القره داغي: التكريم الذي منحه الله تعالى للإنسان لا نجد مثله في أي دين ، أو نظام آخر

تكريم الله تعالى للإنسان يشمل جميع الحقوق المشروعة للإنسان التي تتحدث عنها المواثيق الدولية

والإعلانات العالمية عن حقوق الإنسان

استعمل القرآن الكريم لفظ ( التكريم ) بدلا مما اصطلح عليه اليوم بـ ( حقوق الإنسان )

كرامة الإنسان متلازمة مع حقه في الحرية الفكرية والدينية ، والسياسية ، والمدنية ، والاجتماعية ، والاقتصادية

جميع الدول المعاصرة تعتبر إقليمية القانون من باب السيادة إلاّ الإسلام العظيم الذي أجاز لغير المسلمين في دائرتهم الشخصية الخاصة أن يحتكموا فيما بينهم إلى شريعتهم

الدول التي تبنت حقوق الإنسان لا زالت في معظم تصرفاتها – ولا سيما مع العالم الثاني والثالث – تسير وفق الميكافيلية في السياسة ، وازدواجية المعايير

 

 

 

شارك فضيلة الشيخ الدكتور علي القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في مؤتمر الدوحة الثالث عشر لحوار الأديان الذي ينظمه مركز الدوحة لحوار الأديان تحت رعاية سعادة الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني – نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية في دولة قطر حيث ألقى فضيلته بحثاً بعنوان كرامة الإنسان وحقوقه  في ضوء القرآن الكريم ووثائق النبوة.

 وقال فضيلته  في كلمته التي ألقاها في أولى جلسات المؤتمر إن الإنسان هو محور جميع الخطابات القرآنية ، ومحط عناية الإسلام ، وموضع تكريم الله تعالى . وإذا تدبرنا الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة والوثائق النبوية لوجدنا أن التكريم الذي منحه الله تعالى للإنسان لا نجد مثله في أي دين ، أو نظام آخر ، وأن هذا التكريم يشمل جميع الحقوق المشروعة للإنسان التي تتحدث عنها المواثيق الدولية والإعلانات العالمية عن حقوق الإنسان. ولذلك نلقي بعض الأضواء على هذا التكريم بإيجاز مع مقارنته مع ما ورد في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان في هذا المجال ، من خلال دراسة تأصيلية تعتمد على القرآن الكريم ، والسنة النبوية المطهرة ، والوثائق النبوية مثل وثيقة المدينة ، أو دستور المدينة ، وتأخذ بنظر الاعتبار مقاصد الشريعة وعلاقتها بحقوق الإنسان

كرامة الإنسان

أولا كرامة الإنسان في الإسلام والمقصود به هنا هو تكريم الله تعالى للإنسان خَلقاً وشكلاً حيث خلقه الله تعالى على أحسن تقويم ، وقدرة وإرادة واختياراً وحرية ، حيث منحه الله تعالى العقل ، والإرادة والاختيار في حدود ما رسم له ، حيث تجمع ذلك في قوله تعالى : ( ولقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً)  ونلاحظ أن الله تعالى منح هذا التكريم لكل إنسان مهما كان دينه ، حيث قال ( لَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ) ، ولم يقل ( ولقد كرمنا المؤمنين ) فقط.

الحق

ثانيا الحق: والتعريف الجامع في نظرنا للحق هو: ( اختصاص أقره الشرع نصاً أو استنباطاً ) . ويلاحظ أن هذا التعريف لم يبين للحق صاحبه ، وهذا مقصود حتى يشمل كل من ثبت له الحق وهو الله تعالى ، وهو الحق وصاحب الحق ومالكه ، وواهبه ، ثم الإنسان ، والحيوان ، حتى البيئة والجماد ، ولكن هذه الحقوق تعرف بالمضاف إليه ، فيقال حق الله تعالى ، أو حق الإنسان ، أو حق الحيوان ، أو حق البيئة .

 

بين الحقوق والكرامة

الفرق بين مصطلحي :  " حقوق الإنسان " و " كرامة الإنسان " :  يظهر لنا من خلال الدراسة أن القرآن الكريم استعمل لفظ ( التكريم ) لهذه الحقوق بدل ما اصطلح عليه اليوم بـ ( حقوق الإنسان ) حيث يقول سبحانه : ( ولقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً)  وفي أول سورة نزلت يقول سبحانه ( … اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ )   أي الأكرم للإنسان حيث يستشعر المتذوق لأسلوب القرآن الكريم أن مصطلح ( كرامة الإنسان ) أو إكرامه يشعر بـأمرين أساسيين : أن هذه الحقوق جاءت منحة من الله تعالى وكرماً منه وفضلاً، الأمر الثاني : أن هذا الإنسان الذي أكرمه الله تعالى عظيم – من حيث هو – حيث خلقه الله تعالى بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وأسجد له ملائكته ، وسخر له الكون كله بأرضه وسمائه وما بينهما.

مظاهر التكريم

وأما مظاهر هذا التكريم للإنسان في الإسلام الذي نزل قبل أكثر من أربعة عشر قرناً فهو ما يأتي :

أولاً – أن الله تعالى خلق هذا الإنسان بيده منذ الخليقة عند خلق آدم ( عليه السلام ) وهذا تشريف وتكريم ما بعده من تكريم حيث يقول الله تعالى  : ( قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ. ثانياً – أن الله تعالى خلق هذا الإنسان في أحسن تقويم حيث يقول : ( لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)  ، ويقول أيضاً : ( وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ). ثالثاً – أن الله تعالى كرّم هذا الإنسان من خلال أمره تعالى الملائكة كلهم بالسجود لآدم أبي الإنسانية فقال تعالى :  ( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ)  .رابعاً – أن الله تعالى أكرم هذا الإنسان بالعقل والتفكير ، وبالسمع والبصر وبقية الحواس حيث يقول تعالى : ( وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) خامساً – أن الله تعالى نفخ في هذا الإنسان نفخة من روحه وبذلك تحقق له السمو الروحي ، والروح العلوي ، فقال تعالى  : ( فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ)  سادساً- جعله الله تعالى خليفة في الأرض دون الملائكة ، والجنّ أجمعين فقال تعالى : ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ) وغيرها من المظاهر الكثيرة الذى كرم الله بها الإنسان .

 

المبحث الثاني : حقوق الإنسان في ضوء القرآن الكريم والسنة ووثائق النبوة :

 إن الوثائق الدولية قد رتبت حقوق الإنسان إلى مجموعتين : مجموعة الحقوق المدنية والسياسية ، ومجموعة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية .

وتشمل المجموعة الأولى : الحق في الحياة والسلامة الشخصية ، وحق الخصوصية ، وحرية التنقل ، والحريات الفكرية ، والسياسية .كما تشمل المجموعة الثانية : حق العمل ، وحق التعليم ، وحقوق المرأة  .

حماية الحريات من أعظم الكرامة للإنسان :

  إن كرامة الإنسان لا يمكن أن تتحقق في ظل الكبت والظلم والتعسف ، وإنما كرامة الإنسان متلازمة مع حقه في الحرية الفكرية والدينية ، والسياسية ، والمدنية ، والاجتماعية ، والاقتصادية ( حرية الملكية ، حرية العمل ) والعلمية والثقافية ونحوها

أولاً ـ الحرية الفكرية :

  إن الحرية الفكرية في الإسلام ليست مجرد حق للإنسان وإنما هي حق الله تعالى على الإنسان أيضاً وهذه الحرية تقتضي عدة أمور من أهمها : احترام العقل والعناية به ، وتشغيله ، وتحريكه ، وعدم تجميده من خلال التقليد ، والتعصب ، وهذه الأمور وغيرها بارزة جداً في الإسلام فقد أعلى من شأن العقل ، ورفع شأنه ، فجعله مناط التكليف ، فلا تكليف إلاّ بالعقل ، وجعله دليلاً على وجوده ، وحجة على وحدانيته ، بل أمر الله تعالى بالرجوع إليه عند الاختلاف العقلي فقال تعالى : ( قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)  .

ثانياً ـ الحرية الدينية :

إن الحرية الدينية هي أهم أنواع الحريات في الحقيقة ، وهي يقصد بها أمران ، هما :

  1. حرية العقيدة التي تتيح للفرد اعتناق أي دين
  2. حرية العبادة ، وممارسة الشعائر التعبدية .

    وقد دلت الآيات القرآنية المكية والمدنية على هذه الحرية بنوعيها من حيث المبدأ والإجمال ، وفصلتها السنة النبوية الشريفة ، فقال تعالى : ( وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ )  وقال تعالى للكفار : ( لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)   مع أن دين الكفار كان الشرك وعبادة الأصنام ، وقال تعالى : ( وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ)  وقال تعالى : ( لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ )   . ومن أهم الوثائق في هذا المجال : وثيقة المدينة أو صحيفة المدينة التي نظمت العلاقة بين المسلمين حقوقهم وواجباتهم ، وبينهم وبين اليهود حيث أعطتهم حق المواطنة بالكامل ، ولأهميتها نذكر ما يخص هذا الجانب صحيفة المدينة ( أو وثيقتها ) .

ثالثاً ـ الحفاظ على حياة الإنسان وخصوصيته :

  فقد جعل الإسلام الحفاظ على حياة الإنسان أحد المقاصد الكلية للإسلام ، وإحدى الضروريات الأساسية ، ولذلك جعل من يعتدي على فرد فكأنما اعتدى على الناس جميعاً ، فقال تعالى : ( مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ) 

رابعاً ـ حماية حقوقه السياسية :

  حيث حمى الإسلام هذه الحرية أيضاً ما دامت في إطار غير مسلح مثل إبداء الرأي ، ومعارضة الحاكم بالحكمة والموعظة الحسنة ، أو حسب المصطلح الإسلامي " النصيحة " حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( الدين النصيحة ، قلنا : لمن ؟ قال : ( لله  ، ولكتابه ، ولرسوله ، ولأئمة المسلمين ، وعامتهم )  .

 خامساً ـ الحقوق  الاقتصادية من حرية التملك ، وحرية العمل ، وهذان الحقان مفصلان في شريعتنا الإسلامية الغراء لا يسع المجال هنا  للخوض في تفاصيلهما  .

سادساً ـ الحقوق الثقافية والعلمية :

  لم نجد إلى اليوم كتاباً قديماً ، أو دستوراً ، أو نظاماً يبدأ بالأمر الجازم بالقراءة والعلم إلاّ ذلك الدستور الإلهي الخالد : القرآن العظيم الذي تنزل منه أول آية تقول : ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الإنسان مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الإنسان مَا لَمْ يَعْلَمْ).

المبحث الثالث : مقاصد الشريعة وحقوق الإنسان :

يراد بمقاصد الشريعة الحكم والمعاني التي أرادها الشارع من أنزال شريعته على الناس ، حيث دلّ الاستقراء الكليّ على أن الله تعالى أنزل شريعته لتحقيق المصالح ودرء المفاسد العاجلة والآجلة ، وسعادة الدنيا والآخرة ، كما دلت على ذلك النصوص الشرعية الكثيرة.

وإذا نظرنا إلى حقوق الإنسان وربطناها بمقاصد الشريعة يظهر لنا ما يأتي :

1-  إذا فسرّنا الدين هنا بالإسلام فإنه يتضمن جميع حقوق الإنسان وحرياته ، بل يتضمن كذلك الضمانات الخاصة بحماية حقوق الإنسان من خلال إقرار مبدأ المشروعية ، ومبدأ الفصل بين السلطات ، والحماية القضائية لها ، والضمانات الدينية من إقرار مبدأ المسؤولية ، ومبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، بالإضافة إلى العقوبات الرادعة المقدرة وغير المقدرة لحماية هذا الحقوق .. وبالتالي فجميع حقوق الإنسان محمية في الإسلام بجميع الوسائل المشروعة المتاحة

 

2- أن الحرية الدينية ، وحرية الاعتقاد والعبادة مكفولة في الإسلام ، وتدل على ذلك الآيات الكثيرة والأحاديث الشريفة التي سبق ذكر بعضها .

ولذلك فإن الإسلام في نطاق الحرية الدينية أقرّ لغير المسلمين الذين يعيشون في ظل دولة الإسلام ما يأتي :

1- حرية العبادات وأداء شعائرهم حسب طقوس دينهم .

2- حماية بيوت العبادات

3- جواز الاحتكام إلى شريعتهم فيما يخص الأحوال الشخصية والقانون الخاص بهم ، حيث يحق للدولة الإسلامية ترك الخيار لهم في ذلك ، وهذه سابقة لم يصل إليها أي دين ولا نظام لا قديماً ولا حديثاً – حسب علمنا – ، وحتى في ظل إعلان حقوق الإنسان ، وذلك لأن جميع الدول المعاصرة تعتبر إقليمية القانون ( أي شموليته لجميع المواطنين والمقيمين الذين يعيشون في أرضها ) من باب السيادة إلاّ الإسلام العظيم الذي أجاز لغير المسلمين في دائرتهم الشخصية الخاصة أن يحتكموا فيما بينهم إلى شريعتهم فقال تعالى : (فَإِن جَاؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ ) فيما عدا الظلم ونحوه من الثوابت التي تعتبر من النظام العام حيث لا يجوز السماح بالظلم ونحوه مهما كان الأمر .

4- المعاملة الإنسانية من المسلم لغيره ، فلا يكتفي الإسلام في تعامل المسلم مع  غيره بالامتناع عن الأذى والاعتداء عليه ، بل يوجب عليه العدل في التعامل في الحالة الاستثنائية فقال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)

5- جواز المصاهرة والتعامل والطعام لزيادة الاختلاط والاندماج الإيجابي ، حيث أباح الإسلام طعام أهل الكتاب والزواج من محصناتهم ، وحينئذ يكون المسيحي أو اليهودي جداً للمسلم ، أو خالاً له أو … ، وبذلك يزداد التراحم والتقارب بين المسلمين وغيرهم كما أجاز الإسلام التعاقد والمشاركة والتعامل مع غير المسلمين فيكون لهم مثل حقوق المسلمين في جميع المعاملات المالية ونحوها .

 

ثانياً – مقصد حفظ النفس ، وهذا المقصد أيضاً من أهم المقاصد العامة للشريعة الإسلامية الغراء ، وذلك بالحفاظ عليها ، بل إن أهميتها تصل في نظر الإسلام إلى عدّ قتل نفس واحدة بمثابة قتل الناس جميعاً ، وإحيائها بمثابة إحيائهم جميعاً فقال تعالى : (أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ)

 وكذلك أوجب الوسائل الطبيعية لحفظ النفس مثل الطعام والشراب والغذاء والدواء ، كما أوجب الكسب الحلال بمقدار ما يقتات به ، فأولى العناية بالجسم بكل ما يقويه ، وحرّم الانتحار وجعله من أكبر الكبائر ، كما حرّم إيقاع النفس في التهلكة فقال تعالى : (وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) ، وشرع القصاص حتى يكون رادعاً لمن تسول له نفسه بقتل آخر ، فقال تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) فحق الحياة لأي إنسان كان حق مقدس لا يجوز المساس به إلاّ بحق للأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة ، وقد نص الإعلان الإسلامي لحقوق الإنسان في المادة الثانية على هذا الحق بصيغة إسلامية على : ( الحياة هبة الله ، وهي مكفولة لكل إنسان ، وعلى الأفراد والمجتمعات والدول حماية هذا الحق من كل اعتداء عليه ولا يجوز إزهاق روح دون مقتضى شرعي) .

 

ولحماية هذا الحق حرّم الله تعالى كلاً مما يأتي :

1- قتل النفس للأدلة التي ذكرناها .

2- الانتحار حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ، ومن شرب سماً فقتل نفسه فهو يتحسّاه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ..).

3- الإذن بالقتل لأي سبب كان ، أو ما يسمى القتل الرحيم

5- تحريم الاجهاض – كما سبق – .

6- الأسلحة التي تؤدي إلى إفناء النوع البشري مثل الأسلحة النووية ، والجرثومية ، والكيمياوية .

ثالثاً – مقصد العقل ، وحقوق الإنسان :

 وقد سبق التفصيل في هذه المسألة في السابق ، حيث أوجب تنميته ، وحماه أيضاً من خلال التشريعات الرادعة لكل ما يضر بالعقل من المخدرات والمسكرات .

 

رابعاً – مقصد النسل والنسب وحقوق الإنسان :

 فقد أولى الإسلام بالنسل والنسب عناية قصوى بكيفية الحفاظ عليه وتنميته وتطويره ، ووضع لهذه الحماية مجموعة من التشريعات منها تشريع عقوبة الزنا ، ومنع التحديد الكامل للنسل ، لأن ذلك يؤدي إلى انقراض الجنس البشري ، كما نشاهد النقص المخيف في أوروبا .

خامساً – مقصد العرض أي شرف الإنسان وسمعته وكرامته ، حيث أولى الإسلام له اهتماماً كبيراً وعناية قصوى ، فشرع لحمايته حدّ القذف في حالة الاتهام بالزنا ، والعقوبات التعزيرية في غيره .

 

سادساً – مقصد المال :

 والمال هو كل ما عدّه الناس ذا قيمة حسب العرف ، وتتعلق به الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ، حيث إن الإسلام يعترف بحق التملك وحريته ضمن دائرة الضوابط ، وبالملكية الفردية وحمايتها من خلال مجموعة من التشريعات ، كما أن الله تعالى أوجب فيها حقوقاً ، ووضع لها قيوداً لا يسع المجال للخوص فيها.

وتبين لنا أن مقاصد الشريعة قد استوعبت بشكل مفصل ومؤصل جميع أنواع حقوق الإنسان وتفصيلاته.

 

القيم الأخلاقية الإسلامية وحقوق الإنسان :

إن الأخلاق في الإسلام ليست وسيلة بل هي أيضاً غاية من الغايات الأساسية ومقصد أسمى وهدف أعظم داخل المنظومة الإسلامية ، حتى جعلها الله هدفاً من أهداف الشعائر والعبادات ، وحقيقة دالة على قبولها وأثرها في أصحابها .

غير أن الدول التي تبنت حقوق الإنسان لا زالت في معظم تصرفاتها – ولا سيما مع العالم الثاني والثالث – تسير وفق الميكافيلية في السياسة ، وازدواجية المعايير في التعامل معهما ، ولذلك استعملت أمريكا عشرات النقض ( فيتو ) ضد الحقوق الإسلامية العربية في فلسطين ، والعراق ، وفي غيرهما ، فهي تقف مع الصهاينة المحتلين لديارنا مهما كانت الدعوى ، وكذلك ما فعلته أمريكا في أفغانستان والعراق عند احتلالهما ، وما حدث وبخاصة في سجن أبي غريب، وسجن جوانتنامو يندى له جبين الإنسانية ، وكذلك ما فعلته الدول المستعمرة في السابق ( إسبانيا ، وبريطانيا ، وفرنسا ، وإيطاليا ، وهولندا ) يتعارض مع أبسط حقوق الإنسان ، بل  حقوق الحيوان .

 فالتجارب الواقعية على مرّ التأريخ الإنساني تدل بوضوح على أن الأمم والحضارات التي تسير وفق الأنظمة والقوانين الوضعية لم تستطع أن تحافظ على حقوق الإنسان عند الحروب ، وعند تعارض المصالح ، في حين أن هذه التجارب تدل بوضوح وصدق على أن الحضارة الإسلامية – بما أنها كانت تقوم على الأسس العقدية والأخلاقية – استطاعت أن تطبق المبادئ الأخلاقية ليس مع الإنسان فحسب بل حتى مع الحيوان والأشجار في أوقات السلم والحرب.