بسم الله الرحمن الرحيم
ايها الاخوة المؤمنون
فقد تحدثنا في الخطب السابقة عن مسؤولية الانسان عن نفسه، وماله، وعن عمره وشبابه، وحياته، وعن كلمته، وقلبه ولسانه، وسمعه وبصره، وكل ما هو موجود من نعم الله سبحانه وتعالى المتاحة للانسان، جعله الله سبحانه وتعالى عليها حقا، وفيها المسؤولية امام الله سبحانه وتعالى قبل ان يكون الانسان مسؤولا امام القوانين والتشريعات.
واليوم اتحدث عن مسؤولية الانسان عما هو خارج عن دائرة نفسه، سواء اكان في نطاق الانسان جميعا، او في نطاق الحيوانات، والجمادات، والبيئة ايضا. اما مسؤولية الانسان عن الانسان الآخر، فهذه المسؤولية تتنوع الى مجموعة من المسؤوليات، حسب خطورتها، وحسب اهميتها، وأهم نوع من هذه المسؤولية هي مسؤولية الانسان عن أهله، عن زوجته، وكذلك الزوجة عن زوجها، وأولاده، وكل من تحت ولايته وتصرفه، ثم بعد ذلك يأتي مسؤولية المسؤولين بدءاً من الحاكم والرئيس، ثم الوزاء والمدراء والمسؤولين، ثم المسؤولية الاجتماعية من خلال مسؤولية الانسان من باب الحسبة عن اخيه الانسان، بحكم كونه اخاً لك، وان تنصره ظالما او مظلوما، تنصره ظالما بمنعه عن الظلم، وتنصره مظلوما بأن ترد عنه الظلم.
اما مسؤولية الانسان عن أهله وعن اولاده، فإن الله سبحانه وتعالى جعل هذه المسؤولية جزءاً اساسيا من مسؤولية الانسان عن نفسه، وذكرها الله سبحانه وتعالى مع هذه المسؤولية تماما، فقال سبحانه وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا)، فهذه المسؤولية جمعت بين مسؤوليتين، بين مسؤولية الانسان عن النفس بكل ما تعني هذه الكلمة، وكذلك عن الاهل الذي يشمل الزوج والزوجة، ويشمل الاولاد ذكوراً وإناثاً، ويشمل الاحفاد، وكل من كان الانسان مسؤولا عنه، وتحت ولايته، بحيث لا يتحقق الوقاية الحقيقية للانسان اذا وقى وحمى نفسه فقط، دون ان يبذل كل جهده ،وكل ما في وسعه لحماية أهله، فالله سبحانه يسألك هذا السؤال المزدوج عن نفسك وعن مما بين يديك، وانت مسؤول عنهم، ولا سيما مسئلة الاولاد والاطفال، الذين يولدون على الفطرة والاسلام والخير، ولكن الابوين يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، فإذا انحرف الولد لا سمح الله ذكورا واناثا، فإن المسؤولية مباشرة توجه الى الوالد، لأنه لابد ان يكون هناك خلل، الا اذا قد بذل كل ما في جهده ووسعه، ولا سيما في المراحل المبكرة، حينئذ يكون بمنأى عن المسؤولية، ويكون له اجابته الشافية والكافية عند الله سبحانه وتعالى، حينما يقف فردا أمامه، وعندما يسأل كذلك في اماكن أخرى من قبل الملائكة سواء كان في القبر او في غيرها.
هذه المسؤولية من اهم المسؤوليات، لأنها في مقدورنا، ولأننا نستطيع أن نوجه الاطفال، والله سبحانه وتعالى جعل فطرة الاسلام هي الاصل، وأن الاولاد اذا تركناهم وشأنهم لا يختارون الا الاسلام، الا الفطرة، واذا اختاروا غيره فيكون السبب في التربية والاهمال، وقد يكون السبب سوء العشرة، وسوء الرفقة، وغير ذلك، وهذا يعود الى الوالد والوالدة بأن يمنع الاولاد من هذه المشاكل، وأن يقوما يحمايتهم حماية كافية، وأن يكون الوالدين بمثابة العين الساهرة لهؤلاء الاولاد بالتربية والنصح واستعمال جميع الوسائل المتاحة .
اما المسؤولية الثانية هي مسؤولية الحكام والوزراء والمدراء والمسؤولين، فهؤلاء مسؤولون امام الله سبحانه وتعالى في توجيه امتهم، وفي توجيه شعوبهم، وكل من تعيش في تلك الديار، وقد عبر عن ذلك سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه الذي كان يبكي خوفا من الله في انه قد فرط في حق من حقوق العباد والبلاد، وكان عمر يقف في السوق واذا رأى ظلما على الحيوانات من الحمير وغيرها، كان يزيل هذا الظلم عن هذه الحيوانات التي لا تستطيع ان تنطق بما تحس به من ظلم.
وتصل الى هذه المسؤولية من توفير الغذاء والطعام والدواء، كل ذلك من مسؤولية الحاكم بالمشاركة الحقيقية مع الشعب، بحيث يعيش الشعب أو الامة في سعادة دنيوية ويهيء لها السبيل للسعادة الاخروية، والله يسألهم يوم القيامة اذا قصر اي واحد منهم في هذا المجال حتى ولو كان مسؤولا عن شخص واحد، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال ” كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته” مما يدل على أن المسؤولية شاملة لكل انسان.
المسؤولية الثالثة هي مسؤولية الحسبة، المسؤولية الاجتماعية، والمسؤولية الجماعية، وهو ان كل انسان مؤمن بل كل انسان يعيش في بقعة، مسؤول عن اخيه، لأن الكون كله، والدولة كلها، مرتبط امنه او امنها بالجميع، كما صور ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم في قضية السفينة حينما يقول “مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا ،كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ ،فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا ،فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ ،مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ ،فَقَالُوا لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا ،وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا،فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا،وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا” فالسفينة إما ان تسير سالمة، او بغير سلام وآمان وتغرق في البحر، وهكذا الامر في الدنيا اما ان يكون الغرق في الذنوب او في الفقر والمجاعة والبطالة والمشاكل، أو النجاة والسلام، فالمسؤولية مسؤولية جماعية، ولا يجوز لأحد ان يقول انني حر، فحريتك تقف عندما تتعدى على حرية الآخر، فأنت تعيش في هذا البلد فعليك ان تلتزم بالقوانين والقيم والضوابط التي يسير عليها هذا الشعب، والا فإنك لن تضر بنفسك فقط وانما تضر بالآخرين، وأهملت المسؤولية، فحينئذ يحاسنا الله سبحانه وتعالى على ذلك، وحينما يعم الفساد فأن الهلاك ينزل ولا يخص الفاسدين فقط|، ولا المذنبين فقط، وانما يعم الجميع (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً)، ومن هنا تأتي المسؤولية الجماعية والاجتماعية والحسبة ( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان ).
حينما تسير الامة على هذه المسؤوليات الاربع مسؤولية الانسان عن نفسه، ومسؤوليته عن أهله وأولاده، ومسؤولية الائمة والوزراء والمسؤولين عن من تحت ايديهم، ثم تكمل بالمسؤولية الاجتماعية، حينئذ تسير السفينة بسلام وأمان.
الخطبة الثانية
ضمن هذه المسؤولية الجماعية، مسؤولية هذه الامة الاسلامية جمعاء عما يحدث من الظلم والظلمات، عما يحدث من الاجرام الذي تجاوز كل الحدود في بعض البلاد ولاسيما في سوريا، ففي كل يوم يستحل القتل في الاطفال والنساء والشيوخ، وكذلك يتحقق مع الاسف الشديد الاغتصاب لاعراض النساء الشريفات، والتعذيب المبرمج والممنهج على طريقة هؤلاء الظلمة والمجرمين الذين عاثوا في الارض فسادا، وأظهروا فعلا حقيقتهم التي كانت غير مكشوفة لدى الكثيرين، هذه الامة اليوم مسؤولة امام الله سبحانه وتعالى حكاما ومحكومين، ان يقفوا وقفة رجل واحد امام هذا الظلم الذي تجاوز كل الحدود، فالامة مسؤلة ولا يجوز لها، وهي اكثر من مليار وسبعمائة مليون نسمة، ان تمهل كل هذه الاوقات، في الاول كانت وهلة تركيا، ثم مهلة الجامعة العربية، ومهل اخرى، ثم دخلنا اليوم في مهل وفرص مجلس الامن والجمعية العمومية للأمم المتحدة، ألا يكفي سنة للاستدلال على أن هذا النظام فاسد ومجرم؟ وأنه يجب قلعه وإزالته شرعا، ولا يجوز السكوت عن هذا النظام، وهذه مسؤولية جماعية امام الله سبحانه وتعالى.
ومسؤوليتنا كذلك كشعوب بالدعاء والتضرع، ودفع المال وتوجيه اموالنا لهم، وتسليح الجيش الحر حتى يكون قادرا على الدفاع عن نفسه، وهبوا بكل ما تجود به انفسكم لمساعدة اللاجئين السوريين في تركيا ولبنان والاردن، لأداء جزء من هذا الواجب، ولا أقول التبرع لان هذا واجب علينا، والامة الاسلامية كجسد واحد.