بسم اللله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد الهادي الأمين ، وعلى إخوانه من الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله المطهرين وصحبه الطيبين  ، ومن تبع هداهم  إلى يوم الدين …. وبعد ،،،  

    فإن الله تعالى أراد لهذه الأمة الدوام والخلود فجعلها الله تعالى خير أمة أخرجت للناس ، وجعلها الأمة الخاتمة يختم الرسالة المحمدية والنبوة الأحمدية فقال تعالى : ( مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً)[1] .

  وهذا يعني في ذاته كمال ارسالة الالهية المتمثلة في القرآن العظيم بحيث لا يحتاج معها إلاّ رسالة أخرى ، ولذلك قال تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً)[2]

 ولكن ختم النبوة وكمال الدين يعنيان في الوقت نفسه أن رسالة هذا الدين صالحة لكل زمان ومكان ، وقادرة لحل المشاكل وعلاج الحلول الناجعة لمختلف القضايا الدينية والفكرية والثاقفية ، والعلمية والسيساسية والاجتماعية والاقتصادية …. وحينئذ تكون شاملة لعنصرين أساسيين ، ومقررين لهما وهما :

‌أ-   الثوابت التي لا تتتغير ، والتي هي الحماية للأمة من الانصهار في بوتقة الغير بالذوبان والانسلاب الحضاري ، وفقدان الهوية.

‌ب-  التطوير والتجديد ، وهذا من خلال والاجتهاد والاستنباط كما قال تعالى : ( وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ …. )[3] وسواء كان ذلك الاجتهاد اجتهاداً واستنباطاً مباشراً من الكتاب والسنة لمن كان قادراً على ذلك ومتوافراً فيه الشروط ، أم كان اجتهاداً انتقائياً ترجيحياً دال الاجتهادات السابقة .

  والاجتهاد ليس خاصاً بدائرة الفقه الفرعي بل هو شامل لجميع النصوصو القابلة للاجتهاد وللحالات التي ليس فيها نص ( وهي منطقة العفو كما في حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه )[4] سواء كانت في دائرة العقيدة ، أم الفكر ، أم الفقه ، أم غيرها .

  وبما أن الله تعالى ختم الرسالات بالقرآن الكريم ، والأنبياء والمرسلين بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، فإن الله تعالى جعل لهذه الأمة علماء ومجددين وطائفة منصورة تبقى على الحق وتدافع عنه ، وتجدد الدين وأمره حتى تعيده إلى ما كان عليه في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه أجميعن ، حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها )[5] ، ولفظ (من) في الحديث عام للفرد ، والجمع ، كما قال ابن الأثير : (  والأولى العموم ، فإن “من” تقع على الواحد والجمع ، ولا تختص أيضاً بالفقهاء ، فإن انتفاع الأمة يكون أيضاً بأولي الأمر ، وأصحاب الحديث ، والفراء ، والوعاظ ، لكن المبعوث ينبغي كونه مشاراً إليه في كل من هذه الفنون )[6] .

  يقول فضيلة الشيخ القرضاوي : (  والذي أراه أن الحديث يفيد أنه لا يبزغ قرن إلاّ ويبزغ معه فجر جديد ، وأمل جديد ، وبعث جديد ، حتى تستقبل الأمة المسلمة القرن بقلوب يحدوها الرجاء في غد أفضل ، وعزائم مصصمة على عمل أمثل ، ونيات صادقة في تغيير الواقع بما يوافق الواجب ، وخصوصاً أن المفروص في الأمة أن تقف على رأس القرن مع نفسها وقفة محاسبة وتقويم محاولة أن تستفيد من ماضيها ، وتنهض بحاضرها ، وترقى بمستقبلها مبتهلة إلى ربها أن يكون يومها خيراً من أمسها ، وغدها خيراً من يومها )[7] .

  وأحسب أن أحد مجددي القرن الرابع عشر هو الشيخ جمال الدين الأفغاني ، بل هو على رأس هؤلاء المجددين الذين خدموا الاسلام وبعثوا روح التجديد ، والنهضة الشاملة .

  وقد وفقه الله تعالى أيضاً ليس في مجال صناعة الفكر الاصلاحي ، وتجديده ، بل في صناعة الرجال والمفكرين أمثال محمد عبده والسيد رشيد رضا ، ثم تأثرت بهذه المدرسة الاصلاحية كل الحركات الاصلاحية التي على رأسها حركة الاخوان المسلمين بقيادة الإمام حسن البنا ( رحمهم الله جميعاً ) .

  ونحن في هذه الورقة نتحدث بايجاز شديد عن حاجة الأمة الاسلامية إلى الفكر الاصلاحي للسيد جمال الدين الأفغاني الحسيني من خلال الحديث عن معالم المنهج الاصلاحي وكيفية الاستفادة منه .

وكلمة أخيرة قد يثار التساؤل حول لقبه هل هو أفغاني أو ايراني أو سني أو شيعي ؟

 فقد أجاب الباحث الكريم الدكتور محمد عمارة فقال : ( الذي رأى أن الرجل لن يعيبه أن يكون إيرانيًا أو أفغانيًا، ولن ينقص من قدره أن يكون شيعيًا أو سنيًا؛ لأنه مسلم تشرف به كل أقاليم الإسلام وجميع مذاهبه.

وأن الذي جعل قضية الخلاف حول موطن جمال الدين وحول المذهب الديني الذي تمذهب به تأخذ بعدًا آخر، أخرجها من هذا الإطار المألوف، هو أن الذين ادعوا إيرانيته وشيعته قد أرادوا –من وراء هذه الدعوى- إثبات كذب الرجل، فقد قال عن نفسه بأنه أفغاني، ونطقت أفكاره وكتاباته بأنه سني، فالمقصد من وراء تلك الدعوة هو هدم الرجل (الرمز) الذي يعتز به الجميع) .

  وفي الختام لا يسعنا إلاّ أن نتقدم بالشكر الجزيل لسعادة المستشار الثقافي بسفارة الجمهورية الاسلامية الايرانية على هذه الجهود المباركة لترتيب هذه الندوة .

 

                   كتبه الفقير إلى ربه

علي محيى الدين القره داغي 

الدوحة / صفر 1429هـ  

 

 

    والله أسأل أن يوفقنا جميعاً فيما نصبو إليه ، وأن يكتب لنا التوفيق في شؤوننا كلها ، والعصمة من الخطأ والخطيئة في عقيدتنا ، والاخلاص في أقوالنا وأفعالنا ، والقبول بفضله ومنّه لبضاعتنا المزجاة ، والعفو عن تقصيرنا ، والمغفرة لزلاتنا ،  إنه حسبنا ومولانا ، فنعم المولى ونعم الموفق والنصير .

 


([1])  سورة الأحزاب / الآية 40

([2])  سورة المائدة / الآية 3

([3])  سورة النساء / الآية83

([4])  روى الترمذي وابن ماجه وغيرهما بسندهم عن سلمان الفارسي قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السمن والجبن والفراء ، فقال : ( الحلال ما أحل الله في كتابه ، والحرام ما حرم الله في كتابه ، وما سكت عنه فهو مما عفا لكم ) وفي رواية أخرى رواها الحاكم والبزار بلفظ : ( فهو عفو فاقبلوا من الله عافيته ، فإن الله لم يكن ليسنى شيئاً ، وتلا : ( وما كان ربك منسياً ) سورة مريم / الآية 64

([5])  الحديث رواه أبو في سننه الحديث رقم 4270 والحاكم في المستدرك (4/522) ورواه غيرهما ، وذكره الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم 599

([6])  جامع الأصول (11/ 320 – 324 )

([7])  د. يوسف القرضاوي : بحثه الموسوم : تجديد الدين في ضوء السنة ،  المنشور في مجلة مركز بحوث السنة والسيرة ، العدد الثاني 1407هـ ص 00025