أيها الإخوة المؤمنون
اليوم نعيش معكم مع حديث صحيح يوضح لنا آثار التوعية الجماعية، والوعي الجماعي، ويبين لنا أهمية كل فرد في هذه الأمة، في حماية أمته، وفي حماية مجتمعه، وفي حماية دستوره المتمثل في القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة.
هذا الحديث الصحيح يرويه لنا الإمام البخاري وغيره بسندهم عن النعمان بن البشير ( مَثَلُ القَائِم في حُدُودِ اللَّه والْوَاقِع فيها، كَمثل قَومٍ اسْتَهَموا على سَفِينَةٍ، فَأَصابَ بَعْضُهم أعْلاهَا، وبعضُهم أَسْفلَهَا، فكان الذي في أَسفلها إذا استَقَوْا من الماء مَرُّوا على مَنْ فَوقَهمْ، فقالوا: لو أنا خَرَقْنا في نَصِيبِنَا خَرقاً ولَمْ نُؤذِ مَنْ فَوقَنا؟ فإن تَرَكُوهُمْ وما أَرَادوا هَلَكوا وهلكوا جَميعاً، وإنْ أخذُوا على أيديِهِمْ نَجَوْا ونَجَوْا جَميعاً ) والحديث له مجموعة من الروايات.
والحديث يجسد لنا الأمة الإسلامية والمجتمع الإسلامي الذي هو بمثابة السفينة، وهذه السفينة يقودها مجموعة من المهرة ومعهم مجموعة من الحراس والقادة، وهم في أعلى السفينة، والأمة في مجموعها، عامة الناس، الذين منهم من هو سيء النية، ومنهم من هو حسن النية، ممثلون بمن يعيش في أسفل هذه السفينة.
وهؤلاء القادة يمثلون في الأمة المسؤولين والحكام والعلماء وأصحاب الفكر وأصحاب الأقلام والمصلحين، وكل من فيه قدرة على الحماية، سواء كانت قوة مادية أو قوة معنوية، هؤلاء هم من يمثلون من يعيشون فوق السفينة سواء كانوا هؤلاء قبطاناً أو قواداً يقودون السفية أو حراساً أو من شابههم.
هؤلاء الذين هم في الأسفل هم عامة الناس وهؤلاء لما كانوا يصعدون لأخذ الماء من البحر ويسحبون منه فكان لا بد لهم أن يمروا على هؤلاء من يعيشون في أعلى السفينة، وقالوا: نحن نؤذي هؤلاء ولا ينبغي ونحرج أنفسنا، فلماذا لا نخرق خرقاً في نصينا بحسن النية. ولكن يترتب على ذلك غرق هؤلاء القادة والحراس وهؤلاء أنفسهم فيهلكون جميعاً. ولكن إذا منع هؤلاء من قبل القادة وقاموا بتوعيتهم: بأن هذا صحيح من نصيبكم ولكن هذا ليس من حقكم، نجوا ونجا كل من كان في السفينة جميعاً.
يبين الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته أنهم ثلاثة أقسام:
القسم الأول هم القائمون على حدود الله، أي الذين يحافظون على الأوامر ولا يرتكبون المحرمات ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ولديهم هذا الإحساس الجماعي، الإحساس بالمسؤولية، ولديهم الوعي الجماعي ويحسون بهذه المسؤولية، ويتربصون بأي مشكلة تحدث، وبأي نار تبدأ يطفئونها، لأنه كما يقال معظم النار من مستصغر الشرر.
القسم الثاني: هؤلاء الذين لا يهمهم أنهم واقعون في المنكرات، يريدون الشرور، ويرتكبون المحظورات، ولا يقومون بطاعة الله سبحانه وتعالى لا في العبادات ولا في المنكرات ولا يأتمرون بالمعروف ولا ينتهون عن المنكر .
القسم الثالث: هم العاديون الذين لا همّ لهم، صحيح أنهم يصلون ويصومون ولكن ليس لديهم هذا الإحساس بالوعي الجماعي. هؤلاء حسبهم الرسول صلى الله عليه وسلم في النتيجة مع من يعيش في الأسفل رغم أنهم يصلون وينهون داخل أنفسهم بالمنكر، ولا يعملون المنكرات ولكنهم ليس لديهم الشعور بالمسؤولية، ولا الأمر بالمعروف.
المجموعات الثلاث صورهم النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الصحيح الجامع وبين أن هؤلاء يقفون فوق سفينة الأمة الإسلامية أو نستطيع أن نقول سفينة الإنسانية أيضاً، لأن العالم كله أصبح اليوم قرية واحدة، فأي مشكلة في العالم تكون آثارها على بقية العالم، ولكن هذا الحديث مخصص في العموم للأمة الإسلامية التي يجب على القادة والعلماء والمفكرين وأصحاب الأقلام والإعلاميين- سواء كانوا صحفيين أو من يعمل في التلفاز وفي وسائل المسرحيات والأفلام – كل هؤلاء داخلون في محل القيادة أو يكونون حول القيادة في التوجيه والتأثير، وكل من له تأثير، هؤلاء ضمهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى طبقة واحدة لكنها تتنوع إلى طبقات مختلفة منهم الحاكم ومنهم دونه.
بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن مصلحتنا مشتركة، وأن المشاكل كذلك، والمصائب مشتركة أيضاً، وأن المشاكل تأتي إذا قصر من هم في الأعلى في المسؤولية، وحينئذ تحدث الفتنة، وإذا حدثت الفتنة لا تفرق بين المصلح وبين المفسد ( وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً واتقوا الله وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) الفتنة لما تنزل لا تصيب الضعفاء فقط وإنما المجتمع ككل.
انظر إلى ما يحدث في سوريا أو اليمن أو ليبيا، هذا كله بسبب الظلم، وعدم الإحساس بالمسؤولية، وبسبب صنف آخر من الناس الذي لم يذكره النبي صلى الله عليه وسلم: وهم سيئوا النية، لأن سيئي النية لا يدخلون في الأمة، ولا نقول إنهم كفرة، ولكنهم ليسوا من جسد الأمة، لأنهم يضرون بالأمة، والرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث يذكر هؤلاء الثلاثة القادة والشعب ومن الشعب منكرو السيئات ولكنهم ليسوا سئي النية بل كانت نيتهم طيبة ولم يريدوا إيذاء من يعيشون فوقهم، ولو كانت نيتهم سيئة كما يحدث اليوم فهؤلاء خارجون عن سفينة الإسلام، ولا أقول كفرة، لأن هناك فرق بين السفينة التي تتبع وتتحرك بالأمة الإسلامية وبالإسلام وبين مسلم يسمى مسلماً، لأنه لا يجوز لنا أن نكفر من يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .
وإذا أضفنا الصنف المنتشر اليوم من سيئي النية إلى الأصناف الثلاثة الموجودة على السفينة فكيف تصل السفينة إلى بر الأمان ؟
بل السفينة تغرق وبشكل فظيع كما هو الحال اليوم، لذلك كل ما يحدث في عالمنا اليوم في مجال السياسة أو الفكر يعود إلى هذا الحديث النبوي الشريف
والرسول صلى الله عليه وسلم بين الخطورة الكامنة إذا لم يقم هؤلاء بواجبهم ولو وجد القادة المحترمون والعلماء الربانيون والناس الطيبون وإذا لم يكونوا الأكثرية فالهلاك يصيبهم، لأن المهم هو منع الاعتداء على هذه السفينة، ومنع اختراق هذه السفينة فإذا لم يستطعوا أن يمنعوا هؤلاء عن اختراق السفينة فإن المصيبة قد حلت بهم مهما كانوا ولذلك سيدتنا عائشة تقول عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم، متحدثاً عن جيش ثم يهلكهم الله تعالى فتقول: “أنهلك وفينا الصالحون” قال: “نعم، إذا كثر الخبث”.
والرسول صلى الله عليه وسلم حذرنا من عدم الإحساس بالمسؤولية وخطورة عدم الإحساس بها فمن يقول عندما يُسأل: لم لا تأمر بالمعروف ولا تنهَ عن المنكر؟ فيجيب بأنه كل واحد يدخل في قبره. هذا الكلام صحيح في ظاهره ولكن يريد به الباطل لأننا كلنا مسؤولون بقدر الإمكان عن أمتنا فالفرد لا يستطيع أن يعيش وحده حتى فردات السبحة أو الدرر حينما تنظم في عقد تقيد ولا تستطيع أن تتحرك كما هو كفرد وهكذا الأمة لها قيود وضوابط لا يجوز لها أن تتحرك إلا في المجال المحدود له وهو مجال واسع .
التربية على الوعي الجماعي ضروري وأن نعلم أبناءنا من الصغر بأنهم جزء من هذه الأمة وجزء من هذه المسؤولية ولا يجوز أن نتخلى عن هذه المسؤولية بأية وسيلة من الوسائل وبأية طريقة من الطرق ولذلك حذرنا الرسول صلى الله عليه وسلم من هذا الوضع ويقول سيأتي زمن على أمتي يتركون أي الناس الأمر بالمعروف ويتركون النهي عن المنكر فقال الصحابة أو كائن ذلك، لمْ يتصور الصحابة أن يأتي يوم أن يأمر المسلمون بالمنكر ولا ينشرون المعروف.
(” كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا لَمْ تَأْمُرُوا بِالْمَعْرُوفِ ، وَلَمْ تَنْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ ؟ ” ، قَالُوا : وَكَائِنٌ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ ، قَالَ : ” نَعَمْ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ وَأَشَدُّ مِنْهُ سَيَكُونُ ” ، قَالُوا : وَمَا أَشَدُّ مِنْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ ، قَالَ : ” كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا رَأَيْتُمُ الْمَعْرُوفَ مُنْكَرًا ، وَرَأَيْتُمُ الْمُنْكَرَ مَعْرُوفًا ؟ ” وتتمة لبعض الآثار وحينما يصبح الحق باطلاً والباطل حقاً. فحينما أنت تدعم الباطل وتؤيده وترى الباطل ولكنك تجعله حقاً وهكذا تقف مع الباطل وتجعله حقاً وترفض الحق وتجعله باطلاً هذا أشد ما يكون على هذه الأمة حينئذ تخترق السفينة ليست من جانب واحد وإنما من جوانب كثيرة.
نحن المسلمون وبعض الحكام والإعلاميون منا لم يقفوا عند حد الجانب السلبي والعدمي بأنهم لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر وإنما أمروا بالمنكر ونهوا عن المعروف وجعلوا الحق باطلاً والباطل حقاً ودعموا أهل الباطل ضد أهل الحق كما حدث في مصر واليمن فما يحدث الآن مخاطر كبيرة تهدد العالم بشكل غريب جداً وهو من الناحية الشرعية انقلاب غير شرعي على سلطة اتفق عليها الجميع كما يسمى في الفقه الإسلامي بالبغاة فهم بغاة في نظر الشرع بغوا على هذه السلطة وبغوا على هذا الشعب وهم أقلية وحتى لو كانوا أكثرية وبغوا على سلطة قائمة معتمدة من الداخل ومن الخارج ومنا من يدعمهم ظناً منهم أن هناك عدو آخر أخطر من هذا.
ما ترك الرسول صلى الله عليه وسلم أمته قبل موته إلا وبين لهم الطريق إلى يوم القيامة وأوضح لهم حتى قضايا بعض الأمور الجزئيات وعلى سبيل المثال مما بينه يقول أبو سعيد الخدري: “بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَهُوَ يَقْسِمُ قِسْمًا؛ أَتَاهُ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْدِلْ! فَقَالَ: (وَيْلَكَ! وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ، قَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ) فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي فِيهِ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ، فَقَالَ: (دَعْهُ فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ، يُنْظَرُ إِلَى نَصْلِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى رِصَافِهِ فَمَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى نَضِيِّهِ – وَهُوَ قِدْحُهُ – فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى قُذَذِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، قَدْ سَبَقَ الْفَرْثَ وَالدَّمَ، آيَتُهُمْ رَجُلٌ أَسْوَدُ إِحْدَى عَضُدَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ أَوْ مِثْلُ الْبَضْعَةِ تَدَرْدَرُ، وَيَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنْ النَّاسِ) قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَأَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَاتَلَهُمْ وَأَنَا مَعَهُ، فَأَمَرَ بِذَلِكَ الرَّجُلِ فَالْتُمِسَ فَأُتِيَ بِهِ حَتَّى نَظَرْتُ إِلَيْهِ عَلَى نَعْتِ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – الَّذِي نَعَتَهُ”
إذاً إشكاليتنا نحن لا نتبع ديننا وإنما نأخذ بأهوائنا كما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه.
الخطبة الثانية
مما يجب بيانه وذكره أننا يجب علينا جميعاً أن نعيد النظر في تربيتنا وأن نعيد في الوسائل التي تربي أبنائنا في المدارس والجامعات وعلينا أن نعيد النظر في مناهجنا التربوية من الروضة والمدرسة إلى الجامعة فلا تربي الأمة ولا الشعب على على الإحساس بهذه المسؤولية وأنك تضحي مهما كان في سبيل أخيك لأن التضحية في الأساس هي الإحساس بالمسؤولية هؤلاء يتعبون في سبيل تحقيق مصلحتهم الخاصة ولكن في سبيل الجماعة.
فهذه التربية على المصالح الكلية والمصالح العامة والتضحية في سبيل الله ثم في سبيل الأمة تربية ضرورية ولكن مناهجنا وحتى خطبنا لا تبني هذا الجانب فمعظم الخطب تدخل في قضايا الفرعيات وربما تتحدث عن الجزئيات بينما الناس يجتمعون يريدون الاستفادة خلال هذه الساعة من الأسبوع .
المسؤولون عليهم المسؤولية بأن يوجهوا الأمة كل الأمة وكل بقدره وكل مسؤول بقدره فالآن نحن مسؤولون أمام أولادنا أن نربيهم على التضحية في سبيل المصالح العامة ومصالح الأمة، فحينما تكون الأمة آمنةً يكون الفرد آمناً وحينما تكون الأمة مزدهرة توجه الفرد نحو الازدهار وهكذا لأننا جزء من هذه الأمة.
ونحن إذ نحمد الله على هذه النعمة الذي أكرمنا في هذا البلد العزيز ونسأله المزيد من الأمن والاستقرار نرى في مناطق يخافون الموت من البرد والثلج ويخافون متى تأتيهم البراميل والقنابل، الخوف يحيط بالأمة الإسلامية من كل جوانبها.
فواجبنا كبير أمام أمتنا وأمام الأجيال اللاحقة وليبدأ الفرد لأن الجماعة القوية تتكون من أفراد أقوياء ومن الجماعة القوية يتكون المجتمع القوي والمجتمع القوي هو الأمة القوية ولذلك يقول رب العالمين ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ) فهذه الخيرية ليست بالعرق، وبين الله أنه أخرجنا لخدمة الناس وأن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر قبل الإيمان لأن القضية هنا هي قضية الخيرية للأمة فالعبادات تصنع منك خير إنسان ولكن البعادات لا تصنع منك خير الأمم والذي يجعلنا خير الأمم الإحساس بالمسؤولية مع العبادات.