بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله رب العالمين  والصلاة والسلام على سيدنا وقدوتنا محمد المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله الأطهار وصحبه الأخيار ومن تبع هداهم وإلى ( يوم لا ينفع مال ولا بنون إلاّ من أتى الله بقلب سليم )[1] . وبعد :

   فإن الله تعالى أراد لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم أن يكون خاتماً وختماً للأنبياء والمرسلين ، ولدينه الإسلام أن يكون آخر الأديان ولشريعته الإسلامية أن تكون آخر الشرايع السماوية ، ولذلك أعلن عن كمال هذا الدين وإتمامه وعدم حاجته إلى أي رسالة أخرى ، وصلاحيته للبشرية جمعاء وشموليته لكل الأزمان والأماكن على مرّ الدهور والعصور والقرون فقال تعالى : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً )[2] معلناً أنه بعد هذا الكمال والتمام قد أقيمت الحجة على العالمين في أن الله تعالى أنزل عليهم ديناً كاملاً يحقق لهم جميع مصالحهم الدنيوية والأخروية ، ويجلب لهم سعادة الدنيا والآخرة ، وراحة البدن وسكون النفس ، واطمئنان القلب ورضاء الروح ، ولذلك حصر الدين المقبول عنده في الإسلام فقال : ( إن الدين عند الله الإسلام )[3] وحذّر من اتباع دين غيره فقال تعالى:(ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين)[4] .

  وبالمقابل فإن الله تعالى كما جعل دينه خاتم الأديان والشرائع ولجميع الأمم والشعوب على الدهور والعصور فإنه ضمنه كل عناصر الخلود والصلاح والشمولية حتى يصبح ملبياً لجميع حاجات البشرية ، ومستجيباً لكل ما يريدون من خير الدنيا والآخرة ، ودافعاً للتطوير والتنمية والتقدم والبناء .

ومن هنا جاءت نصوص الشريعة مركزة في نصوصها القطعية على الأسس والأركان التي يبنى عليها هذا الدين ، وتوضيح العقيدة الصحيحة ، والقيم والأخلاق الراقية ، وأسس المعاملات والتعامل مع الناس جميعاً تاركة التفاصيل في معظم الأشياء للأدلة الظنية ، أو للاجتهادات الإنسانية في ظل المبادئ العامة والقواعد الكلية .

  وبذلك جمعت الشريعة بين الثوابت التي لا تقبل التغير (أي بمثابة الهيكل العظمي للإنسان ) ، والمتغيرات التي تشبه أحوال الإنسان العادية القابلة للتغير وبذلك انسجمت الشريعة التي أرسلها للإنسان مع الإنسان الذي نزلت عليه : ( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير )[5] .

  فالإنسان ثابت في حقيقته وجوهره وأصل عقله وروحه ونفسه ومكوناته وضرورياته وحاجاته العامة إلى المأكل والملبس والمشرب ( وإن كانت النوعيات مختلفة لكن الأصل العام لم يتغير منذ خلق الإنسان إلى يومنا هذا ) ، ولكن الإنسان متغير في معارفه ، وفي إمكانياته للتسخير وعلومه ، وفي أنواع ملابسه ومشاربه ومآكله ومساكنه فقد وصل إلى القمر ومع ذلك يظل بحاجة إلى الهداية الربانية والعقيدة التي تملأ فراغ روحه ونفسه ، وإلى قيم وأخلاق ربانية تمنعه من الازدواجية والعنصرية والظلم والاعساف ، وتدعوه إلى العدل والمساواة والإنصاف ، وتردعه عن إذلال الإنسان وازدرائه وأكل حقوقه وأمواله[6] .

  وبهذه الصفة العظيمة الجامعة بين الاستفادة من النقل والعقل ، وبين الثوابت والمتغيرات يجتمع في الإنسان خير الدنيا والآخرة ، ويتحقق له التآلف والمحبة والتقارب الحقيقي ، لأننا حينئذٍ نتعاون ونتحد فيما أجمعنا عليه من الثوابت ، ويعذر بعضنا البعض فيما اختلفنا فيه ، لأنه من المتغيرات الاجتهادية التي تقبل أكثر من رأي .

   والفقه الإسلامي يعالج المستجدات والنوازل من خلال مجموعة من النصوص العامة والقواعد الكلية ، والمبادئ الراسخة ، ومن خلال القياس ، والمصالح المرسلة ، ومقاصد الشريعة ، ومآلات الفعل ونحو ذلك .

 ونحن في هذا الفصل نتحدث عن التعريف بالقضايا المعاصرة الجديدة ، والمنهجية ، وكيفية هذا العلاج.

 والله أسأل أن يوفقنا فيما نصبو إليه ، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم ، وأن يعصمنا عن الخطأ والزلل في القول والعقيدة والعمل ، إنه مولاي فنعم المولى ونعم النصير .