حوار اكرم الفرجاني صحيفة الوطن

 

أكد الدكتور علي محيي الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ورئيس الرابطة الإسلامية الكردية، على جهود دولة قطر في إغاثة النازحين العراقيين بالموصل، لافتاً إلى أن المؤسسات الخيرية القطرية، تقوم بدورها تجاه المتضررين، منذ أن أصبح هناك نزوح سني إلى المنطقة الكردية، مطالباً بتكثيف جهودها وتفعيل دورها على أرض الواقع بصورة أكبر.

وناشد القره داغي العائد من مخيم نيركزلية للنازحين، بمحافظة دهوك بالإقليم الكردي شمالي العراق، الأمة العربية والإسلامية والعالم أجمع، لتقديم إغاثة عاجلة للنازحين، في ظل الحرب الدائرة بين تنظيم الدولة، وبين ميليشيات الحشد الطائفي المدعومة من إيران، وفتح رئيس الرابطة الإسلامية الكردية، قلبه لـ الوطن، بالكثير من الحقائق المحيطة بمأساة سكان الموصل.. وفيما يلي نص الحوار.

كيف وجدتم أحوال النازحين في الموصل…؟

وجدنا ما يقطع القلب ويدمع العين، ويجعل الإنسان يشعر بمرارة شديدة، لما حدث من خراب ودمار في الموصل، خاصةً في أطرافها من ناحية مخيمات النازحين، التي يحتاج فيها الناس إلى مساعدات إنسانية عاجلة، نتيجة للفقر والمجاعة وقلة والدواء.

الموصل حال آخر

هل زرت الموصل في السابق وكيف تمالكت نفسك…؟

لم أتمالك نفسي وبكيت بحرقة، لأني زرت الموصل في السابق عدة مرات، ووجدت سكانها مترفين، معززين ومكرمين، واليوم لما رأيتهم يخرجون من بيوتهم، والبعض منهم قد ظل مختبئاً داخل البيت في (البدروم)، خوفاً من قصف التحالف وداعش، إلى أن يجد فرصة الفرار، يبقى الوضع سيئاً جداً بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى.

ما حجم المساعدات الدولية والعربية التي قدمت للنازحين…؟

إلى الآن لم نشعر بجهود كبيرة تبذل لصالح النازحين، خصوصاً أنه كان في منظمة خاصة لتوزيع الغذاء، وتوقفت عن العمل منذ فترة، وبالنسبة للأمم المتحدة كان لديها بعض الجهود في البداية، لكن اليوم لا توجد لها أي مساعدات على أرض الواقع، وتدعي أنه الأموال المرصودة لصالح الموصل قد انتهت، كذلك الجهود العربية والإسلامية أيضاً ضعيفة، ما عدا بعض الجهود التي تبذل من دولة قطر، وبعض المؤسسات الخيرية التركية.

دور قطر

نرجو أن تحدثنا عن دور دولة قطر بالتحديد في إغاثة الموصل؟

دولة قطر منذ أن أصبح هناك نزوح سني إلى المنطقة الكردية، وهي تقوم بتوزيع بعض المواد الإغاثية التي ترسل عبر الطيران إلى أربيل، ولكن حتى هذه اللحظة لم يبدأ المشوار الإغاثي بالشكل المطلوب، بسبب مسألة ما يسمى بـ (التحويلات)، في حين أنه من الممكن شحن المواد الغذائية بالطائرة، خاصةً أن الطائرات القطرية تذهب وتأتي يومياً، عموماً دولة قطر لها جهودها ولكنها لم تفعل على أرض الواقع بعد، وحتى جهود الجمعيات الخيرية القطرية موجودة هنا وهناك، لكن جهود منظمة ومرتبة ليست بالقدر المطلوب.

إعاقة الجمعيات

برأيك ما الذي أعاق الجمعيات القطرية المعروف عنها أنها دائماً سباقة إلى الخير…؟

ربما هناك عذر للجمعيات القطرية، والجمعيات الخليجية بشكل عام، لانشغالها باللاجئين السوريين، الذين يتدفقون يومياً وهم بالملايين، هذا العبء الكبير على الجمعيات القطرية والخليجية أدى إلى الصورة الموجودة حالياً في الموصل، لكن نحن نطالب بجمع التبرعات بصورة مكثفة وبدعم دولة قطر والدول الخليجية بشكل أكبر لإنقاذ أهل الموصل من الجوع، بل من الموت ومن المرض، والتضليل والتأثير في شخصياتهم وفي نفوسهم.

700 ألف ىنازح

كم يبلغ عدد النازحين…؟

قبل حادثة الموصل كان عدد النازحين السنة، في المنطقة الكردية في حدود مليوني نازح، وعدد المهاجرين السوريين حوالي (310) آلاف نازح، وبعد قضية الموصل بلغ عددهم حوالي (724) ألفا، كما يقول المسؤول عن النازحين والمخيمات في إقليم كردستان، والمنطقة الكردية هي نفسها بحاجة إلى الدعم والإغاثة، لأن الحكومة العراقية قطعت الرواتب عن موظفي الإقليم منذ ثلاث سنوات، وهم يعانون الآن من مشكلة كبيرة، ومع ذلك وجدنا فيهم إقبالاً شديداً، على إغاثة أهلهم في الموصل عندما اشترينا المواد الغذائية، عدد كبير من التجار تنازل عن أرباحه وحتى من قيمة الحبوب، لذلك أناشد عبر وسائل الإعلام وعبر جريدة الوطن تحديداً المؤسسات القطرية، أن تتفاعل أكثر مع قضية الموصل، وأن تقوم دولة قطر بالدور المتوقع منها، وأن تكثف من الجهود لإغاثة هؤلاء، بالإضافة إلى حاجتهم الشديدة إلى الأطباء والمراكز والصحية والمستشفيات المتنقلة والثابتة وغيرها.

القاعدة وداعش

ما الذي أوصل الأمور إلى هذا السوء في الموصل…؟

تنظيم القاعدة وداعش لم يتواجدا في الموصل، إلا بعد استمرارية الحرب بين المعارضة والنظام الظالم المجرم في سوريا بعامين، حيث كان الإخوة المتظاهرون يريدون في البداية أن يصلوا إلى حل لمشكلتهم، عبر الوسائل السلمية، بعد ذلك اضطروا إلى رفع السلاح، وحينما طال الزمن دخلت القاعدة، وبعدها تشكلت داعش، ووجود داعش والقاعدة في المنطقة يعود إلى الظلم خاصة في سوريا، وكذلك العراق الظلم الذي حدث على أهل السنة، ربما دفع بعض الشباب إلى الانضمام لداعش، وعندما نشطت داعش في سوريا، كان في العراق ما يسمى بالحراك السني، ظاهرة قامت في المحافظات الست السنية العربية، وكانت عبارة عن مظاهرات سلمية كادت تصل إلى بغداد، وللقضاء عليها تمت الاستعانة بداعش التي جاءت إلى الحدود العراقية، ثم بعد ذلك فتحوا لها الطريق إلى الموصل، وتركوا لها أسلحة من ثلاث إلى خمس فرق عسكرية، في الموصل وبقية المناطق السنية، وفي الموصل نفسها هناك حوالي (800) دبابة، من دبابات النخبة التي كان يستعملها الجيش الأميركي وتركها للجيش العراقي سلمت لها حتى تتقوى، وبالتالي تدمر وتقتل كل من يعارضها من أهل السنة.

الحشد الشعبي.. طائفي

وما الدور الذي كان يلعبه الحشد الشعبي…؟

الحشد الشعبي كما تعلم سيدي الفاضل، هو حشد طائفي مثل (داعش)، يأتي لكي يحرر المناطق التي في قبضة داعش، وعندما تبدأ عملية التحرير المنطقة كلها تدمر، بين داعش والحشد الشعبي، كما حدث في محافظة الرمادي، التي لم يبق فيها بيت واحد سليم، دمرت تماماً من قبل داعش أولاً، ثم الحشد الشعبي ثانياً، كما حدث في سوريا أيضاً، في كوباني ومنبج ومدينة الباب، كل مدينة تدخلها داعش لا تخرج منها، إلا بعد تدمير آخر بيت فيها من بيوت السنة، وأذكر أنه حدثني أحد كبار المسؤولين من كردستان العراق قائلاً: عندما وصل (700) داعشي، نحن نبهنا نور المالكي وأبلغنا القيادة العراقية بأن داعش موجودة، على حدود المدينة ولكن كان رده بأنه أنت ليس لديك دخل، وبالفعل دخلت داعش إلى الموصل بعد يومين فقط، واحتلت المحافظات السنية الواحدة تلو الأخرى، لذلك القضية واضحة أنها مؤامرة كبيرة جداً لتدمير هذه المناطق من قبل هؤلاء وهؤلاء.

مؤامرة حشدية وداعشية

هل المؤامرة التي تقصدها أطرافها الحشد الشعبي وداعش…؟

نعم بالتأكيد، كون داعش تقوم باحتلال المحافظات السنية، ويأتي الحشد الشعبي بعدها بدافع تحرير هذه المحافظات من قبضتها، ويحدث الصراع الذي يدمر المحافظة أو المدينة بأكملها هذه هي المؤامرة بعينها، وهناك طبعاً عناصر إقليمية ودولية، شريكة في هذه المؤامرة الدولية والإقليمية.

الحل

برأيك ما الحل للخروج من هذه الأزمة…؟

الحل من وجهة نظري، هو أن تقوم الحكومة العراقية بتطبيق العدالة الحقيقية، وتحقيق المساواة بين مكونات الشعب العراقي، وهي ثلاثة مكونات أساسية، إذا كان طائفياً سنة أو شيعة، ثم مكونات القومية العرب والأكراد والتركمان، لذلك الحكومة العراقية إذا تعاملت بطريقة طائفية فلن تنجح، لكن إذا تعاملت على أسلوب المواطنة الحقيقية بإعطاء الأدوار لهؤلاء، وإبعاد الحشد الشعبي من المناطق السنية، فإنها سوف تنجح بالتأكيد، ونحن نطالبها بإبعاد أي متطرف سنياً كان أو شيعياً، لأننا ضد المتطرفين من الجانبين، كون الذي يحدث في الساحة الآن نتيجته واضحة، والمقصود به طبعاً دمار هذه المنطقة وتدمير جميع المحافظات السنية.

الحكومة العراقية

وما الدور الذي تقوم به الحكومة العراقية الآن…؟

الحكومة العراقية، مشغولة الآن بقضية تحرير الموصل وما شابه ذلك، لكن نحن نطالبها بعد تحرير الموصل، أن تتبنى مشروعاً سياسياً حقيقياً عادلاً، كما نطالب الحكومات العربية، وجامعة الدول العربية، أن تتدخل في هذه القضية، وبالمناسبة جامعة الدول العربية تركت العراق تماماً، من يوم ما احتل الأميركان العراق، أسقطوه من أجنداتهم، وتركوه لقمة سائغة للحشد الشعبي ولداعش، وهذا تقصير عربي واضح، وتقصير أيضاً للعالم الإسلامي، وكان لابد أن يقوموا بدورهم في تحقيق العدالة، باعتبار أن المشاكل والمآسي الموجودة في العراق تهم المنطقة كلها، فالعراق حدوده مع دول الخليج، ومع الأردن وتركيا وسوريا، لذلك يجب أن تكون هنالك عناية قصوى لإخراج العراق من الطائفية البغيضة وعودتها إلى حكومة المواطنة القائمة على الحقوق والواجبات.

لماذا إذن أوقفت الحكومة العراقية رواتب الموظفين الأكراد…؟

لأنه في خلاف بين بغداد وأربيل حول موضوع البترول، أدى ذلك إلى أن الحكومة العراقية قطعت الرواتب التي يتقاضاها الموظفون الأكراد، ليس هذا فحسب وإنما قطعت حصة كردستان من نفط العراق وهي تقدر بحوالي 17% تقريباً.

دولة الأكراد

الأكراد حرمتهم الدول الاستعمارية من إقامة دولة كردية مستقلة هل الحلم بتأسيس دولتهم ما زال قائماً…؟

بالتأكيد الشعب الكردي كأي شعب من الشعوب يحلم بذلك، لكن هل الظروف الدولية مواتية هذا هو السؤال الذي يجب طرحه، لأن الأكراد حينما جاء الاستعمار البريطاني والفرنسي، قسمت الأراضي الكردية على خمس دول تقريباً، وأصبحوا ما يسمون بتركة الرجل المريض من الدولة العثمانية، وكان منها المنطقة الكردية التي قسمت، جزء منها داخل تركيا، وقسم في العراق، وآخر في سوريا وإيران، ومؤخراً أذربيجان وأرمينيا.

40 مليون كردي

عدد الأكراد في العالم اليوم أكثر من أربعين مليون نسمة ألا يؤهلهم ذلك لتأسيس دولتهم…؟

مسألة التأهيل هذه متعلقة بأمور أخرى غير التعداد السكاني، وفي اعتقادي أن الأكراد اليوم يريدون أن يكونوا ضمن المنطقة، بحيث يكون لهم دورهم وحقوقهم في الدول التي يتواجدون بها، هذا ما يريده الشعب الكردي في الوقت الراهن.

الرابطة الإسلامية

ما الجهود التي تقوم بها الحركة الإسلامية الكردية، وخاصةً الرابطة الإسلامية الكردية لتوحيد الصف الكردي أولاً وضمان وحدة العراق ثانياً…؟

الرابطة الإسلامية الكردية، هي مؤسسة خيرية إنسانية، وليست مؤسسة سياسية، ولكنها تقوم بالإصلاح، وكانت حاضرة للاجتماع الذي ضم جميع الحركات الإسلامية، أو الأحزاب الإسلامية الثلاثة في كردستان، حيث اجتمعت هذه الحركات في يوم السبت المصادف يوم 15 أبريل الجاري، وأنا كنت مشرفاً على هذا العمل، والحمد لله الآن التوجه العام، نحو وحدة العمل الإسلامي في كردستان وهذا أمر جيد طبعاً، والأحزاب الثلاثة التي حضرت الاجتماع هي الاتحاد الإسلامي الكردستاني، والجماعة الإسلامية، والحركة الإسلامية، وتوافق قادتها على الخطوات العملية المتدرجة، القائمة على التعاون أولاً والتشارك ثانياً، ثم الوصول إن شاء الله إلى الوحدة، ونحن لنا دور في هذا المجال ليس في كردستان، وإنما في معظم بلاد العالم، والحركة الإسلامية بمجموعها تتبنى الإسلامي وما يجيزه الإسلام هم معه، وما لا يجيزه الإسلام هم يمنعونه، سواء كان يتعلق بوحدة العراق أو بغير ذلك.

الحركة الإسلامية

ما أهم الإنجازات التي حققتها الحركة الإسلامية داخل المنطقة الكردية وفي العراق كله…؟

رغم أنني لا أمثل الحركة الإسلامية، وليس لدي صفة رسمية لأكون ناطقاً باسمها، وأنا كمواطن قطري أقول هذا، لكن من خلال متابعتي الحركة الإسلامية حقيقةً تهتم بالدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وتهتم بتوضيح الإسلام بصورة حقيقية، وتقف ضد المنظمات والمؤسسات التي تحاول تغيير الهوية الإسلامية للعراق بصورة عامة، وللمنطقة الكردية بصورة خاصة.

مستقبل العراق

كيف تنظر الرابطة الإسلامية لمستقبل العراق في ظل الوضع الراهن…؟

الرابطة الإسلامية تتمنى للعراق أن يلتئم جرحه، وأن يعود قادته إلى الرشد والسداد، وإلى نبذ الطائفية، والاجتثاث والإقصاء للآخرين، فالعراق من فترة طويلة يعاني من هذه المشكلة، وبعض الأنظمة السابقة كانت تقوم بعملية الإقصاء والاجتثاث لبعض القوميات أو لبعض المذاهب، واليوم أيضاً بصورة أخرى عكسية يحدث ذلك، لهذا لم تنجح العراق في السابق، ولم تنجح أيضاً في هذه المرحلة، بل نجاح العراق في اعتقادي مرتبط بعودة العراق إلى الابتعاد الكامل عن قضية الطائفية، والابتعاد عن إقصاء أي مكون من مكونات العراق، وهو بلد غني جداً بموارده المالية وموارده البشرية، لكنه الآن يعاني من الفقر بنسبة 50 %.

اتقوا الله

رسائل في بريد هؤلاء:

زعيم تنظيم الدولة ماذا أنت قائل له…؟

أن يتقي الله سبحانه وتعالى في هؤلاء، وأن يترك هذه البلاد تماماً ويسلمها، لأنه الناس يعانون من الحصار في الموصل منذ أكثر من سبعة أشهر، وأناشده بأن يتركوا الموصل وبقية المناطق، وينسجموا مع بقية الأمة، وأن يتركوا هذا التشدد وهذا التطرف الذي لن يأتي بخير للأمة الإسلامية.

الطائفية مصيبة

وما الرسالة التي توجهها لزعيم الحشد الشعبي في العراق…؟

أن الطائفية على مر التاريخ، كانت مصيبة على أمتنا الإسلامية، لذلك أنصحهم بأن يعودوا إلى رشدهم، مع احترام كل طائفة للأخرى، ونعود إلى احترام كل مذهب للمذهب الآخر، وأن تظل الحرية الدينية والحرية المذهبية موجودة في العراق كما كانت في السابق، وأن تترك الأفكار الشيطانية التي تدمر ولا تعمر، وتفرق ولا تجمع.

رئيس لجميع العراقيين

وما الرسالة التي توجهها لرئيس الحكومة العراقية…؟

نطلب منه أن يكون رئيساً لجميع العراقيين، وأن يتبنى مشروعاً يطمئن إليه أهل السنة، وتطمئن إليه بقية مكونات الشعب العراقي، وأن يتبنى مشروعاً عادلاً وخطة استراتيجية لإعادة العراق إلى قوتها وتماسكها ورفاهيتها والاستفادة من مواردها البشرية والمالية.