السيرة
والتأريخ  : ( نبذة من سيرة الرسول القائد
صلى الله عليه وسلم) مع الآخر في المدينة ..

 

 نزل الإسلام لتنظيم علاقة الإنسان
بربه ، وبأخيه الإنسان مسلماً أو غير مسلم ، وبالكون الذي حوله ، ووضع لذلك منهجاً
متكاملاً ، ومبادئ عامة ، وقواعد كلية صالحة لكل زمان ومكان ، لما لها من قابلية
للتطوير والمعاصرة مع الحفاظ على الأصالة والثوابت .

 وفي الفترة المكية لم تكن هناك دولة
، وإنما كانت العلاقة فردية ، يدعو الرسول صلى الله عليه وسلم الناس جميعاً إلى
الدخول في دين الله والاهتداء بصراطه المستقيم ، وإلى التوحيد ، وبناء الإنسان على
العقيدة الصحيحة ، والتربية السليمة الشاملة لجوانب الإنسان الروحية والنفسية
البدنية والاجتماعية …

 وقد تحمل الرسول صلى الله عليه وسلم
وصحبه الكرام الكثير والكثير من الأذى النفسي والبدني في سبيل تبليغ الدعوة الحقة
، وكان شعارهم (كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة)[1]
والدعاء لهؤلاء المشركين الذين يؤذونهم:(اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون).

 وعندما هاجر الرسول صلى الله عليه
وسلم إلى المدينة المنورة وتأسست دولة الإسلام الأولى سعى الرسول صلى الله عليه
وسلم إلى تقوية المجتمع المدني والجبهة الداخلية من جانبين أساسين :

أ ـ الجانب الخاص بالمسلمين حيث قام بتوحيد أواصر الاخوة الحقيقية فيما بينهم
من خلال التآخي بين المهاجرين بعضهم وبعضهم ، ثم بين المهاجرين والأنصار حيث أشرك
الأنصار حقاً إخوانهم المهاجرين في أموالهم ، وفي نخيلهم وثمارهم [2].

ب ـ الجانب العام الشامل لكل من يعيش على أرض المدينة من المسلمين واليهود
وغيرهم من خلال الوثيقة التي كانت الدستور لتنظيم العلاقة بين أهل المدينة على
أساس المساواة في المواطنة في الحقوق والواجبات والدفاع عن المدينة ونحوها [3].

 

 

 

 

العلاقة
مع قريش والدولة المحيطة به :

1.    كانت العلاقة بين الدولة الإسلامية الفتية وقريش ،
والقبائل المحيطة بها علاقة هجوم وحرب من قبلهم عليها ، وكان موقف الرسول صلى الله
عليه وسلم موقف الدفاع عن الإسلام ودولته مع حرصه الشديد على نشر الدعوة أولاً
والتصالح معهم ، ولكنهم كانوا لا يلتزمون بعهودهم ومواثيقهم .

2.    وأما موقف الرسول صلى الله عليه وسلم مع الدول المحيطة
بالجزيرة فهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا رؤساءها من خلال رسائل إليهم إلى
الدخول في الإسلام ، وحينئذٍ يبقون على حكمهم مع إجراء الإصلاحات والعدالة التي
يقتضيها الإسلام ن وكانت رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم هي توصيل الدعوة إلى
العالم أجمع لتحقيق الرحمة العامة فقال تعالى : ( وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين)[4]
  .

 

 

 

الدعوة العالمية ،
والاخوة الإنسانية حتى في حال الشدة والمحنة ، أو النصر والقوة …

  لم يغب عن بال الرسول صلى الله
عليه وسلم ان دعوته عالمية إنسانية ، وأن رسالته رحمة للعالمين ، وأن البشر جميعاً
تجمعهم الاخوة الإنسانية ، والمساواة في الأصل الواحد والكرامة ، وأكد على هذه
المبادئ والمعاني في حال الشدة والمحنة ، وفي حال النصر والظفر والقوة ، فقد قال
في خطبة الوداع : ( …. والناس بنو آدم ، وخلق الله آدم من تراب )[5]
ثم قال : ( يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد ، وإن أباكم واحد ، ألا لا فضل لعربيّ
على أعجمي ، ولا لعجمي على عربيّ ، ولأحمر على أسود ، ولا لأسود على أحمر إلاّ
بالتقوى )[6]
.

  قال ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم
وهو في قمة انتصاراته وفتوحاته التي يتوقع من الإنسان العادي أن تدفعه نشوة النصر
إلى التباهي والتفاخر ، والخروج عن التوازن ، فإذا به صلى الله عليه وسلم يضمن هذه
المبادئ السامية في خطبة الوداع ووصيته الأخيرة ليتبين أن هذه الرسالة من عند الله
تعالى نزلت رحمة للعالمين أجمعين ، وأنها تريد الخير والمصالح والمنافع لهم جميعاً
حتى يعيشوا في أمن وأمان ورفاهية وسلام ، ويكون لهم حسن ثواب الدنيا ، وحسن ثواب
الآخرة ، وحتى الذي لا يريد الآخرة فالإسلام أعطاه أن يعيش في دنياه في أمن وأمان
ما دام لا يظلم ولا يعتدي ، ولا يفسد في الأرض .

 

 <