أيها الإخوة المؤمنون
حينما ينظر المؤمن إلى أحوال أمته الإسلامية التي أكرمها الله تعالى بهذا الدين العظيم وجعلها خير أمة أخرجت للناس وأكرمها بهذه الرسالة العظيمة وبهذا الرسول صاحب الخلق العظيم يجد نفسه حائرة أمام ما يحدث لهذه الأمة وما يحدث من هذه الأمة من أفعال وتصرفات لا يمكن أن تصدر من عاقل ناهيك عن المؤمن الذي رباه الله سبحانه وتعالى.
فما يجري في عالمنا الإسلامي من قتال وشقاق ومن تدمير وحروب عنصرية داخل الأمة الإسلامية من بعضها ضد بعض كما يحدث في سوريا وكذلك في العراق وربما بنوع آخر في مصر، يسأل الإنسان لِمَ وصلت الأمة إلى هذه المرحلة.
لكن سرعان ما ينتبه الإنسان إلى القرآن الكريم فيقرأ آيات كريمة من هذا الكتاب العظيم فيجد أن الله سبحانه وتعالى بيّن لنا الداء والدواء وبيّن المرض الحقيقي كما بيّن الشفاء أيضاً.
بيّن الله ذلك من خلال آية كريمة حيث قول الله سبحانه وتعالى: { وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ } بيّن الله أنه حينما تكون الأمة الكافرة متحدة يقف بعضهم مع بعض ويساند بعضها البعض وحينما تكون هذه الأمة قوية من حيث الحضارة والأخذ بالأسباب، إذا قتل منهم امرئ كأن القيامة قد قامت، ولا قيمة لهذه الحياة ما دام هناك يهودي يهان، يتحركون كقوة واحدة، بمصالح استراتيجية وأهداف واضحة ورؤى ووسائل واضحة، وبالمقابل إذا لم نفعل مثلهم والمفروض أن نكون أحسن منهم لأن هؤلاء تجمعهم المصالح ولكن الله أكرم هذه الأمة بهذا الدين العظيم، فحينما لا نكون على أقل تقدير مثلهم في الاتحاد والنصرة والولاء، إذا لم نفعل ذلك تكن فتنة وفساد كبير، و ابتلاء كبير و مشاكل كبيرة على مستوى الفرد والجماعة والأمة و فساد كبير في الأموال والأنفس والأعراض .
واليوم هذا الوصف الذي بيّنه القرآن الكريم ينطبق علينا تماماً كما ينطبق على هؤلاء تماماً ومن هنا وقعت الفتنة الكبرى و وقع الفساد الكبير الشامل للأموال والأنفس والأعراض والجماعات والحكومات.
يقف المسلم اليوم مع أعداء الإسلام ضد المسلمين ويحابي بعضنا البعض لمصالح هؤلاء، وقد جربنا خلال مئة سنة ما النتائج التي تحققت من الثورة العربية الكبرى في بداية القرن العشرين، حينما وقفت الأمة العربية مع الإمبراطورية البريطانية و الفرنسة ضد العثمانيين، وظن الذين يقودون الثورة أنهم إذا وقفوا مع بريطانيا أو فرنسا فإنهم ينصفونهم؛ لأنهم ساعدوهم في إسقاط أكبر دولة إسلامية، والتي عاشت ستة قرون، حملت لواء الإسلام وصلت جنودها إلى فيّنا، وكانت تريد أن تفتح النمسا حتى تصل إلى الأندلس، وتُكَوِّن الهلال الإسلامي الحقيقي، و تُؤَمِّن الحدود الإسلامية من كل جانب.
هذه الدولة أسقطها المسلمون من خلال القومية الطورانية داخل تركيا، ومن خلال الثورة العربية الكبرى داخل العالم العربي، والنتيجة تمزيق العرب باتفاقية سايكس بيكو، و احتلال أرضهم، ومنح أرض فلسطين المباركة التي فيها أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين إلى أشد أعداء الإسلام اليهود.
ثم بدأت المؤامرات خلال مئة سنة ولم تنجُ دولة عربية ولا إسلامية من هذه المؤامرات، وبعدما تحررت الأمة عادت مرة أخرى إلى الاستعانة بأعداء الإسلام، من خلال تصرفاتها السيئة، كما حدث في احتلال الكويت، وأماكن أخرى والنتيحة: لم تجتمع الأمة الإسلامية و العربية لبيان التوصيف الحقيقي لهذه الأمراض، أمراض التفرقة والولاء لغير المسلمين، ولم تساهم في تحقيق مبدأ الأمة الواحدة، بل أصبحت أمماً شتى، وغدت فرقاً شتى، وجماعات وأحزاباً متفرقة { وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ } وكلمة فتنة نكرة شاملة متجددة غير محددة تتجدد بأنواع وأشكال حسب الظروف والأحوال .
لذلك حان اليوم أن يفكر حكامنا وحكماؤنا وعلماؤنا والمفكرون بل عامة الأمة أن يتصدوا لهذا المرض الخطير، وهو مرض ولائنا لغيرنا، ومرض تفرقنا وتمزقنا، وأن يبحثوا في السبب المباشر لهذا التفرق، وأن يعلموا أن مصالحنا الخاصة ومصالحنا الشخصية لا تتأتى من خلال حفاظنا على كراسينا، ظناً منا أن كراسينا يحميها أعداؤنا، و الحقيقة أنهم يحمون مصالحهم، مهما قدمتْ أفراد من أمتنا لهم من خدمات وتعاون وعمالة، حتى إذا ما أتت على الخدام والعملاء لحظة ضعف، وخلت يداه من الفائدة، رموه رمي الكلاب ـــــــــ أجلكم الله ــــــ كما فعلوا ذلك مع شاه إيران، وكذلك يفعلون.
متى تتعظ هذه الأمة بهذه الآيات الكريمة { أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها } .
فإذا علمنا خطورة هذا الوضع وعلمنا التوصيف الحقيقي الذي بينه القرآن الكريم من خلال آياته الكريمة أدركنا الحكمة من تشدد القرآن الكريم في قضية الولاء والبراء لله سبحانه وتعالى ولرسوله وللمؤمنين، حتى جعل الله سبحانه وتعالى هذا الولاء شرطاً أساساً لصحة الإيمان، وجعل الله سبحانه وتعالى نقض الولاء للمسلمين نقضاً لأهم عنصر من عناصر الإيمان والإسلام، فالله نهى عن ذلك وقال: ( لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ) والولاية ضد العداوة، وأصل الولاية ثلاثة أشياء: المحبة والنصرة والقرب أي أن الإنسان يحب المؤمنين مهما كانوا .
وأكبر مشكلة فعلها بعض الفئات والجماعات هو تفريق المؤمنين إلى من هم عقيدتهم صحيحة، ومن ليس عقيدتهم صحيحة، وحصروا أصحاب العقيدة الصحيحة في بضع ملايين، وجعل الباطل لكل الأمة، وهذا غير صحيح، فكل من يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله هو أهل القبلة، هو صاحب عقيدة صحيحة؛ ولذلك يقول الله : { إِنَّمَا وَلِيّكُمْ اللَّه وَرَسُوله وَاَلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاة وَيُؤْتُونَ الزَّكَاة وَهُمْ رَاكِعُونَ } فاكتفى بعد الإيمان بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة شرطاً للولاء، ولم يدخل في التفاصيل كثيراً؛ لأن مسائل تصحيح العقيدة هي مسائل تربوية، يجب أن نعمل عليها ولكن لا يجب تقسيم الأمة عليها؛ لأن الامة لا تجتمع على الضلالة، وكل سبيل يُسْلَك في إطار الإيمان، هو سبيل يوجب الولاء لصاحبه { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا } فالمؤمن الذي يهتم بالجانب العقدي، والمؤمن الذي يهتم بالجانب السياسي، و المؤمن الذي يهتم بالجانب الدعوي، بينهم تكامل لا تنافر.
هذه الإشكالية مزقت المسلمين، ولقد وجدنا من عمل مئات السنين في نطاق الولاء والبراء وركز على ذلك، وشدد في ذلك، وكفر معظم المسلمين على هذا الأساس، وجدناهم لم ينجحوا في الامتحان عندما اختبروا في مصر، وحتى في العراق، مثل النور السلفي وغيرهم، وجدناهم يقفون مع الحاكم الظالم، ويفتون بقتل الإنسان.
الأمة بحاجة إلى إعادة النظر في مشروعاتها فيما أريد لها، وربما بعض الأفكار طرحت علينا، وهي مخترقة وباسم الإسلام وباسم الدين مزقت الإسلام والمسلمين .
أخطر شيء اليوم أن نرى المسلمين وصل بهم التفرق إلى حالة يقتل بعضهم البعض، إلى حالة يجعل أطيافاً من الأمة شعباً، والأطياف الأخرى شعوباً آخرى، وهم أبناء بلد واحد.
لا يحكم بالردة إلا لمن أعلن الكفر جهاراً نهاراً، فكيف بمن يدعي الإسلام؟ قال سيدنا علي حينما جاءه الخوارج ــــــ و هم يكفرون سيدنا علياً ــــــ: ( هؤلاء من الكفر فرّوا فكيف نكفرهم؟ ) وحينما دخلوا في المعركة تأسف كثيراً؛ ولم يأخذ غنائمهم، وما كان قتاله لهم إلا دفاعاً عن النفس .
أما اليوم فهناك حب القتل والقتال، ورأيت بنفسي أن كراهيتهم لفئة من المسلمين أشد من كراهيتم لإسرائيل العدوة المحتلة.
قال رب العالمين: ( لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء ) ومن الولاء: أن ننصرهم، و أن نكون معهم ضد المسلمين، و ليس المقصود أن الإسلام يعلن الحرب على غير المسلمين أبداً، بل الإسلام يتعامل بالبر والإحسان مع غير المسلمين الذين لا يقتلوننا ولا يخرجوننا من ديارنا ولا يظاهرون أحداً علينا، قال الله تعالى: ( لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ* إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ).
فتعامل الإسلام مع غير السملين تعامل الرحمة والبر والإحسان، ما داموا مسالمين، وعلى المسلمين أن ينظموا علاقاتهم مع بعضهم البعض من خلال الإيمان بالله، و الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين.
ولقد بين الله قاعدة أساسية فيمن يتولى هؤلاء الأعداء وينصرهم { ومن يتولهم منكم فهو منهم }؛ لأن المرء مع من أحب، ويحشر الإنسان مع من أحب، فكيف يجتمع إيمان وحب الكافر ونصرته وتأييده في قلب مؤمن؟ يتم ذلك إذا آثر المسلم مآربه الآنية على مصالح أمته الإسلامية.
اليوم الأمة الاسلامية في محنة شديدة يجب أن تعود إلى نفسها من خلال الوحدة، والوحدة لا يمكن أن تتحقق بمجرد الكلام، وإنما بالأسس؛ إذ الوحدة إيمان وعقيدة، وامتثال لأمر الله ورسوله ، ويتجلى ذلك في حب المؤمنين لبعضهم البعض، ونصرتهم لبعضهم البعض، وتكافلهم لبعضهم البعض، وإقامة نظم التعاون فيما بينهم؛ سعياً لتطبيق شريعة الله تعالى.
هذا هو الطريق، وهذا هو الوصف، فهؤلاء الكفرة كل مبادئهم لأنفسهم، وكم نادوا بمبادئ الديمقراطية والحرية والإنسانية، أين هذه الصيحات حين يحكم قاض بإعدام 583 شخصاً في وجبة واحدة، وأين حقوق الإنسان؟ وأين المحاكم الدولية؟ كلها أسكتت من خلال منحهم مصالحهم، فنظامهم قائم على الميكافيلية، وقد يفرحون حينما نضرب بعضنا البعض، وهم يستفيدون ويتمكنون أكثر .
قوتنا في وحدتنا؛ لذلك يجب أن تكون لنا مواقف بالحكمة والموعظة الحسنة وبيان الحكم في وجوب نصرة المظلومين والمستضعفين، وأن لا تأخذنا في الله لومة لائم، نقول الحق بالحكمة والموعضة الحسنة، و نبين خطورة هذا الوضع ونعالجه بالرفق واللين.
الخطبة الثانية
حينما تكون الأمة متفرقة وممزقة كما هو الحال، يسعى البعض إلى تقديم الخدمات الجليلة إلى الأعداء؛ لعله ينال بعض المكاسب، وقد كنا في مؤتمر سمي تسمة رائعة وهو “الطريق الى القدس” أراد البعض أن يجعل الطريق إلى القدس غير الطريق الذي ذكره الله سبحانه وتعالى، وألقيت كلمتي، وقلت فيها: إن الطريق إلى القدس هو ما بينه القرآن الكريم بقول الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ* تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) ثم بيّن (وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ) فالطريق إلى القدس هو الجهاد، ولكن الجهاد بمفهومه الشامل الذي يشمل الجهاد بالمال والأنفس والإعلام والاقتصاد والاجتماع، ويشمل كل أنواع الجهد التي تبذل في سبيل تحقيق تحرير القدس، وكان البعض يريد إجازة الزيارة بأن يذهب المسلمون إلى السفارات والقنصليات الإسرائلية وأخذ التأشيرة من اليهود المحتلين الغاصبين للذهاب إلى القدس الشريف، فخلفناهم الرأي، وبينا وجهة نظرنا من خلال الآيات القرآنية وما يضافرها من الأحاديث، وشاء الله تعالى أن تنجح الإرادة الحقيقية، وأن يكون المؤتمر في معظمه محققاً لهذه النتيجة التي أرادها رب العالمين والعلماء الربانيون الذي حدوا الطريق.
الطريق إلى القدس هو الجهاد بمعناه الشامل، وليس السلام، فقد فشل السلام من 23 عاماً، وما الذي حققه السلام ؟ فقد استطاع اليهود من خلال هذا السلام المزعوم أن يُهَوِّد 80 % من القدس، وما بقى إلا 20% ومع ذلك يريد اليهود أن يقسموا المسجد الاقصى قسمين؛ زمانياً ومكانياً، وتحتها عشرون نفق، ولو حدث ارتداد أرضي لسقط.
أين الإيمان في قتل الأطفال في سوريا؟ بل أين الإنسانية في قتل هؤلاء؟ لقد دمرت سوريا والعالم ساكت.
وما يحدث في أفريقيا الوسطى إبادة بكل معنى الكلمة، و أما ميانمار فقد اعترفت الحكومة بعدم وجود روهينجا، و العالم ساكت، وهذا هو المتوقع.
علينا أن نعود إلى أنفسنا، وإلى محبتنا، وأن نبتعد عن الحقد والكراهية والغرر.