نظام الزكاة في الإسلام أهم نظام مالي يؤدي إلى خلق توازن بين طبقات المجتمع، فلا يزداد الغنيُّ غنى على حساب الفقراء، ولا الفقير فقرا، بل يجعل المال دولة بين الجميع، ويؤخذ من الغني ليعطي إلي الفقير حتى يكون لديه حد الكفاية والحاجة، فيعيش الجميع في ظل أمن وأمان وحب ووئام بعيدا عن الحقد والبغض والحسد والشحناء ليصبحوا كجسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، إضافة إلى أن الزكاة عبادة وقربة الله وأجر ومثوبة عنده يوم القيامة، وتزكية للنفس، وتطهير من أدرانها وصلة وسكينة.
غير أن الزكاة هي الركن الواجب الأساسي والقاعدة العامة للعلاقات المالية بين المسلمين بحيث يؤدى أداؤها بالشكل المطلوب إلى القضاء على آثار الفقر المدقع والمجاعة والمشاكل المالية التي يعاني منها كثير من المجتمعات البشرية، ولكنها على الرغم من أهميتها ليست هي كل النظام المالي الإسلامي ولا الحق الوحيد في المال وإنما يوجد في المال حقوق مالية أخرى.. وهذا ماسوف نطالعه فيما اختص به فضيلة الشيخ
أ. د. علي محيي الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ونائب رئيس المجلس الأوروبي للافتاء والبحوث في سلسلة أبحاثه التي اختص بها الوطن هذا العام:
توسع المشروع الأميركي في مفهوم الدخل الخاضع للضريبة حيث يشمل كلا من المزايا العينية والنقدية، وجميع الأرباح العرضية كالأرباح الرأسمالية وأرباح اليانصيب وحتى الأرباح غير المشروعة كأرباح القمار والتهريب.
وبالمقابل استبعد من وعاء الضريبة التبرعات والهبات التي منحها صاحبها للهيئات العامة، أو الجمعيات الدينية أو الخيرية، وذلك في حدود 20 % من دخله، أو 30% لحالات خاصة، وكذلك فوائد الديون التي دفعها، والضرائب التي أخذت منه ونفقات العلاج الطبي، والنفقات القضائية، والنفقات والخسائر بمباشرة المهنة، كما أن سعر الضريبة على دخول الأشخاص الطبيعيين على مرحلتين:
• الأولى ذات سعر نسبي يبلغ 3%.
• الثانية ذات سعر تصاعدي يتراوح بين20% للشريحة الأولى و91% للشريحة الأخيرة
وعاء الضريبة على الشركات:
• يشمل وعاؤها جميع الإيرادات الدورية وغير الدورية بما في ذلك المكاسب الرأسمالية، وأما سعرها فعلى شقين شق نسبي عادى بواقع 30% وشق إضافي سعره 22%، وذلك بالنسبة للإيرادات التي تزيد عن خمسة وعشرين ألف دولار سنوياً حيث يصل سعرها الفعلي إلى 52%.
• وعاء ضرائب الإنتاج حيث تسرى على عدد كبير من السلع والخدمات ولاسيما المسكرات والدخان.
• الضرائب على التركات التي تزيد عن ستين ألف دولار وسعرها تصاعدي تتراوح بين 3% و77% لما يزيد عن عشرة ملايين دولار.
• الضرائب على الهيئات التي يحصل عليها الفرد بسعر يتراوح بين 2, 57%.
ضرائب أخرى:
-وبالإضافة إلي ذلك هناك ضرائب اتحادية أخرى كضرائب الاستخدام (الأمور والمرتبات التي فرضت منذ عام 1930 والضرائب الجمركية إضافة إلى الضرائب التي تقررها حكومات الولايات والهيئات المحلية مثل الضرائب العقارية والضريبة العامة على المبيعات والضرائب على كل من الدخان والمسكرات ونحوهما
وعاء الزكاة:
وأما وعاء الزكاة فمحل اختلاف بين الفقهاء بعد اتفاقهم على أنها خاصة بأموال المسلمين ولا تفرض على أموال غيرهم حتى الذين يعيشون في ظل الدولة الإسلامية الذميين والمستأمنين فمنهم من عمم وعاء الزكاة ليشمل جميع الأموال النامية مادامت قد بلغت النصاب وتوافرت الشروط والضوابط الأخرى، وهذا هو الرأي الراجع الموافق للنصوص العامة التي أوجبت الزكاة في مطلق الأموال (والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم) وعلى ضوء هذا الرأي الراجح يشمل وعاء الزكاة كل مال نام كالثروة الحيوانية جميعها، والذهب والفضة والنقود الورقية، أو التحفيات الذهبية والفضية ونحوها والثروة التجارية، والثروة الزراعية والعسل والمنتجات الحيوانية، والثروة المعدنية والبحرية والمستغلات وكسب العمل والمهن الحرة والأسهم والسندات ونحوها
ومن الفقهاء من خصص وعاء الزكاة بعض الأموال على تفصيل حيث حصر بعضهم الزكاة في ثمانية أصناف فقط يقول أبن حزم الظاهري ولا تجب الزكاة إلا في ثمانية أصناف من الأموال فقط وهي الذهب، والفضة والقمح والشعير والتمر، والإبل والبقر والغنم ضأنها وماعزها فقط ثم قال ولا زكاة في شيء من الثمار، ولا من الزروع ولا في شيء من المعادن غير ماذكرنا ولا في الخيل، ولا في الرقيق ولا في العسل ولا في عروض التجارة
ومن الفقهاء من لم يوجب الزكاة في أموال الصبي، والمجنون غير العشرية كالحنفية وهكذا.
وقد أفاض العلامة الدكتور القرضاوي في أدلة القائلين بتوسيع وعاء الزكاة ليشمل كل مال نام، والرد على المخالفين.
ومن هذا العرض يتبين أن وعاء الضريبة ووعاء الزكاة على الرأي الراجح متقاربان في سعر الضريبة عن الزكاة في وجود الضريبة على الاستهلاك حيث لايعرف في الإسلام في باب الزكاة مثل هذه لأن الزكاة لا تؤخذ إلا من الأغيناء، بينما الضريبة على الاستهلاك قد تؤخذ من غير الأغنياء، إذ قد يكون المستهلك فقيرا.
وأما الأنواع الأخرى كضريبة الدخل بشتى أنواعه فتقابله الزكاة عليه حيث أوجب الإسلام الزكاة على دخل الاستغلال الزراعي (زكاة الزروع والثمار) حيث أوجب فيه العشر إذا كانت تسقى بماء السماء، ونصف العشر إذا كانت تسقى بالدواب أو الآلات، كما أوجب الزكاة في كسب التجارة ونحو ذلك.
وأما المقارنة بينهما في وعاء رأس المال فإن الشريعة الاسلامية لم تأخذ بنظام الضريبة الموحدة كما نادى بها البعض في بعض العصور وإنما تقترب منها الفلسفات الاجتماعية والاشتراكية التي نادت بفرض الضرائب على رأس المال لكن النظام الإسلامي كما يقول العلامة القرضاوي قد اشتمل على هذا المجال أيضا وعلى المزايا التي ذكرها أنصار الضريبة على رأس المال وذلك لأن الإسلام لم يوجب الزكاة في كل رأس المال، بل في المال النامي أي من شأنه النماء فقط حتى يبقى الأصل وتؤخذ من الزيادة والفضل، ولذلك لم تفرض الزكاة في رأس المال الثابت نفسه كالمصانع والعقارات بل في رأس المال المتناول، أما رأس المال الثابت فتؤخذ الزكاة من غلته ونمائه الفعلي كالأرض الزراعية التي جاء بها النص، وما لحقت به من العمارات ونحوها من المستغلات.
إضافة إلى ملاحظة النصاب ونحوها وأما الضرائب على الأشخاص التي كانت تسمى ضريبة الرؤوس لأنها تؤخذ عن كل رأس المال والتي يعمل بها في بعض الدول فقد وجهت إليها إنتقادات كثيرة ولكنها مع ذلك فيؤخذ في الإسلام نظام آخر وهو صدقة الفطر التي تفرض على كل شخص مع قطع النظر مع أمواله وفقره وغناه، أراد بها الإسلام إدخال السرور في قلوب المحتاجين في يوم العيد، والتعويد على البذل والعطاء والتعاون العام والتكافل.
مبادئ العدالة بين الزكاة والضريبة:
لاشك أن النظام الضريبي في العهود السابقة لم يكن يتوخى العدالة وإنما كان همه تحصيل أكبر قدر ممكن من الأموال للدولة، ولذلك يتخذ في سبيل تحصيلها المظالم وأبشع صور التعذيب والإيذاء البشري وقد سجل التاريخ ذلك، ولكنه بعد ظهور الفلسفات الاجتماعية والديمقراطية وحقوق الإنسان بدأت الحكومات تتجه نحو نظام ضريبي تتوخى فيه العدالة غير أن الفقهاء الوضعيين اختلفوا في مفهوم العدالة الضريبية كما اختلفوا في مفهوم العدالة نفسها حيث تتنازعه وجهات نظر متباينة بسبب الفلسفات السياسية والفكرية، ويمكن حصر الاتجاهات حول مدى العدالة الضريبية في اتجاهين:
أحدهما التفسير الضيق لها بحيث يقتصر مفهومها على الجانب المالي للضريبة أي المساواة في التضحية أو التوزيع العادل للأعباء الضريبية بين المواطنين وهذا ما فسره (أدم سميث) بأنها المساواة في المقدرة التكليفية بحيث يناسب إسهام كل مكلف في النفقات العامة ومقدار يساره أي دخله.
وأما الاتجاه الثاني: فهو التفسير الموسع للعدالة الضريبية يتخطى النطاق التقليدي لها ويتناول جميع جوانب الضريبة من طلب أدائها إلى استخدام حصيلتها أي إنفاقها ويستهدف الحد من الاختلافات الاقتصادية والاجتماعية.
والقوانين الضريبية اليوم تشترط المساواة الضريبية بل ينص عليها معظم الدساتير، ولكن مفهوم المساواة يكتنفها غموض واختلال فهل هي مساواة مطلقة، أو نسبية، وهل ينظر إلى كل ضريبة على حدة أم ينظر إلى النظام ككل؟ وهل هي مساواة يومية أم سنوية؟ وهل ينظر إليها من الزاوية المالية والاجتماعية أم من الناحية القانونية؟ فلو نظرنا إليها من الزاوية المالية والاجتماعية نجد أن مفهومها يختلط بمفهوم العدالة، إذ لا تتحقق المساواة لو حدثت معاملة تمييزية بين الممولين لاعتبارات اجتماعية ومالية، بينما لو نظرنا إليها من الناحية القانونية نجد أن مفهومها يعني المساواة امام القانون فلا تجوز بين الممولين حسب جنسهم وهكذا.
وأما العدالة في الشريعة فتعني المعنى الشامل للعدالة من جميع جوانبها الاجتماعية والقانونية باعتبار أن نظام الزكاة نفسه عادل وراعى فيه الشارع الحكيم تحقيق العدالة والمساواة وتجسيد الأخوة ومجتمع التكافل والتعاون ومن مظاهر هذه العدالة رعاية الشرع لحقوق الفقراء وكذلك لحقوق الاغنياء، على عكس النظام المالي الرأسمالي (قبل تأثره بالفلسفات الاجتماعية) حيث يراعي دائما حقوق الأغنياء، والنظام الشيوعي, أو الاشتراكي الذي يشدد على الأغنياء بدعوة مساعدة الفقراء بينما الإسلام أعطى حقوق الفقراء ولكنه راعى أيضا حقوق الأغنياء من حيث اشتراط النصاب، وعدم ثني الزكاة وعدم أخذ الأموال وأجودها بل يأخذ أوسطها، كما أعفى الأشياء المستخدمة من الزكاة كسيارته الخاصة، وفرسه، ومنزله الخاص ونحو ذلك، كما انه لم يوجب الزكاة في الحيوانات العالفة على رأي الجمهور، ومن جانب آخر فإن نسبة الزكاة بسيطة جدا وقليلة جدا إذا قسناها بنسبة الضرائب التي قد تصل إلى90% فسعر الضرائب قد يكون مجحفا جدا بحقوق الممولين كما أن نسبة التصاعدية لا توجد في الزكاة، بل بالعكس قد تقل النسبة فيها في بعض الموجودات الزكوية كلما كثرت فمثلا في أربعين شاة واحدة إلى 120، كذلك راعى الإسلام المساواة بين كل من له نصاب دون تفرقة كما راعى مدى الجهد البشري المبذول في تحصيل المال حيث أوجب العشر فيما سقي من الزروع والثمار بغير آلة، في حين أوجب نصف العشر فيما سقي بآلة كما راعى الظروف الشخصية لدافع الزكاة من خلال إعفاء الحد الأدنى لمعيشة الفرد ومن يعوله حيث يعتبر من الحاجيات الأصلية، كذلك إعفاء المدين من زكاة ماله إذا كان مستغرقا بالدين، أو خصم ديونه عنه، كذلك طرح النفقات والتكاليف حيث تكون الزكاة في صافي الربح وكما راعى الإسلام العدالة في تشريع الزكاة وأحكامها كذلك راعى العدل في تطبيقه، فحرص كل الحرص على اختيار العاملين العادلين عليها وتوجيههم حيث يقول أبو يوسف للخليفة الرشيد: فمر يا أمير المؤمنين بإختيار رجل ثقة أمين عفيف ناصح مأمون عليك، وعلى رعيتك فوله جمع صدقات البلدان ومره فليوجه فيها قوما يرتضيهم ويسأل عن مذاهبهم وطرائفهم وأماناتهم يجمعون إليه صدقات البلدان. وقد بلغني أن عمال الخراج يبعثون رجالا من قبلهم في الصدقات فيظلمون ويعسفون ويأتون ما لا يحل ولا يسع، وإنما ينبغي أن يتخير للصدقة أهل العفاف والإصلاح. وهذا التوجيه للخليفة الرشيد منبثق من أمر الرسول صلى الله عليه وسلم عماله بالعدل والإنصاف حيث قال لأحد عمال: (أتق الله يا أبا الوليد، لا تأتي يوم القيامة ببعير تحمله له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة لها ثغاء). وهكذا جاءت الزكاة محققة للعدالة الحقيقية، ولا غرو في ذلك بأن تشريعها من عند الحكيم الخبير، (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير).
النسبية والتصاعدية بين الزكاة والضريبة:
في الضريبة يوجد شقان: شق نسبي بأن تفرض نسبة محددة على الشيء سواء كان كثيرا أم قليلا مثل نسبة 15% والشق الثاني التصاعدي بأن تفرض ضريبة تبدأ نسبة مثل 20% ثم تتصاعد مع زيادة الدخل أو الثروة وهي الأكثر في عصرنا الحاضر. وأما الزيادة النسبية في الزكاة فهي من حيث المبدأ ثابتة على الرغم من تغير كمية الثروة، أو الدخل الخاضع للزكاة فهي فريضة نسبية، بل أن الإسلام خفف النسبة في الحيوان ولاسيما في الغنم حيث أوجب في أربعين شاة إلى 120 شاة واحدة، ثم في 121 شاتين، ثم يصل الأمر بعد 300 شاة أن يكون الواجب في كل مائة واحدة 1%. وقد يثور التساؤل حول الحكمة في هذه النسبية في الزكاة؟ فأجاب فضيلة الأستاذ القرضاوي إجابات وافية نلخصها فيما يأتي:
أولا: أن الزكاة فريضة دينية خالدة خلود الإنسان باقية بقاء الإسلام لا تتغير بتغير الظروف والأحوال أما الضريبة التصاعدية فتفرضها الدولة لعلاج أوضاع خاصة، ولتحقيق أهداف خاصة.
ثم إن هذا الجانب يعوض من خلال صلاحية أولي الأمر في فرض الضرائب تصاعدية أو نسبية حسب الحاجة كما سيأتي).
ثانيا: إن الزكاة بالنظر إلى مصارفها والجهات التي تنفق فيها تحقق أهداف الضريبة التصاعدية في تقريب الفوارق ورفع مستوى الطبقات الضعيفة. ثالثا: إن فكرة التصاعدية لم تسلم من انتقادات كثيرة من جهة أن فئات التصاعد يتم تحديدها بطريقة تحكمية كما أن فيه نوعا من الظلم والتعسف بالأغنياء.
رابعا: إن الزكاة نظام إسلامي خاص له مميزاته الخاصة كما أن الضريبة مميزاتها الخاصة.
التهرب من الزكاة ومن الضريبة.
على الرغم من تشجيع الحكومات في مجال التهرب من الضريبة، ومحاولة المشرعين الوضعيين سد كل الثغرات تشديد العقوبات وتقرير عدة ضمانات لمكافحة التهرب لما له من آثار خطيرة على الدولة لكنه مع ذلك لا تزال الحكومات المعاصرة تعاني من التهرب من الضرائب ومن الحيل الكثيرة التي يستفيد منها أصحاب الأموال بل يشارك فيها مكاتب المحاماة والمحاسبة والتدقيق من خلال ثغرات في القانون ويطلق عليه (التهرب المشروع) وقد يكون التهرب عن طريق إقرار غير صحيح أو نحو ذلك. وأما الشريعة الإسلامية فقد وضعت ضمانات في غاية من الأهمية لدفع الزكاة منها:
أولا: ضمانات دينية وخلقية، حيث يشعر المزكي بأن الزكاة ليست علاقة بينه وبين الدول بل علاقة بينه وبين ربه الذي لا تخفى عليه خافية، العليم الذي يعلم مافي الصدور من نيات وقصود، ولذلك يقدم عل دفعها ابتغاء وجه الله تعالى ولذلك لايمكنه التهرب منه بل يتسابق إلى دفعها حتى يؤدي هذا الواجب. ومن جانب آحر فإن التربية الدينية العقيدية والأخلاقية من خلال نصوص الشرع تربي المسلم على هذا الأداء الطوعي وتجعله يحب ماعند الله تعالى أكثر من أي شيء أخر، بل تجعله يؤثر ذلك على حاجيات نفسه، وقد دلت السنة أن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن ربوا هذه التربية كيف استجابوا لأوامر الله تعالى ونواهيه حيث تنازلوا عن كل أموالهم، أو بعضها عن حبِّ وإيثار, كما أنهم قالوا جميعا:
انتهينا حينما قال رب العالمين في الخمر (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون, إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل انتم منتهون)
بينما لم تستطع أميركا بتشريعاتها ووسائلها المتعددة في عام 1929م إلى عام 1933 أن تنفذ على شعبها منع الخمور بعد أن حرمها الكونغرس الأميركي، وهكذا الامر في الزكاة حيث نجد أن أمثلة رائعة في هذا المجال حيث كان أصحاب الأموال يعطون خيرة أموالهم طواعية إلى عمال الصدقة.
ثانيا: الضمانات القانونية والتنظيمية:
ولم يكتف الإسلام بالضمانات السابقة على الرغم من أهميتها وكفايتها ولا سيما في المجتمع المسلم وإنما أضاف إليها ضمانات قانونية وتنظيمية تضمن بها الدولة تحصيل الزكاة منعا لضعفاء الدين أن يتهربوا منها، وذلك من خلال تشريع مايأتي:
أ – الأمر بمعاونة الجباة وعدم إخفاء شيء منهم، وإرضائهم دون تعسف وتجاوز للمقادير، حتى عقد الإمام مسلم في صحيحه: باب إرضاء السعاة، فروي فيه بسنده عن جدير بن عبد الله قال: جاء ناس من الأعراب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقالوا: أن ناسا من المصدقين (أي السعاة العاملين) يأتوننا فيظلموننا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ارضوا مصدقيكم) قال جرير: ماصدر عني مصدق منذ سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو عنى راض.
ب – إبطال الحيل في الزكاة وغيرها فقد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات)، وقد استدل البخاري على بطلان الحيل بحديث أنس في فرائض الصدقة حيث قال: إن أبا بكر رضي الله عنه كتب له: أتاني فرض رسول الله صلى لله عليه وسلم, ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة وقد نص الفقهاء على حرمة الحيل التي تؤدي إلى إسقاط واجب، أو فعل منكر، يقول أبو يوسف: لا يحل للرجل إذا كان يؤمن بالله واليوم الآخر منع الصدقة ولا إخراجها عن ملكه إلى ملك جماعة ليفرقها بذلك فتبطل الصدقة عنها ولايحتال في أبطال الصدقة بوجه من الوجوه.
ج- تقرير عقوبات مالية وجنائية على الممتنع عن الزكاة فقد سل الخليفة الأول السيف ضد الممتنعين عن الزكاة وقال قولته المشهورة، والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها وقد خاض حربا في وقت حرج جدا لأجل تنفيذ أحكام الله وحقوق الفقراء وبهذا فإن هذه الحادثة تعتبر الأولى من نوعها على مر التاريخ أن تخوض الدولة الحرب لأجل الفقراء قال الشوكاني: وردت أحاديث صحيحة قاضية بأن مانع الزكاة يقاتل حتى يعطيها.
ثم إن الممتنع الفرد إذا كان إمتناعه لأجل عدم الإيمان بالزكاة فهو كافر مرتد بالإجماع وحكم المرتد القتل بشروطه وضوابطهلأنها مما علم في الإسلام بالضرورة وإن كان لغير ذلك فيجبر على الدفع ويقاتل بكل الوسائل المتاحة حتى يدفعها كما أن هذا الحق ثابت لا يسقط بالتقادم بل هو دين يدخل ضمن ديون التركة عند جمهور الفقهاء.
وهنا يثور تساؤل حول مدى تقرير العقوبة على من أخفى زكاته أو امتنع عن أدائها فهل يعاقب؟
لا خلاف بين الفقهاء في جواز العقوبات التعزيزية في مثل هذه المنكرات ولكن الخلاف يثور في مدى جواز تقرير العقاب بالغرامة المالية؟ ذهب جماعة من الفقهاء منهم الشافعي في القديم وأبن راهويه وأبو بكر الحنبلي إلى جواز تغريمه مستدلين بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( في كل إبل سائمة، في كل أربعين ابنة لبون لا تفرق إبل عن حسابها، من أعطاها مؤتجرا فله أجرها، ومن منعها فإنا أخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا.. وهذا الحديث رواه أحمد والحاكم والنسائي وأبو داود والبيهقي واختلف في سنده ولكنه ينهض حجة حيث صححه البعض وحسنه آخرون وهذا واضح في الدلالة على إقرار عقوبة مالية على الممتنع كما أن هناك أدلة أخرى من السنة على هذا المبدأ ليس في مجال بحثها إضافة إلى جواز حبسه عملا بقول النبي صلى الله عليه وسلم مطل الغني ظلم وفي رواية يحل عرضه وعقوبته.