الدوحة – الشرق

الحلقة :الحادية و العشرون

النواصب هم فرقة ظهرت في أيام الخوارج والأمويين ، وأن اتهام الروافض للخلفاء الراشدين (أبي بكر، وعمر وعثمان ) وبعض أمهات المؤمنين كعائشة، أو بعض كبار علماء السنة مثل الإمام أحمد .. اتهام باطل لا أساس له، فقد كان علي مستشاراً لدى أبي بكر وعمر، وكانوا يحب بعضهم بعضاً بدليل المصاهرة بينه وبين عمر، وتسمية بعض أبنائه وأحفاده بأسماء الخلفاء الثلاثة.

ومعظم الشيعة يعرفون الناصبي بأنه : العداء للنبي صلى الله عليه وسلم أو لفاطمة ، أو لعلي ، أو للأئمة من ذريتهم ، أو لشيعتهم ، وأن معظم مراجعهم ـــ وبخاصة السيستاني ـ على أن هذه التهمة لا يجوز إطلاقها على أحد إلا بالبينة”.

ولكن بعضهم يجعلون كل من قدَّم أبا بكر وعمر على عليٍّ ناصبياً، وبالتالي فجميع أهل السنة نواصب، بل إن الزيدية أتباع زيد بن علي من النواصب، فقد رووا في ذلك روايات عن أئمتهم تدل على ذلك.

والروافض هي لغة جمع الرافضي من الرفض بمعنى الترك، والرمي، والطرد.

وفي الاصطلاح اختلف في معناها بناءً على معنى الرفض، فذهب جمهور علماء السنة إلى أن سبب هذه التسمية يعود إلى زمن خروج زيد بن علي، حيث سئل عن أبي بكر، وعمر فترحَّم عليهما، وعندئذ رفضه جماعة منهم فقال لهم رفضتموني، فسموا هؤلاء الذين رفضوا زيداً في مذهبه هذا بالرافضة ومن بقي معه سموا شيعة زيد.

وبناءً على ذلك فإن الرافضة تشمل جميع فرق الشيعة ما عدا الزيدية.

ولذلك فالمصطلح يحتمل الكثير من المعاني، وحسب المراد يحدد الحكم، فإذا كان المراد بالروافض هم الذين يرفضون إمامة أبي بكر وعمر فلا شك أنهم مذمومون لدى أهل السنة، وأن الأدلة تدل على ذم ذلك، أما إذا كان المراد بالروافض الرافضين للنصب والظلم، والمحبين لعلي، وآل البيت الكرام فإن أهل السنة معهم ، ولذلك يقول الشافعي:

إن كان رفضاً حب آل فليشهد الثقلان أني رافضي

وقال في قصيدة أخرى:

إن نحن فضَّلنا علياً فإننا روافض بالتفضيل عند ذوي الجهل

وفضل أبو بكر إذا مـــا ذكرته رميت بالنصب عند ذكري للفضل

فلا زلت ذا رفض ونصب كلاهما بحبيهما حتى أوسد في الرمل

وقال أيضاً:

إن النبي ذريعتي وهم إليه وسيلتي

أرجو بأن أعطى غداً بيدي اليمين صحيفتي

ولكن لو أردنا تحديد المصطلح فما ذكره جمهور العلماء له وجاهته ، حيث تكررت هذه القصة في كتب السنة والشيعة بأن كلمة “الرافضة” أو “الروافض” اشتهرت بعد إطلاق زيد هذا المصطلح على من رفضه من شيعة الكوفة، فبالإضافة إلى المصادر السنية التي ذكرت ذلك فإن مصادر شيعية أيضاً ذكرت ذلك، فقال الشيخ المفيد : “ولما سمعت شيعة الكوفة هذه المقالة” أي صحة إمامة المفضول مع وجود الفاضل “من زيد، وعرفوا أنه لا يتبرأ من الشيخين رفضوه حتى أتى قدره عليه ، فسميت رافضة”.

وهذا لا يمنع من إطلاق هذه الكلمة على كل من يرفض إمامة أبي بكر وعمر قبل زيد، لأن حديثنا عن اشتهارها بصورة واضحة، فقد استعمله الخليفة الأموي عبد الملك (ت 86 هـ) على الشاعر المعروف فرزدق الذي أنشد قصيدة رائعة في الإمام زين العابدين، فقال له: “أرافضي أنت يا فرزدق”.

ولذلك نستطيع تعريف الرافضي بأنه هو الذي يرفض إمامة أبي بكر وعمر، ويبغضهما، ويُظهر حب علي وآل البيت الكرام دون التحديد بزمن الإمام زيد ( رضي الله عنه).

والخلاصة أن الأمة الإسلامية ابتليت بعد فتنة الخليفة عثمان (رضي الله عنه) بفتن كبرى، من أخطرها تفرق الأمة وظهور الفرق المفرطة ـ بسكون الفاء ـ والمفرطة ـ بفتح الفاء والراء المشددة المكسورة ــ

فالعلاج لا يمكن أن يكمن في التكفير، والسباب والشتائم، وإنما العلاج هو ترك كل جماعة على ما هي عليه سوى النصح بالحكمة والموعظة الحسنة، والحوار والجدال بالتي هي أحسن للوصول إلى التسامح، والتعايش، والتعاون على البر التقوى البعيد عن الصراعات المدمرة.

معالم الوسطية ودعائمها:

فقد كتب عن الوسطية الكثيرون، ولكن العلامة الشيخ يوسف القرضاوي (حفظه الله) أولى عناية قصوى بها، ثم لخص دعائمها في عشرين دعامة منها:

ــــ الملاءمة بين ثوابت العشر ومتغيرات العصر

ــــ فهم النصوص الجزئية للقرآن والسنة في ضوء مقاصدها الكلية.

وأود أن أذكر ما جلب انتباهي في هذه المسألة، وهو أن الله تعالى جعل الوسط وصفاً للأمة وليس للدين فقال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً)، وذلك لأن الدين الحق (الإسلام) هو دين واحد، وهو وسط في حد ذاته، ولكن الإشكال يقع دائماً في المتدينين، حيث تميل بهم الأهواء أو الاجتهادات الخاصة نحو اليمين أو اليسار خروجاً عن الصراط المستقيم ونحو الغلو والتشدد، أو التفلت والتقصير، والترخص غير المسدد، فيحدث الخروج عن المنهج الوسط، إن جميع الأديان السماوية كانت وسطاً ولكن الأتباع هم الذين حرفوه، أو لم يطبقوه على الوجه الصحيح، أو أنهم ظلموا فاستحقوا التشدد كما قال الله تعالى: (فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيراً وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً).