ويمكن أن يعبر عن الأركان بأن كلمة الشهادة امتحان للقلب ، والصلاة امتحان للأعضاء ومدى استطاعة العبد تنظيم نفسه وأوقاته ، وأن الزكاة امتحان للإنسان في ماله ، والصوم امتحان لمدى قدرته على ترك الشهوات لأجل خالقه ومولاه تعالى ، وأن الحج امتحان لمدى قدرته على تحمل المشاق وأتعاب السفر في سبيل الله تعالى .

  وإذا شرحنا ما سبق باختصار نقول : إذا امتلأ القلب بالإيمان بالله تعالى وبرسوله ، يفيض هذا الإيمان على جوارحه فتنبعث كلها للقاء الله تعالى بالأعمال الصالحة ، حتى قال سفيان الثوري رحمه الله : (لولا أن اليقين وقع في القلب كما ينبغي لطار اشتياقاً إلى الجنة وهرباً من النار)(1) .

 فيبدأ  الركن الثاني الذي يتعلق بجسم الإنسان ، حيث يقف خاشعاً بين يدي الله تعالى وقد  استحوذ الخشوع على قلبه ، والذكر يجري على لسانه مخاطباً ربه خطاب الحضور : (إياك نعبد وإياك نستعين) وداعياً منه الهداية والصراط المستقيم ، وبقية الأعضاء مشدودة إلى خالقها ومستحضرة هيبة الوقوف واللقاء ، ثم يركع مسبحاً ، ويسجد معظماً وشاكراً ، ولسان حاله يقول : لن أركع ولن أسجد إلاّ لمن خلقني ورزقني وهداني ، وأن سجداتي لله تعالى قد أغنتني عن آلاف السجدات لغيره .

  وهكذا تتأكد الصلة وتتقوى بين العبد وربه في كل يوم ، حتى إذا تهيأ بعد هذا التدريب والتنظيم يأتي دور الركن الثالث وهو التضحية بنسبة من ماله في سبيل الله إلى إخوانه الفقراء ، حتى يتكامل جميع جوانبه وحتى يشعر بروح الاخوة ويبتعد عن الاستغلال والاستبداد والطغيان .

  والإنسان إذا عاش في الدنيا سواء كان غنياً ـ حيث يخاف منه الطغيان ـ ، أو فقيراً ـ حيث يخاف منه اليأس والحرمان ـ يحتاج إلى مراجعة مع نفسه ومحاسبتها والاعتكاف معها ، وهنا يأتي الركن الرابع وهو الصوم الذي هو تهذيب للنفس وتقوية للروح ، وإيقاف لحدود النفس من شهواتها ولذاتها ، وتجربة قوية لمدى إخلاص الإنسان لربه ، فالصوم لله تعالى وحده وهو سر خاص لا يمكن لأحد الاطلاع عليه إلاّ رب العالمين .

  ثم لما كان الإسلام ديناً للعالم أجمع فلا بدّ أن يكون هناك لقاء على هذا المستوى ، فشرع الله تعالى للمسلمين المؤتمر العالمي السنوي الذي يعقد كل سنة مرة ، يتخلى فيه الجميع عن جميع مظاهر الدنيا ويقفون في لباس واحد وفي أيام معدودات يذكرون الله تعالى على ما هداهم ، ويبحثون مشاكلهم العالمية ، ويجدون لها حلولاً ، ذلك هو الحج في الإسلام : تقوية للروابط التي تجمع المسلمين ، وجهاد وبحث لحل مشاكلهم على المستوى العالمي ، بعد أن التقى المسلم بأهل قريته أو منطقته في كل يوم خمس مرات في إقامة الصلوات الخمس بالجماعة ، واطمأن على أحوال كل واحد منهم ، ثم يلتقي بأهل بلده في كل أسبوع مرة يرى جميع إخوانه ، ويسمع خطبة الجمعة التي هي تسجيل لما وقع في هذا الأسبوع وتذكير لهم لأمور دينهم ودنياهم .

   ثم  في الواقع إن هذه الأركان الخمسة ليست كل الإسلام وإنما هي الأعمدة الأساسية للبيت ، ومن المعلوم ان البيت يحتاج بعد أعمدته إلى أمور أخرى ، فقد كتب عمر بن عبدالعزيز إلى عدّي بن عدي : (إن للإيمان فرائض ،  وشرائع ـ أي عقائد دينية ـ وحدوداً ـ أي منهيات ممنوعة ـ وسنناً)(2) وإلى هذه الأمور أرشدنا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم : (أن للإيمان بضع وستون شعبة)(3)  وفي رواية مسلم وأصحاب السنن (بضع وسبعون) وهي : (أعلاها كلمة لا إله إلاّ الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان)(4)  .  
  ومع كل ذلك فالعلاقة بين الزكاة والصوم أكبر من الناحية الشعبية ، حيث إن المسلمين تعودوا على دفع زكواتهم في شهر رمضان المبارك أملاً في تضاعف أجورهم وثوابهم حيث تدل الأحاديث الصحيحة على مضاعفة الثواب في شهر رمضان .

     ونحن هنا وعلى صفحات جريدة الوطن الغراء نذكر أحكام الزكاة وبالأخص للقضايا المعاصرة من الأسهم والسندات ، والودائع والمصانع والشركات ونحوها .
والله المستعان

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع : فتح الباري (1/48) وشرح صحيح البخاري للكرماني (1/70)
(2) راجع : فتح الباري (1/45 ـ 47) وشرح صحيح البخاري للكرماني (1/71)
(3) رواه البخاري في صحيحه ، كتاب الإيمان (1/51)
(4) رواه مسلم في صحيحه ، كتاب الإيمان (1/63)