بسم الله الرحمن الرحيم 

 

ملخص خطبة فضيلة الشيخ الدكتور علي محي الدين القره داغي

السعادة لن تتحقق إلا بالجمع بين متطلبات الروح والجسد والإسلام لن يتكامل إلا بقلب سليم ولسان نظيف وجوارح تعمل الصالحات.


الحج ميلاد جديد لمن يحج وعلامة قبول الحج هو البدء بمرحلة جديدة

ان تطرقنا في الخطب الماضية وتركيزنا على اهمية الداخل الانساني من قلب ونفس وعقل وروح وتبياننا الى ان النجاة والفوز يوم القيامة عند الله هو الاقبال على الله بقلب سليم طاهر مع الله ومع عباده وقد بينا في هذا الباب الاهمية القصوى لهذا الجانب وهذا القسم من تربية الانسان المسلم.


ولكن بقدر تبياننا لاهمية هذا الداخل الانساني في الفوز يوم القيامة فانه لا يعني البتة الاقتصار على هذا الجانب الداخلي واغفال المظاهر الخارجية وما يمكن ان ينتجه هذا الفهم القاصر من انحرافات واخلالات على حياة الانسان المسلم خاصة ومن بين الاخطاء الشائعة عند العامة أن الاساس هو القلب السليم فقط وكأن كل ما سواه لا يمثل اي اعتبار عند الله في ميزان الفوز للانسان فترى البعض يضع سلامة القلب في مقابل ترك الصلاة والزكاة والصوم متعللين بأنه ما دامت القلوب سليمة فلا ضير في ترك ما سواها.


هذا منهج خاطئ لا محالة ولكن في المقابل تجد المنهج المناقض باهتمامه فقط بالجانب الظاهري دون تزكية النفس وتنظيف القلوب والسمو الروحي هو كذلك منهج خاطئ والمنهج الصحيح هو كل ما يتماشى مع طبيعة الانسان من خلال مبدأ الزوجية يقول تعالى(( سبحان الذي خلق الازواج كلها مما تنبت الارض ومن أنفسهم )) إذا الانسان مخلوق مزدوج منذ بداية الحياة أي منذ التشكل الجيني الأول (XY بالنسبة للذكر وXX بالنسبة للانثى) وكذلك منذ خلق البشر الاول فهو بين تراب وروح فالانسان إذا قلب وروح وعقل ومشاعر ونفس… في مقابل الجوارح من عيون واذان وايد وبدن .


ومنذ القدم ظلت البشرية تتراوح بين التوجه الى الروحية المحضة مثل البوذيةوالرهبان وغيرهما وقد تأثر بهم بعض الغلاة من الصوفية عندنا فتركوا الظاهر واعتنو بالداخل، وبين المادية المفرطة التي لاتولي العناية الا بها

أما المنهج الاسلامي الصحيح فهو المنهج الرباني الجامع بين الخيرين القائم على الوسطية،ولكن الوسطية وصف اذا ما هو المعيار:المعيار هو الميزان ولذلك بين الله سبحانه بين الامرين في كتابه العزيز في وصف هذه الامة (( وكذلك جعلناكم امة وسطا)) أي ايها المسلمون فان صفتكم هي الوسطية، أما المعيار فقد قال ((وانزلنا معهم الكتاب والميزان..)) وهو ميزان مادي ومعنوي ولذلك عندما يختل ميزان احد الجانبين يكون هناك الخلل


وبنظرة بسيطة حول العالم فنجد العالم الغربي قد أوغل في الجانب المادي تاركا القيم والاخلاق والدين بل جعلهم من مظاهر التخلف في ثقافته ولهذا لم تفلح هذه الحضارة الغربية في جلب السعادة للعالم وحتى لمواطنيها وذلك من خلال فشلها في ايقاف الامراض الاجتماعية مثل ظاهرة الانتحار والشذوذ والامراض الناتجة عن انتشار المنكر مثل الايدز وغيرها من امراض هذه الحضارة المادية.


كذلك ومع الاسف الشديد نحن المسلمون قد انشغلنا بالقضايا الخلافية فلم نول القضايا الداخلية من  قلب ونفس وروح وعقل اي اهتمام ولا كذلك الجانب المادي والعلمي العملي ومازلنا في حالة من الاضطراب ولن نعود الى الجادة من امرنا الا عندما نعود الى الميزان الحقيقي الذي وضعه الله تعالى


ففي صفوف الامة هناك مناهج ظاهرية حرفية اعتنت ببعض الجوانب وتركت الجوانب الداخلية والروحية والعاطفية من حب لله ورسوله، كما يوجد في الجانب المقابل من المتصوفة المبتدعة ،ولا اقول كل الصوفية، وما احدثوه من ابتداع وخرافات وبقيت الامة تترنح بين هذين المنهجين.


في حين يظل المنهج الصحيح هو ما كان دمجا بين الآيات القرآنية كلها ما تعلق منها بالتزكية للنفوس وتهذيب للروح وسلامة القلوب وغيرها من الآيات التي ارادها سبحانه معالجة للداخل الانساني كقوله (( يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من اتى الله بفلب سليم )) وكذلك قوله تعالى(( ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها )) وكذلك بآيات الظاهر والسلوك كما وصف الله عباده في قوله(( وعباد الرحمان الذين يمشون على الارض هونا واذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما)) فالجمع بين الامرين هو الذي ينتج شخصية متوازنة.


فالاسلام هو منهج زوجي ارسله الله تعالى الى هذا الانسان الزوجي واذا اختل التعامل في جانب على حساب جانب اختل التوازن وانعدمت معه الحياة المستقيمة.


ونحن نعيش هذه الايام موسم الاستعداد لاداء فريضة الحج الى بيت الله الحرام، ولهذا فمن الجدير أن نذكر بما تيسر حول هذه الفريضة ارتباطا بموضوع خطبتنا هذا.


الحج هو من اكثر العبادات تلتقي فيها ثنائية الداخل والظاهر فهو يجمع بين العمل القلبي الروحي وبين الجوارح وكذلك هو عمل اجتماعي كمؤتمر يجمع عدد غفير من المسلمين.


والمهم من الحج والحكمة منه يتلخص في الآية الكريمة (( ليشهدوا منافع لهم)) فالحاج يذهب ولابد أن يعود وقد حقق منافع دينية ونفسية واخلاقية واجتماعية.


فالمنافع الدينية متمثلة في تقوية الايمان من خلال المناسك والتكبير والتلبية والعبادات في اماكن يتضاعف فيها الاجر للعمل نفسه فيما سواه، الحرم الشريف والمسجد النبوي، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم “الحج المبرور ليس له جزاء الا الجنة” إذا فالحاج يعود وهو قد بدأ صفحة بيضاء في حياته فالمفروض أن يتركها بيضاء من خلال التقوية والتربص الايماني الذي عاشه طيلة ايام الحج المباركة. 

 
والسلام عليكم ورحمة الله