ما
حقيقة الجزية ؟

 

الجزية
لغة : هي الجزاء ، والجزاء هو المقابل[1]
.

 

والمقصود
بها في عرف الفقهاء : المال الذي يؤخذ من أهل الذمة ..

 

فقد
عرفها الشافعية بأنها : ( المال المأخوذ بالتراضي لإسكاننا إياهم في ديارنا ، أو
لحقن دمائهم وذراريهم وأموالهم ، أو لكفنا عن قتالهم )[2]
.

 

وبمثله
أو قريب منه قال جمهور الفقهاء[3]
وهذا المعنى قريب من معناه اللغوي .

 

  وخلاصة التعاريف تدل على أن هذا المال يؤخذ من
غير المسلمين الذي يعيشون في بلاد الإسلام في مقابل توفير الأمن والأمان ، ويمكن
أن نقول : إنه في مقابل حقوق المواطنة ، فكما أن الزكاة تؤخذ من أموال المسلمين
المواطنين ، وصدقة الفطر على رؤوسهم ، فكذلك تؤخذ الجزية على الرأس ، والخراج من
الأرض من غيرهم ، ويدل على ذلك أن بعض النصارى ( بنو تغلب ) لم يقبلوا باسم الجزية
، ورضوا بدفع الزكاة أو مضاعفتها ، فقبل منهم الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي
الله عنه[4]
.

 ومن جانب آخر فإن دفع الجزية كان دليلاً واضحاً
على الاعتراف بالدولة الإسلامية وسلطانها السياسي ، وكان في ذلك نوع من الاطمئنان
من الطرفين .

  وقد اختلف العلماء في بداية تشريع الجزية ،
فذهب بعضهم إلى أنها كانت في السنة الثامنة من الهجرة ، وبعضهم في السنة التاسعة[5]
، حيث أخذت من نصارى نجران ، ومجوس هجر ، ثم من أهل أيلة ، وأذرح ، وبعض القبائل
اليهودية في تبوك ، وكانت في حدود :       
دينار ( أي أربعة غرامات وربع من الذهب ) على كل بالغ ذكر عاقل سنوياً ،
فهي لا تؤخذ من الأطفال ، ولا من غير العقلاء ، ولامن الرهبان ، ولا النساء ، فقد
روى أبو عبيدة وغيره أن كتاب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن جاء فيه : (
من محمد إلى أهل اليمن …. ، وانه من أسلم من يهودي ، أو نصراني فإنه من المؤمنين
له ما لهم ، وعليه ما عليهم ، ومن كان على يهوديته ، أو نصرانيته فإنه لا يفتن
عنها ، وعليه الجزية )[6]
.

 

 

 

هل
هي أتاوة أم ضريبة المواطنة ؟

    إن الدولة مهما كانت طبيعتها ( دينية أو
مدينة)  فلها حقوق وعليها واجبات من تحقيق
حفظ الأمن والأمان ، والتكافل الداخلي ، ونحو ذلك ، كما أن لها حقوقاً على
المواطنين بدعمها بالموارد البشرية والمالية لتحقيق أهدافها التي يجني ثمارها
الجميع ، وأن الفوضى الأمنية والسياسية والاقتصادية تدمر كل شيء ، ولا تبقي ولا
تذر ، وهذه حقيقة تأريخية ، كما أننا نشاهدها في عالمنا الإسلامي في العراق وغيره
.

  ومن هنا فالدولة الإسلامية شأنها في ذلك شأن
جميع الدول القديمة والمعاصرة ، والمتقدمة ـ فرضت حقوقاً مالية ـ لصالح أمن الفرد
والجماعة ولصالح تكافل مواطنيها ، غير انها فرقت بين نوعين من الحقوق الواجبة :

 

أحدهما
:  الحقوق المالية التي فيها معنى التعبد (
مثل الزكاة ) فهذه فرضها الإسلام على المسلمين تعبداً وتكافلاً ، حيث تحتاج هذه ـ
من حيث المبدأ والقاعدة العامة ـ إلى النية التي لا تصح إلاّ ممن آمن بالإسلام
عقيدة وشريعة ومنهج حياة .

  فلذلك يكون من الطبيعي أن يكون لهذا النوع
خصوصية من حيث التطبيق ومقدار الواجب ، والواجب عليه ، ومع ذلك لو قبل به غير
المسلم بدلاً من النوع الثاني الآتي لرحبت الدولة الإسلامية به ، لأنه أكثر من
الثاني .

 

النوع
الثاني : الحقوق المالية التي لا ينظر فيها إلى معنى التعبد أصلاً ، ولذلك يختلف
من حيث المصرف ، والمقدار ونحو ذلك ، وإنما يراعى فيه اعتباران ، هما :

1- الاعتراف
بالدولة الإسلامية اعترافاً تترتب عليه الحقوق والواجبات من الطرفين       ( الدولة ومن يعيش على أرضها ) وهذا هو ما
فسره كثير من الأئمة منهم الشافعي به قوله تعالى : (حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ
عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)