إذا نظرنا إلى التطبيقات المعاصرة للإجارة نجد أنها تدور حول ما يأتي :

أولاً : التوسيع في دائرة الإجارة المشاكلة ” المشابهة ” لبعض العقود مثل المضاربة والجعالة .

 والحقيقة أن جمهور الفقهاء كانوا حريصين على استعمال كل عقد في مجاله وحسب مقتضاه بعيداً عن استعمال عقد مكان عقد آخر في بعض الآثار ، والأحكام ، ولكنهم كان جمهورهم حاسماً في اعتبار المقاصد والمعاني المستفادة من الجملة كلها ، دون الوقوف عند كلمة واحدة منها حيث قرروا أن العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني وليس بالألفاظ والمباني ، ولكن بعضهم اعتمد على الألفاظ فقط ـ كما سبق ـ .

  وبناءً على ذلك فقد استعمل عقد الإجارة مكان المضاربة أو الجعالة في بعض الأحكام والآثار ، مثل الصورة الآتية :

1 ) تحديد الأجرة في عقد الإجارة المشاكلة للمضاربة كمن دفع سيارته ، أو سفينته ، أو آلته الانتاجية لمن يعمل عليها بحصة نسبية محددة من الأجرة والعائد ـ كما سبق ـ

 

2) تحديد الأجرة في عقود الإجارة المشاكلة للجعالة ، كمن استأجر شخصاً ، أو وكله بتحصيل ديونه مقابل حصة نسبية من المال المتحصل .

وهذه المسألة أيضاً خلافية ، وذكرنا حكمها في السابق ، ولكنها في نظرنا لا تدخل في الجعالى بل هي داخلة في الإجارة ، أو الوكالة بأجر .

 

3) إجارة المحلات التجارية باجرة نسبية مربوطة بمقدار أرباح التاجر المستأجر .

  هذه المسألة في نظري لا تدخل في الإجارة ، ولا تطبق عليها قواعد الإجارة وأحكامها بل ظاهرها إجارة فاسدة ، ولكن على ضوء قاعدة ” أن العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني … ” تدخل في شركة الأموال ، فكأن المالك المؤجر شارك بالعين المؤجرة ـ على رأي من أجاز المشاركة بالأعيان ـ والمستأجر شارك بالمال والبدن ، وهذا ما سماه الحنابلة : ” مالان وبدن ” ثم إنه عند الحنابلة يجوز أن تختلف نسبة الربح عن نسبة المال بالاجماع .

  ولكن هذا التكييف إنما يجوز إذا قام الشريكان بتقويم المحل المستأجر لتكون قيمته معلومة في المشاركة .

 

4) استئجار شخص بأجر محدد مع مكافأة إضافية نسبية إلى حجم المبيعات ، أو مقدار الأرباح المتحققة .

هذا أيضاً جائز ، ويكيف على أساس تحديد أجرتين : أجرة ثابتة ، وأجرة مشروطة بتحقيق أمر معين ، وهي وان سميت مكافأة ولكنها تعتبر أجرة إضافية .

 

5) استئجار الشخص بأجر نسبي إلى مقدار مبيعاته ، وهذا شبيه بما ذكره بعض فقهاء الحنفية المتأخرين من جواز الاتفاق على النسبة من رأس المال بالنسبة للسمسار .

 

6) استئجار الشخص بأجر نسبي إلى أرباح مبيعاته مثل أن يقول : أجرتك لتشغيل هذه الأموال والاستثمار فيها على أن يكون أجرك نسبة 50% مثلاُ ، فهذا في حقيقته وحسب القاعدة السابقة مضاربة ، وليس إجارة .

 

ثانياً : إجارة الأعيان بأجرة نسبية محددة مربوطة بمؤشر سعر الفائدة (لايبور).

الاعتماد على مؤشر معين في تحديد الأجرة :

 تعتمد المؤسسات المالية اليوم على عقود الإجارة في كثير من أنشطتها التجارية والتمويلية ، وقد تعترض طريقها مشكلة إبقاء الأجرة على حالتها إذا كانت الإجارة طويلة الأمد ، حيث تتغير الإجارات خلال فترة الإجارة ، ولذلك يثور هذا التساؤل حول مدى جواز الاتفاق بين المؤجر والمستأجر على تحديد مبلغ الأجرة بمؤشر معين مثل (لايبورLIBOR)  علماً بأن هذا المؤشر ليس ثابتاً ، وإنما هو متغير وبالتالي مجهول ؟

 

للجواب عن ذلك أنه يمكن حل ذلك من خلال الحلول الآتية : 

أولاً : الاتفاق على المدة المطلوبة (فلنفترض عشر سنوات) دون ذكر الأجرة في بداية العقد ، وتكون الأجرة حسبما يتفق عليه الطرفان ، بحيث تحدد عند بداية كل فترة ، وهذا يدخل فيما ذكرناه في مذهب مالك في رواية لابن يونس عنه حيث أجاز عدم ذكر الأجرة في العقد ، ثم إرضاء الأجير ـ كما سبق ـ .

 

ثانياً : الاعتماد على أجرة المثل ، واعتماد ذلك المؤشر بمثابة أجر المثل ، وهذا لا أرى فيه مانعاً شرعياً لما يأتي :

1.أن بعض الفقهاء منهم ابن تيمية أجازوا البيع والتأجير بسعر ما يبيعه الناس،او حسب سعر السوق ،بأن يتفق الطرفان على التأجير لمدة محددة،ويجعلان الأجر حسب أجر المثل الذي يحدد فيما بعد،وعلى ضوء ذلك يمكن اعتبار ذلك المؤشر أو نحوه بمثابة أجر المثل.

 

 يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : (وقد تنازع الناس في جواز البيع بالسعر) ثم ذكر الإجارة بأجرة المثل ، ثم قال : (وفيه قولان في مذهب أحمد ، والأظهر في الدليل أن هذا جائز ، وانه ليس فيه حظر ، ولا غدر ، لأنه لو أبطل مثل هذا العقد لرددناهم إلى قيمة المثل فقيمة المثل التي تراضوا بها أولى من قيمة مثل لم يتراضيا بها ، والصواب في مثل هذا العقد أنه صحيح لازم ….، ومنهم من قال : إن ذلك (أي البيع بالسعر ، والإجارة بأجرة المثل) لا يلزم ، فإذا تراضيا به جاز ، والله أعلم)  .

 

 ومن جانب آخر أن الاعتبار بالمؤشر وإن كانت فيه جهالة في البداية ، ولكن هذه الجهالة مما تنتهي بالعلم عند الحاجة ، وبالتالي فلا تؤدي إلى النزاع الذي يجعل العقد فاسداً ، فالمؤشر يعلن عنه في كل يوم ، وهو معلوم في يومه لا يحيطه لبس ولا غموض ، ولا يشوبه غرر ولا جهالة عندما يعلن عنه ، لذلك فالاعتماد على لايبور أو نحوه كمؤشر فقط ولاحتساب الأجر جائز من حيث المبدأ ، , وإنما الاشكال في المعيار نفسه ، حيث يتمنى المسلم أن يكون للعقود الإسلامية ، او البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية مؤشر إسلامي معتمد عليه على الأقل في العالم الإسلامي .

 وهذا ما نتمناه ، بل بدأت الخطوات التنظيرية حتى العملية تخطو نحو تحقيق ذلك بإذن الله تعالى .

 

فتوى جماعية حول الاعتماد على المؤشر :

 وقد عرض الموضوع السابق على ندوة البركة الحادية عشرة للاقتصاد الإسلامي فأصدرت الفتوى الآتية : (يتحقق العلم بالأجرة في عقد الإجارة الواردة على الأشياء إذا تم الاتفاق على مدة معلومة موزعة على فترات ، مع تحديد مقدار الأجرة عن الفترة الأولى واعتماداً أجرة المثل عن بقية الفترات بشرط أن تكون أجرة المثل منضبطة أو مرتبطة بمعيار معلوم بحيث لا مجال فيه للنزاع ، وذلك بقصد استفادة المتعاقدين من تغير مستوى الأجرة مع استبقاء صفة اللزوم لكامل مدة العقد) .