بسم الله الرحمن الرحيم

ايها الأخوة المؤمنون

كلما جاءت فترة الصيف اصبح أولياء الأمور امام أمرين مهمين لا يجوز لهم أن يتركوهما، بل يجب عليهم ان يبحثوا بدقة، ويضعوا خطة دقيقة لهذه الفترة حتى تستثمر ايجابيا، ولا يترتب عليها مشاكل او مفاسد، او تضيع للاولاد والاهل كما يحدث في كثير من الاحيان، فقد اثبتت الدراسات والبحوث الجنائية في مراكز الشرطة في العالم العربي بصورة خاصة الى أن معظم الحوادث وحالات الادمان والسرقات والمشاكل التي تحدث بين الشباب وبين الاحداث، حينما يحققون معهم، يجدون أنهم عودوا على هذه الفعلة من خلال فترة الصيف والعطلة، ومن خلال اصدقاء السوء، أو من خلال السياحة الغير منضبطة التي يترك فيها أولياء الأمور اولادهم ذكورا وإناثا ليعيثوا وليسيحوا دون ضابط أو مراقب ولا اهتمام أو عناية.

فهؤلاء الاولاد من مسؤوليتكم كما أنكم مسؤولون عن انفسكم، فالله سبحانه وتعالى يسألكم مباشرة بعد سؤاله عنكم حينما تقفون فرادا أمام الله سبحانه وتعالى (وقفوهم إنهم مسؤولون)، ومن أهم الاسئلة بعد السؤال عما فعلت، السؤال عمن ولّاك الله عليهم من الأولاد والأهل والبنين والبنات وغير ذلك مما جعل الله سبحانه وتعالى لك سلطة عليهم، كما دلّ على ذلك النص الصريح من القران الكريم حينما يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)، فالله سبحانه وتعالى أمر المؤمنين جميعا، وهذه الكلمة – المؤمنون- تشمل المؤمنين والمؤمنات، لأن الله سبحانه وتعالى يجعل ذلك من باب التغليب كما في الآية الكريمة حينما تتحدث عن مريم تقول (كانت من القانتين) مع أن القانتين جمع المذكر السالم، ولكن هذا الجمع في القران الكريم دائماً على سبيل التغليب، فجميع الآيات الكريمة التي تتحدث عن المؤمنين تشمل المؤمنات، وقد يكون في بعض الأحيان تخصص الآية المؤمنات ايضا لمزيد من الأهمية والتخصيص

فمن واجب الرجل والمرأة سواء كان أبا أو أما، وسواء كان أخا كبيرا أو أختاً كبيرة، أن يقوم او تقوم بواجب الوقاية بنفسه من النار من خلال ترك المعاصي والابتعاد عنها، ومن خلال فعل الطاعات وفعل الحسنات، كما أنه من واجبه وواجبها أن يقوم وتقوم بحماية من كانوا تحت يديه أو يديها من البنين و البنات ومن الاخوة والاخوات.

وزداد أهمية وخطورة هذه المسؤولية في فترة الصيف، لأن هناك فراغا كبيرا لا يملأ، فليس هناك دراسة ولا مدارس وغالبا ما يكونوا  الاولاد داخل البيت يجلسون أمام التلفاز أو يشتغلون عبرالانترنيت، وما أدراكم ما في قنوات التلفاز والانترنت من وسسائل للتخريب والتدمير، ولا اقول إن التلفاز حرام لأن فيه شيئا طيبا ايضا، ولكنه فيه جانب كبير يجب علينا أن نقوم بعمليتين عملية التحصين وعملية الحكاية والوقاية .

عملية التحيصن هو أن نقوم بغرس القيم والعقيدة والأخلاق في نفوس هؤلاء الشباب والاطفال من الذكور والاناث، بحيث يخافون الله سبحانه وتعالى، ويستشعرون برقابة الله سبحانه وتعالى ويكونون مثل سيدنا يوسف حينما عرضت عليه هذه المرأة الجميلة، صاحبة الجاه والمال، وهي سيدته (وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ)، هذه عملية التحصين بالعقيدة والاخلاق والقيم، وفي سبيل ذلك نستطيع ان نستفيد من البرامج العلمية ومن الافلام العلمية ونعرضها عليهم، لأن المراهقين والمراهقات يحبون التجارب، ويحبون ان يجربوا بأنفسهم، فنأتي لهم بالتجارب السابقة امامهم، فربما يريد مراهق ان يجرب المخدرات، وهذا من طبيعة المراهق يحب الالتحاق، فنأتي بقلم يتحدث عن شخص مدمن على المخدرات وماذا كانت نتيجته وكيف كانت حالته الصحية وما كانت مصيره ومستقبله فنقول هذا الذي جرب المخدرات فهاذا عاقبته ونتيجته وهكذا .

اولادنا ثروتنا وليس هناك شئ أهم من أن نستثمر فيهم وأن نعطي الوقت فيهم لأنهم مستقبل بلدنا ومستقبل أمتنا، ومستقبل وطننا، وحقيقة مستقبلنا متوقف على هؤلاء الشباب كيف يكونون، يكونون صالحين مبدعين تنهض الأمة ، أو يكونون كسالى ومهتمين بشهوة البطن والفرج حينئذ نكون تابعين ويكتب لنا التبعية للغرب الى ان يرث الله الارض ومن عليها.

فهذه مسؤولية دينية ومسؤولية وطنية وأخلاقية، ويجب أن نقوم بها على أحسن الوجوه وأفضله ولا مانع من أن نستعين ببعض المربين والمراكز وأن نجلس اليوم وليس غدا مع اولادنا لوضع خطة لملء هذا الفراغ، وأن تكون هذه الخطة شاملة للجوانب التعبدية وحفظ القران والحديث، وشاملة كذلك للجوانب العلمية والترفيهية والرياضية، لأن الله جعل للأعضاء حقوقاً على الانسان، فللبدن حقه، وللروح حقها، وللنفس حقها، وللعقل حقه، وللقلب حق، وللعين حقها، فكل هذه الأجزاء لها حق عليك وبالتالي يصبح وينشأ الطفل أو الشاب نشأة سوية متوازنة جامعة بين الدنيا والآخرة .

أم الموضوع الثاني التي يقف فيه اولياء الامور عندما تأتي فترة العطلة هو موضع السفر والسياحة، ولا شك أن الاصل في السفر والسياحة الإباحة ولكن ترد عليهما الأحكام الخمسة التكليفية فقد يكون السفر واجبا أو حراما أو مندوبا ومسنونة وقد يكون مجرد اباحة وقد يكون السفر مكروها .

ويكون السفر مباحا اذا كان لمجرد الترفيه، فلا مانع من ذلك فهذا أمر مطلوب في الاسلام أن يرتاح الانسان، لأن القلوب اذا كلت عميت،  لذلك يحتاج الانسان الى شئ من الراحة والاستجام، حتى ارشدنا الله سبحانه وتعالى الى ذلك، فقد جعل الاسبوع سبعة ايام، وقد خلق الله الخلق كله في ستة أيام وترك اليوم السابع، وهو غني عن كل شئ، للاستدلال بأنه لابد أن يكون هناك شئ في الاسبوع للراحة والاستجمام، وأن يكون كذلك في السنة فترة زمنية لشئ من الراحة والاستجمام، حتى يبدأ الانسان عمله بمنتهى الجد والنشاط وقد أخذ البدن من حقوقه.

فالسياحة المشروع والسفر المشروع أمران مشروعان، بل قد يكونان مسنونين اذا كان الغرض من السياحة والسفر أن يفكر الانسان في خلق الله، وأن يستفيد من قضايا التاريخ، كما قال الله تعال (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ۚ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فالله سبحانه وتعالى أمرنا أن نسير في الأرض، ولكننا ننظر ونستفيد ونفكر فيما نرى ونحلل فيما رأينا.

 وقد يكون السفر مسنونا اذا اذاكان للقرابة غير الواجبة كصلة الرحم لغير الوالدين وذوي القربى وقد يكون مسنونا ايضا اذا كان السفر للعلم الذي تحتاج اليه الامة وقد يكون هذا الواجب كفائيا أو قد يكون واجبا عينيا اذا تعين ذلك.

وقد يكون السفر والسياحة محرما شرعا اذا ارتكب الانسان في هذا السفر أو هذه السياحة أمراً غير مشروع من الزنا والفواحش، وكذلك من رؤية العرى أو السباحة في الشواطئ أو غير ذلك مما حرمه الله سبحانه وتعالى، حينما يتجرد البعض عن رقابة الأهل والمجتمع ينفلت وهذا الأمر خطير جدا، ولذلك التقوى أن تعبد الله في كل مكان كما كنت فيه، ولكن بعض الناس حينما يكونون في بلادنا يلتزمون بواجب الرقابة او عدم التمكن، وحينما تتاح لهم الفرصة يعيثون في الأرض فسادا، فهؤلاء لا يجوز لهم السفر لأنهم لو سافروا لوقعوا في المحرمات، والوسيلة الى المحرم محرمة، والوسائل تعتبر فيها النتائج وهي معتبرة بنتائجا ومقاصدها وغاياتها.

وكذلك السفر محرم اذا خفنا خوفا حقيقيا من وقوع أولادنا في المعاصي أو الفواحش، فحينئد يجب علينا من باب سد الذرائع ان نمتنع من هذا السفر وبفضل الله سبحانه وتعالى أن هناك أماكن للسفر تستطيع الانسان أن يتفسح فيها دون أن يقع في منكر، واليوم هناك اماكن جيدة في ماليزيا وفي تونس اليوم فقد خصصوا أماكن لا بأس بها للسائح الذي يريد أن يحافظ على نفسه وعلى عرضه، وستأتي الايام بمزيد من هذه المشروعات، ونحن طلبنا دائما من دولتنا الفتية ومن دولنا الخليجية أن تولي هذه العناية للسياحة الداخلية المشروعة، فلدينا أماكن جميلة جدا في السعودية وعمان وغيرها.

وكذلك لو استطاع الانسان ان يسافر الى بلاد أخرى ولكنه يضبط أولاده ويضبط أهله وهو يكون معهم فلا مانع من ذلك ايضا ولكن بهذا الشرط الاساسي أن لا يترتب على هذه السياحة فساد وإفساد لأنفسنا أو لأولادنا.

هذه ما امرنا الله به من المسؤولية التي ان نراها اليوم يسيرا ولكن عندما تقفون أمام الله سبحانه وتعالى فردا فردا ترون هذه المسؤولية كبيرة ونندم حينئذ ولات ساعة المندم. فلا بد أن نحمي اولادنا من هذه المفسدة، بل نحول هذه الفراغ الى طاقة من خلال هذا البرنامج المتوازن سواء كان هذا البرنامج لأبنائنا وبناتنا عندما يبقون هنا أو اذا سافروا ا، ويجب ان يكون هذا التخطيط بقناعة من الجميع وهذا هو الاساس، فلا يجوز للوالد أن يفرض الأمور على الاولاد أمرا عسكريا، وانما عن تشاور وهذا ما قاله ربا العالمين (عن تراض منهما وتشاور) ويجب ان يتشاور الزوج مع زوجته، وأن يتشاور مع الاولاد حتى يكون الأمر شوريا ومحل اتفاق بين الجميع في هذين الأمرين الخطيرين ولجعل هذه العطلة عطلة خير وبركة

الخطبة الثانية

نتحدث في الخطبة الثانية عن أوضاع امتنا بعدما تحدثنا عن واجبنا نحو أولادنا وأهلنا ولاسيما في سوريا وفي مصر الحبيبة

اما في سوريا يقوم النظام بجرائمه البشعة ضد الانسانية التي يندى لها جبين الانسانية، وحينما يرى الانسان بعض هذه الصور يهتز قلبه وتهتز مشاعره وتلين جلوده، وتتسائل كيف لهذا النظام الاجرامي أن يفعل هكذا بهؤلاء الاطفال والنساء الذي لم يشهد العالم مثله الا قليلا، هذا النظام الجائر، الحاقد الذي يريد ان يبقى بأي ثمن كان، حتى لو كان الثمن كل الشعب، ولو كان الثمن قتل الشعب، قتل الاطفال والنساء، ويستعمل هذا النظام الاجرامي كل الاسلحة الفتاكة التي يأخذها من روسيا، التي كانت ايضا تفتك بالبلاد والعباد، وتغيرت الصفة الرسمية ولكن الطبيعة والمعالم لم تتغير، ورغم مناشدة الجميع والعالم كله ضد هذا العمل وإن لم يكن حقيقيا فظاهرياً، والا لو قف العالم الغربي والأمريكي وقفة حقيقية لما حدث ما حدث، ولكنهم يتظاهرون ونحن نرضى مع الاسف الشديد بهذا التظاهر، ولو حدث عُشر ما حدث في سوريا في بلد مسيحي أو يهودي لقام العالم كله أجمع ولعارضوا هذا النظام الذي فعل ما فعل، وانظر ماذا فعلوا بالسودان لأنهم لم يرضوا بذلك وكيف صدر القرارات بجعل رئيس السودان مجرم حرب مع أنه لم يحدث في السودان – رغم حدوث اشياء كبيرة لا ننكرها – ما حدث في سوريا، ولم يصدر حتى الآن أي قرار بجعل الرئيس السوري من مجرمي الحرب.

القضية اذا مؤامرة دولية من جانب، ولكن نحن المسلمين ولا سيما منطمة التعاون الاسلامي وجامعة الدول العربية تتحملان مسؤولية كبيرة امام الله سبحانه وتعالى لأنهما لم تتحركا التحرك المطلوب ولم تقوما بتفعيل القضية، كما ان المسلمين جميعا حكاما ومحكومين يتحملون جزءا كبيرا من هذه المأساة الخطيرة التي تقع في ارض الشام، الارض المباركة. ولذلك املنا بالله – كما هم يقولون ليس لنا إلا الله- ونحن معهم بالدعاء والتضرع الى الله سبحانه وتعالى.

أما الامر الثاني المقلق فهو ما يحدث في مصر، وهو أمر مقلق جدا، وأننا نخاف ومع خوفنا نتضرع الى الله سبحانه وتعالى أن يحمي مصر مما يراد لها من فوضى خلاقة، ومن إعادة مأساة جزائر الى مصر، ففي جزائر فاز فيها الاسلاميون بنسبة كبيرة ولكن فرنسا والعسكر منعوا ذلك ونتيجة لذلك قتل من الشباب فقط حسب إحصائية الدولة أكثر من 250000 شاب، الذين كانوا يمكن أن يكونوا وقودا للنهضة والتنمية، بالاضافة الى مليارت الدولارات، والفساد وعودة العسكر، وكما يقال يا أبا زيد كأنك ما غزيت، ولكنني أخاف لا سامح الله اذا انفلت الأمر في مصر، فالأمر في مصر أخطر بكثير مما هو في جزائر بسبب الكثافة السكانية، وبقربه من اليهود والصهاينة، والموقع الجغرافي الخطير لمصر ولدوره وقوته .

وقد صبر اخواننا كثيرا، صبروا على إلغاء مجلس الشعب من المحكمة الدستورية، التي لم تصدر من 60 سنة قرار بحل برلمان، مع ان شأنهم هو ان يصدروا فتوى على المسائل هل هو دستوري أم لا . ومن ثم جاءت الدستور المكمل، ويأخذون بحكمه سلطات الرئيس، ويعينون من شاءوا ومنهم رئيس الديوان.

وهل من المعقول أن الشعب الذي تظاهر ب 13 مليون في آخر تظاهرة ضد مبارك ويختار رجلا شارك في قتل المتظاهرين جهارا ونهارا في معركة الجمل حينما كا ن رئيسا للوزراء؟ 

ومع ذلك صبر الشباب، والان قد أخروا نتائج الانتخابات وقد قال اردوغان ان تأخير نتائج الانتخابات يعتبر غشا وخيانة لأنه لا يجوز التأخير قانونيا.

ومن هنا ندعوا ونناشد العقلاء من المجلس العسكري ان يتقوا اله في شعب مصر ونناشدهم ان يعملوا العقل والحكمة وان يعيدوا الامور حسبما يريده الشعب لحمياة الشعب ولإعادة الاستقرار