تمهيد :

   فقد رأينا أن هذا الموضوع قد بحث على مستويات متعددة ، وصدرت بها فتاوى وقرارات متنوعة فردية ، وجماعية ، حتى إن المجمع الفقهي الموقر التابع لرابطة العالم الاسلامي ، قد ناقش هذا الموضوع عدة مرات وأصدر بشأنه أكثر من قرار ـ كما رأينا ـ مما يدل على أهمية الموضوع .

  ومع ذلك جاء إلى المجمع الفقهي الموقر خطاب من مدير المركز الاسلامي والثقافي ببلجيكا الموجه إلى معالي الأمين العام لرابطة العالم الاسلامي في 10/04/1423هـ  ، يتضمن ما يأتي :

 ((  لا يخفى عليكم أن مشكلة مواقيت الصلاة من المشكلات الكبيرة عند الجالية المسلمة في أوروبا ، وقد كان للرابطة وللمجمع الفقهي جهود عظيمة لحلها وكان أبرز تلك الجهود القرار السابع الصادر من المجمع الفقهي بالرابطة في دورته التاسعة بمكة المكرمة سنة 1406هـ ، حيث درس المجمع هذه المشكلة دراسة مستفيضة نتج عنها ذلك القرار المبارك ، غير أن القرار ـ في نظرنا ـ بحاجة إلى توضيح لبعض النقاط اليسيرة فيه ، وبحاجة إلى وضع آلية لتنفيذه فمن ذلك : –

1-  أن المنطقة الثانية الواردة في القرار وهي البلدان الواقعة بين خطي عرض  48 ْ – 68 ْ  التي ورد وصف لها في مقدمة القرار بأنها : ” تنعدم فيها بعض العلامات الفلكية للأوقات في عدد من أيام السنة ” قد جاء القرار بخصوصها عاماً وهذا نصه : “والحكم في المنطقة الثانية أن يعين وقت صلاة العشاء والفجر بالقياس النسبي على نظيرهما في ليل أقرب مكان تتميز فيه علامات وقتي العشاء والفجر …. ”

ولا يخفى عليكم أن أوقات السنة عندنا يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام

  • قسم تظهر فيه علامات أوقات الصلاة ولا مشقة في أدائها في أوقاتها .

  • قسم تظهر فيه علامات أوقات الصلاة ولكن المشقة قائمة في أدائها في أوقاتها حيث تتأخر صلاة العشاء عن نصف الليل أحياناً ، ولا يفصل بين العشاء والفجر إلاّ وقت يسير لا يزيد على ثلث الساعة أحياناً .

  • قسم لا تظهر فيه علامات أوقات الصلاة .

والسؤال هو : هل القرار شامل لجميع هذه الأقسام الثلاثة بحيث يؤخذ بالقياس النسبي لكل السنة ؟ أو هو خاص بالقسم الثالث فقط هو الذي تختفي فيه العلامات ؟ ويلتزم في القسمين الأولين بالصلاة في أوقاتها حتى مع المشقة ، كما هو الحكم في المنطقة الأولى الواردة في القرار نفسه ، وعندئذ فما العمل حتى مع المشقة اللاحقة بالناس حيث يجلسون ينتظرون صلاة العشاء ساعات طويلة فإذا صلوها في وقتها هذا وجب عليهم انتظار الفجر لأن الفاصل بين العشاء والفجر قليل في هذه الأوقات فقد يصل أحياناً إلى ثلث ساعة وعندئذ تقل فرصة النوم جداً لا سيما للعمال والموظفين الذين يخرجون مبكرين لأعمالهم .

2-  نقترج أن يدرس المجمع المراد بالمشقة ـ في حالة أخذها بالاعتبار ـ وأن يحدد ضوابطها مثلاً : إذا تجاوزت وقت العشاء ثلث الليل أو نصفه ففيه مشقة ، أو إذا زاد الفاصل بين المغرب والعشاء عن ساعتين ففيه مشقة ، ونحو ذلك من الضوابط ،ويجب أن يلاحظ عند تحديد المشقة وقت صلاة الفجر وطول الليل .

3-  نرى أن ما قام به المجمع في تلك الدورة عظيم وكبير ، ولكنه كان بحاجة إلى إكمال آلية التنفيذ ، فلو شكلت لجنة فلكية مختصة من قبل المجمع لوضع تقويم للصلوات لأهم العواصم الأوربية ونحوها بناء على هذا القرار وكان التقويم ثابتاً على الأشهر الشمسية بحيث لا يتغير ، ثم تبني الرابطة طباعته وتزويد المساجد والمراكز الاسلامية به ، فإن هذا عمل عظيم سيضع النقاط على الحروف ويقلل الخلاف بدرجة كبيرة ، لا سيما إذا علمنا أن استخراج التوقيت بالقياس النسبي ليس متيسراً على الأفراد العاديين إضافة إلى أنه بدأت تخرج تقاويم متنوعة كلها تزعم الاعتماد على قرار المجمع ، وبالتالي فالمجمع أحق بإخراج تقويم ثابت مدروس ينهي الاختلافات .

4-   نؤكد على أهمية هذا الموضوع فالناس عندنا في مساجدهم مختلفون كثيراً حوله وينقسمون في ذلك إلى أقسام :

  • فمنهم من يأخذ بالجمع بين المغرب والعشاء لمدة ثلاثة أشهر تقريباً لوجود الحرج والمشقة .

  • ومنهم من يحدد الفاصل بين العشائين دائماً بساعة ونصف ، وبعضهم بساعتين .

  • ومنهم من يأخذ بقرار المجمع ( التوقيت النسبي ) على اختلاف بينهم فيه .

ونعتقد أن من أهم ما صرف المساجد عن اعتماد قرار المجمع الفقهي عدم الوضوح فيه أولاً ، وعدم متابعة تنفيذه بإصدار توقيت معتمد منه ونحو ذلك .

5-  يلاحظ أن ما ذكر في هذا الخطاب لا يغض من أهمية قرار المجمع الفقهي السابق بل يؤكد عليه ويدعمه ، وبالتالي فالمطلوب هو استكمال ذلك القرار وليس بحث المسألة من جديد بكل تفاصيلها ، وعليه فنعتقد أن هذا أمر يسير على المجمع وأعضائه الموقرين ، مما يجعلنا نلح بطلب دراسته بأسرع وقت ممكن حيث إن الحاجة ماسة والخلاف مستمر بل ويكبر يوماً بعد يوم مما سبب الفرقة بين المسلمين في مساجدهم بل زاد هذا الاختلاف في بعض الجهات إلى درجة غير مقبولة من التنابذ والتناحر حتى بين جماعة المسجد الواحد ، وليس هذا في بلجيكا فقط بل في عدد من عواصم الدول الأوروبية التي توجد لديهم هذه المشكلة )) .

 

 فعلى ضوء ذلك أن ما يحتاج إلى قرار هو ما يأتي :

 الموضوع الأول :  المناطق التي تظهر فيها علامات أوقات الصلاة ، ولكن المشقة قائمة في أدائها ، حيث تتأخر صلاة العشاء عن نصف الليل أحياناً ، ولا يفصل بين العشاء والفجر إلاّ وقت يسير لا يزيد عن ثلث الساعة أحياناً

الموضوع الثاني : قسم تظهر فيه علامات أوقات الصلاة ولا مشقة في أدائها في أوقاتها .

والسؤال : هل يطبق على هذين القسمين قرار المجمع المذكور بحيث  يؤخذ بالقياس النسبي لكل السنة ، أو أنه خاص بالقسم الثالث ـ وهو الذي لا تظهر فيه علامات أوقات الصلوات ـ ؟ !

للجواب  عن ذلك نقول : على ضوء ما ذكرناه في الدراسة السابقة يتبين لنا ما يأتي :

أولاً : إن الأصل هو الالتزام بالأوقات الشرعية المحددة للصلوات ، وللصوم من تبيّن الفجر الصادق إلى غروب الشمس ما دامت العلامات الظاهرية تتميز ـ كما هو الحال بالنسبة للمنطقة الأولى التي تقع بين خطي العرض 45 ْ و 48 ْ شمالاً وجنوباً ، وفي المنطقة الثانية الواقعة بين خطي العرض 48 ْ و 66 ْ شمالاً وجنوباً فيما يخص الأوقات التي تظهر لها علاماتها المميزة ( وأما بالنسبة لوقت صلاة العشاء والفجر فيعين بالقياس النسبي ، وقد اقترح المجلس خط 45 ْ إلى آخر اقرار ) .

  هذا هو الأصل العام الذي تتظافر عليه النصوص الشرعية ، وإجماع الفقهاء عليه من حيث المبدأ ، وهو قرار المجمع المذكور .

  وهذا القرار يطبق على الصوم دون استثناء للمنطقتين الأولى ، والثانية المذكورتين في القرار ، وذلك لأن من لم يستطع الصيام وأصابه ضرر ، أو حرج شديد له الحق في الافطار ، ثم القضاء في الأيام المناسبة ، وهذا ما نص عليه القرار ، فقال : ( ومن عجز عن صيام يوم ، أو إتمامه لطول الوقت أفطر ، وقضى في الأيام المناسبة ) .

  وقد ذكر الدكتور حسين كمال الدين إلى أنه تضيع علامتا الفجر والعشاء في خط العرض 49 ْ لمدة شهر وفي خط العرض 50 ْ  لمدة تزيد عن 40يوماً ، وفي خط العرض 55 ْ لحوالي ثلاثة أشهر ، وفي خط العرض 60 ْ لحوالي أربعة أشهر[1] .

 ثانياً : في هذه الحالات التي لا تظهر فيها العلامات المميزة للعشاء والفجر ، أو تتداخل فيها الأوقات بجواز الجمع بين صلاتي العشاء والفجر جمع تقديم ، أو تأخير بناء ً على الحرج الشديد الذي يصيب هؤلاء الذين يعيشون في هذه المناطق .

 ويستدل لذلك بما يأتي :

1) الأدلة الدالة على جواز الجمع للمقيم لأجل الحرج فقط دون عذر من سفر ، أو مرض أو مطر ، وإنما لرفع الحرج عن الأمة ، وهذا ما يدل عليه الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في باب الجمع بين الصلاتين في الحضر[2] ، بعدة روايات نذكرها لأهميتها :  

الرواية الأولى :

حدثنا يحيى بن يحيى‏.‏ قال‏:‏ قرأت على مالك عن أبي الزبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس؛ قال‏:‏ صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعا‏.‏ والمغرب والعشاء جميعا‏.‏ في غير خوف ولا سفر‏.‏

الرواية الثانية:

حدثنا أحمد بن يونس وعون بن سلام‏.‏ جميعا عن زهير‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ حدثنا زهير‏.‏ حدثنا أبو الزبير عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس؛ قال‏:‏  صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعا بالمدينة‏.‏ في غير خوف ولا سفر‏.‏

قال أبو الزبير‏:‏ فسألت سعيدا‏:‏ لم فعل ذلك‏؟‏ فقال‏:‏ سألت ابن عباس كما سألتني‏.‏ فقال‏:‏ أراد أن لا يحرج أحدا من أمته‏.‏

 الرواية الثالثة:

حدثنا يحيى بن حبيب‏.‏ حدثنا خالد ‏(‏يعني ابن الحارث‏)‏ حدثنا قرة بن خالد‏.‏ حدثنا أبو الزبير‏.‏ حدثنا عامر بن واثلة أبو الطفيل‏.‏ حدثنا معاذ بن جبل قال‏:‏  جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك بين الظهر والعصر‏.‏ وبين المغرب والعشاء‏.‏

قال فقلت‏:‏ ما حمله على ذلك‏؟‏ قال فقال‏:‏ أراد أن لا يحرج أمته‏.‏

 الرواية الرابعة :

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‏.‏ حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس قال‏:‏  صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ثمانيا جميعا‏.‏ وسبعا جميعا‏.‏ قلت‏:‏ يا أبا الشعثاء‏!‏ أظنه أخر الظهر وعجل العصر‏.‏ وأخر المغرب وعجل العشاء‏.‏ قال‏:‏ وأنا أظن ذاك‏.‏

الرواية الخامسة :

حدثنا أبو الربيع الزهراني‏.‏ حدثنا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بالمدينة سبعا، وثمانيا‏.‏ الظهر والعصر‏.‏ والمغرب والعشاء[3]‏.‏

 الرواية السادسة :

حدثني أبو الربيع الزهراني‏.‏ حدثنا حماد عن الزبير بن الخريت، عن عبدالله بن شقيق، قال‏:‏

خطبنا ابن عباس يوما بعد العصر حتى غربت الشمس وبدت النجوم‏.‏ وجعل الناس يقولون‏:‏ الصلاة‏.‏ الصلاة‏.‏ قال فجاءه رجل من بني تميم، لا يفتر ولا ينثني‏:‏ الصلاة‏.‏ الصلاة‏.‏ فقال ابن عباس‏:‏ أتعلمني بالسنة‏؟‏ لا أم لك‏!‏ ثم قال‏:‏ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء‏.‏

قال عبدالله بن شقيق‏:‏ فحاك في صدري من ذلك شيء‏.‏ فأتيت أبا هريرة، فسألته، فصدق مقالته‏.‏

 الرواية السابعة :

‏  حدثنا ابن أبي عمر‏.‏ حدثنا وكيع‏.‏ حدثنا عمران بن حدير عن عبدالله بن شقيق العقيلي؛ قال‏:‏ قال رجل لابن عباس‏:‏  الصلاة‏.‏ فسكت‏.‏ ثم قال‏:‏ الصلاة‏.‏ فسكت‏.‏ ثم قال‏:‏ الصلاة‏.‏ فسكت‏.‏ ثم قال‏:‏ لا أم لك‏!‏ أتعلمنا بالصلاة‏؟‏ وكنا نجمع بين الصلاتين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم [4]‏.‏

  وقد روى حديث ابن عباس ـ إضافة إلى مسلم ـ كل من الإمام مالك ، وأبو داود ، والشافعي ، وابن خزيمة ، والبيهقي وغيرهم[5] .

   وقد أخذ بظاهر حديث ابن عباس جماعة من الأئمة ، فذهبوا إلى جواز الجمع لمجرد الحرج دون وجود أعذار السفر والمرض ونحوهما ، منهم ابن سيرين ، وربيعة وأشهب وابن المنذر ، والقفال الكبير من الشافعية وحكاه الخطابي عن جماعة من أصحاب الحديث[6] وذلك لأن منطوق الحديث يدل على الجمع من غير عذر ، ولذلك فكل من حاول تأويله بالعذر اصطدم بهذا المنطوق سوى ما ذكره راوي الحديث وهو : أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن لا يحرج أحداًَ من أمته ، فالراوي هو أعلم بتفسير ما رواه[7] .

  يقول الإمام النووي : ( ويؤيده ظاهر قول ابن عباس : أراد أن لا يحرج أمته ، فلم يعلله بمرض ، ولا غيره )[8] .

  قال الحافظ ابن حجر :  ( واحتمال المطر قال به أيضاً مالك عقب إخراجه لهذا الحديث …) ثم قال رداً على هذا الاحتمال بقوله : ( لكن رواه مسلم وأصحاب السنن من طريق حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير بلفظ ( من غير خوف ، ولا مطر ) فانتفى أن يكون الجمع المذكور للخوف ، أو السفر ، أو المطر ، وجوّز بعض العلماء أن يكون الجمع المذكور للمرض ، وقوّاه النووي ، وفيه نظر ، لأنه لو كان جمعه صلى الله عليه وسلم لعارض المرض لما صلى معه إلاّ من به نحو ذلك العذر ، والظاهر أنه صلى الله عليه وسلم جمع بأصحابه ، وقد صرح بذلك ابن عباس في روايته ، قال النووي : ومنهم من تأوله على أنه كان في غيم فصلى الظهر ، ثم انكشف الغيم مثلاً فبان أن وقت العصر دخل فصلاها ، قال : وهو باطل ، لأنه وإن كان فيه أدنى احتمال في الظهر والعصر ، فلا احتمال فيه في المغرب والعشاء )[9] .

  وقد حاول بعض آخر تأويل الحديث بحمله على الجمع الصوري ، وهو أيضاً مردود بقول ابن عباس : ( أراد أن لا يحرج أحداً من أمته ، يقول الحافظ ابن حجر : ( وإرادة نفي الحرج تقدح في حمله على الجمع الصوري ، لأن القصد إليه لا يخلو من حرج )[10] .

  قال ابن المذنر : ( ولا معنى لحمل الأمر فيه على عذر من الأعذار ، لأن ابن عباس قد أخبر بالعلة فيه …. ، وسمعت أبابكر القفال يحكيه عن أبي اسحاق المروزي ، وحكى عن ابن سيرين أنه كان لا يرى بأساً أن يجمع بين الصلاتين إذا كانت حاجة أو شيء ، مما لا يتخذه عادة )[11] .

 

 2) الأحاديث الدالة على الجمع بين المغرب والعشاء في الليلة الباردة ذات الريح :

من هذه الأحاديث :

  • ما روي عن نافع عن أبن عمر قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي مناديه في الليلة المطيرة ، أو الليلة البادرة ذات الريح : ( صلوا في رحالكم )[12] وقال نافع أن عبدالله بن عمر كان يجمع إذا جمع الأمراء بين المغرب والعشاء )[13] .

3) الجمع لأجل المطر :

ومن الآثار الواردة في هذا الشأن :

  • ما وراه البيهقي عن بلال بن عقبة أن عمر بن عبدالعزيز كان يجمع بين المغرب والعشاء الآخرة إذا كان المطر ، وأن سعيد بن المسيب ، وعروة بن الزبير ، وأبا بكر بن عبدالرحمن ، ومشيخة ذلك الزمان ، كانوا يصلون معهم ، ولا ينكرون ذلك[14] .

  • ومنها ما روي عن هشام بن عروة أنه قال : رأيت إبان بن عثمان يجمع بين الصلاتين في الليلة المطيرة : المغرب والعشاء فيصليهما معه عروة بن الزبير ، وأبو سلمة بن عبدالرحمن ، وأبو بكر بن عبدالرحمن لا ينكرونه ، ولا يعرف لهم في عصرهم مخالف فكان ذلك إجماعاً [15]، وهو إجماع سكوتي لكنه قد  تكرر أكثر من مرة فيأخذ حكم الاجماع الصريح[16] ، كما استدلوا بحديث ابن عباس حيث حملوه على المطر[17] .

  • وقال سلمة بن عبدالرحمن : ( من السنة إذا كان يوم مطير أن يجمع بين المغرب       والعشاء )[18] . 

  وقد ذهب جمهورالفقهاء ( المالكية ، والشافعية ، والحنابلة ) وهو رأي الفقهاء السبعة ، والأوزاعي على جواز الجمع بين المغرب والعشاء لأجل المطر ، واما الشافعية فقد أجازوا الجمع بين الظهر والعصر أيضاً لأجل المطر[19] حيث استدلوا بحديث ابن عباس وحملوه على المطر وبما روى البيهقي بسندهم عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال : ( إن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في المدينة بين الظهر والمعصر في المطر )[20] .

  قال ابن الملقن : ( اختلف الفقهاء في جواز الجمع بعذر المطر ، فجوزه الشافعي والجمهور في الصلوات التي يجوز الجمع فيها ، وخصه مالك بالمغرب والعشاء )[21] ، وجمهورهم أرادوا بالمطر المبيح هو ما يبل الثياب وتلحق المشقة بالخروج فيه[22] .

4) الجمع للوحل ، عند مالك ، وأحمد في أصح الروايتين عنه ، وذلك لوجود الحرج وهو أن الوحل يلوث الثياب والنعال ، ويعرض الإنسان للزلق ، فيتأذى به ، قال ابن قدامة : ( فأما الوحل بمجرده ، فقال القاضي : قال أصحابنا : هو عذر ، لأن المشقة تلحق بذلك …. ) وقيده بعض الفقهاء بأن يكون الوحل شديداً ، وفي ليلة ظلماء[23] . 

 5) الجمع لأجل الرياح الشديدة في الليلة الظلماء ، عند بعض الفقهاء منهم الحنابلة في الأصح ، قال ابن قدامة : ( فأما الريح الشديدة في الليلة المظلمة الباردة ففيها وجهان : أحدهما : يبيح الجمع ، قال الآمدي : وهو أصح ، وهو قول عمر بن عبدالعزيز ، لأن ذلك عذر في الجمعة والجماعة بدليل ما ورى محمد بن الصباح ، حدثنا سفيان عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي مناديه في الليلة المكيرة ، أو الليلة في رحالكم … رواه ابن ماجه  )[24] .

  يقول شيخ الاسلام ابن تيمية : ( يجوز الجمع للوحل الشديد والريح الشديدة الباردة في الليلة الظلماء ، ونحو ذلك وإن لم يكن المطر نازلاً في أصح قولي العلماء ، وذلك أولى من أن يصلوا في بيوتهم ، بل ترك الجمع مع الصلاة في البيوت مخالف للسنة ، إذ السنة أن تصلي الصلوات الخمس في المساجد جماعة ، وذلك أولى من الصلاة في البيوت مفرقة باتفاق الأئمة الذين يجوزون الجمع كمالك والشافعي ، وأحمد )[25] .

 6) الجمع لأجل الثلج والجليد :

  فقد ذكر الونشريسي ذلك وقال : ( فالجمع للثلج لا أذكر فيه نصاً في مذهب مالك ، واختلف علماء الشافعية فيه ، فمنهم من أجازه ، ومنهم من منعه ، لأنه يزول بنفضه من الثياب ، والذي يترجح ـ والله أعلم ـ أنه إن كان كثيراً جداً ويتعذر نفضه يجوز )[26] وكذلك يقاس على المطر ، أو أنه داخل في الحرج المذكور في حديث ابن عباس رضي الله عنه .

7) الجمع لأجل المرض ، وهو مذهب مالك ، وأحمد ، واسحاق وعطاء[27] ، وقال الترمذي : ورخص بعض أهل العلم من التابعين في الجمع بين الصلاتين للمريض[28] واستدلوا بحديث ابن عباس السابق ، حيث حملوه على حالة المرض ، ، وحديث سهلة ، حمنة في الاستحاضة ـ كما سيأتي ـ

   قال ابن قدامة : ( والمرض المبيح هو ما يلحقه بتأدية كل صلاة في وقتها مشقة          وضعف …)[29] .

8) الجمع لأجل السفر ، وهو رأي جمهور الفقهاء ـ ما عدا الحنفية الذين حصروا الجمع على الظهر والعصر جمع تقديم في يوم عرفة ، والمغرب والعشاء جمع تأخير في المزدلفة ـ[30] ، ولهم أدلة كثيرة معتبرة في السنة النبوية المطهرة[31] .

 9) الجمع لأجل الاستحاضة ، حيث صح أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر سهلة بنت سهيل[32] ، وحمنه بنت جحش لما كانت مستحاضة بتأخير الظهر وتعجيل العصر والجمع بينهما بغسل واحد[33] .

 10) ذو الأعذار يجمعون في أحد أقوال أهل العلم ، مثل من به سلس البول ، أو الريح ، أو المذي ، والشيخ الكبير ، ومن به رعاف دائم ، ومن به جرح لا يزقأ دمه ، والخائف ، والمرضع ، يقول القاضي أبو يعلى : ( كل عذر يبيح ترك الجمعة والجماعة يبيح الجمع ، ولهذا يجمع للمطر ، والوحل ،  وللرياح الشديدة الباردة في ظاهر مذهب الإمام أحمد ، ويجمع المريض والمستحاضة والمرضع )[34] .

وبعض الشافعية والمالكية يرون الرأي السابق نفسه ، حيث أجازوا الجمع بسبب الخوف[35] .

 

عدم التفرقة بن المنفرد والمؤتم :

  قال ابن قدامة : ( هل يجوز الجمع لمنفرد ، او من كان طريقه إلى المسجد في ظلال يمنع وصول المطر إليه ، أو من كان مقامه في المسجد ؟ على وجهين : أحدهما : الحواز ؛ لأن العذر إذا وجد استوى فيه حال المشقة وعدمها كالسفر ، ولأن الحاجة العامة إذا وجدت أثبت الحكم في حق من ليست له حاجة كالسلم ، وإباحة الكلب للصيد والماشية ، ولأنه قد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في المطر وليس بين حجرته والمسجد شيء )[36] .

  

الخلاصة :

  إن غرضي من استعراض ما سبق هو للوصول إلى أن باب الجمع بين الصلاتين المغرب والعشاء واسع جداً حتى أوسع من الجمع بين صلاتي الظهر والعصر ، حيث يدل ما ذكرناه بوضوح على أن الجمع بين المغرب والعشاء مستساغ شرعاً ما دام يوجد حرج ، وله أدلته المعتبرة  وإذا كان الأمر كذلك فإن الحرج الذي يصيب المسلمين القاطنين في هذه البلاد التي لا تظهر فيها العلامات المميزة حرج شديد يدخل بطريق أولى فيما ذكره ابن عباس رضي الله عنهما في الحديث السابق ، وذلك لأن الانتظار إلى ساعات متأخرة من الليل تترتب عليه مشقة كبيرة من حيث الراحة ، وسكنى الليل وسكونه وثباته ومن حيث تأثيره على العمل في النهار بالشكل المطلوب .

 

مشروع الفتوى ( الاستكمالي ) :

 (( يبقى القرار السابق الصادر في رجب 1406هـ ، ويضاف إليه ما يأتي :  

أولاً :   يجوز لأهل المنطقة الثانية ( المذكورة في القرار السابق ) الجمع بين صلاتي المغرب والعشاء جمع تقديم او تأخير في الحالات تتداخل فيهما أوقاتهما  ، لرفع الحرج الذي ذكره حديث ابن عباس الصحيح حيث علل جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين صلاتي الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء بأنه : ( أراد أن لا يحرج أحداً من أمته ) رواه مسلم وغيره .

ثانياً : يجوز أيضاً لأهل المنطقة الثالثة ( المذكورة في القرار السابق ) الاعتماد على توقيت مكة المكرمة في صلواتهم ، وصيامهم وسائر الأحكام المتعلقة بالأزمان )) .

هذا والله أعلم

 ثالثا : يوصي المجمع تشكيل لجنة مشكلة من علماء الشرع ، والفلك وبالتنسيق مع المراكز الاسلامية والمجلس الاوربي للافتاء والبحوث لوضع تقويم للصلوات لأهم العواصم الأوروبية ، يطبع ليوزع على المراكز الاسلامية في أروربا .

 
 
 هذا والله أعلم  بالصواب 
وهو الهادي إلى  سواء السبيل
وصلى الله على  سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم  

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

([1])  الدكتور حسين كمال الدين رحمه الله : المرجع السابق

([2]) صحيح مسلم ط. عيسى الحلبي بالقاهرة ، بتحقيق محمد فؤاد عبدالباقي (1/489 – 492 ) الأحاديث 705 ، 706

([3]) صحيح مسلم (1/489 – 492 )

([4]) هذه الرواية رواها أيضاً البخاري في صحيحه ـ مع الفتح (2/23) وزاد فقال : ( أيوب : لعله في ليلة مطيرة ؟ ؟ قال : عسى )

([5])  يراجع : الموطأ (1/144) وسنن أبي داود الحديث 1210 ، وعون المعبود (4/77) ومسند الشافعي (1/118) ومسند أحمد (1/223) وأبو عوانه (2/353) وصحيح ابن خزيمة الحديث 972 والسنن الكبرى (3/166)

LinkedInPin