أكد فضيلة الشيخ الدكتور علي محيي الدين القره داغي، الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أن ما جرى ويجري في مصر بات أمرًا محيرًا، ومؤامرة، وخصوصًا ما يتعلق بالقرارات التي أصدرتها المحكمة الدستورية أمس بخصوص قانون العزل، وكذلك ببطلان انتخابات مجلس الشعب.

وأضاف، في خطبة الجمعة أمس: لقد تحيرنا..كيف تم تدبير هذه المؤمرات ؟ كيف استطاعوا أن يسخروا القضاء لصالحهم ويؤخروا هذا القرار إلى يوم الخميس وقبل يوم واحد من الانتخابات الرئاسية حتى يربك الجميع ؟ لماذا سكت القضاء كل هذه الفترة عن هذه الأمور؟ وكيف تكون المواد غير قانونية وباطلة وقد صوّت عليها الشعب بنسبة 77% في الانتخابات السابقة، وعرض الأمر على المحكمة الدستورية وشهدت بأن الانتخابات لم يظهر فيها بشكل جوهري أي تزوير، فهل إرادة الشعب أقوى أم إرادة القاضي؟ نحن لا نعترض على القضاة ولكن ..! لماذا لم تلغِ المحكمة الدستورية نفسها قبل سنتين الانتخاباتِ المزورةَ التي قام بها نظام مبارك وشهد الجميع بأنها كانت مزورة ؟..هذا هو المكر.

وتابع: نقول لإخواننا المصريين إن المشاركة في الانتخابات فريضة شرعية وواجب عيني، فالصوت شهادة، فلتمنح هذه الشهادة لمن ينهض بالأمة، لمن يقول الإسلام هو الحل، لمن يقف مع المشروع الإسلامي، ولا أشك أن الشعب المصري لن يعيد مرة أخرى النظام الذي قتل وأذل المصريين وأوصل نسبة الفقر في هذا الشعب إلى 60%.

وكان فضيلته قد بدأ خطبته مواصلاً حديثه عن الحقوق المتقابلة بقوله: إذا كانت الحقوق المتقابلة التي تحدثنا عنها في الخطب السابقة تشمل العلاقة بين الإنسان وخالقه, وبين الإنسان وأهله وأقاربه وبيئته, وبين الإنسان مع بقية المخلوقات، أي أن هذه الحقوق المتقابلة تشمل جميع علاقات الإنسان المسلم وغيره، فإن هذه الحقوق تشمل داخل الإنسان أيضًا، فقد جعل الله سبحانه وتعالى العلاقة بين الإنسان ككيان وبين مكونات الإنسان من الأعضاء الخارجية والأجهزة الداخلية قائمة على أساس الحقوق المتقابلة، كما بين ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم في أحاديث عدة.

وقال فضيلته :من أصحاب الحقوق عليك بدنك ومكوناتك الداخلية من القلب ومن النفس والروح والعقل، وكذلك مكوناتك الخارجية من العين والجوارح، فكل هذه الأشياء لا يجوز للإنسان أن يظلمها. فالإنسان المسلم يجب أن يكون منظمًا، ويكون كذلك مقتصدًا، وأن ينظم وقته على الأمور كلها، حتى العبادات بمعناها الخاص أي الشعائر التعبدية، فإن الله سبحانه وتعالى لا يريد للعبد المسلم أن يشغل كل وقتها بها، لأن الله سبحانه وتعالى لم يخلق هذا الإنسان لأداء الشعائر فقط، لم يخلق الإنسان لأن يعبد الله ويكتفي بهذه العبادة بمعناها الخاص، أي الصلاة والصيام، وإنما خلق الله سبحانه وتعالى هذا الإنسان لتعمير الكون ولإفادة ومنفعة الناس، ولو كان المعيار هو كثرة العبادة لكانت الملائكة أفضل، ولكن المعيار هو العبودية حتى ينصلح حال الإنسان ثم بعد ذلك تعمير الكون في ضوء منهج الله وإصلاحها، واستخراج ما في الأرض لمنفعة المسلمين بل لمنفعة الإنسانية جميعًا (والأرض وضعها للأنام) أي للبشرية جميعًا.

وأضاف : من أصحاب الحقوق عليك نفسك وبدنك وجسدك ونفسك الأمارة بالسوء، حيث تحولها إلى نفس لوامة وإلى نفس راضية وإلى نفس مطمئنة، وحينئذ تسعد.

وإذا لم تشبع هذه النفس بالعبادة والذكر والاطمئنان النفسي فأنك تتعذب فعلاً من خلال النفس المضطربة. وهكذا للجانب الروحي من تلاوة القرآن الكريم، ومن ترويح عن النفس من خلال رؤية الأشياء الطيبة، التي في حدود المباحات، هذا ما بينه الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عن حنظلة الأسيدي قال وكان من كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لقيني أبو بكر فقال كيف أنت يا حنظلة قال قلت نافق حنظلة قال سبحان الله ما تقول قال قلت نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيرًا قال أبو بكر فوالله إنا لنلقى مثل هذا فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت نافق حنظلة يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ذاك قلت يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ثلاث مرات.

لذا شرع للإنسان فعلاً الاسترواح والسياحة ولكن بشرط واحد ألا تؤدي هذه السياحة إلى ارتكاب المحظورات والمحرمات. بهذا التوازن العظيم أراد الله سبحانه وتعالى لهذا الإنسان المسلم أن يكون موزونًا ومتزنًا فحينئذ يعيش في سعادة الدنيا والأخرة، والبشرية كلها على الإطلاق على طرفي النقيض أما إنها مهتمة بأمور الدنيا وشهواتها فقط ويعيش الإنسان لأجلها كما هو الحال لغير المسلمين ولا سيما في الدول الغربية وأنظمة الرأسمالية التي عودوا الناس على ثقافة المادة وعبادة المادة، أو أن البشرية في طرف آخر من الرهبانية والاعتزال وترك الدنيا، وكلا المنهجين خطأ، والمنهج الصحيح هو ما بينه الله وبينه الرسول صلى الله عليه وسلم من أن يكون الإنسان متزنًا في هذه الأمور ومقتصدًا ووسطًا وهذا هو منهج الإسلام.