أيها الإخوة المؤمنون

أكرمنا الله تعالى بأعظم شهر أكرم به عباده المؤمنين، شهر جعل الله تعالى صيامه فريضة، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم قيامه سنة وتطوعاً، شهر أنزل الله تعالى فيه القرآن الكريم، فقال تعالى: { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ }[1]، وفيه لية هي خير من ألف شهر، فقال تعالى: { لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ }[2].

هذا الشهر العظيم وردت فيه مبشرات عظيمة لكل من يريد الخير، حيث ينادى فيها في كل ليلة" يا باغي الخير أقبل، وياء باغي الشر أقصر"، هذه النداء العظيم الذي يتوجه به الله تعالى إلى عباده المؤمنين يدل دلالة واضحة على عظم هذا الشهر، وفيه بشرى لكل من فرط في جنب الله تعالى بأن هذا الشهر هو شهر التوبة والامتناع عن المحرمات والمباحات طوال هذا الشهر، وأنه موسم خير عظيم يُضاعَف فيه الأجر؛ فثواب السنة فيه بثواب فريضة فيما في سواه، وثواب الفريضة فيه بسبعين ضعفاً فيما في سواه ــ كما ورد ذلك في بعض الآثار ـــ.

والعاقل الكيِّس المتأمل لمستقبله ينتهز هذه الفرصة، ولا يفوت على نفسه هذا الخير لأمرين معاً، امتناعاً عن المحرمات وزيادة في الخيرات، وطمعاً في الأجر والثواب والبركات في كل مجالات الحياة، وذلك بصيام نهار هذا الشهر حق الصيام وقيام ليله حق القيام.

فإذا امتنع فيه عن المباحات من الأكل والشرب والشهوة، فمن الأولى أن يمتنع فيه عن ارتكاب الفواحش والمنكرات والمحرمات من كذب ونميمة ونشر للشائعات، وغير ذلك مما جعله الله حراماً.

ومما أكرم الله به عباده المؤمنين في هذا الشهر العظيم أنه منح الأمة الإسلامية فيه ثلاث بشائر عظيمة، وصحيحة متفق على صحتها في الأحاديث النبوية.

البشارة الأولى: مغفرة ذنوب الصائم حق الصيام، الذي تصوم جوارحه وتمتنع عن المحرمات كما يمتنع صاحبها عن المباحات، الذي يصوم إيماناً بالله تعالى، واحتساباً لأجره عنده سبحانه، فقد جاء في الصحيحين قول النبي صلى الله عليه وسلم: " مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"[3].

البشارة الثانية: مغفرة ذنوب من قام لياليه حق القيام، بحيث لم يلهُ عن التراويح والتلاوة، ولم يجعل سهره للهو واللعب، بل إيماناً بالله تعالى، واحتساباً للأجر عنده سبحانه، فقد جاء في صحيح مسلم:" مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"[4]

البشارة الثالثة: مغفرة ذنب من أدرك ليلة القدر فقامها إيماناً واحتساباً، فقد جاء في الصحيحين"  مَنْ يَقُمْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ "[5].

بالإضافة إلى هذه البشائر العظيمة فإن هناك بشائر أخرى منها، شفاعة القرآن الكريم، والصيام لصاحبه، فقد جاء في المسند عند الإمام أحمد قول النبي صلى الله عليه وسلم:" الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ الصِّيَامُ أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ وَيَقُولُ الْقُرْآنُ مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ قَالَ فَيُشَفَّعَانِ"[6].

وكل هذه البشائر مرتبطة بالصيام الذي يحقق أهدافه، وإذا تدبرنا الآيات التي نزلت في الصيام نجدها تركز على ثلاث مقاصد مهمة، وعلى ثلاث أهداف في غاية من الأهمية، وثلاث غايات مطلوبة من كل إنسان مسلم في حياته.

المقصد الأول: التقوى، قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }[7]، فهذه الآية واضحة في ربط الصيام بغايته القصوى، وهو تحقيق التقوى، وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم التقوى في حديث الإحسان، حين جاءه جبريل عليه السلام يسأله ويصدقه،" الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك"[8]، فحينما تقدم على أي عمل أو حينما تعرض عليك المعاصي والشهوات فراقب الله تعالى، وأنت متيقن بأنه يراك لا تغيب عنه طرفة عين، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فإن لم تكن لديك هذه الدرجة من الخشية والمراقبة لله تعالى، فلتكن في المرتبة الأخرى" فاعلم أنه يراك"، فحينئذ تستحي منه سبحانه فتبارد إلى الخيرات، وتحجم عن المعاصي.

وهذه هو البرهان الذي كان عند سيدنا يوسف عليه السلام حين راوته امرأة العزيز عن نفسه في جو مهيأ لذلك، وحين غلقت الأبواب، وقالت: { هَيْتَ لَكَ }، فقال: { مَعَاذَ اللَّهِ } وهذا هو نفس الإحساس الذي يُكَوّنه الصيام في نفس المؤمن، لأن المؤمن يمتنع في هذا الشهر كله عن المباحات كلها، ولا يعلم حقيقة نفسه إلا الله تعالى، فكيف يقدم على المحرمات؟  وكيف يقصر في الواجبات؟.

الحكمة الثانية: لعلكم تشكرون، قال تعالى:{ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }[9]، أن يصل الإنسان من خلال صيامه إلى شكر الله تعالى على جميع نعمه وآلائه، إلى الشكر المطلق لله تعالى، إلى الشكر على الإيمان والإسلام، إلى الشكر على أحكام الإسلام التي كلها خير للإنسانية جمعاء، إلى الشكر على عزة الإسلام التي تأنف عن الانصهار في بوتقة الذل والخيانة، إلى الشكر على نعم الله الظاهرة والباطنة، والتي لا يدركها عد ولا يحصرها إحصاء، والمؤمن في الشكر على ثلاث مراتب:

الأولى: الصبر عند الضراء.

الثانية: الشكر عند السراء.

الثالثة: الشكر في السراء والضراء، وهذا أعلى مراتب الشكر وقِمتها، لأنه يعلم يقيناً أن الله تعالى لا يقدر له إلا الخير، ولأنه يفهم قوله تعالى: { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا }[10]، فإن الله تعالى قال:{ مع } ولم يقل { بعد }، والمؤمن في جميع الأحوال في شاكر، والصيام يصل به إلى هذا المقام.

 

الحكمة الثالثة: لعلهم يرشدون، قال تعالى: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }[11]وهذه هي النتيجة العملية من الصيام وهو أن يصل الإنسان من خلال تقواه لله تعالى، ومن خلال شكره الله تعالى على جميع نعمه إلى مرحلة الرشد والسداد وتطبيق الأمر وفق منهج الله تعالى ووفق منهج الفطرة السليمة والعقل المستقيم، وهو ما يسمى في مجال السياسة بالحكم الرشيد، وفي مجال الاقتصاد بالسياسة الرشيدة، البعيدة عن الإسراف والتبذير، وفي مجال علم الاجتماع بالتعامل المتوازن دون الانحدار إلى مرحلة الذل، ودون التعالي إلى مرتبة الكبر.

والرشد صفة عظيمة لا يصل إليها إلا الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، وكذلك الصالحون المتبعون لأحكام الله تعالى، وخير ما يساعد الإنسان للوصول إلى الرشد الصيام الذي ينمي فيه التقوى والشكر.

فالتقوى والشكر والرشد هي الغايات القصوى والأهداف العظمى والمقاصد الأسمى للفرض صيام رمضان، ولا تتحقق إلا إذا كان الصيام والقيام أيماناً واحتساباً.

فما أحوج الأمة اليوم إلى هذه الغايات الثلاث، التقوى لتعود إلى الله تعالى، ولتحقيق معاني" الله أكبر" الكلمة التي تربي المسلم على العزة والكرامة والتمسك بالثوابت والدفاع عن المبادئ، وهذا يعني أن تعتمد الأمة على الله تعالى أولاً وعلى أنفس أفرادها ثانياً لتحقيق ذاتها وسيادتها بين الأمم، وأن لا تستعين بمن لا يرعى فيها إلاًّ ولا ذمة، من الكفرة الفجرة الفسقة، الذين لا يرعون إلا مصالحهم الذاتية، والذين يطمعون في نهب خيرات بلادنا وثرواتها، وهذا ينافي التقوى التي أمر الله بها، والتي جعلها شعاراً لعباده، تمتلئ بها القلوب فتفيض الجوارح خشية وتثمر عزاً.

وهذا لا يعني أن نترك التعامل مع الآخرين، بل الإسلام أمرنا أن نتعامل معهم بعزة نفس وكرامة وإباء حسب المصالح التي تنفع أمتنا، وأن يكون ذلك بالرشد والسداد، وليس بناءً على العواطف ولا حسب الأهواء، ولا حسب ردة الأفعال.

فأين ثوابتنا اليوم؟

وأين الأمة اليوم؟

اليوم لا صوت يعلو على صوت محاربة الإرهاب، وأعداؤنا هم الذين صنعوه، واستغلونا من خلاله.

فهذا الشهر شهر التقوى شهر العودة إلى الله تعالى بالقلوب والأفعال المرضية عودة حقيقية، وكذلك لتكون الأمة شاكرة لنعم الله تعالى عليها، نعمة الأمة، ونعمة هذه الثروات التي هي أمانة عندها تجب المحافظة عليها.

وكذلك الحكم الرشيد والاقتصاد السديد، والتعامل المتوازن والأنشطة السديدة، حينئذ تكون الأمة رشيدة موفقة بإذن الله تعالى.

وليحرص المسلم أن يكون حظه من صيامه الجوع والعطش فقط، وأن لا يكون له من قيامه إلا السهر والنصب، بل عليه أن يحرص على الصوم الحقيقي الذي يمتنع فيه عن المباحات وجميع المحرمات، والذي ينمي فيه الإحساس بمسؤوليته تجاه أمته وإخوانه، وليتحمل مسؤوليته تجاه قضايا الأمة، قضية فلسطين، وقضية اليمن التي يحصد الكوليرا فيها أرواح 34 ألف أو يزيد، وكذلك المسؤولية تجاه أهلنا في العراق وسورية وميانمار وبنغلادش، وغير ذلك من البلاد الإسلامية المنكوبة، ولا يتم ذلك إلا من خلال الصوم الحقيقي الذي ينتج أمة تقية شاكرة راشدة.

الخطبة الثانية:

من أهم أهداف وحدة الأمة أن تتحد على أهدافها بما يحقق الخير لها، ومن أخطر ما نهى الله تعالى ألمسلم عنه كل ما يؤدي إلى الفتنة، حتى جعل الفتنة أشد وأكبر من القتل، لأن الفتنة تؤدي إلى مصائب كبيرة جداً، ومعظم مصادر الفتنة بين هذه الأمة هي الإشاعات الكاذبة، والتلفيقات المغرضة، ثم تعطى للإعلام المضلل الذي يعتبر أسوأ من سحرة فرعون، فإن سحرة فرعون حين أدركوا الحقيقة سجدوا لله تعالى وأمنوا به، رغم تهديد فرعون لهم بالقتل والصلب، والإعلام المضلل اليوم وصل إلى مرحلة خطيرة جداً، حتى حين نفت قطر تلك الإشاعات الكاذبة في كل وسائلها لم يرعوِ الإعلام المضلل، بل ما يزال يردد تلك الإشاعات، وما يزال يستأجر المرتزقة للترويج لهذه الشائعة.

وغن الله تعالى حرم الإشاعة فقال: { إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ }[12]، فإذا كان مجر د حب نشرها موجباً للعذاب الأليم، فكيف بمن يشيعها مع سبق الإصرار والترصد؟

ولقد علمنا الإسلام كيف نتصرف فيما لو جاءنا نبأ من قبل أي أحد، حيث يجب على المسلم أن لا يقبلها دون تثبت أو تبين، قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ }[13]، لأن الحكم دون التثبت وقبول الأمر دون تبيان يحدث بلبلة بين المجتمع، ويوقع المجتمع في الندامة.

كما حرم النبي صلى الله عليه وسلم التحدث بكل ما يسمع المرء، واعتبر ذلك إثماً، حيث قال: "كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ"[14]، كما اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم الخوض في أعراض الناس وصفاتهم من الغيبة، وعدّ أن المتحدث بصفات غير موجودة ولا أصل لها بهتاناً، وذلك حين سأل أصحابه عن الغيبة، فقال: "أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ قِيلَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ قَالَ إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ اغْتَبْتَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ "[15].

وقد بين القرآن الكريم أن الذين يخوضون في الشائعات ويرجفون بها في الناس، هم المنافقون، أما المسلمون فإنهم يردون الأمر إلى الرسول صلى الله عليه وإلى أهل الاستنباط ليتحققوا منه ويبينوا غث الخبر، وليحذروا الأمة من الترويج والوقوع فيها، قال تعالى: { وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ }[16].

فالواجب على المسلم إذا سمع بإشاعة أن يقوم الآتي:

  • إرجاء الأمر لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وإلى أهل الاختصاص.
  • أن يكف عن الإشاعة فلا يكون مروجاً لها من حيث لا يدري، قال تعالى: { وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ }[17]
  • التفكر في مآل الإشاعة وآثارها على الأمة، وليعلم أنه لا يذيعها إلا فاسق، قال تعالى:{ لَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ }[18].

وليعلم الجميع انه لا يستفيد من هذه الإشاعات إلا أعداء الأمة، ولا يبغون من وراء ذلك إلا تمزيق جسد الأمة، حتى يسهل لهم التحكم في ثرواتها وخيراتها، وحتى يسهل عليهم القضاء على الأمة وثوابتها، ولقد فعلوا ذلك أيام الخلافة العثمانية، حين استخدموا العرب والمسلمين لإسقاطها تحت مسمى محاربة القومية الطورانية وإقامة القوميات العربية.

ولم يبق في جسد الأمة اليوم موضع شبر إلا وفيه طعنة فاسد، أو رمية فاسق، أو ضربة فرقة، ماذا حل بكل من العراق وسورية؟ وليبيا واليمن؟ وبقية العالم الإسلامي، ولم تبق لحمة متماسكة إلا الخليج العربي، وهاهم اليوم يعيدون الكرة ذاتها التي استخدموها في إسقاط الخلافة العثمانية، يريدون تمزق وحدة الخليج، ويستخدمون في سبيل ذلك بني جلدتنا، ومن يدين بديننا، ولن يقف بهم الأمر عند إيذاء قطر فقط، بل ستطال هذه الفتنة كل بلدان الخليج العربي ـــ نسأل الله تعالى أن يحفظها جميعاً من كيد الأعداء ـــ، فالمؤامرة كبرى.

واجبنا الشرعي أن يكون لنا رد إيجابي، ودفاع علمي شرعي، وأن نقابل الإعلام المضلل بإعلام موجه هادف، يعرف موقع الكلمة الطيبة وأثرها في النفوس، ويتحرى المصداقية في النقل والسبق الصحفي، ولا يتكئ على الكلمة الخبيثة التي لا تخرج إلا نكداً، ليس لها قرار في الأرض.

ومن أجل ذلك أوجه ندائي إلى كل مسلم أن يتقي الله في هذه الأمة، فقد مزقت بما يكفيها، وأن يراقب الله في قوله وفعله خاصة وقد أقبل علينا هذا الشهر الذي ينهض بنا إلى أمة التقوى والشكر والرشد.

اللهم أصلح أحوالنا.

 


[1] سورة القرة/ الآية 185

[2] سورة القدر/ الآية 3

[3] رواه البخاري في صحيحه برقم ( 38) واللفظ له، ورواه مسلم في صحيحه برقم( 760)

[4] رواه مسلم برقم( 759 )

[5] رواه البخاري برقم( 35 )، واللفظ له، ومسلم برقم ( 760 )

[6] المسند رقم الحديث ( 6589 )

[7] سورة البقرة/ الآية 182

[8] رواه البخاري في صحيحه برقم( 50)، ورواه مسلم في صحيحه برقم(  8)

[9] سورة البقرة/ الآية 185

[10] سورة الشرح/ الآية 5

[11] سورة البقرة/ الآية 186

[12] سورة النور/ الآية19

[13] سورة الحجرات/ الآية6

[14] رواه أبو داود في سننه برقم ( 4992 )

[15] رواه مسلم برقم ( 2589 )

[16] سورة النساء/ الآية 83

[17] سورة النور/ الآية 16

[18] سورة النور/ الآية 12