أجاز مالك في رواية لابن يونس عنه عدم ذكر الأجرة في العقد ، ثم إرضاء الأجير  ، وهذا مبني على العرف ، وعلى أن الأساس هو التراضي كما استند على قصة موسى حيث لم تحدد الخدمة حيث قال تعالى : )عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي)  قال ابن العربي : قال مالك : ( إنه ـ أي ذكر الخدمة ـ مطلقاً دون تحديدها جائز ، وتحمل على العرف…. ودليلنا أنه معلوم ، لأنه استحقاق لمنافعه فيما يصرف فيه مثله ، والعرف يشهد لذلك ويقضي به ، فيحمل عليه ، ويعضد هذا بظاهر قصة موسى ، فإنه ذكر إجارة مطلقة ، على أن أهل التفسير ذكروا أنه عيّن له رعية الغنم ، ولم يرووا ذلك من طريق صحيحة ، ولكن قالوا : إن صالح مدين لم يكن له عمل إلاّ رعية الغنم ، فكان ما علم من حاله قائماً مقام تعيين الخدمة فيه ، وعلى كلا الوجهين فإن المسالة لنا ، فإن المخالف يرى أن ما علم من الحال لا يكفي في حصة الإجارة حتى يسمى… وعندنا أنه يكفي ما علم من الحال ، وما قام من دليل العرف ، فلا يحتاج إلى التسمية في الخدمة ، والعرف عندنا أصل من أصول الملة ، ودليل من جملة الأدلة ، وقد مهدناه قبل ، وفي موضعه من الأصول ……….. وقال : قال علماؤنا : إن كان أجره على رعاية الغنم فالإجارة على رعاية الغنم على ثلاثة أقسام : إما أن تكون مطلقة أو مسماة بعدة ، أو معينة ، فإن كانت مطلقة جازت عند علماؤنا ، وقال أبو حنيفة والشافعي : إنها لا تجوز لجهالتها ، وعوّل علماؤنا على العرف ، وأنه يعطى على قدر ما تحتمل قوته)   .

 

المرونة في تحديد الأجرة  :

 وقد رأينا من خلال ما سبق أن هناك مرونة كبيرة في تحديد الأجرة أكثر من الثمن في البيع ، حيث رأينا جواز تعليق الأجرة وترديدها بين أمرين ، ورأينا في مذهب مالك عدم تسمية الأجرة في العقد ليكون دفعها خاضعاً للعرف وأجرة المثل ، وإرضاء الأجير ، كما أن الأجرة تؤول إلى أجرة المثل عند فساد العقد  .

 والخلاصة أن الشرط الأساسي في الأجرة هو أن تكون معلومة علماً يدرأ جهالة مؤدية إلى النزاع من خلال التعيين ، أو الوصف ببيان الجنس ، والنوع والقدر ، وذلك للأحاديث الواردة في نفي الغرر والجهالة  ولكن باب الإجارة في هذا المجال أوسع بكثير من باب البيع ، ففي قصة موسى عليه السلام كانت الأجرة التزويج ، ومناعه ، وهي غير محددة ، كما انها لم يفصح عنها.

 

تسعير الأجرة :

   يخضع تسعير أجرة العمل للاختلاف الكبير بين الفقهاء في أصل التسعير  والذي نرى رجحانه أنه يجوز أن تتدخل الدولة في تسعير الأجور بما يحقق مصالح المجتمع دون أن يترتب عليه ظلم لأحد ، فقد ذكر ابن القيم أن الدولة يحق لها إجبار الناس على الفلاحة ، والنساجة ، وسائر الصناعات المطلوبة للمجتمع … بأجر المثل  ولكن على الدولة أن تعتمد في تحديد الأجور وتسعيرها على أهل الخبرة والأمانة ، يقول ابن عابدين : ( ان طريق علم القاضي بالزيادة : أن يجتمع رجلان من أهل البصر والأمانة فيؤخذ بقولهما عند محمد ، وعندهما قول الواحد يكفي )  ولا مانع في عصرنا أن تشكل لجنة لتحديد الأجور وتسعيرها من أهل الخبرة ، ومن يمثل العمال ، وأرباب العمل ، وأن يلاحظ في تحديد العمل ـ كما يقول شيخنا أبو زهرة ـ قيمة العمل ، وكفاية العامل وأهله بالمعروف  .

 

الأجرة بجزء شائع من الإنتاج أو من الشيء نفسه :

 وقد أجاز المالكية في أحد قوليهم ، وجمهور فقهاء الحنابلة ، وبعض مشايخ بلخ من الحنفية  أن تكون الأجرة من نفس الشيء الذي يعمل فيه الأجير مثل أن يستأجره لطحن إردب بدرهم وقفيز من دقيقه ، ولعصر زيتون بنصف الناتج ، لأنهما لا يختلفان بعد العصر ، ولجواز بيع نصفها كذلك ، فإن كان يختلف امتنع ، قال القرافي : (وتمتنع الإجارة على سلخ الشاة بشيء من لحمها لأنه مجهول قبل السلخ…) وعن أبي الحسن : إذا دبغ جلوداً بنصفها قبل الدباغ على أن يدفعها كلها ، فإن فاتت بالدباغ فعلى الدباغ قيمتها يوم قبضها ، وله أجرة المثل في النصف الآخر لحصول العمل ، وإن دبغها بنصفها بعد الدباغ فدبغت فهي كلها لربها ، لفساد العقد بسبب الجهالة بحال المدبوغ ، وللدباغ أجرة مثله ……. .

 ويجوز على قول أشهب الإجارة على الذبح ، او السلخ برطل لحم ، لأنه يجوز بيع ذلك اعتماداً على الجنس  .

 

  وأجاز الظاهرية ذلك مطلقاً وأسندوه إلى ابن أبي ليلى ، والأوزاعي والليث ، وابن سيرين ، وعطاء ، والزهري  ، وقال ابن العربي : ( إن معمر بن الأشد أجاز الاجارة على الغنم بالثلث ، والربه ، وقال ابن سيرين والزهري وعطاء وقتادة ، نسيج الثوب بنصيب منه ، وبه قال أحمد بن حنبل ) .

  وذهب جمهور فقهاء الحنفية ، والشافعية ، والمالكية في قولهم الثاني إلى عدم صحة هذه الإجازة ، لوجود الغرر فيها ، لأنه لا يعلم مقدار الخارج ، ولا صفته  .

  والراجح هو القول الأول لأن الجهالة فيه يسيرة لا تؤدي إلى نزاع ، وذلك لأنها تؤول إلى العلم .