بسم الله الرحمن االرحيم

أيها الإخوة المؤمنون

إن النصوص العظيمة من الكتاب والسنة مهما كانت مركزة على مسألة التغيير، فإن هذه العقيدة وتلك النصوص تبقيان في إطار النظرية والأقوال وربما في مجال العقيدة واليقين، ولكنها تحتاج أبداً الى حركة وعمل وتطبيق.

 والتطبيق هو الأثر الحقيقي لتلك العقيدة الصحيحة، والسلوكيات الجديدة في كل مجالات الحياة، العبادة والأعمال،  وفي نطاق الإبداع والعلوم والفنون، في كل هذه الأمور نحتاج الى عمل وتطبيق، بل إن التغيير لا يكون مؤثرًا تأثيرًا عظيمًا إلا إذا تحول إلى ثقافة داخلية يحس الإنسان من خلالها بضرورة التغيير، ويحاسب نفسه على كل صغيرة وكبيرة إذا لم تكن محققة للتغيير الإيجابي، حتى يغير هذه الصفة، وحتى يغير ذلك الطبع، ويصبح فعلًا داخلاً في سنن الله تعالى فيما تحققه سنة التغيير من التقدم والرقي والتحضر، ومن تحقيق الأخلاق والقيم السامية.

بهذه السلوكيات تصبح الأمة خير أمة أخرجت للناس، (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)، هذه الشهادة ليست قائمة على الاسم، وإنما هي قائمة على الوصف والتحقيق، وحرف اللام في كلمة “للناس” للمنفعة، أي لمنفعة الناس وخدمهتم وتصبحون قدوة لهم.

إن ديننا يشتمل على نصوص كثيرة في كل مجالات التغييير بحيث لا نحتاج  فيها لا إلى منهج آخر، ولا إلى قول حكيم آخر، وإنما تكفينا آيات الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ولكن هذه هي المرحلة الأولى، وأما المرحلة الأساسية، والمرحلة الحقيقية للتغيير، هي أن تتحول هذه النصوص إلى حقائق، فإن لكل شئ حقيقة، وحقيقة الإيمان أن يكون مؤثرًا في كل ما تفعله.

يأمر الله سبحانه وتعالى ويطلب من الذين آمنوا أن يؤمنوا كما في سورة النساء (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ ۚ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا)، وحينما تطلق كلمة آمنوا وهي فعل متعد، أو فعل يحتاج إلى متعلق من غيره، يراد منها العموم الشرعي، أي يا أيها الذين آمنوا بالله و ورسله وكتبه وملائكته واليوم الآخر، آمنوا بالله ورسوله …  فيكون المراد من الآية أن لفظ الإيمان الأول يراد به التصديق القلبي والقول باللسان، أي يا أيها الذين آمنتم بقلوبكم واعترفتم بألسنتكم بالله ورسوله، آمنوا أي فعّلوا وحرّكوا إيمانكم، واجعلوا إيمانكم محرّككم كما تؤمنون به، فما قيمة الإيمان إذا لم يكن محرّكاً، وما قيمته إذا لم يكن مؤثراً في النفوس، دافعاً للخير، مانعاً عن الشرور والسيئات. وإلا فيكون الإيمان مجرد قول يقال، أو مجرد عقيدة يعتقدها الإنسان، فحينما تتصرفون اذكروا أن الله يرعاكم وأنه هو الذي يعلم بكل أسراركم وبكل ما في قلوبكم بل هو يراكم .

فإذا كان إيمانك حقاً بأن الله قد كتب لك رزقك، وكتب لك أجلك، وكتب لك كل شئ أساسي في حياتك وأنت في بطن أمك، فكيف تخاف! بل تأخذ بالأسباب لأن الله أمرك بذلك، وبالتالي لا ترتكب المنكرات.

:ورسوله” … وهكذا الإيمان بالرسول ومحبته في اتباعه وسنته، وإلا فما قيمة هذه المحبة اذا لم تتحول الى واقع.

“والكتاب”… ليس هناك من مسلم إلا وهو يقرأ على أقل تقدير سورة الفاتحة وبعض الصور، فلو اكتفيت بسورة الفاتحة وآمنت بهذه السورة، ونفذتها في نفسك، لما استطعت أن تفعل المنكر، حينما تحمد الله سبحانه وتعالى (الحمد لله رب العالمين )، وتؤمن أن النعم كلها لله سبحانه وتعالى وليس للبشر، إذاً يرتبط قلبك بالله سبحانه وتعالى وحينما تقول ( إياك نعبد وإياك نستعين) أي أعبدك فقط ولا أطلب العون إلا منك.

 ولذلك يقال: إن أحد المفسرين الكبار، اعتكف على تفسير القرآن الكريم أكثر من عشر سنوات القرآن الكريم في 30 مجلداً، ثم أخذه ليهديه إلى أحد الخلفاء العباسيين، وفي الطريق التقت به امرأة عجوز فقالت: أين تذهب. قال: لقد ألفت كتاباً في التفسير وأذهب الى الخليفة لأهديه. فضحكت المرأة العجوز، وقالت: والله إنك ما فسرت القرآن، وما فسرت سورة الفاتحة. قال: كيف. قالت: هل فسرت قول الله سبحانه وتعالى (إياك نعبد وإياك نستعين)؟ قال: نعم. قالت: إذاً ما فهمتها، فلو كنت فهمت هذه الآية لكنت تهديه لله سبحانه وتعالى وليس للخليفة، وكنت تخلص النية لله، ولا تبتغي بالتفسير جاهاً ولا مالًا. فبكى الرجل المفسر وعاد الى بيته ثم أخلص النية لله، وبدأ مرة أخرى يكتب تفسيره لله وأصبح تفسيره شائعاً بين المسلمين اليوم بالإخلاص الثاني وليس بسبب ما أراد أن يأخد من حطام الدنيا.

التغيير هي حقيقة التغيير وليس النصوص، النصوص تساعد على التغيير (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم)، وما قال الله حتى يقرءوا القرآن، أو حتى يقرءوا السنة المشرفة مع أهميتهما، بل قال حتى يغيروا ما بأنفسهم، وكلمة غيَّر من باب فعّل يراد به التكثير والتفرق أي التغيير جزئية جزئية.

والتغيير المطلوب ليس التغيير في الواجهات والديكورات أو في اللبس وفي المظاهر، ولكن الحقيقة الكلية هي أن نغيير النفس من داخلها جزئية جزئية، نحولها من الطمع إلى القناعة، ومن التكبر إلى التواضع، إلى آخر ما يلزم من تحويل الصفات المذمومة إلى الصفات المحمودة .

نحن نحتاج إلى وقفة، حتى تؤثر فينا تلك النصوص وتحركنا إلى التغيير! إننا نحتاج الى منهجية الرسول في التربية، وهي الاهتمام بالتطبيق وليس بكثرة النصوص فقط، ولذلك يقول ابن عمر في حديث صحيح : ما كنا نتلو عشر آيات وما كنا نتجاوزها إلا بعدما وعيناها وفهمناها وطبقناها ثم انتقلنا إلى آيات أخرى.

فالمنهجية القائمة على التطبيق هي الأساس في التغيير، وقد التقيت بوفد من المسلمين الجدد من المفكرين والمستشرقين سنة 1975 في مِنى فسألتهم كيف وجدتم الإسلام؟ فقال أحدهم: فهمنا القرآن ودخلنا الإسلام ونحن اليوم نشكر الله سبحانه وتعالى على أننا أسلمنا قبل أن نرى أحوال المسلمين. وقال أحدهم: أعجبني أن القرآن الكريم وقد نزل في بيئة صحراوية ليس فيها كثير من المياه، ومع ذلك تنزل الآيات الكريمة وتفرض الوضوء للصلوات الخمس والغسل الواجب والمسنون ويذكر المتطهرين مع التوابين ( إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) وهذا قبل 0140 سنة، بينما في المقابل تدعو بعض الأفكار البشرية ـ مع كثرة المياه في بلدانهم ـ إلى المنع من استعمال الماء في التطهر.

وقال أحدهم: أعجبني في القرآن والسنة النبوية احترام العهود والوعود وقدم القرآن الكريم صدق الوعد على الرسالة في أكثر من مرة ( إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبياً) بالإضافة إلى كثير من الآيات، منها: (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولًا) والسنن النبوية الشريفة تجعل مخالفة الوعد والعهد علامة من علامات النفاق ولكني وجدت قلة قليلة من المسلمين يطبقون هذه المواعيد والعهود.

وذكروا كثيراً من هذه المفارقات العجيبة بين المسلمين وبين نصوص القرآن والسنة التي لا نحس بها . فإذا أردنا التغيير علينا أن نقوم بثورة داخل النفس لتغيير السلوكيات في كل مجالات الحياة.

الخطبة الثانية

إذا طبقنا مبدأً عظيماً أو جزئية من إسلامنا العظيم، وهو مبدأ الأخوة الإيمانية ( إنما المؤمنون إخوة) والتي أكدها القرآن وطبقتها السنة النبوية الشريفة من خلال مؤاخاة المهاجرين والأنصار ولم تكن التربية طويلة الأمد، فقد أرسل النبي  مصعب بن عمير وبعض الصحابة قبل الهجرة بسنة أو سنتين؛ هيئوا الأجواء وغيروا النفوس من الأنانية والجاهلية والعصبية إلى الأخوة الإيمانية، فصار بعد هذا التغيير بلال الحبشي رأساً من الرؤوس وصهيب الرومي رأساً من الرؤوس ثم يتآخى الجميع الأنصار مع المهاجرين ويريد الأنصاري أن يقدم كل ما عنده لأخيه المهاجر ويؤثره على أنفسه.

ونـأتي بهذه الصورة الجميلة العظيمة إلى واقعنا الحالي، والله إن قلوبنا تتقطع حينما نرى ما يحدث في سوريا، فسوريا أهل الكرم والفضل ونفوسهم طيبة، هؤلاء الآن مشردون ولا يجيدون مأوى، وتطاردهم الشبيحة والقوات، ونرى في وسائل الإعلام عمليات التعذيب والقتل، أفلا يرى هؤلاء الحكام هذه الصور حتى يندفعوا دفعة واحدة لنجدة هذا الشعب؟ وأين دورنا؟ وأين الأخوة؟ أين (ويؤثرون على أنفسهم)؟ سوريا تحتاج اليوم الى إغاثتنا وإلى أموالنا ومواردنا، وإلى دعائنا وتضرعاتنا، إلى إحساسنا بمآسيها. وأخاف أن يحاسبنا الله على تقصيرنا مهما فعلنا، ولم نفعل الكثير. أيعقل ـ مع كثرة مواردنا ـ أن يكون هناك شعب جائع يذل في المخيمات! علينا أن نتجاوز الزكوات من الأموال، هذا أدنى الحقوق، بل يجب أن يتجاوز ذالك وأن نؤثر بالنصف والثلث والعشر والجزء من أموالنا، ولابد أن يكون هناك عمل حقيقي نرضي به الله سبحانه وتعالى.

وفي فلسطين يحاول العدو الصهيوني من القضاء والسيطرة على معظم أراضي القدس الشريف والضفة والعالم ساكن. وما يحدث في عراقنا الحبيب وإخواننا السنة يطالبون بحقوقهم ولا يريدون أكثر من العدل والمساواة. وما يحدث في مصر كيف يُضيق على مصر حتى تدفعه إلى القرض من صندوق القرض.

 الذي يحدث أن هناك دولاً مع الأنظمة المستبدة وتحارب معها وبكل إرادتها وقوتها ولا تريد أن تنتصر الثورة في سوريا ولا حتى المقاومة في فلسطين مادام وراءها الإسلاميون، والدول المساندة لحق الشعوب والثورات قلة منها قطر وتركيا.  والله المستعان.