسّ هو: الإخفاء. فحينما أنت تظهر الغضب فهذا يعني أنك أخفيت الحقيقة، حقيقة نفسك، وهو الحلم والرفق، فجعلت الشدة ظاهرة على حقيقيتك الحقيقية لو سرت عليها، ولو لم تتأثر بالبيئة الفاسدة لما كنت هكذا، وإنما كنت هادئاً هادفاً في أعمالك و لا تثور و لا تثير و لا تثار، فتصبح أعصابك باردة، وإبقاء الأعضاب باردة مفيدة حتى من الناحية الصحية، فالذين يثورون أقرب الناس عرضة لأمراض القلب والسكر وغيرهما من الأمراض الخطيرة، التي تأتي بسبب هذه الانفعالات، وكم من الخلايا من خلايا المخ والجسد تقتل وتذبح حينما يثور المرء ثورة عادية؛ لكل ذلك فالعنف ليس من مصلحة الإنسان لا شرعاً ولا عقلا.
الجانب الثاني: الرفق في الكلام، ويراد به أن يكون الرفق في حديثه مع الآخر، أن يختار الكلمات بالدقة، وليس كلما جاءت فكرة قالها، وليس كل ما سمع شيئاً نقله، فأين العقل! وأين الفكر!، يصبح الإنسان حينذاك مثل الببغاء بل أقل من الببغاء لأن الببغاء يحتاج إلى تدريب، وليس من شيم العقلاء أن يقوموا بنشر كلما سمعوه مباشرة على الواتساب، أو في رسالة أو في مجلس، فأين التفكير!.
لقد وصف الله المؤمنين الصادقين اللذين يستحقون الجنة بفضل الله بقوله (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) وبعدها الصفة الثانية مباشرة (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) واللغو هو كل شيء لا فائدة فيه، حتى لو لم يكن شراً، لأنه يمكن لرجل أن يتكلم بكلمة لا يلقي لها بالاً ولكن يبعده الله بها سبعين خريفاً أو يدخله الله بها النار سبعين خريفاً.
لذلك جعل الله سبحانه وتعالى بقية الأمور مفتوحة، فالعين مفتوحة إلا أن يغمض، والسمع مفتوح تسمع، لكن للكلام هناك موانع ومكابح من الأسنان واللسان حتى لا تتكلم إلا في الحق، ولذلك يقول القرآن الكريم (وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه ) وقالوا ( لنا أعمالنا ولكم أعمالكم ) فالمسلم لسانه رطب بذكر الله تعالى، مشغول بأعماله، لا يتكلم بكلمة يعاقب عليها، وفي حديث صحيح: ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) فإذا كان إيمانك حقيقياً فإما أن تقول الخير، ولا تقول الشر أبداً أو لا تقول قولاً فيه خير وشر ( وما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) فلماذا تثقل كتابك بشيء لا فائدة فيه، بل ثقل ميزانك بما فيه الخير، فالرفق في الكلام، والتعامل مع الناس، واستعمال أجمل الكلمات من صفات عباد الرحمن.
نحن المسلمين أولينا العناية القصوى بالشعائر فقط دون مقاصدها وأهدافها، بينما شرع الله هذه الشرائع لأجل الأهداف الأساسية ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) قولاً وفعلاً . ولذلك وصف الله عباد الرحمن الذين يستحقون الفردوس الأعلى (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) والجاهلون هنا بمعنى السابون، الشاتمون، الغالطون، وليس المقصود به الجهل هنا، لأن السياق هنا ليس المقصود به الأمّي – وإن يكون أمياً وجاهلاً – ولكن المقصود به هو الجهل في الكلام، كما قال أحد الشعراء:
ألا لا يجهلن أحد علينا … فنجهل فوق جهل الجاهلين
ولكن المسلم يقول: إذا تكلم الجاهل معك، وشتمك، فقل: سلام عليك. فهذا هو الرفق، وهذا هو التعامل الحقيقي، و هذا هو الإسلام الذي يحول القرآن إلى سلوك، كما كان الرسول حينما سئلت عائشة عن خلق رسول الله قالت: ( كان خلقه القرآن ) أي أنه يطبق القرآن تماماً كأنه قرآن يمشي على الأرض.
والمسلم مأمور بالاقتداء برسول الله فلا يضجر ولا يهين ولا ينهر ولا يُحرج من أساء إليه بالكلام، إنما يتكلم بما هو أفضل، ( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ) وهذه ليست صفة سهلة ولذلك يقول رب العالمين ( وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ).
كذلك تعاملنا مع الآخرين في كيفية المشي، وربما يظن الناس أن الرفق مع الناس هو مجرد التلطف في الكلام، لا، ولا يكفي هذا، وإنما حينما أمشي بين الناس أمشي هادئاً، غير مؤذ، وليس كما يحدث اليوم، وحتى الآن لا أعرف السر، ولا الحكمة مما يفعله هؤلاء الشباب من تخريب سياراتهم من أجل إصدار الأصوات المر تفعة، ويمشون أمامك، وفي نصف الليل، تزعج الناس والمرضى والنيام والأطفال، فهذا جزء من الأخلاق التي نهى عنها الإسلام، فإن أول الصفات التي ذكرها الله في عباد الرحمن ليست الصلاة، وإنما هو المشي الجميل بالسكينة والوقار( وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هَونًا )، هينين ولينين، لا يحبون أن يؤذوا أحدا، ولو استطاعوا أن يكبتوا هذه الأصوات في السيارات لفعلوه، وحتى في الصلاة لا يجوز تخطي رقاب الناس ولا المشي على أكتافهم ، ولا يجوز إيذاء المصلين من أجل الوصول إلى الصف الأول؛ لأن ترك إيذاء الناس عبادة من العبادات.
فما أحوجنا إلى هذه الأخلاق، وإذا كان الغرب ينفق المليارات من أجل فن التعامل، فإن ديننا جعل ذلك جزءاً من عقيدتنا، وجزءاً من أخلاقنا الإسلامية، فالمسلم حريص على البعد عن الشكليات والمظاهر، حتى في باب العبادات، وإنما يأخذ من العبادات جوهرها وحقائقها.
الخطبة الثانية
الأمة تتكون من الجماعات والشعوب والقبائل، ولكنها في الأساس تتكون من الأفراد، فإذا كانت الأفراد صالحين، فالأمة صالحة، وإذا كانوا سيئين فإن الأمة كذلك سيئة، والعبرة دائماً بالغالب (وَاتَّقُوا فِتْنَة لَا تُصِيبَن الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّة واتقوا الله وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه شَدِيد الْعِقَاب).
فإذا نظرنا الى أخلاق أمتنا اليوم في ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة وفي ضوء اقتدائنا برسول الله ، فكم كان صبوراً وحليماً ورفيقاً في التعامل مع الناس، وليس في مرحلة الضعف فقط كما كان في مكة، وهذا يضرب به المثل، وإنما أيضاً لما كان له الحكم وله الدولة في المدينة المنورة، فكم كان رفيقاً، يأتي الأعرابي ويجذب حلته، ويؤثر ذلك في عنقه المبارك من شدة الجذبة، ومع ذلك يلتفت الرسول ، ويبتسم له. وجاءه أعرابي يوماً يطلب منه شيئًا فأعطاه – – ثم قال له: ((أحسنتُ إليك؟))، قال الأعرابي: لا، ولا أجملت، قال: فغضب المسلمون وقاموا إليه، فأشار إليهم أن كفُّوا، ثم قام ودخل منزله وأرسل إلى الأعرابي وزاده شيئًا، ثم قال: ((أحسنتُ إليك؟)) قال: نعم، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيراً، فقال له النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنك قلتَ ما قلتَ وفي نفس أصحابي شيء من ذلك، فإن أحببت فقُلْ بين أيديهم ما قلتَ بين يدي؛ حتى يذهب من صدورهم ما فيها عليك))، قال: نعم، فلمَّا كان الغد أو العشي جاء فقال النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إن هذا الأعرابي قال ما قال فزدناه، فزعم أنه رضي، أكذلك؟))، فقال الأعرابي: نعم، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيراً.
ويأتي أعرابي آخر ويبول في المسجد، فقام الناس إليه ليقعوا فيه، فقال النبي : ” دعوه وأريقوا على بوله سجلاً من ماء، أو ذنوباً من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين “، ولأن كرامة الإنسان أعظم عند الله من المسجد، وهذا دليل على الترويض والتربية على الرفق وعلى كرامة أو إنسانية الإنسان، وكذلك في تعاملنا مع الخدم والسواقين فلا يجوز أن نغلظ عليهم، فهؤلاء من بني جنسنا، وقد يكونون عند الله أفضل منا، فدعاهم العوز، فأكرمه وارفق بهم فهذه مسؤولية أمام الله.
وكان أبو بكر يكرم أحد الفقراء بالأموال والرفق، ولما جاءت قصة الإفك مال هذا الرجل إلى جماعة الإفك وكان على رأس الذين ينشرون هذا الإفك فحلف سيدنا أبو بكر بأنه لا يساعده بعد اليوم، وكان عائلة الرجل تعيش على ما يعطيهم أبو بكر ، ولكن الله سبحانه وتعالى أنزل في كتابه (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، الله سبحانه وتعالى ربط بين المغفرة والرحمة وبين تعامله مع الناس، وكان مغفرة الله مقيدة ومرتبطة بهذا الصفح بهذا الكرم و العفو و الرفق . هذا هو ديننا، و هؤلاء رجالنا.
أولئك آبائي فجئني بمثلهم … إذا جمعتنا يا جرير المجامع
ولكن أين نحن من هؤلاء! انظر إلى الشدة في أمتنا، فقد بلغت شأواً كبيراً، والإرهاب والعنف حتى بين الإسلاميين موجود بشكل كبير، ولا سيما هؤلاء المتشددين الذين شوهوا حقيقة الإسلام، من يوم ما فعلوا في أمريكا وغير أمريكا، وأعطوا مبررات لضرب الإسلام والمسلمين، وأعطوا مببرات لتشويه الإسلام والمسلمين.
سأل صحفي دانماركي أحد الأئمة في الدنمارك: لماذا الرجل الأوروبي طيب ويعامل بالطيب ولكن حينما يدخل الإسلام يصبح شديداً، ويكره الآخرين؟ وينعزل؟ فحاول المسلم:أن يدافع عن دينه بأن هذا لا يمثل الدين، وأن هذه الفئة جاءت أفكارهم من الجهل، ولكن المشكلة أن هذه الفئة هي المنتشرة الآن، وهي صاحبة الأصوات، وهي التي تروج لها وسائل الإعلام الغربية، ولو صرفت الصهاينة والصليبيون تريليونات لما استطاعوا أن يشوه الإسلام كما يشوهه هؤلاء المتشددون الذين يقتلون الناس بدون وجه حق، ويتقاتلون فيما بينهم كما في العراق وسوريا.
وأما إذا تحدثنا عما يحدث في مصر، التي عرفت بالطيب واللين والرفق، وبمجرد أنهم يحيون ذكرى 25 يناير يستشهد منهم حوالي 200 شخص والجرحى والمعتقلين بالآلاف، وربما قد يقول قائل: إن في العراق كانت هناك مشكلة قومية وربما سُنّة أو شيعة، ولكن المصريون كلهم سُنّة، وكلهم على مذهب واحد إلا فئة معينة من إخواننا الأقباط، فلماذا جعلتم المصريين شعبين هم شعب والآخرون شعب تجب إبادتهم؟ كيف يباد شعب حصلوا على استحقاقات انتخابية في أكثر من ست مرات؟ اتقوا الله فلا هذا منهج الإسلام ولا منهج الغرب، الغرب يبحث عن شخص واحد منهم ويعطونه حق تشكيل حزب، وتشكيل فكر ولا يحاسبون أحداً على أفكارهم، اقتدوا بهم إن كنتم لا تقتدون بالإسلام.
القضية تجاوزت الحدود، والمؤامرات الدولية مع هذا، لأنها تجعل الأمة الإسلامية مشغولة بنفسها.
أما في سوريا فحدث ولا حرج، وهذه المؤتمرات من أجل سوريا مجرد مؤتمرات إمهال وتضييع لحق الشعب السوري، فقد بدأوا بأشهر و أضافوا شهوراً أخرى، وجنيف 1، ومن ثم جنيف 2، فلا فائدة، فإذا لم يرحم المسلمون أنفسهم بأنفسهم بعد رحمة الله، لا يرحمهم أحد، ولا يسعنا إلا أن نتضرع إلى الله أن يعيد أمر هذه الأمة إلى رشدها. والله المستعان.