خطبة فضيلة الشيخ علي القره داغي بمسجد عائشة في فريج كليب في الدوحة بتاريخ 7 اكتوبر 2011
أيها الاخوة المؤمنون
انزل الله سبحانه وتعالى هذا الدين العظيم، الذي سماه الاسلام، انزله على هذه الامة حتى يكون خيرا ورحمة وشفاء وهدى وبركة، وهذا الدين العظيم هو دين جميع الانبياء، بدءا من سيدنا ادم ثم نوح ثم الى بقية الانبياء عليهم الصلاة والسلام، واختار الله سبحانه وتعالى هذا الدين لنا (ورضيت لكم الاسلام دينا )(ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه) فليس هناك دين مقبول عند الله سبحانه وتعالى في هذا الكون سوى هذا الدين، وهذا الدين امتداد لدين الله الخالد الذي اراده الله سبحانه وتعالى للبشرية، لتسعد به البشرية في الدنيا والاخرة، وليحول الانسان من خلال هذا الدين هذه الدنيا الى جنة الله في الارض، ثم بعد ذلك يكرمه الله سبحانه وتعالى بجنة عرضها السموات والارض في الآخرة، وليكون هذا الدين وسيلة لتعمير الكون في ضوء منهج الله ( هو أنشأكم من الارض واستعمركم فيها ) أي طلب منكم التعمير.
جاءت هذه الرسالة كاملة، شاملة، خالدة، طبقها المسلمون منذ عصر الرسول صلى الله عليه وسلم، فلم يحتاجوا في مسيرتهم، لا في عصر الخلافة الراشدة، ولا في عصر بني أمية، ولا في العصر العباسيين أو العثمانيين ، لم يحتاجوا الى أي قاعدة قانونية، ولا الى أي استعانة بأي تشريع وضعي، لأن هذا الدين يتضمن في داخله الشمول والكمال، فقد بين الله سبحانه وتعالى المبادئ الاساسية، والقواعد الكلية، والاحكام التي تحتاج اليها البشرية الجمعاء، بينها الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم، القران العظيم، اجمالا وتفصيلا، ما احتاج الى تفصيل، فصله كما هو الحال في العقائد والعبادات، وكذلك في أحكام الاسرة، وما احتاج الى اجمال، لأنها متطورة، بين الله سبحانه وتعالى في هذه الاشياء، القضايا الاجمالية، وترك التفصيلات للاجتهادات البشرية، واعطى الله سبحانه وتعالى من خلال القران الكريم دورا واسعا للعقل الانساني، من خلال الاجتهادات المنضبطة، الاجتهادات الصادرة من اهلها العلماء، وفي موضعها وبضوابطها الشرعية، فكان لهذه الاجتهادات دور واسع كبير، ولاسيما في مجال المعاملات ومجال السياسة الشرعية والقضايا المستجدات، لأن الله سبحانه وتعالى يعلم (الا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير)، يعلم ما هو أكثر تطويرا او يمكن ان تطور الى ما هو أكثر، ويعلم كذلك علم اليقين بما هو يحتاج الى إجمال او الى التفصيل، وهكذا نجد هذا التفصيل او ذلك الاجمال في كتاب الله سبحانه وتعالى، ثم من خلال السنة النبوية المشرفة، التي فصلت الكتاب، وبينت الكتاب، واضافت من خلال القواعد الكلية العامة في القران الكريم جملة من الاحكام، ومع ذلك بقي للعقل البشري الاجتهادي دور كبير في فهم هذه النصوص، وفي تنزيلها على الوقائع، وفي بيان الضوابط والشروط، في كيفية تطبيق هذه النصوص، ومع ذلك فقد ترك للانسان المجتهد او العقل الاجتهادي مجال واسع سمي منطقة الفراغ، منطقة العفو، الذي لم ينزل فيها نص جزئي او كلي او تفصيلي فيها، حتى يجتهد فيها الانسان بما يحقق المصالح للفرد والمجتمع والامة،وبذلك جمع الاسلام، وجمعت الشريعة بين الثوابت المتمثلة بالادلة القطعية وبين الاحكام المتغيرة التي تقبل التغيير من خلال الاجتهادات، وهي الاحكام التي اخذت من النصوص الظنية او الاحكام التي اجتهدها الانسان ووصل اليه الانسان، من خلال الاجتهادات بهذا الجمع بين الوحي في القواعد الكلية والعقل في التنزيل والتوصيف والاجتهاد ، جمعت الشريعة خيري الدنيا والاخرة، واستطاعت ان تبني حضارة عظيمة وحكما كبيرا، دام هذا الحكم ودامت تطبيق الشريعة على مستوى الدولة وعلى مستوى الافراد اكثر من 1200 سنة بل 1300 سنة، لم يحتج فيها المسلمون الى الاستعارة او الاستعانة او اعارة اي قاعدة قانونية لا من القانون الروماني الذي كان ضعيفا بل لم يكن على مستوى القواعد التشريعية ولا من اي قانون آخر بل انه حينما ننظر ونقارن بين القوانين السابقة مثل القوانين الرومانية لوجدنا في هذه القوانين تخلفا حضاريا لم تكن هذه القوانين تعترف بأهلية الانسان بأنه قادر على البيع والشراء الا اذا كان رومانيا وحتى اذا كان رومانيا لم تكن هناك أهلية للمرأة في البيع والشراء ولا في أي عقد من العقود وانما كانت الاهلية فقط إما للأب أو للأخ الكبير ولم تكن هناك قوانين تعطي حقوق الميراث حتي قانون الانجليزي لم يكن فيها اعتراف بأن المرأة لها حق الميراث الا الى عام 1925 ثم بعد ذلك لم يكن هناك عدل في هذا المجال
ومن هنا سبقت شريعتنا كل هذه القوانين والتشريعات، من حيث تحقيق العدالة ومن حيث اعطاء جميع الحقوق المناسبة الكاملة للمرأة، ومن حيث المساواة بين الحقوق والواجبات،
هكذا عاش المسلمون، وحققوا حضارتهم بعدما كانوا قبل الاسلام مستضعفين، كانوا متفرقين، كانوا جاهليين، كانوا في ضلال مبين، لم تكن لهم الهداية لا في امور دينهم ولا في امور دنياهم، ولم تكن لهم قوة ولا علم ولا حضارة تذكر حينما نقيسها بحضارتنا الاسلامية، وظل المسلمون على هذه الحالة الى ان ضعفوا وتفرقوا وتمزقوا، وحينئذ تكالبت عليهم الاعداء، فمزقوهم اكثر، وقضوا على حضارتهم، واصبحوا تابعين بعد ان كانوا متبوعين، واصبحوا ضعفاء بعد ان كانوا اقوياء، واصبحوا متخلفين بعد ان كانوا متقدمين ومتحضرين، ثم جاء العصر الحالي المتمثل بمئتي سنة الاخيرة، التي استطاع فيها الاستعمار ان يحتل بلادنا، وتستمر فترة الاحتلال خلال 200 الى 270 سنة لم يحقق الاستعمار لبلادنا اي خير يذكر، فهذه الجزائر احتلها المستعمر الفرنسي المتطور في ذلك الوقت مئتين وسبعين سنة، وتركها دولة متخلفة، وارادت لها ان تكون دولة منسوخة في لغتها وحضارتها وفي قيمها واخلاقها، وهكذا فعل الاستعمار البريطاني بنا في عالمنا العربي، وكذلك في العالم الترك والكرد والفارسي، في كل هذه الشعوب المسلمة، ماذا فعل الاستعمار البريطاني حينما جاء في بداية القرن العشرين، مزق هذه الامة وبخاصة العرب، مزقها الى دويلات، بل لم يعطي لهم حق الدولة، رغم ان الثوار العرب او معظم العرب وقفوا مع الانجليز في اسقاط الدولة العثمانية من خلال الثورة العربية الكبرى، وكانت النتيجة ان جاءت اتفاقية سايكس بيكو التي مزقت العالم العربي بهذا الشكل، واعطت فلسطين، اغلى ارض وابرك ارض بعد الحرمين الشريفين، اعطتها لهؤلاء اليهود، ثم جاء وعد بلفور، ثم بعد ذلك ولضعف الاستعمار البريطاني سلم هذه الامانة وهذه العهدة الى الاستعمار الامريكي، الذي ظل مع اليهود والصهاينة، مع المغتصبين ومع المحتلين، وتعمل هذه الدولة الكبرى في قوتها لصالح هوية الصهاينة، واضعاف العرب والمسلمين.
هذه هي التجربة الواضحة، لا تحتاج الى دليل، ومعظمكم شاهدتم او لديكم العلم اليقيني من خلال تواتر ما حدث، والغريب من ذلك بعد كل ذلك، يريدون اليوم من خلال ما تحقق من نتائج ايجابية للربيع العربي المتمثل بنجاح الثورة التونسية، ونجاح الثورة المصرية، وان شاء الله ستنجح الثورة اليمنية قريبا، والثورة االسورية، كذلك يريدون ان يلتفوا حول هذه الامور، ويلبسوا ثوبا آخر كأننا لا نعرفهم، لم يكن هؤلاء الغربيون لم يدافعوا أو يأيدوا، او اي شئ الى آخر لحظة بالنسبة لتونس، بل ان موقف فرنسا بالنسبة لتونس كان مخزيا، ظل داعما لأبن علي الى آخر لحظة|، وهكذا ايضا في مصر، ولكن الله شاء ان يسقط هذان النظامان بسرعة، بل انه ثبتت حتى في ليبيا، اثبتت التقارير بأن المخابرات البريطانية والفرنسية والايطالية الى آخر العهد، الى قبيل اعلان الحرب على القذافي، كان لهم دور كبير جداً في تقوية المخابرات الليبية، التي كانت تسوم الشعب الليبي سوء العذاب خلال 42 سنة، هذه المواقف واضحة للجميع، ومع كل ذلك يريد هؤلاء ان يبعدوا الشعوب المسلمة في تونس وفي مصر ان يبعدوهم عن هذه الشريعة، يريدون لهم ان تكون هناك مرجعية غير مرجعية الشريعة، بل يريدون اكثر من ذلك، اذا كانت المادة الثانية في الدستور المصري السابع في عهد مبارك والسادات والتي رتبت في عهد سادات، والتي تنص على ان الشريعة هي المصدر الرئيسي، ولم تقل المصدر الوحيد، يحاول العلمانيون الذين يجهلون حقيقة الاسلام، ولا أقوا كل العلمانيين، الذين هم اما مرتبطون بهذه الدوائر، وهم كانوا مستفيدين في ظل مبارك وبن علي، يريدون اليوم ان لا يرضوا او يبقوا حتى هذه المادة، انما تعود مصر الى دولة علمانية، وتبدأ من الصفر كما فعل اتاتورك بتركيا عام 1924، ومنع الشعب التركي من اداء الصلاة باللغة العربية، ونزع الحجاب، وكل شئ من مظاهر الاسلام، وظل الصراع الشديد الى ان جاء حزب اربكان، ومن ثم بعد ذلك اردوغان، واستطاعوا ان يجدوا مجالا، او نوع من الحرية، التي جاءت مع الحرية الاصوات العالية لتطبيق الشريعة بقدر مااستطاع هؤلاء ان يفعلوا.
لذلك هذه المؤامرات في غاية من الخطورة، وهذه التي نحن نخاف منها، لأننا وبخاصة المسلمون الملتزمون هم يكونون وقودا للجهاد، وهم القادرون الوحيدون على مواصلة الجهاد والتضحيات والفداء بالارواح والاموال، ثم في النتيجة يترك هؤلاء ويجني ثمار هذه الثورة، وهذه الدماء التي اريقت يجني ثمارها غير هؤلاء، من الذين كانوا بدل ان يكونوا في الخنادق كانوا في الفنادق، وكانوا مرتبطين بهذه الانظمة السابقة، وهم لا يزالون مدعومين من الغرب او الشرق.
وهكذا فعلوا في الجزائر، كانت الثورة الحزائرية ثورة اسلامية 100%، كانت ثورة جهادية، كانت من اجل اعادة الجزائر الى الاسلام، والى العروبة لغة، ولكن شاؤا بعد ذلك ان يسلموا نتيجة الانتصارات الى حزب اشتراكي، استطاع ان يسوم الشعب الجزائري سوء العذاب، وان يجعله في جهالة وتخلف، يتمنى ان يكون الاستعمار المباشر هو الذي يحكمه، هكذا يفعلون حتى يتمنى الناس للاستعمار المباشر، لأن الاستعمار الغير المباشر من خلال العملاء اشد من الاستعمار المباشر من قبل الاعداء.
وهكذا ايضا في تونس، كانت الثورة السابقة في الخمسين، ثورة جهادية، وأتوا بالبرقيبة ووضعوه على رأس الحزب، وكان يتحدى أمر الله سبحانه وتعالى، ويشرب متحديا في نهار رمضان، بل يأمر العمال بأن لا يصوموا وهو في الظهيرة، تأكل وتشرب ويقول هكذا اقتدوا برئيسكم.
وهكذا فعلوا بالثورة العربية الكبرى، التي قامت ضد الطورانية التي ظهرت في الدولة العثمانية بفعل يهود دونما، واستطاع الانجليز ان يصنع قومية عربية من المسيحيين، ولكن الاستعمار البريطاني لم يعطي حتى لهذه الثورة، وكانت الثورة تريد أن تكون العرب كله في دولة واحدة، او خلافة، ولكن مزّقوهم واحتلوهم.
أو ما ننتبه؟ أو ما نتذكر؟ يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم وهو يتكلم عن اليهود والنصارى والمشركين الملحدين وهؤلاء الظلمة، ولكن يكاد ان ينطبق علينا (أفلا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة او مرتين ثم لا يتوبون) أي لا يتوبون الى الله، ولا يرجعون الى الله، (ولا يتذكرون) أي لا يرجعون الى العقل والتذكر، أي لا عقل ولا شرع ، لا يعتبرون بالشرع ولا بالعقل، فأي امة رأيتموها على مر التاريخ، وهي تحت الاحتلال او بالتبعية استطاعت ان تحقق حضارة، او ان تحقق قوة، فاذا اردنا القوة والحضارة والتقدم كل ذلك في استقلاليتنا، في اننا نكون امة واحدة ( ان هذه أمتكم أمة واحدة )، لنا مرجعيتنا، ومع ذلك، هذا لايعني اننا نستعمل قوتنا ضد الاعداء، ابدا، الاسلام هو دين السلام (وان جنحوا للسلم فاجنح لها )، والاسم مشتق من السلام، والاسلام يريد السلام للجميع، يريد الخير للجميع، يريد الرحمة للعالمين، وصف رسوله صلى الله عليه وسلم (وما أرسلناك الا رحمة للعالمين) .
هذه الشعوب تحارب من اجل استقلالها، ومن اجل حريتها، فلذلك مهما ضحينا الان، فهو وقته من اننا لا نسكت، ولا يجوز أن يسكت الشعب المصري، بأي وسيلة من الوسائل، اذا لا سمح الله اريد إبعادها، أو ابعده، عن مرجعيته الاساسية، عن شريعته عن حكم الله سبحانه وتعالى في ضوء الرحمة للعالمين .
الخطبة الثانية
تحدث القران الكريم في سورة المائدة من اية 43 الى 51، عن انزال التوراة ووصفها بأن فيها نورا وهدى، ثم تحدث القران بعد ذلك عن الإنجيل، ووصفه بأن فيه هدى ونورا، وكذلك أضاف اليه وموعظة وانه مصدق لما بين يديه من التوراة، ثم جاء القران الكريم يتحدث عن القران الكريم، ووصفه بأنه نور وأنه رحمة وأنه موعظة وأنه مصدق لما بين يديه من التوراة والانجيل، وانه كذلك مهيمن، اي أن حكمه الذي فيه هو الذي يطبق، لأن بقية الكتب السابقة لم تصل الينا حتى بإعتراف اديانهم، لم تصل الينا بصورة تخلوا من الشبهات والريبة، ومن هنا جاء موريس بوكاي وهو من عائلة يهودية مسيحية، ومن أكبر المتخصصين في مجال العلوم والتاريخ، ودرس الكتب الثلاثة، التوراة والانجيل والقران، وكتبه في كتابه القران والانجيل والتوراة والعلم ، وأثبت بأدلة قطعية أن التوراة كتبت بعد حوالي 700 سنة وبالتالي أصابها كثير من النسيان، كما أن فيها أخطاء تاريخية وعلمية، ولا يمكن أن تكون هذه الاخطاء نزلت من عند الله سبحانه وتعالى، ثم بين بأن الانجيل الى الان ما هو الا مواعظ لا يمثل الانجيل الحقيقي، بدليل تنوعت الاناجيل الى أكثر من سبعة أناجيل، او اربعة أناجيل كما هم يقولون، ثم تحدث وهو غير مسلم آنذاك ودرس القران الكريم تماما خلال عشرة سنوات، وهو كما يقول: كنت أدرس القران، وكنت أريد أن أجد في القران الكريم خطأ تاريخيا او علميا، شاء الله أن ذهبت الى معهد لوفر، وقرأت فيها بعض الصفحات من القران الكريم التي كتبت في عصر سيدنا عثمان، وكذلك القران الذي يطبع لم اجد خطأ واحداً، ولم أجد حتى تغييرا في نوعية الحروف، مما دفعني في إحدى الليالي وأنا أنظر، فخريت باكيا وساجدا وأشهدت لله سبجانه وتعالى بأن هذا القران من عند الله سبحانه وتعالى.
الله سبحانه وتعالى يقول بعد هذه الايات التي ذكرتها (فاحكم بما أنزل الله ولا تتبع أهوائهم)، امر الله سبحانه وتعالى رسوله ان يحكم بما أنزل الله، وان لا يتبع أهوائهم، ثم قال (أفحكم الجاهلية يبغون)، فهذا السؤال موجه لكل منا، هل نريد حكم الجاهلية؟ لماذا العداء للشريعة؟ لماذا العداء للاسلام؟ هذا الاسلام هو الذي صنعنا، العرب كانوا متفرقين ولم تكن لهم امة بمعنى الكلمة، كانت متفرقة ومتمزقة، الامبراطورية الفارسية والرومانية كانتا تلعبان بالقبائل العربية حسبما شاءوا، جعل الله سبحانه وتعالى من هذه القبائل امة اصبحت رائدة واستاذة للعالم، وتقود العالم، ثم ظلت الحضارة الاسلامية، وخدمت اللغة العربية وكل ما هو عربي، وهكذا كان الاسلام لجميع الشعوب كان رحمة، وكان خيرا، وكان بركة، وكان حضارة ونجاة وانقاذا في الدنيا قبل الاخرة.
لذا بعد هذه الايات، مباشرة يقول الله سبحانه وتعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء ) ثم يقول (ومن يتولهم منكم فإنه منهم ) ولا مانع من أن تكون هناك علاقات ودية، علاقات متكافئة، واحترام المتبادل بيننا وغيرنا، لكن الاشكالية في أن يكون ولاءلنا لهم على حساب ديننا وشريعتنا، فهنا (ومن يتولهم منكم فإنه منهم).
انا متفائل جدا بأن الشعب المصري والتونسي والليبي لم يقبلوا الا بالشريعة، الشعارات كانت اسلامية، والتضحيات كانت اسلامية، وكل شئ كان اسلامياً، فيكيف تتحول الان وينقلب الامور على عقبيه؟
واذا كنا نتحدث عن هذا الخوف، فإننا لا بد أن نتحدث عن مواقع آخر مؤلمة، وهو ما يحدث في اليمن، فقر وتعذيب وتقتيل وعلي صالح يزداد بطشا وعتوا وأخطر من ذلك علماء السلطة، وعملاء الشرطة، الذين افتوا بحرمة المظاهرة لتسعين بالمئة من الشعب فهل تسمى هذه خروجاً؟ وكل القبائل وأكثر الجيش مع الثورة، فهل هذا خروج؟ الخروج يكون عندما السلطان عادل ويقيم الشرع، فلا يجوز للانسان ان يخرج على هذا السلطان، اما اذا ثارت الامة، فالامة هي صاحبة الشأن شرعا، كما قال ابو بكر وعمر بأن المسلمون اهل الحل والعقد.
وكذلك الحال في سوريا الجريحة، الذي لا نجد لها معينا الا الله سبحانه وتعالى، لا منظمة المؤتمر الاسلامي، ولا جامعة الدول العربية، القتلى بأعداد هائلة، وهناك انشقاقات بالجيش وتصادم، وكل يوم يقتل من الجنود المنشقين بالعشرات حينما يتمردون، وهم يستغيثون بالله سبحانه وتعالى فلا نملك الا القنوت والدعاء لهم، وأقول هنا يجب على الجيش السوري، وبقايا الجيش اليمني أن يحموا الشعب المظلوم ويقفوا معه، ولا يجوز لهم الوقوف مع الظالم المجرم القاتل “فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق” . وبهذه المناسبة نبدي تأسفنا لموقف روسيا والصين، لاستعمالهما حق الفيتو في الامم المتحدة ضد قرار ادانة العنف المفرط في سوريا، وكنا نود ان تقف مع الشعوب المظلومة وليس مع النظام الظالم، ونحن نرى ان روسيا والصين تخسران شعوب المنطقة بسبب دعمهما للانظمة الظالمة، وابتعادهما عن شعوب المنطقة، ظنا منهما انهما بذلك يحميان مصالحهما المادية، فكان المفروض منهما ان يقفوا مع المبادئ الانسانية بدلا من المصالح الآنية، كما اننا نتوقع ان مصالحهما الحقيقية مع الشعوب، حيث يخسران في المستقبل هذه المصالح كلها لأن العاقبة للشعوب الثائرة، والنهاية للأنظمة الجائرة . والله المستعان.