الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيدنا وحبيبنا وقدوتنا محمد المبعوث رحمة للعالمين ، وعلى اخوانه من الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله الطيبين ، وصحبه الميامين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد :

  فإن الكتابة عن الإمام بديع الزمان الشيخ سعيد النورسي تعني الكثير والكثير بالنسبة لي ، فقد كتبت عنه كتاباً حول : (الإمام النورسي : جهوده وجهاده في خدمة الدعوة الاسلامية في تركيا) ، ونشرت له رسالة ( الإنسان والايمان ) مع تحقيقها في عام 1980م ، وكان ذلك أول ترجمة لحياته المباركة باللغة العربية في مصر ومن خلالها إلى العالم العربي ، وأول تعريف برسالته العظيمة ( الانسان والايمان ) حيث تلقفه القراء والباحثون في مصر وغيرها ، حتى إنه لم تمض فترة وجيزة حتى اتصل بي بعض طلبة العلم في مختلف مجالات المعرفة والدعوة والعلوم الاسلامية لتسجيل اطروحاتهم ( ماجستير ، ودكتوراه ) في فكر الإمام النورسي ، وجهوده الدعوية ، وفلسفته ………..الخ .

  وقد حدث أن بعض الطلبة حينما يعرضون خططهم عن فكر النورسي ، أو دعوته ، كان القسم العلمي يعترض في البداية على الموافقة بناءً على أن صاحب الفكر غير معروف لديه ، وقد أخبرني أكثر من واحد بهذا الموضوع ولكن حينما يعطي للقسم الكتاب الذي ألفته عن ترجمة الإمام النورسي ، ورسالته ( الانسان والايمان ) ، تتم الموافقة ـ والحمد لله ـ ، وفعلاً تم تسجيل رسالتين في ماجستير ودكتوراه في عام 1981 ، 1982 ، وهكذا … .

   ومن الجدير بالتنبيه عليه والتنويه به هو أن سبب تأليفي لهذا الكتاب ، ونشري لرسالة ( الانسان والايمان ) للنورسي هو أنني أتيت إلى استنابول في عام 1980 للاستفادة من مكتباتها ومخطوطاتها ، فبقيت حوالي أربعين يوماً ، ولكن لم تمض أيام معدودة إلاّ وتعرفت على إخواني تلامذة النور ، فشاركت معهم في قراءة رسائل النور ، وقد وثقت صلتهم بي ، وازدادت ثقتهم بي حتى إنني طلبت أن نبدأ أولاً بالقرآن الكريم ، ثم برسائل النور فوافقوا ، ونال هذا الاقتراح رضاهم ، حتى دعوا لتطبيقه على مستوى تلامذة النور ، وقد سعدت كثيراً بالاخوة الكرام الأستاذ محمد فرنجيه ، والأستاذ محمد برنجي ، وغيرهما ممن نسيت أسماءهم ولكن ذكرياتهم الطيبة معي حفرت داخل قلبي .

  والحمد لله أصبح اليوم فكر الإمام النورسي معروفاً لدى الجميع ، وجزى الله تعالى أخانا الحبيب الأستاذ ( إحسان قاسم الصالحي ) الذي وفقه الله تعالى لترجمة رسائل النور ، وجزى الله تلامذة النورسي على جهودهم المباركة لخدمة هذه الرسائل .

  وكم فرحت اليوم بأنه وصل عدد المؤتمرات العالمية حول بديع الزمان إلى ثمانية مؤتمرات ، ناهيك عن الندوات والجلسات النقاشية التي لا تعدّ ولا تحصى .

  وأنا أقول بكل ثقة ومن خلال معرفتي برسائل النور ومعايشتي لها بأن هذا الفكر جدير بالدراسة والتحليل ليست على مستوى عالمنا الاسلامي فحسب ، بل على مستوى العالم ، لأنها تحمل معها أشعة القرآن ، وضياءه ، ونوره ، فقد عاش صاحبها للقرآن ، وبالقرآن ولأجل نشر نوره وضيائه ، وبيان جماله ، وتوضيح حقائقه ، حيث عشق حقائق القرآن حتى قال : ( ولو بلغ صوتي أرجاء العالم كافة أقول بكل ما أوتيت من قوة :  إن ” الكلمات ” جميلة رائعة ، وأنها حقائق ، وهي ليست مني ، بل هي شعاعات التمعت من حقائق القرآن الكريم ، فلم أجمل أنا حقائق القرآن ، بل لم أتمكن من إظهار جمالها ، وإنما الحقائق الجميلة للقرآن هي التي جملت عباراتي ، ورفعت من شأنها )[1] .

  ونحن في هذه الورقة المقدمة إلى المؤتمر العالمي الثامن نتحدث عن : ( مضمون اسم الله         ” العدل ” ومغزاه في ضوء رسائل النور وإشعاعاته ، وإضاءاته ) داعين الله تعالى أن نوفق جميعاً فيما نصبو إليه ، وأن يكتب لنا التوفيق في شؤوننا كلها ، والعصمة من الخطأ والخطيئة ، في عقيدتنا ، والاخلاص في أقوالنا وأفعالنا ، والقبول بفضله ومنّه لبضاعتنا المزجاة ، والعفو عن تقصيرنا ، والمغفرة لزلاتنا ،  إنه حسبنا ومولانا ، فنعم المولى ونعم الموفق والنصير .

   

          كتبه الفقير إلى ربه

علي محيى الدين القره داغي 

الدوحة / رجب الخير 1428هـ