الضوابط الأخلاقية العامة في الاقتصاد الإسلامي :
إن من أهم
مميزات الاقتصاد الإسلامي في نظامه ، وفي تطبيقاته ، وفي أنشطته الالتزام بالقيم
الأخلاقية السامية ، ونحن هنا نذكر أهم هذه القيم الأخلاقية مع ربطها بالجانب
التطبيقي بقدر الامكان.
أولاً ـ ارتباط الاقتصاد الإسلامي من حيث النظام بالقيم
الأخلاقية:
فالاقتصاد
الوضعي قد انفصل منذ قرون عن القيم الروحية ، والأخلاقية ، وبني على المصالح
المادية الفردية، أو الجماعية ، ولذلك لا يهم الشركات الرأسمالية أن يعيش ثلث
العالم في فقر، وخمسه تحت الصفر، ومئات الملايين يموتون، أو لا يجدون عندهم ما يسدون
به رمقهم من الدواء والغذاء، وان بِضْعَ مئات من الشركات والأفراد تهمين على ثلاثة
أرباع ثروات العالم الذي يقدر عدد نفوسه بأكثر من ستة مليارات نسمة، لا يهم هذه
الشركات الرأسمالية إلاّ المزيد من الربح، ولذلك تغرق مئات الأطنان من الحبوب
والسكر في البحار حتى لا تنزل الأسعار في الوقت الذي يموت الملايين بسبب الجوع
وسوء التغذية والأدوية؟!!.
فهذا لا يقبل به الإسلام حتى مع أشد أعدائه.
ولا أدلّ على
ذلك أن الهدف الأسمى من إنزال رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم هو الرحمة للعالمين
مسلمهم وكافرهم، بل تشمل الحيوانات والجمادات والكون كله فقال تعالى: ( وَمَا
أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ )[1].
ولذلك سمى
القرآن الكريم المال بالخير وبقيام المجتمع، والتجارة والربح بفضل الله فقال تعالى:
(فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ
اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )[2].
ولهذا الجانب
الأخلاقي فرض الله تعالى في الأموال حقوق الفقراء والمساكين فقال تعالى:
(وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ )[3]
كما فرض حقوقاً أخرى لتحقيق التكافل ليس من بين المسلمين فقط، بل بين كل من يعيش
على أرض الاسلام.
ولذلك جعل
الأغنياء مسؤولين أمام الله تعالى إذا مات فقير واحد بسبب الجوع، وأن الذي يجمع
المال فقط دون إعطاء حقوقه للفقراء والمساكين وتنمية المجتمع لهم عذاب شديد حتى
ولو كانوا مؤمنين قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ
الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ
وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ
وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ
أَلِيمٍ)[4].
فقد أولى
الاسلام عناية قصوى بهذا الجانب الانساني والاجتماعي ونظمه من خلال تشريعاته
المالية الخاصة بإعادة التوزيع حتى عبر القرآن الكريم تعبيراً رائعاً يدل بوضوح
على أن المسلم يعمل بكدّ، ويتعب نفسه في التجارة والزراعة والصناعة لأجل تحقيق
الزكاة للفقراء والمساكين فقال تعالى في وصف المفلحين: (وَالَّذِينَ هُمْ
لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ)[5]
أي أنهم يفعلون ويعملون ويشتغلون لأجل الزكاة وتحقيقها حتى يقوموا بواجب التكافل وادخال
السرور في قلوب المستضعفين.
كما أولى عناية
كبيرة بالجانب الأخلاقي على مستوى الفرد من حيث الصدق والأمانة ، والسماحة، وحسن
القضاء، وعدم الغش والخيانة، والاحتكار والتدليس، و غير ذلك مما يؤدي إلى تهذيب
النفس، وتزكية الداخل، وإزالة آثار الحقد والحسد، والجشع من خلال الخوف من الله
تعالى واستشعار رقابته، والتقوى والاحسان الذي فسره الرسول الكريم صلى الله عليه
وسلم: (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك )[6].
يقول الاستاذ
محمد المبارك: (ان من خصائص النظام الاسلامي في مجال الاقتصاد استهدافه لأهداف
أخلاقية بدلاً من هدف الانتاج، والربح المادي، وجعل الدوافع الأخلاقية والانسانية
محركات للنظام، وتوليد شعور أخلاقي يساعد على حسن تنفيذ النظام)[7].
ويقول العلامة الشيخ يوسف القرضاوي: (مما يميز
نظام الاسلام …..، أنه لا يفصل أبداّ بين السياسة والاقتصاد والأخلاق، كما أنه
لم يفصل بين العلم والأخلاق، ولا بين السياسة والأخلاق، فالأخلاق لحمة الحياة
الاسلامية، وسداها، ذلك لأن الإسلام رسالة أخلاقية …. وهذا الاقتران بين
الاقتصاد والأخلاق يتجلى في كل الحالات الاقتصادية )[8].