أيها الإخوة المؤمنون :
كلما جاءت مرحلة الصيف ، كلما أحس أولياء الأمور والمربون والمهتمون بشؤون الشباب ، أحسوا بأحاسيس يشعر الإنسان من خلالها بالمخاطر الكبيرة التي تهدد شبابنا في مرحلة الصيف وفي وقت الفراغ ، إذا لم تستغل هذه الأوقات بصورة جيدة .
فالفراغ بمثابة سيف ذي حدين فهو في حقيقته نعمة من الله سبحانه وتعالى حينما يجد الإنسان لنفسه وقتاً فراغاً لا يجد فيه من الأعمال الدنيوية وحينئذ يستثمر هذا الفراغ للقراءة والعلم وكذلك لبناء النفس ولذكر الله سبحانه وتعالى وطاعته وللتدبر والتفكير فهذه نعمة عظيمة ، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح يرويه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس ، الصحة والفراغ )) ، نعمتان عظيمتان ، نعمتان كبريان ، هاتان النعمتان ولكنهما مع الأسف الشديد في معظم الأحيان لا تستغلان فيما يريده الله سبحانه وتعالى وحتى لا تستغلان فيما يحقق الخير للأمة والمجتمع فمعظم الشباب والمراهقين تصيبهم المصائب ويقعون في الأخطاء والخطايا في مرحلة الفراغ حينما يتركون ليذهبوا إلى المولات والشوارع وغير ذلك والمقاهي ويصحبون اصدقاء السوء فكانوا طيبين فأصبحوا سيئين فكانوا جادين ، أصبحوا مهملين وكانوا ممتازين فتحولوا إلى رديئين ومن هنا تقع المسؤولية الكبرى على الأسرة وعلى رب الأسرة بل على الدولة أيضا في إيجاد فرص لملء لفراغ بما ينفع الفرد والجماعة وينفع الأمة ،
الفراغ يترتب عليه مشاكل كبيرة جدا لا يعلمها إلا لله سبحانه وتعالى ، من أخطرها :
1- يجعل الإنسان بلا هدف ولا معنى .
2- الفراغ يساعدنا على ارتكاب المعاصي .
3- الملل واليأس وقد حذر منه الرسول صلى الله عليه وسلم .
4- يؤدي إلى ضعف الهمة .
5- يقتل الإبداع والذكاء .
6- يقضي على التخطيط والعمل المنظم .
كان سابقاً ارتكاب المعاصي كان فيه شيء من الصعوبة لأنه على الشخص أن يذهب إلى خارج بيته ولا سيما في مجال الجوانب الجنسية أو حتى في الجوانب المالية ، اليوم داخل الغرفة يستطيع الشباب أن يستغل فراغه في النظر إلى الأفلام الماجنة الخطيرة على مستوى الجنس وعلى مستوى الفكر وعلى مستوى الإلحاد وعلى مستوى السرقات وعلى كل المستويات ، هذه الأمور كلها موجودة داخل هذا الجوال الذي يحمله مع الأسف الشديد وهو صغير وأصبح من لوازمه أن يكون معه بل من لوازمه أننا نجدد له مع الأسف الشديد كلما جاء طراز جديد من الأجهزة الحديثة ( آيفون ، سامسونج ) وكل مرة تزداد فيها البرامج والتقنيات التي تساعد الشباب على الانحراف العقدي والانحراف الفكري والأخلاقي وغير ذلك إذا لم تستغل هذه الأشياء في جوانبها الإيجابية ونبعدها ونبعد شبابنا عن هذه الجوانب السلبية.
فالفراغ مرض خطير يقتل الإنسان وهو داخل بيته يقتله فكريا وعقليا وذهنياً وأخلاقياً ، ولذلك يجب أن يملأ هذا الفراغ بما يحقق الخير ولا سيما للشباب الذين هم قادة المستقبل ، هم يقودون البلاد والعباد فيما بعدنا فكيف لا نقوم بتربيتهم وكيف لا نهيئهم لحمل المسؤولية وإذا تعودوا على الخنوع والخضوع والإلحاد والفكر المنحرف والأخلاق المنحرفة ، كيف حينئذ سلمنا هذه الأمانة إلى أن يحملوها بحق فالقضية والله خطيرة جداً ولا سيما إذا نظرنا إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم : (( كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه )) ، الفطرة أي الدين الحق والعقل السليم وكل ما فيه خير للإنسان الذي يدركه بفطرته السليمة ، فالإنسان يولد على هذه الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ، والحديث صحيح ثابت متفق عليه ، فلذلك نحن نحمل هذه المسؤولية ، ولذلك رب العالمين يقول مباشرة مع الإنسان نفسه (( قوا أنفسكم وأهليكم )) فلم يقول فأهليكم الذي فيه شيء من الترتيب ولا بثم التي هي للتراخي ، وإنما هي بواو الجمع ، فأنت مسؤول عن نفسك ومسؤول عن أولادك لأنهم ولدوا على الفطرة فإذا وجد خلل في ولد ابحث واسأل عن والديه ، فإذا كان أولادكم – لا سامح الله – فيهم شيء فاسأل نفسك أيها الأخ الكريم وأيتها الأخت الكريمة قبل أن تسأل عن غيرك ، هذه المسؤولية كل ما نفعله خلال فترة الشتاء من خلال انشغالهم بالدراسة ، قد تضيع كل هذه الجهود خلال فترة الصيف ، سواء كان داخل البلاد أو خارجها ، من سافر أو من لم يسافر وهذا يتطلب أن نحافظ على هذا الكنز الثمين وعلى هذه القوة الهائلة ، قوة الشباب كنز الشباب ، مستقبل الأمة الذي يرتبط بالشباب ، والشباب هم القوة في المستقبل ، فقد ذكر الله ذلك حينما وصف أصحاب الكهف بأنهم فتية أي شباب يافعين ، (( إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا )) الشباب عمل ثم قول ، القرآن قدم عمل الشباب المؤمن قبل القول إنهم قوة فكيف نضيع هذه القوة ، هذا هو السؤال هل نضيعها لأي شيء في هذه الدنيا لأجل المال فأنت تستثمر حتى تورث الأموال لأولادك ولذلك حينما سئل عمر بن عبد العزيز هل تركت لهم مالاً ؟ قال لا تركت لهم أخلاقاً ، ولو تركت لهم أموالاً وكانوا فاسدين ضاعوا وضاعت الأموال ، ولو ما تركت لهم أموالاً ولكن تركت لهم أخلاقاً كانوا متخلقين استغنوا وأغنوا ، فالقضية هي قضية تفكير وهل نتركها لأجل وجودنا في المجالس وهل نتركها لأجل مشاغلنا ووظائفنا ، إن وظائفنا لا تستغرق أكثر من ست ساعات ، أين بقية الساعات وهي ثماني عشرة ساعة ، لذلك ليس لنا عذر أمام الله سبحانه وتعالى والله يسألنا عن أربعة أسئلة كما وردنا في الحديث الصحيح اثنان منهما في البداية حول عمر الشباب وحول العمر بصورة عامة ، (( لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه وعن جسده فيما أبلاه وعن علمه ماذا عمل فيه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه )) .
ولا شك أن هذه المسؤولية هي مسؤولية الأسرة في تعويد الأولاد منذ الصغر على التخطيط للصيف ولوقت الفراغ وملاحظة الفترة العمرية ووضع الأنشطة المتنوعة والبرامج العلمية والعملية .
وأتألم حينما أسمع من بعض الشباب في بعض المجالس يقول : تعال نقتل الوقت ، أيها الأخ الحبيب إنك تقتل نفسك فقد قال سيد التابعين الحسن البصري رحمة الله عليه ورضي الله عنه قال : أي يا إنسان يا عبد إنما أنت أيام ، فإذا ذهب يوم فقد ذهب بعضك فأنت كيان ، وهذا الكيان مترتب على مجموعة من الأيام ، فكل يوم حينما يذهب ذهب بعضك ، مثل كرة الثلج تذوب وتنتهي ، فحينما تقتل وقتك فأنت تقتل نفسك ، فوصيتي ونصيحتي للشباب ولا سيما في هذا العصر الحاضر ، مهددون إقليمياً وقُطرياً وإسلامياً من أعدائنا ، فإذا لم يكن شبابنا على المستوى المطلوب في الإعداد العلمي والبدني والإيماني ، فكيف يقاومون كل هذه المصائب التي تحيط بنا من كل جانب ، مؤامرات واضحة كانت في السابق تدار في الخفاء ، الآن العين في العين مباشرة كما لا يخفى على أحد .
(الإرهاب الإسلامي ) الكلمة التي تردد في جميع القمم ، ثم بعد ذلك أي دولة تساعد ولو بشيء بسيط الفكر الإسلامي أو حتى فكر الاعتدال ، فتوجه إليها المشاكل كما نراها اليوم في تركيا وغيرها من الدول التي لم تعتدي على أي دولة أوروبية أو غيرها ، وقطر التي لم تعتدي على دول الجوار ولا تحاول أن تعتدي عليهم لأنه ليس من منهجها ولا من أخلاقياتها .
فهذه الحرب الإقليمية والقُطرية والدولية يجب أن نواجهها ببناء الشباب ، شباب والله مكتهلون في شبابهم ، غضيضة عن الشر أعينهم ، ثقيلة عن الباطل أرجلهم ، قد أكلت الأرض ركبهم وأيديهم وجباههم من كثرة سجودهم لله ، حتى إذا مر أحدهم بآية فيها ذكر الجنة طار شوقاً إليها ، وإذا مر أحدهم بآية فيها ذكر النار شهق شهقة وصعق صعقة كأن زفير جهنم بين يديه ، هؤلاء الشباب هم الذين يستطيعون أن يواجهوا هذه التحديات .
فرنسا باتفاق العلماء السياسيين والعسكريين سقطت في الحرب العالمية الثانية ، لم تكن أضعف من ألمانيا أبدا ، كانت قوة لها جيش وعسكر ولكن كان هناك ميوعة ، فالشباب كانوا مايعين فلم يستطيعوا أن يواجهوا الجنود الألمان الجادين .
فلذلك مسؤوليتنا الأسرية والقُطرية والإسلامية مسؤولية أمام الله سبحانه وتعالى عن شبابنا .
وكان من المفروض أن يبدأ المسلم من بداية الصيف بتخطيط مرتب لملء الفراغ المناسب جزء منه اللهو المباح وجزء آخر فيه الجدية والقراءة والتعليم والتدريب وتعلم اللغات وحفظ القرآن الكريم وغير ذلك .
ثم بعد ذلك اختيار أصحاب جادين ، لا نتركهم لأصحاب سيئين أو مهملين أو الذين يقولون نقتل الوقت ، هؤلاء يقتلون أنفسهم ويقتلون أبناءنا .
وأيضا وضع برامج عملية من قبل الحكومة موجهة إلى الشباب من عمر 13 حتى 20 سنة ، وتنويع البرامج وعدم اقتصارها فقط على الرياضة وحفظ القرآن الكريم – رغم أهميتهما – ، بإشراف مدربين ومربين أكفاء ، فهذه مسؤولية نسأل عنها أمام الله يوم القيامة .
الخطبة الثانية
الإخوة الكرام :
قلوبنا تتقطع وجلودنا تقشعر لما يحدث للإسلام والمسلمين من مؤامرات ثم لما يحدث من ضعف في هذه الأمة وفشلها في معظم الأحيان وفسادها كما نرى هذا الفساد وهذا التفرق والتمزق في معظم بلاد الإسلام ولا سيما في سوريا والعراق ومصر وليبيا وغيرها .
كيف تستطيع هذه الأمة مواجهة هذه التحديات ؟ حقيقة هي تحتاج إلى بناء جيل قوي ، ولكن بهذا الجيل الحالي صعب جدا مواجهة هذه التحديات .
ويمكن علاج هذا الفراغ بما يلي :
1- التربية الجيدة .
2- مصاحبة القدوة الناجحين والجادين .
3- عرض المشكلة على ذوي الاختصاص .
4- إيجاد فرص الانشغال بأشياء مشوقة .
5- تعليم المهارات داخل المدرسة .
6- العمل الطوعي .
ولكن يجب أن نخطط من خلال الشباب كما فعل السابقون حينما جاءت الهجمات الصليبية في القرن الرابع الهجري وواجهوها بإعداد جيل قوي بإشراف العلماء والمصلحين وخلال مدة تسعين سنة ظهر جيل صلاح الدين الأيوبي ونور الدين زنكي .
وهذا ما يجب أن نسعى إليه بجهودنا وبتخطيطنا الجاد في بناء جيل شباب واعد يتحمل المسؤولية على أكمل وجه .
اللهم أصلح أحوالنا .
الجمعة 20-7-2018م