بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الاخوة المؤمنون
اذا قارنا بين جيل الصحابة رضي الله تعالى عنهم، الذين شهد لهم الله سبحانه وتعالى بالخيرية، وان الله سبحانه وتعالى قد رضي لهم وهم راضون عنه، فإذا قارنا بين هذا الجيل العظيم وبين جيلنا او الاجيال اللاحقة، لوجدنا ان الفروق لا تعود الى قلة النصوص، لأن نصوص كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم متوافرة لجميع الاجيال اللاحقة، كما كانت متوافرة لجيل الصحابة الكرام، بل إن جيلنا الحاضر يطلع على احاديث الرسول صلى الله عليه وسلم اكثر، فقد طبعت كتب السنة النبوية المشرفة وادخلت في الكومبيوتر والانترنيت، واصبح بإمكان الانسان الاطلاع على جميع النصوص النبوية على صاحبها افضل الصلاة وافضل التلسيم .
اذاً المشكلة ليست في قضية النصوص، والاوامر والنواهي، انما القضية تعود الى مسألتين أساسيتين والى فروق جوهرية ربما نختصرها في فرقين أساسيين: الفرق الاول: شدة حساسية اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الالتزام والاحساس بالمسؤولية ، والامر الثاني: الاسراع في التنفيذ.
ولنذكرعلى سبيل المثال، كيف كانت الصحابة حسّاسين نحو أي أمر أو أي آية تنزل من عند الله سبحانه وتعالى، فاذا بهم يسارعون الى الخيرات ويسارعون الى تنفيذ هذه الاية الكريمة، واذا لم يتمكنوا منها احسوا بحرج شديد واحسوا بلوم شديد على النفس، فقد روي الامام مسلم بسنده عن ابي هريرة رضي الله عنه قال: قال : لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ) (البقرة: من الآية284) ، أشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بركوا على الركب فقالوا : أي رسول الله ، كلفنا من الإعمال ما نطيق : الصلاة والجهاد والصيام والصدقة ، وقد أنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم : سمعنا وعصينا ؟ بل قولوا : سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير ) قالوا :سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير . فلما اقترأها القوم ، وذلت بها ألسنتهم؛ أنزل الله تعالى في أثرها ): آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) (البقرة:285( ، فلما فعلوا ذلك نسخها الله تعالى ؛ فأنزل عز وجل): لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ( قال : نعم ) رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا( قال : نعم ) رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ( قال : نعم ) وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) (البقرة:286( ، قال: نعم ( رواه مسلم(234) .
أن هذه الاية تدل على انه كل ما يجري داخل النفس الانسانية من ان يهمّ الانسان بخير او بشر فإن الله سبحانه وتعالى يحاسبه على ما هو خافٍ وما هو ينوي ويفكر به، وما هو يهمّ بهذه الامور، وهذه من الامور الصعبة التي ربما لا يستطيع الانسان السيطرة على ما في النفوس، وعلى وساوس الانسان، وعلى هذه النيات التي تأتي وتهذب او تستقر او تروح، فاشتد ذلك على الصحابة وحدث الحوار الذي في الحديث، والصحابة متحرجون من انهم غير قادرين لتنفيذ ذلك، فإذا بجبريل ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الايات الكريمة ” آمن الرسول بما انزل اليه .. ثم الاية الثانية (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا …) وبين أنه يحاسبنا الله على ما هو في مقدورنا اما الوساوس فليست في مقدورنا، فالذي يجري في النفس لسنا محاسبين عليه، وإن هذه الاية الكريمة دلّت ان الله سبحانه وتعالى قد تفضل علينا بأمر، وهو أننا اذا قصدنا او هممنا بخير، فمجرد الهمّ والقصد والعزم الداخلي يحسب لنا حسنة، واذا وقعت في انفسنا الهمّ بالشرور فإن الله سبحانه وتعالى لا يحاسبنا على هذا الهم، او على هذا القصد الا اذا عملنا أو قلناه ، (لها ما كسبت) وكلمة كسبت صيغة مجردة من فعل ماضي يشمل كسب الفعل، وكسب القول، وكسب الجوارح والقلوب، فإذا كسبت القلوب وهمت القلوب والنفوس باشياء طيبة تكتب للنفس حسنة، (وعليها ما اكتسبت) أي ليست على هذا النفس الا اذا فعله لأن كلمة (اكتسب)، كما يقول علماء الصرف، فعل مزيد فيه بحرفين يدل على القبول والتطوع وهذا انما يتحقق بفعل حقيقي او قول حقيقي.
وذكر في حديث آخر ان الله سبحانه وتعالى قد استجاب هذه الادعية المذكورة في الآية كلها ( ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا أو اخطئنا )، وهذه اضافة أخرى اضافها الله سبحانه وتعالى بأن الله لا يؤاخذنا ولا يعاقبنا في عمل اخطئنا فيه او نسينا منه شيئا وان كان هذا النسيان في الفريضة او في الواجب، فإن الله سبحانه وتعالى قد رفع عنا الاثم في هذا الاشياء كلها وهذه منّ فّل الله سبحانه وتعالى علينا.
إن كلامي ليس في هذا المجال وانما حديثي يدور حول حساسية صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في ما ينزل عليهم من الايات، كيف يفهمونها؟ وكيف يقفون عندها؟ وكيف يحاولون تطبيقها؟ وكيف يتحرجون ويحسون بالضيق والحرج كأن الارض كلها قد اكبت عليهم حينما لا يكون قادرين عليها، ولو قارنا بين أنفسنا وبين الصحابة في هذه المسأله هنا نجد الفرق الكبير والبون الشاسع بيننا وبينهم، فكم من آيات نتلوها، وكم من أحاديث نسمعه، او نقرأها أو ندرسها أو نفهمها، ومع ذلك لا نطبقها واذا طبقناها كان تطبيقا جزئياً، وهذه هي الفارق الاساسي بيننا وبين الصحابة رضي الله عنهم، وإن اردنا أن نكون مثل الصحابة في هذه الحساسية المفرطة نحو تطبيق النصوص فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد اعطى لنا صفة اكبر من الصحابة وهو صفة الاخوة، حينما قال: وددت أنا قد رأينا إخواننا قالوا أولسنا إخوانك يا رسول الله قال بل أنتم أصحابي وأخواني الذين لم يأتوا بعد، لم يروني ولكنهم امنوا بي ، أي فحينما نؤمن به ونطبق سنته نكون اخوانا لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي حادثة اخرى، ايضا دليل على مدى فرط حساسية الصحابة، فحينما جاء الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه الانصار للعمرة وقد كان الانصار في الجاهلية يسعون بين الصفا والمروة لأجل صنمين لهما وهما اساف ونائلة، وحينما جاؤا وطاف بهم الرسول الكعبة المشرفة وصلوا في مقام ابراهيم وشربوا ماء زمزم امرهم بأن يسعوا بين الصفا والمروة، فقال الانصار نحن كنا نسعى بين الصفا والمروة من اجل هذه الصنمين، فكيف نحن الان وقد هدانا الله الى الاسلام، فنزل قول الله سبحانه وتعالى (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ۖ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا)، وكلمة (لا جناح) وهذا لا يعني أن الصفا والمروة ليس من الواجبات بل هو من واجبات ولكن الانصار كانوا في حرج شديد لم يريدوا ان يفعلوا شيئا كانوا يفعلونه في عصر الجاهلية.
وكذلك في صدقة المال، فحينما نزل قوله سبحانه وتعالى (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) سارع الصحابة، وكل واحد منهم يريد ان يتدصق بأجود ما لديه، واذا ابو طلحة رضي الله عنه ولديه بستان من اجمل البساتين، وفيها ماء حلو، وفيها كمية كبيرة من النخل والتمور، فيأتي الى الرسول ويريد ان يجعله وقفا في سبيل الله سبحانه وتعالى. واراد عمر ان يسبق ابو بكر يوما في الصدقة، فتصدق بنصف ماله ويأتي ابو بكر وليتصدق بجميع أمواله.
وهكذا الامر في مسألة الاخوة بين الصحابة الكرام، ونحن اذا لم نغير فلسفتنا ولم نغير ثقافتنا لا يمكن ان يكون هناك انسجام حقيقي داخل امتنا الاسلامية، وداخل امتنا العربية، فلم تستطيع القومية العربية على الرغم من محاولاتها الظاهرة – لأنها لم تبنى على اساس العقيدة- ان تجعل العرب اخوة في الحقوق والواجبات، فبقيت الوطنية هي الاغلبية والاقليمية هي الفيصل وبقيت الطائفية هي الاقوى لأنها لم تقم على اساس الايمان، لأن الايمان هو الذي يجعل من الانسان يتجرد من حظوظ نفسه، انظر الى عمر رضي الله عنه يقول ” ابو بكر سيدنا وهو أعتق سيدنا” ويقصد بالعبد الذي اعتق، بلال الحبشي، والرسول يقول لسلمان الفارسي “سلمان منا آل البيت ”
هكذا استطاع هذا الجيل ان ينسجم وان يفعل ويتفاعل مع هذه القضايا، ولم تكن النصوص مجرد كلمات تقال او مجرد خطب او شعرات ترفع، فالشعرات لا تبني، والخطب لا تؤثر، والكلمات غير مؤثرة اذا لم تكن معه عقيدة ربانية تجعلنا جميعا في بوتقة واحدة، وتجعلنا جميعا متعلقين ومرتبطين برب واحد.
اذا اردنا العودة الحقيقية، بعد كل هذه التجارب المريرة التي مرت بأمتنا الاسلامية، نجد اننا لا مجال لنا الا ان نعود الى هذه القيم الاساسية، وهذه القيم هي التي تبني الامم، وهي التي تجمع الامم، اما اذا بقينا في هذه الشرذمة التي نراها في عالمنا اليوم، فحينئذ لا يمكن ان تكون لنا القوة ولا يمكن ان تتحقق لنا الوحدة الحقيقية.
الخطبة الثانية
اذا اردنا كما قال الله سبحانه وتعالى (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا)، اذا آمنا مثل ايمان الصحابة الكرام، وقبله ايمان الرسول صلى الله عليه وسلم، حينئذ هنا الهداية، والايمان يشمل العقيدة والفعل والقول والاركان فإذا كان هذا الايمان الشامل حينئذ وصلنا الى الهداية الحقيقية، واذا لم نأخذ بهذا الايمان الشامل حينئذ كما قال الله (وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ ۖ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) فالشقاق والفرقة والمشاكل تبقى بيننا الى ان نعود الى هذا الايمان، لذت يجب علينا وعلى الثورات العربية ان يبذلوا كل جهودهم لهذه التربية على هذه الأسس، وهذه التربية لا تعني العودة الى الوراء وانما تعني العودة الى القيم الصافية الى القيم السامية والى القيم الربانية، رغم ان لنا مجالات كثيرة في مجالات التطوير وان هذه القيم هي الاسس وهي الثوابت، اما المتغيرات فهي كثيرة، ننطلق منها، ولم يمنع الله سبحانه وتعالى هذه الامة من اي مصلحة نافعة مادامت هذه المصلحة تحقق الخير لهذه الامة، فأينما تكون المصلحة الحقيقية فثم شرع الله، الاشكالية في أنه يراد ان يسند الى بعض الامور في أنها مصلحة وهي مفسدة، او كما يقال مصالح موهومة، لذا يجب ان يكون تربيتنا ان تركز على هذا الجانب حتى لا تتشتت مرة أخرى يمينا ويسارا، شمالا وجنوبا، وشرقا وغربا . وقد يحاول الاعداء حتى ضمن نجاح هذه الثورات ان تشغل الامة عن هذه القضية الاساسية ان نكون امة واحدة، ويحاول هؤلاء ان نكون امة متفرقة، ان نكون شيعا وان نكون متفرقين، فلنجتمع على الثوابت وليكن كل فريق له اجتهادته الخاصة وهو مسموح به.
وقد سمعت من مصادر موثوقة ان اليمن اليوم على الرغم من نجاح الثورة، فإن الرئيس السابق الذي ازيل، ولكنه لم يرتدع بما أخذه من الاموال، جمع بين المتناقضات، يتعاون مع الحوثيين، ويتعاون مع بعض الجنوبيين، ويتعاون مع القاعدة لتفتيت الامة، وعدم انجاح الثورة، ويتعاون كما قال مرة مع الشيطان، فيلتقي الله في شعبه، وادعوه لترك هذا الشعب المبارك الذي دعا لها الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا بد على الحكومات والشعوب ان تقف مساعدة لاخواننا في اليمن، فهم يعانون اشد المعاناة من الفقر والبطالة والمجاعة والتضخم، اكثر من مئتين وثلاثين الف عائلة تحت خط الفقر المفقع، بل حوالى 50% من الشعب اليمني في فقر بسبب المظالم التي ارتبكت خلال ثلاثين سنة، فواجب علينا ان نقف معهم بكل قوتنا وان لا نترك هذه الثورة رغم نجاحها في الجانب السياسي.
ويحاول النظام في سوريا تفريق الشعب السوري، مرة من خلال الطوائف، ومرة من خلال الاديان الاخرى، ونحن نطمأن كلهم من خلال اسلامنا العظيم ومن خلال ما سمعناه وأكده جميع المعارضة بأنهم امة واحدة، وشعب واحد، وهذا الشعب كان له موقف مشرف حينما كانوا جميعا سنة وعلويين وعربا وكردا وبقية الطوائف، وقفوا ضد المستعمر الفرنسي والبريطاني، واليوم يجب ان يقفوا صفا واحدا وليس هناك شئ أعظم من الوحدة واكثر تاثيرا من الوحدة.
وكذلك الحال في مصر الحبيبة التي اذا بارك الله فيها ووفق فيها لقيادة رشيدة فإن الامة الاسلامية ستكون في خير، لأنه لمصر ثقل وتاثير كبير سلبا وايجابا، لذا لا يجب ان نترك شعب مصر، وهذا البلد الذي كان له الفضل علينا جميعا من حيث التعليم ومن حيث الدفاع عن الامة، فقد كان جيش صلاح الدين معظمها من مصر الذي حرر به القدس الشريف، وهكذا كان مصر على مر التاريخ، وهكذا كان الشام، فجيش الشام مع جيش المصر وجيش العراق هم الذين حرروا القدس في السابق تحت قيادة صلاح الدين.
ولأهل الشام حقوق علينا فلنفي في هذه الاوقات الحرجة بهذه الحقوق، فإخواننا يتضورون جوعا، والاطفال شردوا، والنساء اصبحن ثكلى، ولا مأوى لهن، فهبوا بكل ما تستطيعون لتوصيل المساعدات اليهم و توصيلها الى الجيش الحر لكي يقوموا بواجبهم في الدفاع عن هذا الشعب .