قال د. علي القره داغي، الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ورئيس المؤتمر العالمي لميثاق الأسرة في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، أمس الأحد: كل أملنا أن نصل إلى مشروع ميثاق يجمع الأمة الإسلامية (بل الإنسانية) حول موضوع الأسرة، والمرأة؛ ليكون موازياً لاتفاقية “سيداو”، بحيث تعتمده الدول الإسلامية، بل الدول التي تريد الحفاظ على تماسك الأسرة وقوتها، ولذلك راعينا في مشروع الميثاق أن يكون عاماً محافظاً على التواريث الأساسية للأسرة في الإسلام مبتعداً عن التفاصيل الخلافية.
وذكر أنه بعد الانتهاء من المؤتمر سيتم إدخال الملاحظات الجوهرية على الميثاق، ثم طباعته، وإرساله إلى الجهات المسؤولة عن الشريعة والأسرة في البلاد الإسلامية، ثم طباعته باللغات العربية والتركية والإنجليزية والفرنسية، وتسليمه إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان باعتباره سيكون رئيساً لقمة منظمة التعاون الإسلامي القادمة، آملاً أن يقر الميثاق في منظمة التعاون الإسلامي، ثم وضعه في الأمم المتحدة.
أهمية المرأة في الإسلام
وبدأ القره داغي حديثه حول أهمية الأسرة في الإسلام؛ باعتبارها المكونة الأولى، واللبنة الأساسية، وأنها بمثابة القلب من جسد الأمة إذا صلحت، وتطورت، وتقدمت، وتحضرت، فقد صَلحت الأمة، وأن الشريان النابض لهذا القلب (أي الأسرة) هي المرأة؛ وبالتالي فإذا أردنا أن نصلح الأمة ونطورها فما علينا إلا البدء بتكوين الأسرة السليمة، القوية، العالمية، والواعية والهادية، والهادئة، الصادقة، وأن مفتاحها بيد المرأة، وإن كان للرجل درجة الإشراف العام.
وأكد أنه نظراً لهذه الأهمية أولى الإسلام كل هذه العناية المعروفة بالأسرة، مشيراً إلى أنه للسبب نفسه يحاول الأعداء والجهلة تحطيم الأسرة وتفكيكها، أو إضعافها من خلال الإخلال بتوازنها، سواء عن طريق دور المرأة، أو دور الرجل.
وقال الأمين العام لاتحاد علماء المسلمين: لا توجد قضية على مرّ التاريخ تعرضت للإفراط والتفريط مثل قضية المرأة، فلو قرأنا الحضارات السابقة لوجدنا فيها خللاً كبيراً في النظرة والتعامل مع المرأة إفراطاً وتفريطاً، فلا يخفى على حضراتكم مواقف الحضارات الرومانية والإغريقية، حتى الفلاسفة الإغريق، واليونان، والحضارة الساسانية، والهندية، والجاهليين العرب.
وأشار إلى أن الإسلام جاء في ظل كمٍّ هائل من التراكمات الجاهلية، وترسبات الحضارات السابقة، التي كان معظمها تفريطاً لحقوق المرأة، وهضماً لها، وتنقيصاً من كرامتها وأوصافاً خطيرة وضعوا لها المرأة؛ لذلك اتجه القرآن الكريم إلى تصحيح هذه المفاهيم، وإذابة هذا الجليد السميك من خلال تصحيح المفاهيم، ومن خلال جعل المرأة هي الشق الثاني للرجل (الزوج)، وأنها هي الأصل المكمل لأصل الرجل؛ فالجميع يرجع إلى آدم وحواء، وهما من جنس واحد.
متسائلاً في هذا السياق: إذن كيف يمكن أن يكون نصف جنس سيئاً، ونصفه الآخر طيباً؟!
مؤكداً أن هذا الأسلوب غير المباشر تكرر في القرآن الكريم لإثبات هذا الأصل، ولتصحيح هذا الفهم المغلوط، وكذلك تصحيح المفاهيم حول اتهام المرأة بأنها السبب في خروج آدم (عليه السلام) من الجنة، وأنها السبب في الخطيـئة الأولى، كما عبر عن ذلك العهد القديم والعهد الجديد، وإذ بالقرآن في عدد كبير من الآيات تثبت الخطيئة إليهما معاً، ثم تثبت الخطيئة لآدم بأنه هو الذي عصى، فقال تعالى: (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى {121} ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى {122}) (طه)، موضحاً أن القرآن يصحح المفاهيم أولاً بأول، ليصل إلى إثبات الحقوق المتكاملة، ولتحقيق المساواة العادلة، القائمة على التوازن، والتكامل الذي عليه جميع خلقه الموزون.
المرأة في العصر الحاضر
وذكر القره داغي أنه في عصرنا الحاضر ازدادت قضية المرأة إثارة، وإفراطاً، وتفريطاً؛ ففي عالمنا الإسلامي اختلطت التقاليد والأعراف بمبادئ الدين وأحكامه، والتبست الاجتهادات الفقهية المناسبة لعصرها مع مبادئ الشريعة ومقاصدها العامة، فوُجد ظلم وحيف بحق المرأة في بعض الأحيان، ولذلك طلب الرسول صلى الله عليه وسلم التجديد لهذا الدين، وذلك بحذف ما أدخل في الدين مما ليس فيه، أو ليس من صميمها؛ “إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها”، حيث لم يقل: “دين الإسلام”، وإنما قال “دينها”؛ أي ما دانت به الأمة وأدخلته في الدين وليس منه قطعاً، كالبدع المحرمات، أو ما كان منه اجتهاداً قابلاً للتغيير، فلا يجوز حصر الدين فيه.
مؤكداً أنه حدث انقلاب على الفكر الديني منذ الثورة الأوروبية ضد تدخل الكنيسة، وأطلقت الحرية، وعمل الصهاينة والعلمانية على تفكيك أوروبا، فوصلت إلى ما وصلت إليه من الانقلاب على الفطرة مثل الشذوذ الجنسي، وما سماه الله تعالى بتغيير خلق الذي فسرّه ابن عباس وغيره بتغيير الفطرة السليمة والدين الحنيف.
موضحاً أنه أمام هذه الأوضاع تقع علينا المسؤولية الكبرى أمام أمتنا وديننا، بل أمام الإنسانية لإنقاذها من هذه المشكلة الكبرى ومن هذه التحديات المقصودة.