أيها الإخوة المؤمنون
ربما يستغرب الإنسان إذا علم – وهو عالم – بأن الرسول حينما كان في غار حراء يتعبد الله سبحانه وتعالى على ما ألهمه الله سبحانه وتعالى وعلى بقية دين إبراهيم فينزل الله سبحانه وتعالى سيدنا جبريل بشكله وينزل أول آية من السماء إلى الأرض من الله إلى رسوله الخاتم وتتحدث هذه الآية عن العلم وعن القراءة فربما يستغرب الإنسان من هذه القضية.
كان الرسول أحوج ما يكون في ذلك الوقت وفي هذا الغار إلى أن يتعلم العبودية لله وإلى أن يتعلم العقيدة الصحيحة وكيفية الصلاة والتهجد وقيام الليل، وكما يقولون: { يكون البيان واجباً حينما يحتاج إليه الإنسان ولكن الله لم ينزل جبريل عليه السلام بأول نزوله ليعلمه العقيدة بالرغم من أهميتها القصوى ولا الصلاة ولا العبادات، وإنما يعطيه المفتاح فيقول ( اقرأ بسم ربك الذي خلق ) .
هذا الموقف أو الموقع يحتاج منا إلى مزيد من التدبر على أن لا أمر على هذه الحالة مرور الكرام لأن القضية ليست بسيطة ولا عادية ولا جزئية ، لماذا يترك جبريل كل هذه الأمور المهمة ويبدأ بكلة اقرأ .
ولو تدبرنا في هذه الآية ونظرنا إلى حال أمتنا الإسلامية من الضعف والتخلف علمنا سر ذلك ولا سيما إذا قارنَّا أمتنا الإسلامية بالأمم الأخرى التي تقدمت بعد الجهل والتخلف. وهذا إن دل إنما يدل على أن العلم هو فعلاً مفتاح العقيدة فأي عقيدة بدون علم لا قيمة لها بصورة كبيرة إذا لم يكن هذا الإيمان راسخاً ولذلك لا يقبل إيمان شخص لا يعلم وليس لديه الأدلة العادية على أن الله سبحانه وتعالى واحد أحد فلا بد أن تكون لديه الأدلة الإجمالية دون تقليد، ولا يقبل إيمان المقلد في قضية العقيدة والألوهية، والإيمان بالله سبحانه وتعالى وكذلك جميع العبادات من صلاة وصيام وحج وغير ذلك ومن المعاملات مما يحل ويحرم، كل ذلك يحتاج إلى علم وقراءة، فإما أن يكون الإنسان عالماً بها أو أن يسأل أهل الذكر .
اليوم وما وصلت إليه الأمة من التخلف والتشرذم والتفرق والتمزق لا شك أنها تعود إلى الجهل الحقيقي وليس المقصود بالجهل كما هو الحال أنه لا يقرأ ولا يكتب على الرغم أن أمتنا الإسلامية اليوم من باب القراءة والكتابة يصل في بعض المناطق إلى 70 % و50 المئة في مناطق أخرى، وفي أحسن الحال تصل نسبة الأمية إلى 10 -20 بالمئة.
حينما أمر الله سبحانه وتعالى رسوله بالقراءة لا يقصد بها مجر القراءة والكتابة فقط، وإنما القراءة المتأنية والشاملة؛ لأنها كما يقول علماء البلاغة والنحو حينما يحذف المفعول به في الفعل المتعدي مثل:
( اقرأ ) يراد به العموم أي يا محمد اقرأ كل شيء وأمتك تابعة لك في ذلك؛ لأن خطاب الرسول خطاب لأمته فاقرأ كل شيء اقرأ الإنسان واقرأ الكون واقرأ الأعداء والأصدقاء واقرأ كل شيء.
اليوم كل شيء يعتمد على القراءة حتى في عالم الجينات هو أيضاً قراءة، فكما نقول ألف وباء وحينما نضمها إلى بعضهما يتكون منهما كلمة أب مثلاً، وهكذا في عالم الجينات حينما يربطون جيناً بجين آخر يتكون منه شيء جديد وعلم ومعرفة جديدة، فهذا الجين مسؤول عن العين وهذا مسؤول عن الكبد وهكذا فالعالم وصل إلى أن يقرأ مشروع الجيون الذي يتكون منه الإنسان، وفي داخلهما مجموعة من الأشياء والأسرار، فهذا الشريط المفصل أصبح العلم يقرؤه ويعلم بعلم الله تعالى في غالب الأحيان علماً إجمالياً بكثير من الأسرار ، وإن لم يصل إلى عدد كبير من الأسرار التي لا تعد ولا تحصى .
حتى النظري يقرأ حينما تربط شيئاً بشيء من النظريات تتكون منه شيء مصنوع كما هو الحال بالنسبة للماء والكهرباء؛ لذا أراد الله لرسوله ومن خلاله لأمته أن تكون لديهم هذه القراءة المفصلة التي تبدأ بالقراءة العادية للوصول إلى قراءة الأمور العميقة ولقراءة كل ما في هذا الكون .
هذه هي القراءة، وهذا هو مفتاح العلم، ومفتاح الدنيا ومفتاح الآخرة، ومفتاح الكون والتقدم والتحضر وهذا الذي أمر الله به رسوله .
اليوم تخلفت الأمة الإسلامية حتى في القراءة العادية ولم تتقدم بوجود البترول وغيرها فهناك دول تقدمت ولا تملك من البترول والمعادن شيئاً .
وفي علم السياسة تخلفت أمتنا أيضاً، وخاصة في معرفته بالأصدقاء والأعداء، فأعداء الأمس الذين مزقونا واحتلونا وامتصوا دماءنا وثرواتنا أصبحوا اليوم أصدقاءنا، وأصبحنا نعتمد عليهم وإخواننا من المسلمين أعداء فأي قراءة هذه؟! أن يصبح الطامع صديقاً وأخاً، ويصبح أخوك في الدين حتى في الدم والقومية عدواً لك وتقتله اليوم وتضعف نفسك به، ثم بعد ذلك تكون النتيجة تزداد تفرقاً وتمزيقاً.
قضية الأمة اليوم تحتاج إلى قراءة جديدة، وفهم جديد، وإلى تربية جديدة التي تقوم على هذه الأسس وعلى هذه القراءة الشاملة، هذه القراءة الشاملة، التي تجعل منهم أن يصلوا إلى الوحدة، ونحن لا نصل إلا إلى الفرقة . أسست السوق الأوروبية المشتركة في أواخر الستينيات، والجامعة العربية قبلها بعشرين سنة، ولكن شتان بين االهيئتين، فدول السوق الأوروبية وصل عددها إلى 30 دولة في برلمان واحد وبتنسيق واحد وعملة واحدة وتأشيرة واحدة ومصلحة واحدة، وعند ضعف إحدى هذه الدول تدعهما بقية الدول؛ لتصبح قوة كبيرة، أما جامعة الدول العربية، وليست سوقاً ازداد التفرق بين دولها اليوم والفرقة لم يكن بين الشعوب سابقاً ولكنها اليوم أصبحت بين الشعوب وأصبحت هناك طائفية خطيرة جداً، ويدعمها من يدعمها ظناً أنهم يستفيدون منها، وحتى داخل أهل السنة أصبحت هناك جماعات ممزقة، فأي قراءة هذه؟ وأي جهل هذا الذي ضحكت منها الأمم؟ فكيف يكون أخوك في الدين والوطن واللغة والقومية، و بمجرد أن يتبنى فكراً يصبح متخلفاً يجوز قتله وإيذائه.
والتحليل الحقيقي لهذه الحالة غير الصحية هو الجهل، جهلنا بالمستقبل، فحينما أدعم جماعة مثل الحوثيين لضرب جماعة أو فكرة أخرى فمن يضمن ولاء هذه الجماعة لك، فهذا هو الجهل، وكما نسميه فقه المآلات فلا يجوز للإنسان أن يتصرف على ظاهر الأمر، إنما يجب أن يتصرف في مآلات الأمر ما الذي يترتب على فعله أو قوله أو دعمه، فتدعم الحوثيين اليوم؛ ليصبحوا قوة كبيرة في الجزيرة مثل حزب الله في لبنان، ولا يكون ولاؤه لا للحكومة اليمنية ولا لغيرها، فهل هذا مما أمر الله به! أم أمر بقراءة هؤلاء ومصائرهم وقراءة الطوائف والشعوب والأفكار.
نحن اليوم بحاجة إلى أن نعيد النظر في قراءتنا، وفي علمنا، وفي تربية أبنائنا على هذه الأسس بحث لا نغتر ولا ندفع الأموال، لتحطيم أنفسنا، فاليوم أصبح البعض يخرب بيته بيديه، ويخرب بيت الأمة بسسب هذه التصرفات الخرقاء.
وعندما أقول أن نعيد القراءة لمعرفة العدو، فلا يعني هذا أننا نعلن الجهاد والقتال ،أبداً، فانظر إلى ما كان عليه الرسول والقرآن ينزل عليه في 70 آية تتحدث عن اليهود، نزلت في بداية عصر الرسول في مكة وفي الطريق إلى المدينة، والله أعطاه المعلومات الكافية حول أخلاق اليهود، والرسول احتفظ بهذه المعلومات، ولم يبدأ القتال معهم بل عاملهم بأحسن معاملة، كتب الدستور، وضمن فيه لليهود حقوق المواطنة وجميع حقوقهم الأخرى.
فهذه المعلومات والمعرفة لا تعني أن نعلن الحرب، وإنما أن نعرف العدو من الصديق، وأن نعرف أصدقاءنا، ومآلات معرفتنا بالأصدقاء، ومآلات معرفتنا بالأعداء .
هذا ما أراد الله لهذه الأمة في أول آية نزلت، لتهديها، ولتكون خير أمة أخرجت للناس، وليس لتكون أمة متفرقة متمزقة، يلعب بها الناس.
الخطبة الثانية
حينما يريد الله أن يكون المسلمون كجسد واحد، ويحس بعضه ببعض بحيث إذا أصابه ألم في جزء منه يتحرك كله دليلاً على حيوية الجسم؛ فيكون بعضنا سنداً للبعض، واليوم نكون سندهم، وغداً يكونون سنداً لنا.
الأمة الإسلامية حوالي 57 دولة، والأمة العربية حوالي 22 دولة عربية، فأين وقوفهم مع الحق ومنع الظلم؟ وهذه البراميل التي تتساقط على إخواننا في سوريا، وفي نفس الوقت يلهوننا بجنيف 1 وجنيف 2 .
وتركنا العراق ليُلْعب بها من قبل أمريكا، وبتعاون مع دول إقيلمية، ولأن العراق على مر التاريخ كان العنصر الأساس للدفاع عن هذه الأمة، وكانت منطلق المجاهدين والفاتحين، وكانت دائماً عنصر استقرار لهذه الأمة، فقد استطاع صلاح الدين بجيش العراق و سوريا و مصر و اليمن دحر الصليبيين إلى الأبد .
فكل هذه المناطق التي كانت تعتبر مناطق قوة عندنا فيها مشاكل، وكل واحدة مشكلتها تختلف عن الأخرى.
وفلسطين قضيتنا الأولى أصبحت القضية الرابعة أو الخامسة، حتى غدت لا تذكر في المقدمات، مع أنها هي الأساس، واليهود تستغل هذه الفرصة؛ لبناء المستوطنات، وفرض ما تريد؛ لأن الأمة مشغولة بنفسها ومشغولة كيف ننجح الانقلاب هنا لضرب فلان وعلان، كأننا عدنا إلى عصر الجاهلية، حينما كانت القبائل العربية تتصارع مع بعضها، فهل نريد أن نعود إلى تلك الحالة؟.
وأنا هنا أسأل الله تعالى أن يوفق حركتي فتح وحماس في مصالحتهما وأن يدوم الصلح بينهما.
وإذا خرجنا من عالمنا العربي إلى عالمنا الإسلامي، فإن القلب ليدمى والعين لتدمع وإن الجسد ليقشعر ونحن نشاهد ما يحدث في أفريقيا الوسطى، والمسلمون يُقتلون ويُذبحون ويُحرقون، كأننا نشاهد احتفالاتٍ، والعالم ساكت، ولو فعل المسلمون ما يُفْعَل بهم لاتُّهِموا بوابل من الاتهامات، أدناها الارهاب.
المسلون كانوا أغلبية في أفريقيا الوسطى، ولكن اليوم أقلية، يُطرَدون ويُقتَلون، وما زال إخوانكم في روهينجا وميانمار يضطهدون، والأعداء في قوة ويقظة.
أسأل الله العظيم أن يعيدنا إلى ما يرضاه، وإلى قوتنا وهو راضٍ عنا.