حوار المذاهب والأقليات
وأثره في درء الفتن والعدوان الخارجي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيدنا وحبيبنا وقدوتنا محمد المبعوث رحمة للعالمين ، وعلى اخوانه من الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله الطيبين ، وصحبه الميامين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
وبعد
فإن أمتنا الإسلامية منذ القرنين الأخيرين تمر بأزمات متواصلة ، وتعاني من فتن واضطرابات متلاحقة ، فقد جُرِّبت عليها مجموعة من الأفكار والأيدلوجيات البعيدة عن منبعها الصافي ، مثل القومية ( بمعناها العنصرية المفرقة ) والاشتراكية والشيوعية ، بشتى أنواعها ومختلف صنوفها ، وأسقطت الخلافة العثمانية التي كانت ـ على الرغم مما لها وعليها ـ تمثل رمزاً لوحدتها ، واحتلت أراضيها ، ومزقت وحدتها ، وفرضت عليها القوانين والأنظمة العربية ، أو الشرقية .
وقد دخل العالم الاسلامي بعد احتلال معظم بلاده في دوامة لا نهاية لها أخرتها قروناً عديدة ، وحينما أُخْرِج المحتلون سياسياً تركوها ممزقة متخلفة ، وسلبوا خيراتها ، وسرقوا ثرواتها … لم يتركوها مستقلة ، دون مشاكل ، بل ظلت آثارهم الاقتصادية والقانونية والاجتماعية ، وحتى السياسية باقية ، وفي بعض الأحيان تصبح بعض بلداننا حقولاً للتجارب الفكرية ، وكما جربوا على بعضنا تجاربهم المعملية بدلاً من الحيوانات .
ومع ظهور الصحوة الاسلامية وتمكنها في بعض البلاد ( بعد فشل الايدلوجيات البعيدة عن ديننا وقيمنا في تحقيق أي خير دنيوي أو ديني للمجتمعات الاسلامية ) ظهرت مشكلة أخرى تعتبر من أخطر المشاكل ، بل هي فتنة أكبر من القتل ، وهي فتنة ما يسمى ( الطائفية ) والمقصود بها الصراع الطائفي بين السنة والشيعة ، وقد أذكيت نار هذه الفتنة خلال الحرب العراقية الايرانية 1980م-1988م التي حاول الاعلام القومي إضفاء وصف آخر ، وهو الحرب القومية العربية الفارسية ، أو الحرب بين القومية العربية و( الفرس المجوس ) ، حسب تعبير بعض وسائل الاعلام القومية في هذا الوقت ، وألفت في ذلك كتب سواء كان ذلك تحت الغطاء الديني ، أو القومي ، مثل كتاب ( وجاء دور المجوس ) وغيره كثير .
وبعد احتلال العراق من قبل القوات الأمريكية والبريطانية والقضاء على جيشه ، وفك مؤسساته الأمنية ، ظهرت الفتنة الطائفية في العراق بشكل واضح ، وبالأخص بعد تدمير القبتين للإمامين الجليلين العسكريين ( رشي الله عنهما ) في مدينة سامراء ، حيث ظهرت الهجمات الطائفية بشكل جماعي مؤسسي ، وأصبحت الضحايا بعشرات الآلاف ، وساعد على ذلك السفهاء من الفريقين .
وفي اعتقادي إذا لم يتدخل العلماء والحكماء من الطرفين تدخلاً حكيماً ، ولم تتم الحوارات الجادة على كافة المستويات فإن الفتنة تأكل الأخضر واليابس ، ويكون الخاسر الوحيد الأمة الاسلامية بجميع فرقها ومذاهبها ، والمستفيد الوحيد الأعداء الذين يتربصون بنا الدوائر ، كما أن كل من ساهم أو يساهم في اذكاء نار الفتنة يتحمل وزرها ووزر الآثار المدمرة منها .
إن أعداء الاسلام يفعلون كل ذلك لحماية الدولة الصهيونية ومخططاتها ، إذ يعلمون علم اليقين أنها لن تستطيع بملاينها الأربعة أو الخمسة أن تستمر فترة طويلة وهي محاطة بحوالي مليار ونصف من المسلمين من كل جانب ، لذلك كانت الصهاينة في السابق تبني مشروعاتها التوسعية وتراهن على أساس أن الأمة الاسلامية كانت مغيبة عن عقيدتها وشريعتها ، وممزقة بأيدلوجيات بعيدة عن إسلامها .
ولكنها بعد الصحوة الاسلامية التي عمت البلاد والعباد وأيقظت الأمة الاسلامية ، ونجحت في مناطق كثيرة جاء المشروع الصهيوني بمخططات تقضي على هذه الصحوة بإشغالها بأنفسها ، وإشغالها بالفتن الداخلية من سنة وشيعة ، ونحو ذلك .
ونحن هنا لا نحمل المسؤولية كلها على المشروع الصهيوني ، ولا نجعله شماعة نعلق عليه كل مشاكلنا ، لأن المسلمين هم المسؤولون أمام الله تعالى ، ثم أمام الأجيال والتأريخ عن كل ما حدث ، أو يحدث ، وإنما نتحدث عن المخططات الخارجية التي هي حقيقة لا يمكن انكارها .
والمشروع الصهيوني يستفيد من التأريخ ولديه ذاكرة جيدة عن تأريخنا ، إذ أن التأريخ سجل أن الصليبين استطاعوا أن يحتلوا الشام ، والقدس الشريف أكثر من مائة سنة في ظل تفرق الأمة الاسلامية في ذلك الوقت حيث تفرقت إلى دولة خلافة سنية في بغداد ، ودولة سمت نفسها بالفاطمية ، وهي كانت عبيدية بعيدة عن آل البيت ، وحتى لم تعترف بصحة نسبتها إليهم الامامية إلى الآن .
وحينما توحدت الأمة في ظل راية واحدة استطاع صلاح الدين الأيوبي أن يحرر القدس الشريف والشام كله من أرجاسهم ، ولذلك يقول المؤرخ الانجليزي توينبي : ( هناك تأريخ قبل صلاح الدين ، وتأريخ آخر بعد حكمه ) .
لذلك ففرقة الأمة الاسلامية إبقاء ونماء وتطوير وتوسيع للمشروع الصهيوني ، وان ووحدتهم ووحدة رايتهم نهاية لهذا المشروع ، وهكذا ، كما قال الله تعالى : ( إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لَأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ) سورة الاسراء / الآية7
ونحن في هذا البحث نلقي الأضواء على الحوار في الاسلام ، بين المسلمين بعضهم والبعض ، وبينهم وبين غيرهم ، وتأصيله وانواعه وآدابه ، وآثاره مركزين على القرآن الكريم ، وسنة نبيه المطهرة ، داعين الله تعالى أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم ، وأن يجمع هذه الأمة على خير العمل ، وعمل الخير ، وأن يزكي أنفسها فهو خير من زكاها فهو وليها ومولاها ، وان يغيرها نحو الوحدة وأن يكشف هذه الغمة عن هذه الأمة ، ويعيد لها عزتها وكرامتها ….. آمين