أعلن المؤتمر العالمي الأوَّل حول “التعليم الشرعي وسبل ترقيته”، المنعقد في المدَّة ما بين 8 – 10 رجب 1437 هـ الموافق 15 – 17 مايو 2016م، في العاصمة القطرية الدوحة، عن تشكيل “مجلس عالمي لتطوير العلوم الشرعية”.

وأوضح المؤتمر الذي نظمه الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وحضره لفيف من العلماء والأكاديميين والباحثين والمختصين في مجالات التعليم الشرعي، والتعليم وجودته بشكل عام، أنَّ هذا المجلس سيكون “مستقلاً” مرجعيته الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين. و”دائماً” يواصل عمله بصفة مستمرة. و”عالمياً” يجمع في عضويته وفي مجال عمله أقطار العالم الإسلامي والأقليات الإسلامية في العالم. و”متخصّصاً” يجمع في عضويتها وفي مجال عمله المتخصّصين في مختلف علوم الشريعة مع المتخصصين في التربية والمناهج وطرق التدريس والتقنية ونحوها. و”شاملاً” يتناول بالبحث والدراسة والتطوير جوانب العملية التعليمية المختلفة ويشمل: المعلم، الطالب، المناهج، المقررات، وسائل التعليم والتقييم.

الجلسة الافتتاحية..

في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، قال الشيخ الدكتور علي القره داغي، الأمين العالم للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين: “إنَّ الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين لا يسعى من هذا المؤتمر إلى مجرّد إثارة إعلامية، وإنّما يريد أن يحقّق فعلاً الوصول إلى مشروع علمي وعملي مرن قابل للتطبيق في كل دولة، بحيث يضمّ الخطوط العامَّة دون الخوض في التفاصيل”.

وأكَّد أنَّ مناهج وبرامج معظم المدارس الشرعية لم ينلها التطوير منذ عدَّة قرون، ولا زالت تعيش على الكتب القديمة دون التجديد. وأوضح أنَّ الأمَّة يوم توقّفت عن التجديد والإبداع بدأ العد التنازلي لحضارتها العظيمة، ويوم بدّلنا إبداعنا المادي بالابتداع الديني والخوض في الغيبيات والانشغال بالجزئيات فقدنا العقل الكلي المقاصدي المبدع فتأخرنا وتخلفنا عن الحضارات، فتلك سنة الله القاضية في الأمم.

159161_0

الدكتور القره داغي: “كلنا أمل في الوصول إلى مشروع علمي شامل يتحقق به الارتقاء بتعليم العلوم الشرعية من خلال بيان المنهج والبرامج والأهداف والمقررات التي تجمع بين الأصالة والمعاصرة”.

وقال الدكتور القره داغي: “وكلنا أمل في الوصول إلى مشروع علمي شامل يتحقَّق به الارتقاء بتعليم العلوم الشرعية من خلال بيان المنهج والبرامج والأهداف والمقرّرات التي تجمع بين الأصالة والمعاصرة “.

وألقى الأستاذ الدكتور عبد المجيد النجار كلمة اللجنة المنظمة نيابة عن رئيسها أ.د. أحمد الريسوني، مبيّناً عناية الاتحاد بالارتقاء بالتعليم الشرعي منذ تأسيسه، وهذا المؤتمر خصّص لهذا الجانب، مؤكّداً على أنَّ البحوث البالغ عددها (17) بحثاً تدور حول التجارب العملية والمشروعات الفكرية للوصول إلى مشروع متكامل .

ثمَّ جاءت كلمات ممثلي الضيوف من الجزائر، وتركيا، وأوروبا، شاكرة لدولة قطر، وللاتحاد العالمي للعلماء المسلمين لأجل عقد هذا المؤتمر المهم .

وألقى الدكتور غيث بن مبارك الكواري وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، كلمة أكّد فيها أنَّ دولة قطر تهتم بالعلم والعلماء، وأنَّها منذ تأسيسها قامت على العلم واحترام العلماء وبخاصة علماء الشريعة .

وكان ختام الجلسة الافتتاحية، بكلمة العلاّمة الشيخ يوسف القرضاوي، حيث ذكر فيها تجربته الشخصية مع التعليم الشرعي، وقال: “بدأت أدرك أهمية تطوير وترقية التعليم الشرعي منذ كنت في كتّاب القرية وانتقلت إلى المدرسة وأدركت الفرق بينهما من حيث الإمكانات والتنظيم والتخطيط وطرق التدريس…”. مؤكّداً على ضرورة جمع الأمَّة على ما يحفظ ذاتها ويحقق نهضتها، وأهمية تطوير المنهج والمقررات، والبرامج والطالب والمعلمين، وضرورة تعليم اللغة العربية بقوَّة وكذلك تعليم اللغات الأجنبية لطالب العلم الشرعي، وتعليمه مبادئ العلوم (الأحياء والفيزياء والرياضيات …) حتى لا يبقى طالب العلم الشرعي جاهلا بالعلوم.

العلاّمة القرضاوي: “نحتاج إلى تجديد مصادر التدريس ومناهج التدريس ومضامينها الدروس وعدم الجمود على كتب أو طرق موروثة من قرون قد لا تصلح للتدريس اليوم”.

وشدّد العلاّمة القرضاوي بالقول: “علينا أن ندخل على العلم الشرعي في كل مرحلة ما لا بد منه، وفق ما يقتضيه العلم الشرعي وما يقتضيه واقعنا، ولا نكتفي تكرار طرق وموضوعات قديمة”.

وأكَّد أنَّنا “نحتاج طرائق جديدة في تعليم العقيدة والفقه من خلال العلوم الكونية والواقع”. كما نحتاج إلى تجديد “مصادر التدريس ومناهج التدريس ومضامينها الدروس وعدم الجمود على كتب أو طرق موروثة من قرون قد لا تصلح للتدريس اليوم”.

مشروع البيان الختامي

ودعا المؤتمر العالمي الأوّل حول “التعليم الشرعي وسبل ترقيته”، في بيانه الختامي إلى ربط التعليم الشرعي بالمقاصد العامَّة للخلق والإنسان والشريعة وفقهِ الميزان والتنزيل.

وأكَّد المؤتمر العالمي الأوَّل حول “التعليم الشرعي وسبل ترقيته”، على أنَّ المنهجية العلمية المنشودة للارتقاء بالمؤسسات التعليمية الخاصة بالعلوم الشرعية يجب أن تقوم على الجمع بين الوحي والعقل وتوزيع الأدوار بدقة بحيث يقوم العقل بدوره في النظر إلى الأدلة والبراهين للوصول إلى الإيمان بالله تعالى.

وشدَّد المؤتمر على ضرورة أن تصحب مع التعليم عمليات التربية العقلية والفكرية والاجتماعية والتدريب على الحوار والتطبيق والاستنباط والاجتهاد.

وأوصى المؤتمر بربط العلوم الشرعية في تدريسها وتعليمها بالعقيدة والتزكية الأخلاقية وربط العلوم المتعلقة بالكون والإنسان بالأخلاق وروحها الدينية في إطار معرفي تكاملي.

وعلى مدار يومين كاملين، كانت الجلسات العلمية للمؤتمر، حيث عقدت ست جلسات علمية، ونوقشت خلالها (17) بحثاً.

المدارس الشرعية .. أهمية الدور وأبرز التحدّيات

من أبرز المواضيع التي تمَّ التطرّق إليها في المؤتمر، واقع المدارس الشرعية في العالم الإسلامي، حيث خلص المجتمعون إلى أنَّ المدارس الشرعية بدءاً من الابتدائية والمتوسطة والإعدادية، والمعاهد الشرعية إلى الكليات الخاصة بالشريعة والدراسات الإسلامية، باتت تحتاج إلى خطة إستراتيجية تستهدف تخريج علماء فقهاء دعاة مفكرين قادة وقدوة قادرين على تغيير المجتمع وإصلاحه، وتجديده ودفعه نحو القيادة والرّيادة والشهود الحضاري، وترسيخ فقه الائتلاف وأدب الاختلاف في المدارس الشرعية، هادفة للتطوير والتجديد في المنهج والمقرّرات وإعداد المعلمين علمياً وتقنياً، من حيث طرق التدريس والتربية والتعليم. وأوضحوا في مشروع البيان الختامي أنَّ للمدارس الشرعية (التقليدية) مكانتها العظيمة وأنَّها قد قدّمت خدمات جليلة للأمَّة ولكنها تحتاج اليوم إلى التطوير.

ودعا المؤتمرون إلى ضرورة العناية بتطوير التعليم الشرعي منهجاً، وبرامج ومقررات ومعلماً وطالباً، لأنَّ التعليم المشوه أو المنقوص أو القائم على الفكر التكفيري يؤدّي إلى اضطرابات في الفكر والسلوك وفوضى في العلاقات الاجتماعية.

ومن أبرز الملاحظات على هذه المدارس، حسب ما جاء في مشروع البيان الختامي:

1– الإغراق والإفراط في دراسة التراث على حساب التطوير والتجديد، والمؤلفات والاجتهادات المعاصرة.

2– التساهل في قبول المعلمين غير المؤهلين أكاديمياً وعلمياً، وقبول الطلبة دون التقيد بمعايير علمية في قبولهم.

كما أنَّ هذه المدارس تواجه تحدّيات كبيرة من حيث الجانب المالي والوظيفي، ومن حيث محاربتها من بعض الدول والتوجّهات العلمانية.

توصيات عامّة:

وأوصى المؤتمر بمخاطبة الحكومات بتطوير تعليم العلوم الشرعية والعناية به؛ لتحقيق الأمن والاستقرار للمجتمعات الإسلامية وحمايتها من الغلو والإفراط والتفريط، وإشراك المزيد من الباحثين وعلماء التربية والاجتماع في العالم الإسلامي في مشروع النهوض بالتعليم الشرعي.

كما أوصى بضرورة استثمار التراث العلمي التربوي الإسلامي المعاصر في بناء إستراتيجية النهوض بالتعليم الشرعي، وتكوين لجنة علمية تعكف على مسح التراث العلمي التربوي الإسلامي المعاصر ثم استخلاص ما فيه مما يخدم مشروع الاتحاد في النهوض بالتعليم الشرعي.

المصدر:
بصائر من واقعنا