1 ـ الزحام لغة : مصدر زاحم يزاحم مزاحمة وزحاماً ، وأصله من زحمه زحماً ، وزحمة أي دفعه في مضيق ، وازدحم القوم : زحم بعضهم بعضاً ، وازدحمت الأمواج أي تلاطمت ، وتزاحموا أي ازدحموا .

 والزحام هو تدافع الناس وغيرهم في مكان ضيق[1] وهذا التدافع في حقيقته يعود إلى رد الفعل النفسي بسبب الكثافة وضيق المكان ، ولذلك عرفه علماء النفس بأنه : رد الفعل النفسي السلبي تجاه الكثافة وما يصاحبه من ضغط نفسي وتوتر عصبي[2] ، وهذا التعريف يجسد المشكلة الحقيقية للزحام التي تكمن في ذلك الرد السلبي ، وإلاّ فلو وجد الزحام والتزم الجميع بالهدوء وضبط النفس لما حدثت مشكلة .

 

2 ـ منى : ـ بكسر الميم ـ بلدة على فرسخ من مكة المكرمة وأصلها من مَنَى ـ بفتح النون ـ يمنى منياً ـ بكسر النون ـ بمعنى التقدير ، حيث يقال : منى الله الأمر أي قدّره ، ومنى الله فلاناً بكذا أي ابتلاه به ، ومُنِي ـ بالبناء للمجهول ـ لكذا أي وفق له ، وبكذا : أي ابتلى به ، ومنى الدم أي أريق[3] .

وسميت هذه المنطقة بمنى،لأن الله تعالى ابتلى إبراهيم بذبح ولده فيها أو لما يراق فيها من الدماء.

 

حدود منى : وحدها ما بين وادي مُحَسِّر وجمرة العقبة ، وهي شعب طولها نحو ميلين ،وعرضه يسير ، والجبال محيطة به ما أقبل منها عليه فهو من منى ، وما أدبر منها فليس منى[4]،يقول البغدادي:(حده من مهبط العقبة إلى محسّر،وعليه أعلام منصوبة،وهي داخل الحرم،وفيه أبنية ومنازل تسكن أيام الموسم،فتصير كالبلدة،وتخلو بقية أيام السنة إلاّ ممن يحفظها فتصير كالقرية)[5].

 

 وقد اختلف الفقهاء في حدود منى حيث يرى الحنفية ، والشافعية ، والحنابلة أن وادي محسّر ، وجمرة العقبة ليسا من منى ، ويرى المالكية أن جمرة العقبة من منى ، وباقي العقبة ليس منها ، وقيل : إن العقبة كلها من منى وقد روى عن عطاء أن منى من العقبة إلى مُحسر[6] .

 ويقع مشعر منى في الجهة الشرقية لمكة المكرمة ، وأصبح اليوم ضمن النسيج العمراني لمكة المكرمة ، ويشغل ما مساحته 776 هكتار موزعة بين الوادي والمناطق الجبلية المحيطة به ، وتمثل المناطق المنبسطة ما نسبته 53% من المساحة الإجمالية أي في حدود 410 هكتار [7].

  

*      أهمية معرفة حدود منى :

 تكمن أهمية معرفة حدود منى للحجاج لأنها مشعر من المشاعر تتعلق بها أحكام شرعية من وجوب المبيت في ليالي التشريق بمنى ، ومن وجوب الفدية في حالة عدم المبيت بها ، ومع ذلك نجد مخالفة بعض الحجاج في المبيت خارج منى بسبب الزحام والمخالفات التي ترتكب من قبل بعض الحجاج ، وعدم التزامهم بالترتيبات المطلوبة .

 

*     استعمالات الأراضي ودورها في الزحام :

 تصل نسبة الاستعمال السكني إلى ما يزيد على 50% من المساحة المستخدمة حسب الدراسات المعدة من قبل معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج في حين تأتي طرق المركبات وممرات المشاة في المرتبة الثانية .

 إضافة إلى ذلك فإن النشاطات التجارية وبالأخص النشاطات غير المرخصة حول الجمرات تزيد الأمر تعقيداً .

 

*     أسباب الزحام ، وتشخيص المشكلة :

 هناك أسباب كثيرة لوجود الزحام في منى سواء كان عند المبيت ، أو عند رمي المرات ، بل إن الزحام أثناء رمي الجمرات في يوم العيد من بعد الفجر إلى الضحى ، وفي أيام التشريق أثناء الزوال زحام قاتل بكل ما تعنيه الكلمة حيث يروح بسببه كل عام عشرات ، بل في بعض الأعوام مئات ، حيث ماتوا تحت أرجل الحجاج ، أو بسبب السقوط من الجسر ، فقد مات عام 1415هـ بسبب ذلك مائتان وسبعون حاجاً ، وأصيب أكثر من أربعمائة حاج ، وقع هذا الحادث في أعلى منحدر الصعود شمال الجمرة الصغرى ، ولذلك سارعت المملكة بإزالة هذا المنحدر ، وتعديل الجسر ، ولكن مسلسل الحوادث لم ينقطع ، كما أضيف إلى ذلك الحرائق التي شبت في مخيمات الحجاج في منى والتي أدت إلى حرق وإصابة المئات[8] .

 كل ذلك يعود إلى محدودية الحيز الفراغي لمنطقة الجمرات والزحام الشديد ، والتصرفات والسلوكيات غير الإسلامية الحضارية لبعض الحجاج .

 ومنطقة الجمرات من أشد المناطق زحاماً في منى ، ويتركز الزحام على الجسر في أوقات الذروة ، وتأتي الطرق والممرات في المرتبة الثانية ، وأماكن الإيواء ( مخيمات الحجاج ) في المرتبة الثالثة ، وذلك لانخفاض معدل المساحة المخصصة لاسكان الحجاج إلى 1,6 م حيث يعتبر هذا أقل بكثير عن أدنى المعدلات الطبيعية وهي 2,5 م للشخص الواحد [9].  

 

ونحن هنا نذكر أهم هذه الأسباب بقدر ما يتعلق بالجانب الشرعي ، وهي :

1 ـ محدودية الحيز الفراغي لمشعر منى ، فالمساحة المستغلة من منى هي 52% من المساحة الإجمالية ، لذلك ينبغي التفكير الجاد لاستغلال المنطقة (وهي صغيرة في حد ذاتها) بكافة طاقتها ، بل بالطرق والوسائل الحديثة من حيث البناء ، والخيام المطورة.

2 ـ الزيادة المستمرة في أعداد الحجاج . 

3 ـ تكدس الحجاج للرمي في وقت محدد بسبب الالتزام بمذهب معين في حين أن المطلوب          ـ كما سنذكر ـ أن يتاح لكل الآراء الفقهية المعتمدة ، وأكثر من ذلك فإن بعض كتل الحجاج تأتي وتنتظر عند الجمرات لترمي في وقت معين .  

4 ـ أشكال وأقطار أحواض الجمرات ، وذلك بتوسعتها حتى تسع أكبر قدر ممكن ، فقد أثبتت الدراسات المعدة من قبل معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج أن الشكل الحالي لأحوال المرمى له تأثير مباشر على زيادة الزحام حول الجمرة ، وبالتالي على الجسر ، ومن ثم على منطقة الجمرات ،وذلك بسبب عدم عدالة التوزيع حول الحوض ، حيث يتركز الرامون في الجهة المقابلة للمدخل في حين تظل الجهة الخلفية للحوض شبه خالية فعلى سبيل المثال وصل الانتظار في حج العام الماضي 1422هـ للدخول إلى أحواض الجمرات إلى ما يزيد عن عشرين دقيقة ووصل مقدار الصف إلى مسافة تزيد عن أربعين متراً في حين لم يصل إلى خمسة أمتار في الجهة الأخرى . 

5 ـ ضعف التوعية والتوجيه المطلوب بين الحجاج .

6 ـ الأسباب الثانوية مثل :

أ ـ الافتراش في منى وبالأخص في منطقة الجمرات حيث أصبح ظاهرة متكررة مستعصية على أجهزة الأمن ، ويزيدها تعقيداً المباسط غير النظامية . 

ب ـ التسول .

ج ـ تكدس النفايات .

د ـ التصرفات والسلوكيات غير المسؤولة[10] .

 

*     الآثار الخطيرة على الزحام في منى :

1 ـ مقتل وإصابة أعداد لا يستهان بها ـ كما سبق ـ .

2 ـ الانهاك الجسدي والتعب البدني .

3 ـ الإعياء أحياناً ، وانتشار الأمراض وعدواها إلى الغير.

4 ـ الشعور بالضيق والخطر .

5 ـ انتشار الفوضى والذعر .

6 ـ السلوكيات والتصرفات غير السوية من الإيذاء للآخرين ، ودفعهم والشجار معهم ،والدخول في الفسوق والسباب والشتائم والألفاظ البذيئة .

7 ـ ومن أهمها الذهاب بالهدوء والأمن النفسي ، ومقاصد الحج من الاستفادة منه روحياً ونفسياً في سبيل أن يعود الحاج كيوم ولدته أمه ولم يرفث ولم يفسق ولم يؤذ أحداً ، حيث يدفع الزحام بالحاج إلى فقدان معظم هذه المعاني والمقاصد الشرعية المطلوبة من أداء الحج .

 

*     الحلول :

 الحلول نوعان ، حلول فنية ولكن معظمها مرتبط بالحلول الفقهية ، ولذلك نبدأ بالحلول الفقهية لنصل في الأخير إلى الحلول الجذرية بإذن الله تعالى .

*     تحديد الموضوع :

 والخلاصة أن منى مشعر من شعائر الله ، يؤدى فيها عدد من مناسك الحج مثل رمي الجمار ، وأفضلية ذبح الهدي فيها ، والمبيت بمنى ، ونحو ذلك ولكن بما أن الزحام في منى إنما يتحقق أثناء الرمي ، وفي المبيت ليلة التروية ، وليالي العيد ، لذلك نذكر أحكام هذين الموضوعين بشكل مفصل دون التطرق إلى بقية الأحكام التي تخص منى ، أو تترتب عليه .

 


([1]) لسان العرب ، والقاموس المحيط ، والمعجم الوسيط ك: مادة (زحم)

([2]) د.محمد عبدالله إدريس : دراسة تحليلية للزحام في منى ، عام 1423هـ ص 22 ، ومصادره 

([3]) القاموس المحيط ، ولسان العرب ، والعجم الوسيط : مادة (منى) 

([4]) مراصد الاطلاع ، ط.عيسى الحلبي بمصر (3/1312) ومعجم البلدان للياقوت الحموي مادة (منى)

([5]) مراصد الاطلاع (3/1312)

([6]) يراجع : فتح القدير (2/173) والشرح الكبير مع الدسوقي (2/48) والمجموع للنووي (8/129) والايضاح مع حاشية الهيثمي ص : 322 – 323 والمغنى لابن قدامة (3/427) والموسوعة الفقهية الكويتية (39/57) ونيل المآرب (2/428) وعلى ضوء ذلك فمبتدأ منى من جهة مكة المكرمة هو العقبة وجمرة العقبة ، وتنتهي من جهة مزدلفة بضفة وادي محسر فيكون وادي محسر فاصلاً بين منى ومزدلفة وليس منهما . ويراجع : التوضيح للشوبكي ، تحقيق د.ناصر الميماني (2/527-528)  

([7]) معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج لعام 1418هـ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة ، ود.محمد بن عبدالله إدريس : دراسة تحليلية للحيز الفراغي ، والزحام في منى  وعند الجمرات ، عام 1423هـ ص 6 .

([8]) المراجع السابقة 

([9]) المراجع السابقة 

([10]) المراجع السابقة