التعريف بقاعدة النسبية :

 القاعدة لغة : من قعد ، والقاعدة من البناء : أساسه [1] وبهذا المعنى قوله تعالى : ( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)[2]  .

 والقاعدة في الاصطلاح : هي الأمر الكلي الذي ينطبق على جزئيات ، حيث عرفها الجرجاني بأنها : ( قضية كلية منطبقة على جميع جزئياتها) [3] لكن هذا التعريف منتقد بما قاله الفقهاء من أن القواعد عدم اطراد القواعد ، حيث قالوا : ما من قاعدة إلاّ ولها استثناءات [4] ، وكما قيل : ( ما من عام وإلاّ وقد خص) ، لذلك عرفها الحموي بأنها ( حكم أغلبي ينطبق على معظم جزئياته[5] لتعرف أحكامه منه  وأما الضابطة فهي أضيق نطاقاً من القاعدة ، حيث قال السيوطي : (القاعدة تجمع فروعاً من أبواب شتى ، والضابط يجمع فروعاً من باب واحد)[6].

  وهذه القواعد قد تكون أصولية إذا كان موضوعها محلها وأفرادها من مسائل أصول الفقه ، وحينئذٍ تسمى القواعد الأصولية ، مثل العام يبقى على عمومه إلى أن يخصصه دليل ، وقد تكون فقهية إذا كان موضوعها وأفرادها مسائل وجزئيات فقهية ، ومن جانب آخر فقد توصف بالشرعية إذا كانت عبارة عن نص شرعي مثل (لا ضرر ولا ضرار) [7] وبالفقهية إذا كانت مستنبطة من النصوص الشرعية من الكتاب والسنة ، ومن جانب ثالث فقد توصف بالقواعد الكلية أو العامة إذا كانت لها السعة والشمول بحيث تستوعب مسائل كثيرة جداً مثل (الأمور بمقاصدها ، والمشقة تجلب التيسير ، والحرج مرفوع ، والضرر يزال) [8] .

 والنسبية لغة : من النسب بمعنى : الصلة أو القرابة [9] ، وفي الرياضة والحساب هي نتيجة مقارنة إحدى كميتين من نوع واحد بالأخرى ، ويقال : يضاف هذا إلى هذا بالنسبة إلى كذا أي النظر والإضافة إليه ، والنسبة المئوية مقدار الشيء منسوباً إلى مائة ، وجمعها نسب ـ بكسر النون وفتح السين ـ ، ومبدأ النسبة (أو النسبية) هي : القول بتكافؤ صيغ القوانين الفيزيقية كيفما اختلفت حركات الراصدين لها ، أو كيفما اختلفت حركات المراجع التي تستند تلك القوانين إليها ، ونظرية النسبية هي النظرية التي يتوصل فيها على أساس مبدأ النسبية إلى معرفة ما تفضى إليه من نتائج  [10].  

 وقاعدة النسبية في التأمين خاصة بالتأمين من الأضرار دون التأمين على الأشخاص ، إذ الأخير لا يعتمد على مبدأ التعويض ، وإنما على مبدأ الاتفاق ، فالمؤمن له في التأمين على الأشخاص ، أو المستفيد يستحق ما تم الاتفاق عليه دون النظر إلى الضرر الذي أصابه ، بل قد لا يكون ضرراً  [11].

  وقاعدة النسبية تعني مراعاة النسبة والتناسب بين مبلغ التأمين ، وقيمة الشيء المؤمن عليه في حالة التأمين البخس .

  وذلك أن المؤمن له يستحق عند تحقق الخطر المؤمن منه إما مبلغ التأمين ، أو قيمة الضرر أيهما أقل ، ولكن عندما يكون تقدير المؤمن عليه وقت التعاقد أقل من تقديره وقت الهلاك تتدخل قاعدة النسبية لتحقيق العدالة ، فمثلاً لو أن شخصاً أمّن على عقاره على أساس أن قيمته عشرون ألف دينار مثلاً مع أن قيمته في الحقيقة هي خمسة وعشرون ألف دينار ، ثم احترق نصف المنزل ، فعلى ضوء مبدأ التعويض العام في التأمين يستحق اثني عشر ألفاً وخمسمائة دينار لأنه أقل من مبلغ التأمين ، وانه قيمة نصف منزله ، وهنا تتدخل قاعدة النسبية لتقضي بأن المؤمن له لا يستحق كل قيمة الضرر ، وإنما يستحق من مبلغ التأمين وهو عشرون ألف دينار ، نسبة تعادل نسبة ما احترق من المنزل إلى المنزل كله ، وهذه النسبة هي النصف ، إذن يستحق نصف مبلغ التأمين وهو عشرة آلاف دينار فقط ، هذه العملية تسمى أيضاً بقاعدة التخفيض النسبي  [12].

مجال تطبيق هذه القاعدة :

أولاً : لا تطيق هذه القاعدة إلاّ عندما يكون مبلغ التأمين أقل من قيمة الشيء المؤمن عليه ، أي في التأمين البخس ، أما في التأمين العادل فغير وارد ، وكذلك في التأمين المغالى فيه ، أي عندما يكون الشيء المؤمن عليه قد قدر وقوم بأكثر من قيمته ، وبالتالي يكون مبلغ التأمين أكبر من قيمة الشيء المؤمن عليه حيث يطبق في هذه الحالة مبدأ التعويض العام القاضي بان المؤمن له يستحق أقل من مبلغ التأمين ، أو قيمة الضرر أيهما أقل ، أي في هذه الحالة يستحق قيمة الضرر سواء كان الضرر يشمل المؤمن عليه كله كما في الهلاك الكلي ، أم لا ، وإذا كان الضرر قد أصاب نصف المنزل ، وكان تقويم المنزل بمائة ألف دينار ، فإن نصفه (وهو الخمسون) معتبر فيقارن بقيمة الضرر (فلنفرض أربعين ألفاً) فيكون الاستحقاق لأربعين ألفاً باعتباره الأقل من القيمة ، ومبلغ التأمين[13]  .

ثانياً: لا تطبق هذه القاعدة إلاّ عندما يكون التلف جزئياً لا كلياً .

ثالثاً : ولا تطبق هذه القاعدة في التأمين على الأشخاص ، وإنما تطبق في ميدان التأمين على الأشياء بصورة بارزة ، مثل التأمين من الحريق ، والتأمين من تلف المزروعات ، أو موت المواشي ، ونحو ذلك مما يمكن تقويمه وتقديره .

 وكذلك تعمل في نطاق التأمين من المسؤولية إذا كان الخطر معيناً ، كما إذا أمن المستأجر من مسؤوليته عن حريق العين المؤجرة بمبلغ أقل من قيمة هذه العين ، أو أمن أمين النقل من مسؤوليته عن البضاعة التي ينقلها بمبلغ أقل من قيمة هذه البضاعة [14] ونحو ذلك مما يمكن أن توجد فيه قيمة مؤمن عليها مقدرة أو قابلة للتقدير .

شروط لتطبيق قاعدة النسبية :

اشترطت التشريعات ، أو الفقهاء لإعمال هذه القاعدة توافر ثلاثة شروط وهي :

الشرط الأول : أن تكون هناك قيمة مؤمن عليها مقدرة أو قابلة للتقدير:

  وعلى ضوء هذا الشرط يستبعد تطبيقها على التأمين على الأشخاص ، إذ حياة الإنسان أو سلامة جسمه وليس بإمكان شركة التأمين أو غيرها : تقديرها أو تقويمها ، ولذلك يعتمد التأمين على الأشخاص في استحقاق مبلغ التأمين على الاتفاق والعقد المبرم بين الطرفين فقط دون النظر إلى التعويض والتقدير والتقويم .

 وكذلك تستبعد قاعدة النسبية عن التأمين على الأشياء إذا كان المؤمن عليه غير معين كالتأمين على أوراق النقد ، وكالتأمين من المرض في العنصر الغالب فيه وهو تأمين من الأضرار ، إذ أن مصروفات العلاج وأجر الأطباء ، وثمن الأدوية ، والتحاليل والأجهزة اللازمة ، وما إلى ذلك غير مقدرة ، ولا هي قابلة للتقدير ، ومن ثم لا تعمل فيه قاعدة النسبية [15] .

الشرط الثاني : أن يكون المؤمن عليه قد قوم وقدر بأقل من قيمته ، سواء كان بقصد أم بغير قصد .

الشرط الثالث : أن يتحقق الخطر بشكل جزئي ، أما إذا تحقق بشكل كليّ فلا تعمل القاعدة ، وإنما يعطى في هذه الحالة مبلغ التأمين أو قيمة الضرر ، أيهما أقل [16] .

مبررات قاعدة النسبية :

  هناك مبررات لإقرار هذه القاعدة ، من أهمها تحقيق مبدأ العدالة والمساواة في مقابلة المبدأ العام للتعويض ، وذلك لأنه لو طبقنا المبدأ العام للتعويض لحصل الشخص على اثني عشر ألفاً وخمسمائة دينار في المثال المذكور سابقاً في حين أن حقه هو عشرة آلاف دينار ، إذ أنه قد قوّم ـ قصداً أو بدون قصد ـ بعشرين ألفاً ورضي بذلك ، ودفع أقساط التأمين على هذا الاعتبار ، فكيف يعطى له ما لم يعط المؤمن له في المقابل أقساطه ، بل إنه إذا كان التقويم قد تم بقصد فإنه قد ارتكب نوعاً من الغش ، فلا يكافأ بالزيادة .

استحسان في مقابل القاعدة العامة :

  أقرب تصور لقاعدة النسبية هو الاستحسان عند الحنفية ، حيث إنه لديهم لكبح جماح القواعد العامة التي لا تحقق العدالة في بعض الاستثناءات ، فيتدخل الاستحسان فيجيزها بما يحقق العدالة والمصلحة ، مثل القاعدة العامة في حقوق الارتفاق أنها لا تتبع العقار في حالة نقل ملكيته بالبيع ونحوه ، فحينما يوقف عقاراً مطلقاً دون التطرق إلى حكم حقوق ارتفاقه كان الأظهر والأولى إلحاقه بالوقف ، وتطبيق القاعدة العامة عليه ، لكنه تدخل الاستحسان من خلال أن مبنى الوقف على الرفق والإحسان وان صاحب العقار يريد بلا شك أعظم الأجر ، وهذا إنما يتحقق إذا كان مع العقار حقوق الارتفاق حتى يستفاد منه بالتأجير والزراعة ونحوهما فألحق بالإجارة واستثنى الوقف بالاستحسان ، وهكذا فإن أعظم دور للاستحسان هو تأصيل الاستثناءات وبيان مرجعية لها [17] .

 وهكذا يظهر لي أن دور قاعدة النسبية مشابه لما سبق تماماً حيث هو تعديل وتأصيل للاستثناء من المبدأ العام في التعويض

القاعدة النسبية في التشريعات الوضعية :

  لم يورد التقنين المدني المصري ، ولا مشروع الحكومة المصرية للتأمين نصاً في قاعدة النسبية ، على عكس القانون الفرنسي في 13 يوليه 1930 الذي نصت مادته (31) على أنه : ( إذا تبين من التقديرات أن قيمة الشيء المؤمن عليه تزيد وقت تحقق الخطر المؤمن منه على مبلغ التأمين اعتبر المؤمن له فيما يتعلق بالزيادة هو المؤمن نفسه ، ويتحمل تبعاً لذلك من الخسارة جزءاً نسبياً ، وذلك إذا لم يوجد اتفاق مخالف) .

 وقد كانت المادة (1100) من المشروع التمهيدي المصري ينص على مثل ذلك ، لكنه حذف في لجنة المراجعة (لتعلقه بجزئيات وتفاصيل يحسن أن تنظمها قوانين خاصة) [18] . 

  ونصت المادة (769) من القانون المدني الليبي على أنه : ( إذا شمل عقد التأمين جزءاً فقط من القيمة التي كانت للشيء المؤمن عليه وقت وقوع الحادث فالمؤمن مسؤول عن التعويض بالنسبة للجزء المذكور ما لم يتفق على خلاف ذلك) . ونجد قريباًَ من هذا النص تقنين الموجبات والعقود اللبناني في مادته (959) .

 وأياً ما كان فإن العمل جار في شركات التأمين على وضع مثل هذا النص في عقود تأمينها ، وأن المحاكم (حتى محكمة النقض المصرية التي لا يوجد في قوانين مصر مثل هذا النص) [19] تقرّ هذا البند وتعتبره صحيحاً ملزماً للطرفين ، وأن حذف النص من المشروع التمهيدي كان لأمر شكلي يتعلق بطبيعة وصياغة القانون ولذلك علل الحذف بأنه متعلق بالجزئيات التي لا يحسن بالقانون العام أن ينظمها مثل القانون المدني [20] .

اختلاف القانونيين في هذه القاعدة :

  فإذا كانت التقنينات المعاصرة قد اختلفت في جعل قاعدة النسبية ضمن نصوصها ، حيث فتنها البعض ، وتركها البعض الآخر ، وأن الأعراف التأمينية قائمة على اعتبارها في العقود والوثائق التأمينية …فإن فقهاء القانون قد اختلفوا في اعتبارها ، أو رفضها ، وفي تحسينها ، أو تقبيحها على رأيين :

 فذهب بعض فقهاء القانون المدني إلى نقد هذه القاعدة وعدم القبول بها ، حتى وصفها الأستاذ سعد واصف بأنها وإن كانت ( تستند في أساسها إلى فكرة عدالية محضة) لكنها   ( تمثل حالة حسابية ، وتؤدي إلى نتيجة أليمة بالنسبة للمضرور) [21]. 

  كما انتقدوها على أساس أنها تتجاهل مبدأ تناسب القسط مع التعويض ، ذلك أن القسط يقدر على أساس مبلغ التأمين الذي يطلبه المؤمن دون أي نظر لقيمة الشيء المؤمن عليه ، فيكون من الغبن للمؤمن له أن يحصل على تعويض أقل مما قدر القسط على أساسه [22].

وذهب آخرون [23] إلى اعتبار هذه القاعدة والدفاع عنها بالأدلة الآتية :

1.أن قاعدة التخفيض النسبي تحقق العدالة والمساواة بين المؤمن لهم ، لأنه إذا لم تطبق قاعدة التخفيض النسبي فإن المؤمن له الذي هلك جزء من المؤمن عليه يحصل على مبالغ أكثر من غيره في حالة الهلاك الكلي ، أو في حالة التأمين الذي لم يكن هناك تأمين بخس ،وهذا يتنافى مع العدالة والمساواة بين المستأمنين جميعاً.

2.أن قاعدة النسبية متلائمة ومنسجمة مع القواعد العامة للتأمين ، حيث إن المؤمن له يتحمل ما زاد على مقدار مبلغ التأمين إذا كان الضرر أكثر حتى ولو كان الهلاك كلياً ، إذن فالقاعدة النسبية تطبيق لهذه القاعدة العامة في الهلاك الجزئي.

3.إن هذه القاعدة تطبيق لمبدأ تناسب القسط مع الخطر ، لأنه في حالة التأمين البخس ، أو الناقص يتحدد القسط بناءً على ذلك الجزء الذي أمن عليه صاحبه ، ولهذا فإن التعويض الذي سيأخذه المؤمن له يجب أن يتناسب مع مقدار القسط المدفوع [24].

4.إضافة إلى ما سبق فإن لهذه القاعدة اعتباراتها الخلقية ، لأنها تؤدي إلى جعل المؤمن له حريصاً على دقة التقويم بعيداً عن محاولة الغش في التقويم أو المحاباة فيه ، وعلى عدم وقوع الضرر ، لأنه يعلم أنه بسبب تطبيق القاعدة النسبية لن يحصل إلاّ على ما يستحقه بل يتحمل جزءاً من الخسارة .

5.قرارات محكمة النقض المصرية التي اعتبرت قاعدة النسبية غير مخالفة لأحكام المادتين 751 و 766 من القانون المدني ، وأن حذف المادة 1100/2 من مشروع القانون المدني ، كان بسبب أنها تتعلق بالجانب التنظيمي وتفاصيل يحسن أن تنظمها قوانين خاصة ، وليس لأنها تتعلق بالنظام العام ، ولما كان العقد شريعة المتعاقدين فإن النص في العقد على إعمال قاعدة النسبية يكون جائزاً [25].

هل هذه القاعدة من النظام العام ؟

هذه القاعدة مع أهميتها لكنها ليست من النظام العام ، فيجوز الاتفاق على ما يخالفها [26]، وإنما هي خاضعة لاتفاقية الطرفين في حالة عدم وجود نص قانوني ، فإذا وجد في العقود نص على اعتبار هذه القاعدة فإنه يجب احترامه شرعاً ، لأن الأصل في الشروط الإباحة [27] ، وما دام هذا الشرط لا يخالف نصاً من الكتاب والسنة ، ولا مقتضى العقد فإنه يجب احترامه تنفيذاً لقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ)  [28]وقوله تعالى : (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً) [29].

  وبالمقابل قد يجوز للمؤمن له اشتراط التعويض الكامل عن الجزء الذي هلك ما دام هذه التعويض الكامل لا يجاوز مبلغ التأمين ، ولكن في هذه الحالة يتقاضى المؤمن قسطاً أعلى ، وإذا لم يرد المؤمن له أن يدفع قسطاً أعلى فيضطر إلى الخضوع لقاعدة النسبية [30].

  أما في حالة وجود نص قانوني كما هو الحال في بعض القوانين فإن ذلك النص هو الذي يعالج الموضوع حسب المحتوى الذي يتضمنه النص القانوني ، وهو نص مقبول شرعاً.  

 ولكن يثور التساؤل حول الأصل في هذه المسألة ، هل الأصل اعتبار هذه القاعدة النسبية ، بحيث إذا خلا العقد تعد معتبرة ما لم يوجد اتفاق على مخالفتها ، وهذا هو اتجاه القانون الفرنسي ، والمؤيدين لها ، أو أن الأصل عدم اعتبارها إلاّ إذا وجد نص باعتبارها داخل العقد ، وهذا هو اتجاه القانون في مصر وفي الكويت أيضاً ، ولدى المعترضين عليها [31].

البديل عن قاعدة النسبية :

  سبق أن ذكرنا أن قاعدة النسبية ليست من النظام العام في التأمين ولذلك يجوز تفاديها من خلال اشتراط المؤمن له التعويض الكامل ـ كما سبق ـ ولكن في حالة الاشتراط هذا يكون على المؤمن له أن يدفع قسطاً أعلى ، لأن المؤمن لا يرضى في هذه الحالة إلاّ بهذا الاعتبار .

  وإذا لم يرد المؤمن له هذا ولا ذاك ، ولم يرد  في الوقت نفسه أن يباغَت ـ وقت تحقق الخطر ـ بأن يرى قيمة الشيء أعلى من مبلغ التأمين فيضطر حينئذٍ إلى الخضوع لقاعدة النسبية : فإنه يستطيع منذ البداية تفادي تطبيق هذه القاعدة بالالتجاء إلى شرط الدلالة الاقتصادية المتغيرة بسبب التضخم أو الانكماش ، وذلك بأن يتخذ العاقدان دلالة اقتصادية معينة تنبئ بحركة تغيير الأسعار في حالة التضخم أو الانكماش ، مثل الارتباط بمؤشر سلة العملات ، أو سلة المواد الأساسية ، وفي فرنسا يتخذ عادة كدلالة اقتصادية أسعار البناء في باريس حيث تنشر هذه الأسعار في أوقات دورية ، وبهذا الربط يبقى مبلغ التأمين معادلاً لقيمة الشيء بقدر الإمكان  [32].

 لكن هذا الدليل إنما يعالج حالة واحدة ، وهي حالة الزيادة في قيمة الشيء المؤمن عليه بسبب التضخم ، حيث أصاب العملة انخفاض في قيمتها ، وبالتالي يستفيد المؤمن له من خلال الربط بمؤشر اقتصادي معين أن يحصل على مبلغ التأمين أو جزء منه بقيمته يوم التعاقد ، فمثلاً كانت قيمة العقار يوم التأمين مائة ألف دينار كويتي ، وربط المؤمن له قيمة هذا المبلغ بمؤشر معين ، ثم حدث هبوط أو زيادة في أسعار العملة ، فحينئذٍ لا يتأثر المؤمن له بهذا الهبوط أو الزيادة فيأخذ حقه ، إذن فهذا البديل هو بديل خاص بحالة التضخم ، أو الانكماش في أسعار العملات ، ولكنه لا يعالج مسألة ارتفاع قيمة العقار ـ مثلاً ـ بسبب العرض أو الطلب ، كما أنه لا يعالج مسالة تقييم العقار ـ مثلاً ـ الذي قوّم أساساً بمبلغ أقل من قيمته السوقية سواء كان بقصد أم بدون قصد ، لذلك نرى أن الربط بالدلالة الاقتصادية أو بمؤشر معين ليس بديلاً صالحاً عن قاعدة النسبية .

وهناك بدائل أخرى في حالة التأمين على أشياء متعددة من أهمها :

1. شرط التحويل :

 وهو أن يدفع المؤمن له جملة من الأقساط للتأمين من أخطار متعددة ، دون أن يحدد مقدار أقساط كل خطر منها إلاّ عند تحققه ، مثل ذلك أن يؤمن المستأجر من مسؤوليته عن الحريق ، ومن مسؤوليته عن امتداد الحريق إلى الأجزاء المجاورة ، وعلى الأمتعة الموجودة في العين المؤجرة فيجعل جملة الأقساط ثمانين ديناراً ـ مثلاً ـ دون أن توزع هذه الأقساط على الأخطار الثلاثة ، ولكنه يحدد سعر القسط في كل خطر منها ، فيحدد التأمين على الأمتعة (2) في الألف (أي أن القسط الذي يبلغ جنيهين يكون مبلغ التأمين فيه ألف جنيه) وللتأمين عن الحريق (1) في الألف ، وللتأمين من المسؤولية عن امتداد الحريق إلى الأجزاء المجاورة  (0.5) في الألف ، ثم ينظر بعد ذلك عند تحقق خطر من هذه الأخطار الثلاثة حيث لا يخضع بذلك للقاعدة النسبية  [33].

 وهذا البديل كما رأينا إنما يخص حالة معينة وليس بديلاً عن كل الحالات التي تطبق فيها قاعدة النسبية ، إضافة إلى أنه يتضمن غرراً كبيراً وجهالة عظيمة

2. شرط التأمين لأعلى الأشياء قيمة :

  وهذا يتحقق في حالة ما إذا كانت شركة ما تملك عدة أشياء (مباني ومصانع ومخازن وفروع مختلفة في أماكن مختلفة) ، فتؤمن عليها جميعاً من الحريق ، ولكن لا بمبلغ يعادل قيمتها جميعاً ، لأنها حينئذٍ تضطر إلى دفع أقساط مرتفعة ، وإنما تكتفي بأن تجعل مبلغ التأمين معادلاً لأعلى هذه الأشياء قيمة معتمدة على استبعاد ان تحترق هذه الأشياء كلها في وقت واحد ، بل الذي يمكن أن يحترق شيء واحد منها ، وقد احتاطت الشركة فاقترضت أن هذا الشيء الذي يحترق هو أعلى الأشياء قيمة فجعلت مبلغ التأمين معادلاً لقيمته ، ويرضى المؤمن بذلك وبعدم تطبيق قاعدة النسبية في مقابل قسط مناسب ، وبذلك استبعدت الشركة قاعدة النسبية ، وعوضت في حالة الحريق لواحد من أشيائها المذكورة تعويضاً كاملاً [34] .

 وهـذا البديل ـ كما رأينا ـ إنما هو بديل لحـالة واحـدة فلا يصـلح لجميع الحالات ، كما أنها مستفرقة في الغرر الفاحش والجهالة الكبيرة والاحتمالية .

القاعدة النسبية في حالة التأمين على أشياء متعددة :

  إذا كان التأمين على مجموعة من الأشياء المختلفة ، وقوّم بعضها تقويماً أقل من قيمته (التأمين البخس) وبعضها مغالى فيه ، فإن الأصل في هذه الحالة أنه يعمل بقاعدة النسبية في الأشياء التي كان التأمين فيها بخساً ، ويبقى المبدأ العام في التعويض مطبقاً في غيرها ، أي يبقى كل شيء من هذه الأشياء مستقلاً عن الأشياء الأخرى بمبلغ التأمين الخاص به ، ولا يعوض بخس هذا بغلاء ذاك[35]  .