بسم الله الرحمن الرحيم

أيها الاخوة المؤمنون

إذا نظرنا إلى تاريخ أمتنا الإسلامية، وبخاصة إلى الأمة العربية، لوجدنا أنها مرت بثلاث مراحل أساسية، لابد أن نستذكرها ونحضرها في أنفسنا، حتى نقارن ما بينها، لنصل إلى الإجابة عن هذا السؤال الذي يرد كثيرًا على ألسنة الصغار والكبار، أين الخلل في هذه الأمة حتى تصل إلى ما وصلت إليه؟.

المرحلة الأولى هي قبل الاسلام، تسمى بمرحلة الجاهلية، التي كانوا يعيشون فيها في جاهلية ظلماء، وكانوا في تفرق خطير حتى في بعض الأحيان يصل إلى داخل الأسرة، أو الفخذ، كما يعبر عن ذلك الشاعر

أحياناً على بكر أخينا    إذا لم نجد إلا أخانا

وفي جانب العبودية كانت هناك عبادة الأوثان، ووصلت هذه الحالة إلى مرحلة كان الجاهلي يصنع إلهه الباطل من التمر في الصيف، ويسجد له، ثم حينما يحتاجه يأكل هذا الصنم المصنوع من التمر، وهكذا كانت في الجانب الاجتماعي، من وأد البنات في الغالب، واعتبار المرأة متاعاً.

 وفي الجانب السياسي كانت هناك أمبراطوريتان، وكانتا تحيطان بالعالم العربي من كل جانب، وبعض القبائل تعطي الولاء للأمبراطورية الساسانية، وبعضها تعطي الولاء للأمبراطورية الرومانية .

فجاء هذا الإسلام العظيم فأخرجهم من كل هذه الظلمات السياسية والدينية والاجتماعية والعقدية إلى نور الله سبحانه، إلى الصراط المستقيم، وإلى القوة والعزة والكرامة وإلى الوحدة، وإلى أن يكونوا خلافة راشدة، فتحولوا إلى قادة، وإلى أساتذة للعالم، يُعلمون الناس مفاهيم ودروساً في السياسة والأخلاق وفي العزة والكرامة.

ظلت هذه الأمة فترة طويلة من الزمن وهي المرحلة الثانية، مرحلة الإسلام والحضارة الإسلامية، ولا يستطيع منصف حتى من غير المسلمين إلا أن يعترف بهذه الحضارة القيمة، ودورها في الريادة والقيادة على مستوى العلوم والفنون والحضارة والصناعة.

ثم أصابنا الضعف والجمود والتقليد، فطمع فينا الأعداء، فمزقونا شر ممزق، حتى دول الصغيرة مثل هولندا طمعت فينا واحتلت بعض أراضينا، وكذلك فعلت بريطانيا وفرنسا وإسبانيا وغيرهم، حتى أصبح العالم العربي والعالم الاسلامي موزعاً بين هذه الدول، ومحتلاً بين هذه الدول، ونحن المسلمين عرباً وتركاً ساهمنا في تمكين هؤلاء الأعداء، فلم يكن باستطاعة هؤلاء احتلالنا لولم يجدوا عوناً مما يسمى بالثورة العربية الكبرى أو الطورانية التي كانت تنخر في داخل الخلافة العثمانية، وفي الخارج الإنجليز يفعلون ذلك، حتى مزقت هذه الخلافة أو هذه السلطة وتمزقت الدول العربية إلى اثنتين وعشرين دولة تحت الاحتلال.

 ثم جاءت بعد ذلك مرحلة التحرر، وجنى ثمار هذا التحرر العلمانيون على الرغم أن المجاهدين هم الذين جاهدوا، أي الاسلاميين، ومضت الأيام وجاءت فترة الانقلابات وازدادت الشعوب العربية والإسلامية بؤساً وذلاً وفقراً وبطالةً ومرضاً في ظل ما يسمى بالمتحررين والانقلابيين العسكريين.

ثم جاءت الثورة العربية لأنقاذ الأمة مرة أخرى من هذه المشاكل التي ما زالت موجودة .

وفي أثناء ذلك، وحديثنا عن عام 1945 أي بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة، أنشئت جامعة الدول العربية في مثل هذا اليوم، أي 22 مارس 1945 وهذا يعني أنه مضت على إنشاء جامعة الدول العربية 68 سنة.

 ماذا فعلت هذه الجامعة العربية ؟ علماً أن خلال هذا الاسبوع سيعقد الجامعة العربية مؤتمرها الكبير على مستوى القمة في هذا البلد الكريم، وفي هذه المدينة الحبيبة المباركة دوحة، في 26 من هذا الشهر المبارك.

كانت الجامعة قد أنشئت لأجل جمع العرب، وهو أمر طيب أن تجتمع العرب وأن تتحد وتكون نواة أيضاً لوحدتنا الإسلامية الأساسية ( إن هذه أمتكم أمة واحدة) وكذلك جمع العرب والنهوض بهم سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وصحياً وثقافياً كما ذكر ذلك في أهداف إنشاء هذه الجامعة العربية، ومع الأسف الشديد لم يتحقق شيء كبير من هذه الأهداف التي وضعت.

بعد 20 سنة تقريباً من إنشاء جامعة الدول العربية أنشىء أمر بسيط جداً ليس بهذا المعنى الكبير، وإنما السوق الأوروبية المشتركة، ووصلت السوق الأوروبية إلى مجلس الاتحاد الأوروبي، الذي يضم 27 دولة، بببرلمان واحد، وبعملة واحدة، وبفيزة واحدة، وبمصالح واحدة. ساهمت الدول الغنية منها في النهوض بالدول الفقيرة المحتاجة التي انضمت إليهم، وخاصة من أوروبا الشرقية، ولو لم يكن هذا الاتحاد لسقط  كثير من هذه الدول مثل اليونان وحتى إسبانيا وربما إيطاليا أيضاً، ولكن هذا الاتحاد ضحى بأكثر من 300 -400 مليار دولار في سبيل الحفاظ على هذه الوحدة، وتم ضخ 60 مليار دولار لدولة مثل اليونان حتى تقف على رجليها، وانظر ماذا فعلنا نحن في جامعة الدول العربية أمام مصر التي تحتاج إلى أقل من 10 مليارات في الوقت الحاضر، لم تمد دولة عربية واحدة أي مبلغ لمساعدة هذه الدولة ما عدا قطر، وقطر مهما كانت فإمكانياتها محدودة.

وذلك حتى تسقط هذه الدولة ب 100 مليون نسمة، وتحدث الفوضى، وبعد لك يفرحون لأن نظاماً إسلامياً إخوانياً قد سقط ،وإن كان ذلك يؤدي إلى سقوط وفوضى في 100 مليون نسمة.

 انظر إلى هذا الفرق الكبير 23 لغة هي اللغة الوطنية المعترف بها في الاتحاد الأوروبي، ونحن لنا وحدة الدين، ووحدة اللغة، ووحدة المشاعر، ووحدة التاريخ والجغرافية، والإمكانيات العظيمة، كل ذلك تكون تابعة لأهواء شخص قد لا يتفق مع جهة فلانية وإلى أخره.

لذلك وصلنا إلى ما وصلنا إليه فنسبة الفقر الآن في بعض البلاد العربية – التي أنشئت الجامعة العربية من أجلها للنهوض بالاقتصاد والتجارة البينية – تكاد أن تصل إلى 50% .

لذلك الكل يسأل، ولهم الحق في أن يسألوا، أين الخلل؟ هل هو في الدين ؟ كلا فديننا يدعونا إلى الوحدة والنهوض، ويدعونا إلى العزة والكرامة وإعداد القوة، وإلى التغاضي وإلى القلب السليم؟

لماذا الاتحاد الأوروبي ينظر إلى اليونان وهي أرثذوكسية وتختلف عن مذاهب الأوروبين الباقية، وهناك صراعات تاريخية بين هذه الدول لاسيما بين الأرثذوكس والكاثوليك والبروتستانت؟

الخلل في نفوسنا، الخلل في أننا مازلنا كما يقول مالك بن نبي رحمه الله، قابليتنا للاستعمار، ونحن نرضى أن يحكمنا الاستعمار، وأن يوجهنا الاستعمار والأجانب، ولكن لا نرضى أن تكون هناك دولة عربية قوية وأن تكون هناك وحدة عربية قوية.

ماذا يقال عن قطر التي تؤدي واجبها، يقال: إنها تريد أن تشتري قناة السويس! وحتى سمعت من في المسجد أثناء الخطبة عن أهمية الصكوك الإسلامية قال: أتريد أن تبيع قناة السويس لقطر ؟

انظر إلى هذه العصبية الجاهلية! أن لا يكون أحد أفضل مني! وهذا لا يمكن أبداً، لا بد أن يكون في هذا العالم قائد وراع وحاكم ومحكوم، وفرد أمكنه الله بإمكانيات والآخر لا، هذه قسمة الله سبحانه وتعالى، وهكذا تسير الدنيا من خلال أن يكون هناك دولة قوية تحترم، ولا مانع أننا نجتمع ونتبع بعضنا البعض بدل أن نتبع الأخر.

الخلل في القلب، الخلل في الفساد، الخلل في حبنا للجاه والكرسي، وقد حدثني أحد الثقاة – الشيخ عبد المجيد الزنداني – في لقائهم مع رئيس اليمن آنذاك حينما كانت جبهة الإصلاح تحارب من أجل وحدة اليمن، قال: أحسنتم ولكن مهما فعلتم إذا تقربتم من هذا الكرسي فسوف أحرقكم، فهو مستعد أن يتصالح مع الشيطان للحفاظ على كرسيه.

لو كان هناك حكم شوري ديمقراطي تداولي لكان الرجل يذكر في  التاريخ لكن ضيع أمثال هؤلاء كل شئ.

نحن نحتاج على مستوى الأفراد أيضاً أن نصلح حالنا، وأن نقبل الآخر، وأن نقبل ونكرم ونجِّل بعضنا البعض، وإن كان أحدنا صاحب جاه يوجه هذا الجاه والسلطان في خدمة شعبه، فعلينا أن نسمع له ونطيعه وإن خالفنا في الرأي، فهذا هو المقصود (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)،  وأما كل منا يريد أن يكون فوق الآخر فهذا يؤدي إلى الفوضى الهدامة التي يريدها الغرب.

الحرب العالمية الثالثة قد بدأت فعلاً، وهي تختلف عن الأولى والثانية كما يقول الخبراء العسكريون والمحللون العسكريون: إن هذه الحرب قد بدأت من خلال الثورات العربية، وهذه الحرب عبارة عن إفشال الدول العربية والإسلامية.

لماذا يلح ويصر الرسول  على أن تكون هناك طاعة لولي الأمر الذي أنت اخترته، ورضيت به، واختير من قبل الشعب، يجب أن نقبل به وإن اختلفنا معه، فيجب أن نضع مصلحة الأمة فوق مصالحنا، وأن نخرج من دائرة الأنانية الشخصية أو الحزبية أو القبلية أو القومية إلى فسحة الدين، وفسحة السماح، وفسحة مصالحنا العامة المشتركة، وأن نصلح هذه القلوب، لذلك ربط الله سبحانه وتعالى كل خير بالقلب السليم ولم يذكر شيئاً مع القلب السليم (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) ولم يقل رب العالمين: من أتى الله بصلاة كثيرة أو صيام كثير؛ لأن القلب السليم هو منبع كل خير، إذا وجد القلب السليم وجد كل الخير،ووجدت الطاعة الصحيحة وتكون لله سبحانه وتعالى، ومهما عملت وفعلت ولم يكن قلبك سليماً فلن يقبل منك، لأنه يدخل فيه الرياء والنفاق، وكذلك كل الأعمال مرتبطة بالقلب السليم فهو الأصل وينبوع الحياة، تتفجر منه الخيرات وتتفجر منه الأنهار والبركات.

علينا وعلى جميع المستويات أن نربي أبناءنا على القلب السليم، أن يحترم الآخر وأن يقبل به، وأن لا يحسده، وأن لا يكون في قلبه مرض الحقد والحسد والنفاق والكراهية، وأن نملأ هذا القلب الجميل بحب الله وحب رسوله  وحب المؤمنين وحب الخير، كل الخير، مع من كان؛ لذا لم يذكر رب العالمين في البر والتقوى مع من نتعاون، فقد نتعاون مع الكافر أو المسيحي أو اليهودي بشرط أن يكون تعاونك على البر والتقوى، ولما نهى عن الإثم والعدوان لم يذكر أيضا مع من، فلو تعاونت مع المسلم على الإثم والعدوان لخالفت أمر الله.

علينا أن نعيد صياغة تربيتنا وعقولنا من الروضة، هكذا فعل من سبقونا، أوروبا ربت أبناءها على أهمية الوحدة، وهلموت كول يصرف مليارات من المارك الالماني من أجل وحدة ألمانيا الغربية والشرقية، علينا أن نربي أبناءنا على أن المصلحة في وحدتنا، وعلينا التضحية من أجلها،  وأن هذا ليس من باب المصلحة وإنما من باب الدين، وأن نغرس هذا الخير في نفوس أولادنا .


الخطبة الثانية

أملنا بالله أولاً ومن ثم بإخواننا المخلصين في قطر وإدارتهم لهذا المؤتمر الذي يعقد بعد أيام، أن يتفقوا على مجموعة من القرارات الإيجابية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وأنا لا أشك بأن هذه الأمة قادرة، ولكن الإشكال في العقبات التي توضع في سبيل هذه الأمة، وإلا فلهذه الأمة كل الإمكانيات في كل المجالات، مالي ومادي وبشري وهناك مئات الآف من عقولنا المبدعة تعمل في أوروبا وفي أمريكا.

لذلك أملنا أن تكون هذه القمة قمة للمراجعة على مستوى الأمة وعلى مستوى الدول، لِمَ لأوروبا جيش يحميها، ومحكمة تحاكم مجرمي الحرب، ونحن لا زلنا لا نملك جيشاً، ولا قوة تحمي  الأمة العربية والإسلامية، ولا محكمة تحكم مجرمي الحرب.

وأن تولي العناية بحل مشكلة سوريا التي ازادات بشكل لا يمكن أن يقبل وكل يوم أسوأ في التقتيل والدمار.

وأن تولي العناية بالعراق وفلسطين، وقد رأيتم كيف أكدت أمريكا وعدها المستمر بيهودية الدولة الإسرائيلية، واليهودية ومعناها لا يحق لعربي أن يعيش في داخل هذه الدولة، وهي خطيرة جداً، وهم يتقدمون ونحن نتراجع

تجب مراجعة كل ذلك وعلينا نحن الأفراد أن لا نلقي اللائمة عليهم هم منا ونحن منهم .