بسم الله الرحمن الرحيم
ايها الاخوة المؤمنون
الكل يعلم بفضل الله سبحانه وتعالى فضائل الحج، ويكفي أن نذكر هذا الحديث العظيم الذي فيه اعظم البشائر لمن وفقه الله للحج حيث يقول ( الحج المبرور ليس له جزاء الا الجنة) وفي حديث آخر (من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه) .
هذا الحديثان يعتبران مؤشرين لأهمية الحج، ولكنهما ايضا يدلان على أن هذا الحج الذي ليس له جزاء الا الجنة، له استحقاقات وله شروط ومطالبات، وليس مجرد حج يؤدى خلال فترة محدودة من ايام معلومات أو معدودات ثم ينتهي، وأنه مهما فعل الانسان من الذنوب والعصيان فقد خرج كيوم ولدته أمه أو أن الجنة تستقبله تماما دون أي استحقاقات أخرى.
الحج المبرور هو ان يكون الفرد أثناء الحج قائما على طاعة الله سبحانه وتعالى، وعلى الصبر، وعلى أن يتحمل الانسان كل شئ في سبيل الله، كما بينت ذلك آية عظيمة من سورة البقرة حينما يقول (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ، فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ، وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ، وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ، وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ)، الرفث هو المعاشرة الجنسية المباحة بين الزوج وزوجته، فهي محرمة من يوم أن يحرم الى أن يتحلل التحلل الأكبر، وحرمه الله اثناء الحج للتدريب والترويض على أن الانسان يبتعد عن كل الفواحش المحرمة من النظر والخلوة والزنا ومقدماتها، فهذه تجربة ويجرب الانسان المسلم من خلال منع الحلال وليس من خلال ارتكاب المحرمات، كما هو الحال بالنسبة للصيام نبتعد عن الاكل والشرب وعن المعاشرة طوال النهار، وهي محرمة من أجل الغير أي من أجل الصيام، حتى نتعود على ترك المحرمات في غير وقت الصيام وكذلك الحج .
يدربنا الله في الحج على ثلاث أمور أساسية، لا رفث أي أن تبتعد عن المعاشرة الجنسية، واذا قاربتها فتكون آثما ويجب عليك أن تذبح بقرة أو جملا، فما بالك بالمحرمات لذاتها من النظر والخلوة والقبلة والزنا وبقية الفاحش .
ثم يحرم الله علينا – بصورة نفي الجنس – ( ولا فسوق)، أي الخروج عن طاعة الله سبحانه وتعالى، فهو ممنوع ومحرم في الحج ويكون جزاءه أكبر، وكذلك محرم في غير الحج.
والأمر الثالث ( ولا جدال في الحج)، والجدال من حيث المبدأ مباح، ولكنه محرم في الحج وذلك حتى تنظر مرة أخرى الى كلامك ونقاشك مع الآخرين. فتكون الحاج ممتنعا في 4 أيام أو عشرة أيام، حسب نوعية الحج، ممتنعا عن جدال أو أي مناقشة، سواء كانت حقا أو باطلا، ولو كان على أمر بديهي فعليك أن تبتعد عنه، حتى يروضك الحج على مسك لسانك فيما هو ليس مشروعا ،أي الجدال بدون حق أو التي يؤدي الى الاساءة الى الآخر أو يؤدي الى التقليل من شأن الآخر.
يدربنا على هذه الامور خلال أيام معلومات وهي 10، أو الايام المعدودات هي 4 ايام، وأنت تعيش أثناء الحج في حالة غير الحالة الطبيعية، وبالتالي هيئت لك أجواء التأثر، فترى الغني والفقير والحاكم والمحكوم في لباس واحد، ويقفون موقفا واحدا في مساواة وتضرع الى الله .
بين الله سبحانه وتعالى بعدما منعنا الله سبحانه وتعالى من هذه الامور وأشار به الى أن نتروض به لما بعد الحج، المصدر الاساسي للعمل الصالح ولعدم الخروج عن طاعة الله سبحانه وتعالى فقال سبحانه وتعالى في نفس الآية (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ)، و بين المصدر الاساسي الذي يكون منطلقا لفعل الخير، ويكون مصدرا لامتناعك عن كل الشرور وهو التقوى، (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ)، أي تزودوا بالأعمال الصالحات وروضوا أنفسكم على الاعمال الصالحات داخل الحج حتى كون وقودا وطاقة لما بعد الحج ، فكل شعار الحج من الاحرام والوقوف بعرفة رغم اهميتهم ولكن أهم من ذلك كله (فإن خير الزاد التقوى)، اذا لم يكن للانسان تقوى حتى لو طاف فلن يتأثر به، والتقوى كما فسره النبي صلى الله عليه وسلم ( أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك) أي استشعار رقابة الله سبحانه وتعالى في كل التصرفات والسلوك وفي كل الحال، فإذا وصل الانسان الى تلك المرحلة فيستحي من الذنوب .
فهذه المظاهر كلها من الطواف والوقوف والأضاحي ورجم الجمرات كلها أفعال لتثبيت الداخل، وتقويتها، كما بينه الله سبحانه وتعالى في آية أخرى (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنْكُمْ) فهذا الذي يصل الى الله، فالحج الذي يريده الله هو الحج الذي يؤدي الى مزيد من الخوف والتقوى والاستشعار لرقابة الله والخوف من محاسبة الله حينما تقف وحدك امام الواحد القهار ويسألك عن مالك فيما اكتسبته وفيما أنفقته وعن علمك وكل ما عندك ( وكل آتيه يوم القيامة فردا) .
(فإن خير الزاد التقوى) هذه الاية الكريمة رغم أنها تدل على أهمية التقوى وهي الاساس ولكن لأنها استعملت فيه كلمة خير ربما يفهم البعض بأن التقوى من السنن ومن الخيرات وليس من الفرائض والواجبات، لذلك أكد القران ذلك بالأمر الإلزامي (فاتقوني يا أولى الألباب) فلم يكتفي بالفاء هنا وأنما بفعل أمر وللجمع وبالصيغة الدالة على التجديد والتكرار والفورية .
لم يقصد بالحج مجرد مظاهر أو حتى الشعائر وحدها بالرغم من أهميتها ولكن هذه الشعائر لابد أن تربط بينها وبين التقوى ولابد هذه الشعائر من تأثيرعلى السلوك، وقد أكد الرسول على ذلك في حجة الوداع، وبيّن للمسلمين بأن المحرمات ليست مرتبطة بالزمن، فلما سألهم الرسول صلى الله عليه وسلم أي يوم هذا وأي مكان هذا وأي شهر هذا والصحابة لم يردوا خوفا من أن الرسول يغير اسم هذا اليوم وإلا كانوا يعرفونه بأنه يوم عرفة و المكان هو الحرم والشهر هو الشهر الحرم، ثم بيّن الرسول بأن الله حرم عليكم دمائكم واعراضكم وأموالكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا.
فإذا كان الحاج طيبا ويمتنع عن المنكرات في الحج فهذه الطيبة لن تنفعه الا اذا كان طيبا في أي مكان، فلا فرق بين ذنب يقترفها الانسان هنا أو في أي مكان آخر، لذا (اتق الله حيثما كنت).
لذا على الحاج والحاجة أن يفهما جيدا أن هذه الاجور والفضائل مرتبطة بآثارها، وبما فعلت هذه الشعائر في نفس الحاج والحاجة، وعليه أن يستكمل مستحقات توبته، وهي اذا كان عليه حقوق الناس فليؤدها، واذا كان هناك غيبة أو نميمة أو شئ مما فيه ايذاء للانسان فليذهب اليه اليوم قبل الغد، واذا كان أكل أموال الناس أو ظلم العمال والشغالات وغيرهم من الذين يعملون معنا من المسلمين أو من غير المسلمين فيجب علينا أن نرد هذه الحقوق اليهم وأن نحسن اليهم احسانا حقيقيا، وأن نحسن الى الناس عامة. والحج ليس مجرد ختمة تحصل عليها مثل شهادة الدكتوراه او ماجستير، إنما الحج هو استمرار ورقابة وتقوى الى ان تموت، لأن الله موجود في الحج وهو حي لا يموت، فمن يمتنع المحرمات من أجل الحج فإن الحج ينتهي ولكن رب الحج لا ينتهي ولا يموت.
الخطبة الثانية
ايها الإخوة المؤمنون
في هذا الشهر الفضيل وباقي الاشهر الحرم تتعاظم حرمة الدماء أكثر من بقية الاشهر وإن كانت الجريمة واحدة، فجريمة القتل هي واحدة، ولكن الإثم يتضاعف، ومع حرمة هذه الأشهر ومع المحاولات التي بذلت في قضية الهدنة في سوريا ولكن المسألة لم تتحق وانما ازداد البطش والتدمير، وحقا أن ما يحدث في سوريا هو حرب ابادة بكل ما تعني الكلمة، والغريب أن حرب الإبادة تحدث بين دولتين أو شعب وشعب آخر، أما تحدث حرب الابادة من الحكومة التي من المفروض أن تحفظ الشعب وأن تستعمل الدولة كل الاسلحة المحرمة لقتل الناس وتشريدهم داخل سوريا وخارجها فهذا هو الغريب. واذا كان هناك هولوكوست فقد قام به الشعب النازي الالماني ضد اليهود، وهو عمل غير مشروع، ولكن في سوريا تقوم الدولة بحرق بلدها بأبنائها، فأين الأمم المتحدة وأين حقوق الانسان وأين كرامة الانسان؟.
والانسان يحتار ويحتار أكثر حينما يجد ضعف عالمنا العربي والاسلامي، نحن حوالي 60 دولة اسلامية، أو مليار و700 مليون، ومواردنا المالية تعتمد عليها العالم كله ومع ذلك نحن حاجزون في فعل اي شئ يذكر.
الأمر يحتاج الى ردع، الى فصل السابع من بنود الامم المتحدة، وتحتاج الى دول عربية تجتمع وتهدد، وتحتاج الى ارادة قوية، بل اقوى من إرادة بعض الدول المساندة للنظام في سوريا، ولكن نفوض أمرهم وامرنا الى الله، لأن الله هو من ينصرهم ويقضي على هذا الظالم بقدرته.
المسألة الثانية: إخوانكم في ميانمار، ففي الاسابيع السابقة اكثر من سبعين الف من اخوانكم الروهينغيين شردوا، واحرقت منازلهم ومزارعهم وكل ذلك بتعاون الحكومة المركزية والشرطة المحلية، والروهينغيين بين نارين، فإن بقوا قتلوا واضطهدوا وإن لجئوا ال بنغلاديش فلا يستقبلهم ويبقون في البحر عرضة للموت والغرق، وحكومة بنغلاديش حكومة سيئة بكل ما تعني الكلمة، فلا تقف مع إخوانها وإنما تقف مع أعدائها.
والأمر الأخير هو ما تفعله اليهود في فلسطين، سواء كان من خلال محاولات نتنياهو في أن يضم الضفة الغربية الى الكيان الصهيوني، وكذلك ما تفعله هذه الدولة المجرمة من قتل وقصف في غزة، والعالم الاسلامي حاجز وصامد في السكوت.
والله المستعان