بسم الله الرحمن الرحيم
 

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد الهادي الأمين ، وعلى آله الطيبين وصحبه الميامين ومن تبع هداه إلى يوم الدين ….. وبعد


   فإن من سنن الله تعالى لخلق الإنسان أن يمرّ بمراحل وأطوار مختلفة حيث يبدأ بنطفة أمشاج ثم  ينشئ الله تعالى بعد مراحل الجنين خلقاً آخر فينفخ فيه من روحه ، ثم يخرج طفلاً ضعيفاً ، ثم ينمو حتى يصبح شابا يافعاً ، فكهلاً ، فشيخاً كبيراً ثم إن طال به العمر سيصل إلى مرحلة أرذل العمر لا يعلم من بعد علم شيئاً ، ثم يموت ، كما قال الله تعالى : (يَٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِى رَيْبٍ مِّنَ ٱلْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَـٰكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِى ٱلأَْرْحَامِ مَا نَشَآءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوۤاْ أَشُدَّكُمْ وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُمْ مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى ٱلأَْرْضَ هَامِدَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَآءَ ٱهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ)[1] .


  فالإنسان يبدأ بمرحلة الضعف المتمثل بالطفولة ، ثم مرحلة ينتهي إلى مرحلة القوة ، ثم يصل إلى مرحلة الشيبة والضعف فقال تعالى : (ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْقَدِيرُ )[2] .


فهذه الآيات الكريمة كما تدل على هذه المراحل والأطوار المختلفة تدل بوضوح على وجوب الرعاية الأكثر لمرحلة الضغف الثاني المصحوب بالشيخوخة وكبر السن ، كما كانت الرعاية موجودة لمرحلة الضعف الأول .


  ومن جانب آخر فإن كل من يقوم بتوفير الخدمات والرعاية لهؤلاء المسنين فإنما هو يقدم عملاً صالحاً لمستقبله أيضاً ناهيك عن الثواب العظيم الذي يناله .


  ومن هذا المنطلق أولى الإسلام عناية منقطعة النظير بالمسنين اتخذت شكلاً أساسياً داخلياً وهو رعاية الأسرة للمسن القريب ، حيث أوجب على الأولاد والأحفاد (ذكوراً وإناثاً) رعاية وصفها الله تعالى بخفض جناح الذل للوالد المسن فقال تعالى : (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّـٰهُ وَبِـﭑلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَـٰناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا)[3].


  إضافة إلى واجبات الدولة نحوهم ، ولكن أيضاً من خلال الأسرة نفسها ، أو المسن نفسه.


 ولذلك لم تكن رعاية المسنين في يوم من الأيام موضع بحث ، أو سؤال في وسط الأسرة المسلمة ، والمجتمع الإسلامي حيث كانت الأسرة تقوم بهذا الواجب تنفيذاً لأوامر الله تعالى وخوفاً من عذابه الشديد في الدنيا والآخرة في حالة الإخلال بهذه الحقوق التي إذا لم تراع تسمى بالعقوق ، فقد كانت الأسرة تضع جناحيها للوالدين المسنين وتوليهما كل رعاية واحترام ، وكذلك المجتمع ينظر إلى المسنين نظرة توقير وإحترام وتبجيل ، وتوصفهم بالحكماء الذي ينبغي استشارتهم والاستفادة من خبراتهم دون إهمالهم ، فكانوا بركة المجلس وقدوة الأجيال الناشئة .


  ولكن حدث في عصرنا الحاضر مستجدات أدت إلى حدوث خلل في هذا الجانب ، ولذلك بدأت الدول ، ومنها الدول الإسلامية بالاهتمام الرسمي بالمسنين ، والرعاية الطيبة ، والعناية الكبيرة بالمسنين الذين أفنوا شبابهم في خدمة وطنهم وبلدهم والأجيال السابقة ، من خلال توفير الأجواء المناسبة والسكن المناسب والرعاية الصحية المتكاملة ، وقد أنشئت في دولة قطر المؤسسة القطرية لرعاية المسنين مؤسسة خاصة ذات شخصية اعتبارية مستقلة وتتمتع بالأهلية الكاملة للتصرف ، ومقرها الرئيسي مدينة الدوحة .


تهدف المؤسسة إلى :




  • إيواء المسنين الذين تعجز أسرهم عن رعايتهم أو الذين ليس لهم أسر ترعاهم



  •  توفير خدمات الرعاية الصحية والاجتماعية والنفسية المناسبة لهم



  • تقديم الخدمات والرعاية للمسنين في مساكنهم وبين أسرهم



  • توعية الأسر لاحتضان المسنين وتوجيههم لأفضل الأساليب للعناية بهم



  • تأهيل المسنين لمواجهة المشكلات الناتجة عن كبر السن وكيفية التأقلم معها



  • محاولة إدماج المسنين في المجتمع كل حسب إمكانيته وقدراته


وليس من غرض المؤسسة تحقيق ربح مادي ، أو الاشتغال بالعمل السياسي


 


 ولها في سبيل تحقيق أهدافها القيام بكل أو بعض الأعمال الآتية:




  • التعاون والتنسيق مع الجهات ذات العلاقة داخل وخارج دولة قطر في مجال نشاط المؤسسة



  • تثقيف الأسر التي ترعى المسنين وتقديم الخدمات الاستشارية لهم



  • عقد الندوات واللقاءات والمؤتمرات المتعلقة بنشاط المؤسسة



  • تلقي الإعانات والهبات والوصايا لتحقيق أغراض المؤسسة


  كما أن دولة قطر استضافت الملتقى العربي الثالث لشؤون المسنين تحت شعار «الأمس اشراقة غد» الذي رعته الشيخة موزة المسند رئيس المجلس الأعلى لشؤون المسنين وشاركت فيه منظمات وهيئات كثيرة تعنى بشؤون الأسرة وكبار السن ومنها الجامعة العربية والأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي والهيئة الخيرية الإسلامية العالمية والملتقى العربي لشؤون المسنين والجمعية العالمية الثانية للشيخوخة وعدد من الجامعات الخليجية.



 اعلى الصفحة 



استهدف الملتقى طرح القضايا التي تهم المسنين على جميع المستويات بهدف تحسين أوضاعهم ومنحهم المزيد من الفرص، وبحث كيفية إيجاد آلية عمل لامكانية منح المسنين فرص عمل لتأكيد قدراتهم الانتاجية واسهاماتهم في نهضة المجتمع وتنميته ومن ثم حمايتهم من التأثيرات السلبية الناجمة عن البطالة والفراغ. وناقش جملة من المحاور وهي كالتالي:




  1. الحفاظ على مكانة المسن في الأسرة لأنها هي الأساس في بناء المجتمع القوي المتماسك، وأن على جميع الأجيال بمن فيهم المسنون أن يساهموا ويشاركوا في نهوض المجتمع وتطويره.



  2. المسن معني بذاته وبإنتاجياته وبالعمل على إعالة نفسه وبمشاركته في خطط التنمية الشاملة وبأنه جزء من الحاضر والمستقبل.



  3. تقييم توصيات الملتقى الأول والثاني على المستوى الحكومي والأهلي، ومراجعة التوصيات التي لم تنفذ.



  4. استعراض ومناقشة الدراسات التي أنجزها الباحثون المكلفون بإعدادها للملتقى الثالث.



  5. التعرف على بعض التجارب القطرية فيما يخص التشريعات والخدمات المقدمة للمسنين.


  وليس التأليف عن المسنين بدعاً من الأمر فقد كتب أبو حاتم السجستاني في القرن الثالث الهجري كتاباً عن المعمرين ، وبذلك سبق علماء الغرب في الكتابة عنهم .


  ومن هذا المنطلق يأتي قيام مجلس الأسرة بتنظيم (مؤتمر الدوحة العالمي لرعاية المسنين في ظل التحولات المعاصرة) ، وقد كان لي شرف الاستجابة لدعوة المجلس الكريمة لكتابة بحث حول (المسنون في ضوء القرآن الكريم والسنة مع نماذج تطبيقية لرعاية المسنين في المجتمع الإسلامي) حيث تناول البحث الموضوعات الآتية :




  1. التعريف بالمسنين في اللغة والاصطلاح



  2. المسنون في القرآن الكريم والسنة النبوية



  3. المبادئ العامة لتكريم المسنين في الإسلام :


    أ: كرامة الإنسان وحياته وضرورياته وحاجياته


    ب : مبدأ الإحسان والرحمة والتعاون في الإسلام


    ج: احترام الكبير وتوقيره ومكانته المتميزة



  4. الآثار الناتجة من هذه المبادئ :


    أ : واجبات الدولة نحو المسنين


    ب: واجبات الفرد والمجتمع نحو المسنين


    ج: التكافل الاجتماعي لصالح المسنين


    د:الرعاية الخاصة للمسنين القربى



  5. بعض نماذج من التطبيقات العملية لرعاية المسنين


    أ : في عصر الرسالة


    ب : في عصر الخلافة الراشدة


    ج : في العصور اللاحقة



  6. دور دولة قطر في رعاية المسنين


    أ : اجتماعياً


    ب: نفسياً


    ج: صحياً 



  7. الخاتمة في أهم النتائج والتوصيات


    وأخيراً نأمل أننا قد وفقنا في تحقيق ما نصبو إليه ونسأل الله تعالى أن يلبس عملنا هذا ثوب الاخلاص ، ويزينه بالقبول ، ويبارك فيه بالنفع والفائدة ، ويعصمه من الخطأ والزلل في القول والعمل ، إنه حسبنا فنعم المولى ونعم النصير .



 اعلى الصفحة


  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


([1]) سورة الحج / الآية 5


([2]) سورة الروم / الآية 54


([3]) سورة الإسراء / الآية 23