بسم الله الرحمن الرحيم

ايها الاخوة المؤمنون

 

اذا نظرنا الى مشاكل العالم كله بما فيه مشاكل العالم الاسلامي، ومشاكل الشعوب والدول، ومشاكل الافراد والاسر، لو تعمقنا في اسباب هذه المشاكل والبلايا والمصائب، لاستطعنا ان نحصرها في دائرة واحدة وهي دائرة الظلم والاعتداء، لأن الظلم هو المرجعية لكل هذه المصائب، ولكل هذه المشاكل، ولكن الظلم بمعناه الواسع، بمعناه الشامل للجانب المادي والمعنوي، ولذلك جعله الله سبحانه وتعالى مرجعية حتى للشرك (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)، فالظلم هو المرجع وهو الأساس حتى للشرك بالله سبحانه وتعالى، وحتى للاعتداء على حقوق الله سبحانه وتعالى، لأن الظلم هو الإعتداء على الحقوق المادية والمعنوية، الشخصية والإعتبارية,

لذا لا يخرج شئ يؤدي الى المشكلة والى الإحساس بالظلم عن هذه الدائرة الواسعة، ولذلك اولى الله سبحانه وتعالى عنايته بعلاج هذه المشكلة من اساسه وجذوره، ولذلك وردت هذه الكلمة في القران الكريم بشتى انواعها ومسائلها واسبابها وادواتها في أكثر من 300 آية، كما وردت الكلمات التي لها علاقة بالظلم مثل الإعتداء والبغي حوالي أكثر من مئتي آية، اذاً اكثر من 500 آية في القران الكريم تتحدث عن مسائل الظلم وخطورته وعن أدواته وأفعاله وعن نتائجه وآثاره، ثم يعقب الله سبحانه وتعالى على ذلك بالعلاج الذي يتحقق بالعدل الشامل ومن خلال القسط والإقساط أي رفع الظلم وتحقيق العدل.

وهذا إن دلّ على شئ إنما يدل على خطورة هذه المسألة فعلاً، وعلى أن القضية كبيرة تحتاج الى العلاج، وأن القضية شاملة للحياة الانسانية كلها بدءاً من الفرد الى الأسرة، الى المجتمع، والى الدولة، والى الأمة والى العالم أجمع، وهذا هو حق وحقيقة، حينما ننظر الى عالمنا اليوم  فهومضطرب جداً  في كل مجالاته السياسية والاقتصادية، وكذلك في جوانبه الاجتماعية والانسانية والثقافية، ومن خلال الأمن والأمان، فالعالم اليوم عالم مضطرب بالامتياز ، لماذا؟ لأن الظلم شائع بالامتياز، القوي لا يبحث عن مصالح الضعيف وانما يبحث عن مصالحه وحده، والأنانية هي التي تحكمه، فتظلم ويظلم ويعتدي ويفسد في الأرض دون أن يلقي نفسه في مسؤولية أمام الله سبحانه وتعالى.

وحتى الحروب المدمرة التي وقعت في اوروبا ، الحربان العالميتان ، كانتا ايضا بسبب الظلم بين الدول وبسبب الاعتداء، فالعالم سواء كان عالماً إسلامياً أو غير إسلامي اذا ساده الظلم سادته المشاكل والمصائب والإضطرابات، ومع وجود حربين عالميتين اللتين جائتا بسبب الظلم، حينما اجتمعت الدول المنتصرة، الدول الحلفاء، لم تستفد درسا مما حدث في هاتين الحربين العالميتين المدمرتين، وانما أسسوا منظمة الأمم المتحدة على أساس الظلم وعلى اساس عدم العدل، فأعطوا للدول المنتصرة الخمس حق الفيتو وحق النقض، وهذا يعني ان دولة واحدة من الدول الخمس تستطيع ان تتحكم في مصير العالم كله، فكم من قرارات رفعت الى الأمم المتحدة في حق القضية الفلسطينية العادلة لا أقول إلاسلامية فقط وإنما إنسانيا ودولياً ولكن أمريكا استعملت حوالي اكثر من 300 حق فيتو في هذه القضايا وكم من قضايا عادلة ايضا رفعت الى الأمم المتحدة فإذا بالاتحاد السوفيتي السابق لمصلحته وأنانيته يرفع وينقض ويستعمل حق الفيتو.

واليوم ترون ايضا هذا الظلم الذي نشاهده جهارا نهار، ويقتل فيه عشرات بل مئات، ورأيتم كيف قصفت حماه بصاروخ دمرت عدة بيوت، وقتل فيها عشرات وجرح المئات من الأطفال والنساء والشيوخ، ودفن اناس احياء وهم يوقولون ما لنا إلا الله،  ولكن الأمم المتحدة عاجزة، لأنها أقيمت أساسا على حقوق الدول المنتصرة وحظوظ الدول المنتصرة، ومصالح وانانية الدول التي أنشئت هذه المنظمة .

لو عدنا الى القران الكريم حينما  رفع أمر عظيم الى الرسول صلى الله عليه من قبل احد الصحابة، الذين جاهدوا معه، ضد يهودي وكان الرسول صلى الله عليه وسلم بطبيعته يميل الى هذا الصحابي المجاهد، ولكن الحق لم يكن مع هذا الصحابي في قضية أتهم فيه اليهودي،و اذا بالقرآن الكريم ينزل من فوق سبع سماوات يعاتب النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك(وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا) أي ل تعطي للظالمين حجة وكن عادلا، سواء كان لنفسك، أو لأصحابك، فأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم درساً من ذلك فلذلك كان يقول ( والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)، ولذلك حتى حينما كان يعتدى على المسلمين ويعتدي على الصحابة وحينما يؤذى رسول الله صلى الله عليه وسلم واذا بالرسول يخضع لأمر الله سبحانه وتعالى ولا يخضع لحظوظ نفسه

وفي فتح مكة ، هؤلاء الذين قاتلوه، هؤلاء الذين آذوه، يقول الرسول لهم اذهبو فأنتم الطلقاء ولا تثريب عليكم وإني اليوم أقول كما قال يوسف يغفر الله لكم ولا تثريب عليكم.

اما في العالم اليوم ، يأكل القوي الضعيف والعالم حاجز أمام ذلك، وكل واحد يريد مصلحة نفسه، ولذلك العلاقات الدولية في حقيقتها لا تقوم على اساس العدل والإنصاف، وإنما تقوم على أساس الظلم، ومن هنا يضطرب العالم وبالتلي ينجو الظلمة وينجو القتلة من العقاب كما نشاهد اليوم في سوريا وفي غيرها، وكما شاهدناه كثيراً في قضيتنا الأولى، قضية فلسطين، كيف عامل الغرب مع هذه القضية رغم أنها قضية أممية، وحتى في الجزء الثاني وهو قرار 204 لم يطبق منه شئ الى يومنا هذا بل ظلت اسرائيا تعمل خارج دائرة الأمم المتحدة  دون أن تنال العقاب بل دون أن تلقي بالاً لهذه الأمم لأن ورائها دولة أو دولأ لها حق النقض.

ولو عدنا الى دولنا لنجد ايضا أن هذه الاضطرابات الموجودة تعود الى الظلم، حتى مسألة السودان الذي نراه اليوم ظلما كبيرا من الجنوبي على الشمالي، ولكن كان هناك ايضا ظلم من الحكومة والسياسيين للجنوب، مما جعل الجنوبيين يكرهون الشماليين، اذاً الظلم هو الدافع وهو السبب في كل الأمور، وكذلك الحال بالنسبة لبقية الشعوب والأقليات التي تطالب ربما بالإنفصال تعود الى قضية الظلم وقضية الإبادة، وقد رأيتم كيف ان دولة استخدمت الغازات الكيمياوية ضد شعبها فكيف هذا الشعب يقبل بهذا النظام، وهلم جرا.

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (اتَّقُوا الظُّلْمَ ، فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) ويقول الله في حديث قدسي (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا) اذا كان الله وهو الخالق حرم الظلم على نفسه، فكيف بالعباد الذين هم مصيرهم الى القبر والموت!

أيها الإخوة: هناك استهانة من بعض الناس بالظلم،  ويظن أن الصدقات أو العبادات تزيل وتذهب هذه السيئات أبداً، فالحسنات التي تذهب السيئات هي في دائرة حق الله سبحانه وتعالى، اما حقوق العباد فعلى المخاصمة في الدنيا والآخرة، والأحاديث الصحيحة والأيات التي تدل على ذلك أكثر من أن تذكر منها حديث صحيح متفق عليه عن سيدنا عمر رضي الله عنه قال كنا نتحدث مع نفر من الصحابة استشهد شخص منا فقلنا هذا الرجل في بلاءه وهذا االرجل في عطائه وهذا الرجل في صلاته شهيد من أهل الجنة، وسمع السول صلى الله عليه وسلم وهو ساكت واذا بعد برهة من الزمن يقول، كأن جبريل قد أخبره لأن ذلك أمر غيبي، إنه الآن في النار يعذب بسبب أنه ظلم في عباءة او في بردة. وفي حديث صحيح آخر حينما سأله أحد الصحابة عن الشهادة قال الشهادة يذهب بكل الذنوب إلا الدين.

وحقوق الناس لا يعني المال فقط أو الضرب فقط وإنما قد تكون كلمة أو مالاً، لذلك الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو الرسول والناس آمنوا به، ويتقربون به، يعرض نفسه قبيل موته ويقول من كان له مظلمة علي فليأتيني فقال أحد الصحابة يا رسول الله انك يوما من الأيام ضربت بعصاك على كتفي فقام الرسول صلى الله عليه وسلم بكشف كتفه أمام الناس، فأقبل الصحابي فقبّل كتفه لأنه فيه ختم النبوة فيريد أن يتبارك بتقبيل هذا الختم، فقال يا رسول الله عفا الله عنك أردت أن اشوف بتقبيلي هذا الختم.

هناك مظالم كثيرة بيننا وبين أنفسنا، ومظالم كثيرة بيننا وبين أسرنا، وبين الزوج والزوجة، ويظلم أحدهما الآخر، وهذا لا يجوز، بل هو من أكبر أنواع الظلم ظلمك لأولادك، ولجيرانك، ولهؤلاء المستضعفين من الخدم والسواقين الذين ينظر اليهم نظرة ازدراء . فلنجلس ولنبحث فينا عن كل ما عملناه من ظلم، واذا استعطعنا أن نؤديه فلنؤديه، واذا لم نستطيع فلنطلب العفو.

الخطبة الثانية

آثار الظلم كبيرة جدا حينما يكون الانسان ظالما لنفسه أو لأسرته أو زوجته أو أولاده أو آبائه أو جيرانه أو عشيرته أو أمته وشعبه، ويترتب على الظلم آثار خطيرة من عدم الهداية والتوفيق ( إنه لا يفلح الظالمون)، ولا يكون معه نور الله الذي يهديه الى الطريق الصحيح، ولذلك يخبط خبط عشواء كما راينا في بعض الحكام الظلمة الذين ظلموا ولم يعرفوا ماذا يفعلوا وكان بإمكانهم أن يفعلوا أمورا تنجيهم، ولكن لم يهدوا إليه،  وكذلك ليس للظالم نصير، والله لا يجعل لهم النصرة مهما كان، إن الله يمهل ولا يهمل، واذا أخذه أخذ عزيز مقتدر، وكل بقدره، فلا تتطلع الى ظلم الحكام فقط ، ولتنظر الى ظلم أنفسنا ايضا، فليتقي الله سبحانه وتعالى فيما أعطاه من قوة، فهذه القوة من الله، فكيف تستعملها في غير طاعة الله بل تستعملها في معصية الله.

علينا أن ندفع بكل ما نستطيع حكاما ومحكومين عن إخواننا المظلويمن في كل مكان سواء كان في داخلنا او الشعوب المظلومة كما هو الحال في سوريا ويجب ان نعلم ان تحيقيق العدل داخل الاسر هي الاساس وعلينا ان نربي أوولادنا على إزالة الظلم وتحقيق العدل .